اتفاقات الجبهة الوطنية تنفرط بين الحكومة وأحزاب اليسار، أواخر السبعينات، تبدأ الحكومة حملتها للاعتقال، لا تفرق في وقعها بين المتدينيين والعلمانيين، وبين أهل الرأي وأصحاب السوابق. يقف الملازم فلاح يوم استلام كتاب تسريحه ضابطا مجندا وسط المحتفلين بالتسريح في ملهىً ليلياَ يحتضن دجلة بشاطئه الجميل، معلنا عدم بقاءه في العراق:
- سوف لن أبقى في العراق، يوما آخرا، سأترك كل شيء، سأهاجر الى بلد أعيش فيه حياتي الخاصة، بعيدا عن الحرمان والتهديد بالموت البطيء. بلدٌ أفعل فيه ما أشاء دون رقيب.
يضحك البعض، عندما حسب القول المعلن هذيانات سكر لآخر الليل، أعتادها السيد فلاح في الامسيات التي يحتسي فيها خمرا، تزيد كميته عن حدود المألوف.
اليوم الثاني مليء بالاحداث، طلاق الزوجة بدايته، واخفاء الخمسة آلاف دولار التي حصل عليها من بيع الدار التي ورثها عن أبيه في جيب سري بالشنطة التي حملها، كانت هي النهاية، ليجد نفسه عصرا في مرآب السيارات التي تقصد العاصمة عمان، مشغول بفكرة الهجرة الى بلاد الاحلام.
عمان تعج بالعراقيين الساعين الى وداع العراق، وبالمهربين اللذين يحققون حلم الوداع، يصلها في اليوم الثاني، وقبل أن يضع متاعه في الفندق القريب من ساحة الهاشميين، قصد مكتبا لحجز التذاكر، يسأل عن أول طائرة تغادر عمان الى الدار البيضاء.
المغرب محطته الاولى، لم يعرفها المهاجرون العراقيون بعد. أرضها ومحالها ومزارعها ومصانعها لم تسجل لاحد منهم بعد. مكناس المحطة الثانية، مدينة جميلة، أهلها طيبون، غالبيتهم فقراء بدخل محدود، يرحبون بضيفهم العراقي، يشيدون بحضارة العراق، يدخلونه وسطهم، شخص قريب، يقبلونه مدرسا للتاريخ في الثانوية المسيرية للبنات.
السنة الدراسية
السنة الدراسية قاربت على الانتهاء، يفتح شقته فصلا دراسيا للتقوية وأعطاء الدروس الخصوصية، يتسامح في الاجور، الأهم من الاجور شكل الطالبة وعمرها وما تقدمه من حب رخيص. الدرس الاخير من نصيب فهيمة المراهقة الشرسة بنت الخامسة عشر. يبقيها وحدها. يحاول اغرائها بمنحها الدرجة الكاملة في الامتحان، تبتعد عنه خطوة.
يقدم لها سوارا من الذهب الخالص، تبتعد عنه خطوتين.
يمسكها من ذراعها يحاول تقبيلها، تصده بنفس القوة، هي نحيفة، غضة، وهو شاب مربوع.
يوقعها على السرير، يربط يديها بحبل على أعمدة السرير، وكذلك ساقيها في القسم السفلي من السرير، يكمم فماً لم يسكت توسلا بشريط لاصق.
يُعريِها تماما، تستمر في المقاومة.
يراقبها من قريب، مشهد فلم أباحي في أحد الصالات الخاصة.
وهنت، نشفت دموعها من كثر البكاء، أقتربت من فقدان الوعي. يهجم عليها وحشا كاسرا، يقضي حاجته، ينتظر انقطاع نزف الدم، يفك أسرها، يضع مائة دولار على جسدها المغتصب، يجلس في الزاوية يراقبها حتى أفاقت من صدمتها. خرجت نصف عارية تمسك خيبتها، مرعوبة تتقاذفها الافكار، لا تعرف ماذا تفعل وما هو المصير، قادتها سيقانها المتورمة الى والدتها، شكت مدرسها، بكت طفلة تتوسل الغفران.
تصرخ الوالدة بؤسا، تمزق ثوبها حياءاً، تصطحبها كما هي الى مركز الشرطة في الحي القديم، تقيم دعوى أغتصاب قاصر بالقوة من عراقي غريب.
تصدر المحكمة أمر أستدعاء، لم يجده المبلغ في العنوان، ترك المغرب، وصل أمريكا طالبا اللجوء، حجته قوية، ضابط هرب من حرب وقعت توا مع ايران، يحصل على اللجوء، تحكمه المحكمة المغربية غيابيا بعشر سنين سجن مع الاشغال.
أمريكا أو الحياة في أمريكا لا تعجبه، يتركها مع اشارات في سجله عن غوايات أطفال، تستمر الشرطة في تهيأة الادلة لموضوعها قبل تقديمه الى المحكمة شخص مدان . يصل كندا، لم تطول اقامته فيها لنفس الاسباب. يقصد اسبانيا هذه المرة، يتزوج اسبانية، يعمل مدرسا جامعيا للتاريخ، يحصل على الجنسية الاسبانية، فرصة لتغيير اسمه الى دانيال، وفرصة سانحة للعودة الى المغرب بتاريخ جديد لا يعرفه المغاربة، ولا يعيره الاسبان أي اهتمام.
صيف عام 1991 حار نسبيا في طليطلة التي يسكنها مع زوجة تكبره عشر سنين، يتركها هناك ويتجه الى المغرب وفي ذاكرته أيام قضاها مدرسا للفتيات المراهقات. الحظ لم يكن مواتيا في العودة هذه المرة، فحرس الحدود ورجال الامن في بوابة سبتة من الجهة المغربية أستنفروا لاسباب تتعلق باعدام مدير الامن العام وأضطراب الوضع بسبب الاعدام، باتوا يدقوقون في تفتيش المارة والسيارات.
يصل السيد دانيال في سيارته الخاصة الى البوابة، يخضع للتفتيش على غير العادة، يأمرونه بالتوقف على جنب والنزول منها امتثالا للقانون، فآلة تصوير كانت بصحبته تحوي لقطات جنسية مفضوحة لاطفال قاصرين. يتحجج بعائديتها الى صديق، أستعارها منه قبل السفر بقليل. لم تنفع حجته، فالقرار متروك الى المحكمة التي حكمته سجنا لمدة شهر مع وقف التنفيذ. الحكم بسيط لا يعني شيئا لمثله سفاحا، خاض تجارب تستحق الاعدام، يستمتع بعطلته على الساحل المغربي الجميل، وقبل انتهاء الشهر بايام، تقام عليه دعوى أغتصاب طفل صغير، يحصل على حكم نافذ على شخصه الاصلي فلاح الغضبان، عشرين عاما أخرى. يهرب قبل وصوله السجن، يساعده أصدقاء في أجتياز بوابة سبتة، ومنها الى طليطلة حيث يقيم.
يغيب عن المغرب طويلا، يتذكرها يوم تقاعد عام 2005، لا يمكن أن ينساها، هي بلاد الاحلام، يعود اليها، يقصد القنيطرة بعيدا عن مكناس، يشتري شقتين، وثالثة في مورسيا الساحلية الاسبانية. الشقة التي يسكنها في القنيطرة، يجاورها مغربي وقور في الاربعين من العمر، أرتبط مع السيد دانيال بعلاقة صداقة، أطمئن له، بات يدخله الى بيته، يسهران سوية أيام السبت، ومن جانبه يترك السيد دانيال مفاتيح شقته عند هذا الجار في حالات السفر الى الخارج لمتابعة وضع الشقة، وسقي الزرع الذي ينتشر في أوعية جميلة باركانها الاربعة.
السفاح والرذيلة
السفاح، لن يثنيه حكم عن معاودة الرذيلة، ولا يؤخر تقادم العمر أرتكابها، يلقى القبض عليه متلبسا هذه المرة، ينشط القضاء المغربي بخطوات التحقيق، ويستنفر الادعاء العام جل امكانياته لتوفير الادلة. يتصل دانيال بالجار العزيز، يطلب منه التوجه فورا الى الشقة، واخراج كيس فيه أقراص مدمجة، لابد من اتلافها جميعا في الحال. يرتاب الجار من هذا الطلب الغريب، يخرجها بالفعل وبدلا من أن يتلفها في الحال، دفعه الفضول الى الاطلاع عليها في الحال أيضا. بهت، أهتزت مشاعره، من عرض القرص الأول، فالبطل صديقه دانيال والضحايا مجموعة أطفال أصغرهم لم يتجاوز الثلاث سنوات، وأكبرهم لم يزد عن العشرة، يمارس الجنس معهم بشكل مفضوح.
الفضول أقوى من الدهشة ومن مشاعر الأسى التي سيطرت على الجار المغربي، يدفعه الى اكمال العرض. العرض مستمر، يتحول البهتان والدهشة في الدقائق الاولى الى صعقة تيار كهربائي يسري في الجسم الواهن لهذا الجار. يوقفه بسرعة، يستحي من نفسه، يشمئز، يمسح عينيه ليستوضح الحقيقة أو بالأحرى ليتأكد من هوية الضحية، لا يصدق رؤياه، يتمنى أن يكون ما يراه حلما أو وهما من أوهام الحياة. لم يعد يفرق بين الوهم والحقيقة أو بين الحلم والواقع، وليتأكد من هذا التناقض في المشاعر والاحاسيس، أعاد تشغيل القرص ثانية، فتأكد أن الضحية، ابنه الصغير عصام آخر العنقود. خرجت من فمه المفتوح غصة ثقيلة، سكت تماما، كمن أصيب بفقدان النطق. سار بهدوء صوب ستارة تغطي شباك الصالة. فتحها، تنفس بعمق، تطلع الى السماء، كأنه يشكو حاله، نزلت دموع أحس حرارتها على خديه. لملم شتات حاله، أخذ كل الاقراص، أتجه الى الشرطة، بلغَّ عن سفاح الاطفال.
المحكمة لا تهتم الى جنسيته الاسبانية والى الاسم الموجود في الجواز، تضعه في القفص طيرا مبتلا لم يعد قادر على الطيران. تجلب الاباء شهود اثبات بينهم الجار، اللذي تبرأ من جيرته، معترفا أمام المحكمة وباقي الشهود أن السفاح أوهمه بترك المسيحية وعالمها الماجن، ليعيش في المغرب مسلماً وسط الايمان.
الحاكم ينطق بالحكم سجنا مع الاشغال الشاقة ثلاثين عاما.
تمر السنة الاولى، السجين الاسباني، أو العراقي الهارب الى بلاد الاحلام، على حاله سفاحا بين جدران السجن. يقترب من رضوان الشاب المحكوم بقضية مخدرات، يضاجعه في السجن، يخطب أخته رسميا، يختلي بها خلوة شرعية يوفرها حراس السجن طوال زيارتها للاخ المسجون لقاء ثمن مدفوع. تنتهي السنة الثانية، يَسرُ الجالسين معه في الزنزانه، أنه سيخرج عندما يزور الملك الاسباني بلاد المغرب، يزورها فعلا، يُدرج اسمه مع قائمة أعدت لسجناء أسبان غالبيتهم من أصول مغربية محكومون لقضايا تهريب الحشيش، طلب الملك خوان كارلوس من مضيّفهِ العفو عنهم.
الملك المغربي يحقق رغبة الملك الاسباني، فأصدر عفوا عن الجميع.
يصفق نزلاء السجن لصديقهم دانيال، لحظة خروجه مزهوا بعفو ملكي نادر الحدوث. يترك أرض الاحلام، عائدا الى اسبانيا أرض الاجداد. يُنشر الخبر في وسائل الاعلام، يقرأه الجار الذي لم يشف من علته بعد، يخرج الى الشارع حافيا، ينادي ببطلان العفو عن السفاح، يتبعه شباب مغاربة، تكبر التظاهرة، تتلقفها أجهزة الاعلام، تدعمها منظمات مدنية لرعاية الطفولة، ينادي الجميع ببطلان العفو.
يعتذر الملك الشاب عن خطأ في الترتيب، يلغى العفو.
تعاد المحاكمة في اسبانيا هذه المرة.
يسأل المحقق من أنت؟.
قبل التصريح بالاجابة، صاح واحد من الشهود، لا تحسبوه عراقي، ولا تحسبون فعلته المشينة على أهل العراق. انه سفاح مجنون.
5/9/2013
998 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع