بغداديات / الشعر والفكاهة في ترويج البضاعة...

                                   

الحكم والأقوال المأثورة التي يراد حفظها، وذيوعها٬ توضع في قالب شعري، لكي تستقر في الذاكرة.

                                            

العرب- إسماعيل الجاسم:الإعلان لعب دورا مؤثرا في الترويج للبضائع وكان مصدر نمو لفن التصميم والطباعة..

كنتُ عزمت على الحديث عن دور الدعاية والإعلان في ترويج المنتجات المختلفة في العراق، في الفترة الماضية٬ ولكنني وجدت أن للعراقيين وعياً عميقاً لدور الإعلان هذا٬ وليس أدلَ علی ذلك من كثرة الإعلانات التي كانت تأخذ أبعاداً مختلفة٬ كالصور والرسوم الكاريكاتيرية التي كانت تحفل بها الصحف والمجلات٬ خصوصاً تلك التي تندرج ضمن الصحافة النقدية٬ مثل مجلة “قرندل” و”جفجير البلد” و”قزموز” وغيرها٬ إضافة إلی الصحافة الجادة. فكانت أغلب هذه الإعلانات تستعين بالصور والرسوم إضافة إلی النصوص٬ ونذكر جيداً رسوم الفنان غازي عبد الله، والفنان حميد المحل، وغيرهما.

                        

إن دور الإعلان، في مختلف صوره وأساليبه، بارز ومؤثر في ترويج البضاعة المعلن عنها، كما أنه كان مصدر نمو لفن التصميم والطباعة، وكان العديد من المعلنين يستعينون بما يشبه مكاتب الإعلان٬ والتي يقوم بها الخطاطون ومكاتب الزنكوغراف والأختام وغيرهم. إضافة إلی تعدد المكاتب الخاصة بالدعاية والإعلان.

لقد تعمدت صرف النظر عن دور الإعلان في المجالات السياسية٬ لكونه معروفاً٬ ولدی أكثرنا العديد من الأمثلة عن ذلك منذ أن نشأ الإعلان إلی يومنا هذا. كما أن الموضوع واسع وطويل٬ ولا أشك في أن الكثيرين علی علم به.

   

أغان وهوسات

وددت الإشارة إلی نقطة أخری٬ ربما تكون جديدة٬ وهي علاقة الإعلان بالشعر والأغاني والهوسات والطرائف. ومعلوم أن للشعر حضورا في الذاكرة الجماعية ، أعني ذاكرة المجتمع التي تحوّل لنا قولنا: “مهما كثرت المنازل التي ننزلها في حياتنا٬ يظل الحنين دائما لأول تلك المنازل”.

فهذا كلام منثور٬ لا موسيقی فيه ولا إيقاع٬ ولكنه ذو معنی جميل، نحبُ أن نتذكره، ولكن خلوه من الموسيقی لا يشجع الذاكرة علی الاحتفاظ به. وإذا أعدنا صياغته شعراً موزوناً، سترحب به الذاكرة٬ وسيكون جميلاً أن نقول ونردد قول الشاعر: “كم منزل في الأرض يألفه الفتی/وحنينه أبداً لأول منزل”. فأصبح كلاما ترتاح إليه الأذن وتستقبله الذاكرة، وقد تحتفظ به: وذلك بفضل الإيقاع والموسيقی، اللذين يقوم عليهما الشعر. ولذلك كانت الحكم والأقوال المأثورة التي يراد حفظها، وذيوعها٬ توضع في قالب شعري، لكي تستقر في الذاكرة.

                                                             
حق الجار

ويمكننا أن نأتي بأمثلة لا تنتهي علی ذلك، مثل قولنا:

يا جيراننا لنا عليكم حقوق معروفة بين الجيران” وهو نثر لا يستقر في الذاكرة٬ ولكننا إذا قلنا: “جيرانكم يهل الدار/والجار حقه عالجار”، فإنه يثبت في الذاكرة ولا يغادرها.

إذن فالشعر الموزون من العوامل المساعدة علی الحفظ٬ وإنعاش الذاكرة٬ وهو مما التفت إليه الناس منذ القدم. وقد استفاد أرباب المهن والصناعات المختلفة من هذه الخاصية الشعرية٬ فراحوا يستثمرونها في الدعاية لترويج بضائعهم٬ سواء ما كان منها علی هيئة نصوص أو أغان أو رسوم. وتحفل كتب الأدب بنماذج غزيرة من هذه الممارسة، ولو أردنا متابعتها لتعذر علينا ذلك٬ ولكنني سأقتطف لكم شيئاً مما حفظته٬ ومما ساهم فيه أخوة شعراء، كان لي معهم الكثير من الطرائف.

                                                      

أحذية دجلة

نشر صاحب معمل أحذية دجلة الأبيات الشعرية التالية والفائزة بالجائزة الأولی بعد إعلانه عن المسابقة الشعرية، ترويجاً لمنتوجه من الأحذية:

محبوبي مثل الگمر ومن الگمر أحلا/والساق صبة حسن سبحان لمكمّله/عندي هدية إلو بس لايكه لمثله/يا ريت يمي يجي وآخذ گدر رجله/وأشريله زوج أحذية من أحذية دجلة”.

                       

باجة إسماعيل الشهيرة

كان لمطعم باجة إسماعيل إعلان في الصحف يحمل هذين البيتين مع رسوم كاريكاتيرية للفنان غازي عبدالله:

هاتِ يسماعيل هاتِ/تره انفكَت/مشتهاتي/باجتك طيبه ولذيذة/ولسه لذته بلهاتي”.

وضع صاحب مطعم مناقيش في لبنان٬ لافتة علی واجهة دكانه (مطعمه) فيها هذا البيت: “بتأكل عدنا المناقيش/بتعمّر وبصحة تعيش”.

وضع صاحب حلويات البحصلي في ساحة البرج بيتين من شعر أحمد شوقي داخل معرضه هي:

قل للذي جاب البلاد مفتشاً/عن خير مشروب وأطيب مأكل/إثنان حدث بالحلاوة عنهما/ثغر الحبيب وطعم حلو البحصلي”.

ولا يقتصر اهتمام المنتجين في مختلف المجالات علی ما نطّلع عليه في الإعلام العربي، وإنما نستطيع أن نجد هذا التوجه في مختلف البلدان واللغات، مثلما هو موجود في مطارات إنكلترا ومواقع الإعلانات الأخرى كالصحف والباصات وسيارات الأجرة وغيرها. وإليكم بعض الأمثلة:

(1): Buy before fly

(2): You shop we drop

(3): Put the it in fit

(4): Have your say 24 hours a day

(5): from the Store to the door


    

وقد انتشر داخل حافلات مصلحة نقل الركاب في بغداد الإعلان التالي: ساعد الجابي/بأصغر نقد كافي.

               

سيكارة غازي

كانت شركة طباره وعبود المنتجة لسكاير غازي تضع داخل علبة السكاير ورقه من شعر الرصافي تقول: “دخن سكارة غازي/في وقفة واجتيازِ/وجازِ نُصحي بشكرٍ/إن كنتَ ممن يجازي”.

                 

نشر وكيل ساعات فلكا في العراق الموال (نوع من الشعر الشعبي العراقي) التالي ترويجاً لساعاته:

أيدور بيّ الفلك وأجري أنا بفلكه/چني غريج أبحر شحت عليّ فلكه/حوريه مثل الگمر ذبّت عليّ فلكه/أجري وراها وچن السير سرها/أتگلي المسافة ولو طالت بعد سرها /باليسره تومي إلي وبيها عرفت سرها/عالرسغ ساعة شفت موديلها فلكاً”.

رقائق الألمنيوم

كما وضع معمل شرائط الألمنيوم العراقي داخل علبة رقائق الألمنيوم بيت البوذية (نوع من الشعر الشعبي العراقي) التالية:

صرت مثل الركز بالماي بلمه/عليل وحاير بعلته والمه/تره أكل اليجي ملفوف بالما/بالك جاي من مكسيم إليه”/ ومكسيم هو مطعم فاخر.
    
                    

                                         

          

                              

الإعلان ليس جديدا

قل للمليحة: لعل من أمتع ما قرأناه بهذ الشأن حكاية الشاعر مسكين الدارمي٬ وهي أن لمسكين صديقاً تاجراً يبيع الأقمشة٬ كان قد استورد كمية كبيرة من القماش الأسود الذي يستعمل للخُمُر (جمع خمار)، ولكن السوق عاكسه فلم يبع منه شيئاً. فجاء إلی مسكين يشكو إليه كساد السوق٬ فما كان من مسكين إلا أن يكتب هذه الأبيات ويعطيها لإحدى الجواري لتغنيها وهي:

 

قل للمليحة في الخمار الأسود/ماذا فعلت بزاهد متعبد/قد كان شمر للصلاة ثيابه/حتى خطرت له بباب المسجد/ردي عليه صلاته وصيامه/لا تقتليه بحق دين محمد”.

ما إن سمعت الفتيات هذه الأبيات حتى تهافتن علی شراء القماش الذي نفد من يومه، وعلی عكس ذلك يتحدث الشاعر المصري أبو الحسين الجزار، قبل ثلاثة قرون، حين كان قصاباً بعدما هجر الشعر قائلاً:

كيف لا أشكرُ القصابةَ/ما عشت حياتي وأترك الآدابا/ وبها كانت الكلاب ترجّيني/ وبالشعر كنت أرجو الكلابا”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

784 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع