(( مبدعون من بلادي)) حوار الصراحة مع الكاتب والأديب المصري المعروف حاتم سلامة
*أحب كتبي التي ألفتها (حكايات عاشق الكتابة) وهو مقرون بسيرتي الذاتية وسيرة كثير من المؤلفين والأدباء.
*وأنا أعد كتاب (رحلة التكوين ) كان للقلم النسائي نصيب كبير من الابداع وقد أبدعن أكثر من أقلام الأدباء الرجال !
*تعجبني كثيرا مقولة مانديلا: (حافظ على كرامتك حتى لو كلفك الأمر أن تصبح صديقا لجدران زنزانتك)
حاوره / أحمد الحاج
- ماذا تقرأ بطاقتك الشخصية ؟
** الاسم (حاتم إبراهيم سلامة) مواليد ١٩٧٨م بقرية سنجرج مركز منوف، وهي قرية ريفية من قرى محافظة المنوفية، تعلمت في صغري بكتاتيب القرية، ثم حصلت على الشهادة الابتدائية فيها، وانتقلت إلى الالتحاق بالتعليم الأزهري حتى حصلت على الليسانس في الدعوة والثقافة الإسلامية.. ونشأت وترعرعت في ربوع قريتنا، بين أسرة تتكون من أربعة إخوة وأبوين، نلنا جميعا تعليما عاليا، وكان أبي متعلما مثقفا، غرس فينا التطلع للقراءة والمعرفة، وكثيرا ما كنت أشاهده يقرأ، ويتناقش في الأدب والفكر والقضايا السياسية، وكان لهذا أثر بالغ في توجيهي.. أما أمي فهي ربة منزل قامت على رعايتنا وتربيتنا، ولم تنل حظا من التعليم، فلم يكن في ذلك الوقت تحفيز كبير يدفع الأسر لتعليم الفتيات، لكنها من بيت كريم الأصل عالي الحسب والنسب، فجدها كان عمدة القرية، وعائلتها هي أكبر العائلات فيها.. وكان جدي لأمي موظفا حكوميا، وشخصية لها اعتبارها وقيمتها في قريتنا.
لم أكن مجتهدا في بداية دراستي، وأخفقت في بعض السنوات الدراسية، وكان ذلك يلهم والدي بأنني لن أنفع في مسيرة التعليم، وكان يبحث لي عن مهنة وحرفة أتعلمها لتكون سندي في الحياة، وبعد الصبر والمحايلات تخطيت المرحلة الثانوية، وتخصصت في علوم الدين والدعوة، وبدأت مواهبي الفكرية والأدبية تتفتق، ومن الغريب أنني مع تعثري الدراسي، كنت أحب القراءة وأجمع الكتب، وأهوى الكتب الثقافية عن الكتب المدرسية، وكان والدي يستنكر ذلك، ويحثني على العناية بكتب الدراسة، ليتشكل مستقبلي أولا وبعدها أقرأ ما أريد، لكن هذه القراءات وجدت أكلها في مرحلة الجامعة وما بعدها، ولعلها الأرضية الصلبة التي شكلت وجودي المعرفي اليوم.
س 2: " القراءة ..المجد الذي أضعناه " ،عنوان أحد كتبك المهمة وانت القائل " لو أردت أن تنال من العظمة التي نالها مشاهير الكتاب وبلوغ الرتبة التي تصدروها، فما عليك إلا أن تحاكيهم في نهمهم القرائي، وعشقهم للكتب، وصحبهم للأوراق " ..فهل انت ممن يعتقد جازما بأنه وعلى قول الكاتب عزيز السيد جاسم" عندما يقف قلمك على السطر بلا حراك، فستدرك تقصيرك في القراءة ؟ " .
** نعم هذا ما قلته في كتاب (القراءة المجد الذي أضعناه) ، ولعله الكتاب الثاني عن القراءة بعد كتابي (اقرأ.. رسالة الوحي الأولى) وهذا من شدة اهتمامي وتأكيدي على القراءة ونفعها للفرد والمجتمع، وليس للكاتب فقط، فهي أساس النهوض والتفوق الحضاري، لأية أمة تريد أن تثبت وجودها وتؤكد كيانها، وبدونها لا تقوم للأمم قائمة، لأن القراءة تعني العلم والثقافة، وبدونهما ينتشر الجهل والخرافة التي تتسبب في ضعف العقول والشعوب.
وقد عنيت بهذا المعنى فعلا حينما وجدت كثيرا من الكتاب يعتقدون أن الكتابة موهبة في النفس، لا دخل لها أحيانا بالاكتساب، وهو ما سار ويسير عليه كثير من الكتاب الناشئين، الذين يعتمدون على خواطرهم النفسية وخلجاتهم الوجدانية فيما يكتبون، فأحببت أن أذكرهم بهذا النقص الرهيب الذي فرضوه على أنفسهم، والحلقة الكبيرة الغائبة في تكوين الأديب الحقيقي.. وأن الكاتب الكبير ما هو إلا قارئ كبير.
وأنت لو نظرت معي إلى أي كاتب كثير الإنتاج دائم الحصور، فلن تجده إلا بارعا مجيدا، وباحثا مجتهدا، لأنه يؤمن ببساطة، أن القراءة وقود الكتابة، كما أن الكاتب الحقيقي الذي يعشق القلم والكتابة، لا يمكن أن يبتعد عنها وينتظر الوحي كي يمن عليه بفكرة يكتبها، وإنما لابد له أن يسعد أو يذهب إلى هذا الوحي ذاته، ولن يكون ذلك إلا بالقراءة.
وأنا واحد من هؤلاء، كلما جدب معين أفكاري، أسارع للقراءة حتى تنجلي العقدة وتزول السدة.
س 3 : وماذا عن كتبك المهمة الأخرى، حبذا لو أوجزتها لنا مع نبذة عن كل كتاب، ولاسيما تلك التي شاركت بها في معارض الكتب المحلية والعربية .
** كتبي والحمد لله كثيرة وإنتاجي موفور بفضل الله ومنته علي، فقد تخطت العشرين كتابا، وإذا تحدثت عن كل كتاب فسوف يطول الحديث، لكنني أحدثك عن آخرها وهو كتاب يطبع الآن وسوف يشارك في المعارض القادمة بإذن الله وهو تحت عنوان (تعلمت من هؤلاء) وقد ضم نخبة من الأدباء الكبار القدامى وأبرزهم كالرافعي والعقاد وطه حسين ومحمد فريد وجدي وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وغيرهم، وقد حاولت في هذا الكتاب أن أعكس للقراء، بعض جوانب العظمة في حياتهم الشخصية وسلوكهم الإنساني، فكما نعتبرهم عباقرة في ميدان الأدب والفكر، أردت أن أثبت عبقريتهم كذلك في المعاني الإنسانية، وما أردت بهذا إلا أن أوجه رسالة لكل المثقفين بأن المثقف هو المتحضر، وأن الثقافة ترتقي أول ما ترتقي بسلوك الإنسان ونظرته وتعامله مع الحياة والأحياء، وأن الثقافة لا تنفصل بشيء عن الأخلاق والسلوك والقيم.. ومن خلال هذا الكتاب أحببت أن أقول: إن الكتاب ما هو إلا فكرة قيمة إذا وردت للذهن سهل بعدها تأليف الكتاب، فالفكرة هي التي تفتح الطريق للتأليف وتعين عليه، شريطة أن تكون فكرة جديدة وملهمة وغير مقلدة، أو حتى مقلدة لكنها أتت بالجديد المهمل والمخبوء، ولعل هذا الكتاب الجديد يحمل هذا المعنى، ومن أطرف ما قابلني فيه اختيار عنوانه، فأنا أعلم أن هناك كتاب معروف للرائد سلامة موسى تحت عنوان (هؤلاء علموني) يتناول فيه فلاسفة ومفكري الغرب، فتحيرت ماذا أسمي كتابي؟ وقمت بعكس الجملة لتكون تعلمت من هؤلاء، وبحثت هنا وهناك حذرا من أن يكون العنوان متشابها مع كتاب مؤلف من المؤلفين لكنني لم أجد ، فأطلقت عليه هذه التسمية التي سعدت بها كثيرا لأنها تعبر مباشرة عن المضمون، فأنا أخشى كثيرا لو تشابه عنوان كتابي مع أحدهم، فأشعر ساعتها أنني سرقت كتابي كله منه وليس العنوان فقط، حتى ولو كان المضمون متغيرا.. ولا يوجد أي عيب لو أنك سرت على فكرة من كان قبلك شريطة أن تقدم الجديد بأسلوبك ومعلوماتك، لتثبت حضورك ولمساتك، ولعله نفس ما حدث مع كتابي (العمائم الثائرة) ، لكن لا ضير هنا أن ألمح لك لبعض كتبي التي شاركت بها في المعارض وكان منها (خفايا التاريخ ) ذلك الكتاب الذي يصحح للقراء كثيرا من المعلومات التاريخية الخاطئة التي استقرت في الأذهان بفعل التشويه والجهل، فقام هذا الكتاب ليصحح كثيرا من هذه المفاهيم المغلوطة ويضع الحق في نصابة، وقد لاقى الكتاب قبولا واستحسانا لدى القراء، كما يأتي كتاب ( دهاليز الكتابة ) وهو كتاب مهم في موضوعه، يقدم روشتات دقيقة ومهمة لمن أراد أن يكون كاتبا وأديبا، ماذا يفعل وكيف يسير؟ وهناك إقبال كبير على هذا الكتاب لأهمية موضوعه، كما أنه مكتوب بنمط أدبي وليس على طريقة كتب التنمية البشرية، حتى يكون زادا للمثقفين والأدباء، تقرأه كل الشرائح فتستفيد منه، ولا يقف أمره على طبقة الكتاب فقط.
س 4 : أحب كتبك التي ألفتها الى قبلك ولماذا ؟
** من أحب كتبي التي ألفتها هو كتاب( حكايات عاشق الكتابة) وهو كتاب مقرون بسيرتي الذاتية وسيرة كثير من المؤلفين والأدباء، تعكس كيف كان عشقهم للكتابة، كما يقدم نصائح غالية للكتاب تعمل وتقوم على تنمية حب الكتابة في مشاعرهم، ولعلي أقول: إن هذا الكتاب شديد التأثير على كل من يقرأه، ويكاد قارئه بعد قراءته يتمنى أن يكون كاتبا، كما أنه ينمي العقل بكثير من المعارف والمعلومات، ولا يغفل جوانب المتعة في عرضه، فمن يقرأه يخرج بحصيلة نافعة ومتعة حقيقية، ويمكن كذلك أن يدخل في باب التراجم التي تعد من أفيد المنافع الثقافية للمتعلم والمثقف.
س 5: رحلة التكوين في حياة الكتاب والمبدعين ، حلم تبلور الى كتاب جميل ضم بين دفتيه في جزئه الأول مقالات للعديد من الكتاب الواعدين والمخضرمين على سواء وكل واحد منهم يتحدث فيه عن بداياته الأولى ...ترى كيف إختمرت تلكم الفكرة في ذهنك وكيف نضجت لتتحول الى واقع حال ملموس وما هي رسالتها السامية، ورؤيتها الثاقبة ، وهدفها النبيل ؟
** كتاب رحلة التكوين، كان الدافع إليه وليد الصدفة حينما اقترح بعض أصدقائنا فكرة كتابة مقالات في باب معين، فاقترحت هذه الفكرة لأنها فعلا تستحق العناية والتسجيل، وتعد كل واحدة منها قصة حياة واقعية قد لا يعلمها القراء عن أي كاتب أو أديب يقرؤون له، وانصبت هذه الفكرة كلها على الأدباء الشبان والمحدثين، وبالفعل حدث أكثر مما توقعته من جمال الفكرة، فكل منهم حكى وبقلمه رحلة تكوينه الثقافي وكيف كان عشقه للقراءة صغيرا، فكان في قراءتها متعة كبيرة، تعكس التحديات والعقبات والملهمات في حياة كل كاتب، وكيف بدأت تلك اللحظة التي ارتبط فيها بالكتاب وتطورت معه حتى صار كاتبا له مؤلفات أو غيرهم ممن أهلته الكتابة ليكون مثقف واعيا، فيمكن لهذا الكتاب أن يكون تجارب حياتية من الدرجة الأولى في التكوين الثقافي، ويمكن أن يستلهم منه المربون كثيرا من معاني الترشيد والتوجيه في تكوين المواهب وتأصيل القدرات.. وقد حرصت أن أسلط الضوء على رحلة هؤلاء الكتاب المغمورين أو الذين هم في بداية الطريق، لنبرز رحلتهم التي ربما لم يقصوها من قبل ولا يعرف أحد عنهم أي شيء، مع أن فيها عبرة كبيرة، فكانت لونا من ألوان التشجيع والتحفيز لهم، وبمعاونة الكاتبة الأديبة غدة صلاح الدين، التي اقترحت أن تستمر الفكرة لتكون موسوعة كبيرة تضم مختلف الأدباء الموجودين على الساحة الأدبية، كما عاونني فيه الكاتب والأديب سعد السعدي ، والمثقفة الواعية مي السيد مكي ، في المراجعة اللغوية والإعداد لخروجه واستوائه، وقد لاقى حماسا كبيرا من كل الكتاب المشاركين وغيرهم.
س 6 : كثير من أصدقائك لايعلمون بأنك فنان موهوب في الرسم منذ الصغر الا أنك لم تعط هاتيك الموهبة من وقتك وجهدك ما أعطيته وتعطيه للكتابة والتأليف،حدثنا قليلا عن موهبتك الرديفة ،متى إكتشفتها ولماذا لم تعمل على صقلها وتنميتها بمرور الوقت ؟
** أما عن موهبة الفن فيمكن أن أقول لك إنها موهبة بالوراثة فأخوالي منهم عدد من الفنانين البارعين في الرسم والخط، وكذلك والدتي كانت حينما ترسم لنا موضوعات الرسم المدرسية كانت بارعة ومجيدة، وعن هذا خرجت متشبعا بحب الفن والرسم، الذي ظهرت بوادره عليَّ مبكرا، فكنت أرسم الشخصيات والمناظر الطبيعية وأقلد الخطوط العربية، حتى أنني التحقت بمدرسة الخطوط وكنت أحصل على المراكز الأولى فيها، لكنني لم أستمر فيها، فقد شغلتني كثير من التوجهات الأخرى، لكن موهبة الرسم والخط مازالت في إلى الان فما أن يطلب أحدهم مني رسم شيء حتى أتقنه، ويكون كثير الشبه به، وكذلك أولادي يعتمدون علي كثيرا في رسم موضوعاتهم المدرسية، وحتى زوجتي وهي معلمة تربية فنية تستعين بي كثيرا في رسم بعض الموضوعات، ولعلي أصدق بهذا من يقولون : إن الفنان يكون فنانا في كل شيء، وهو فعلا ما ألمسه في حياتي التي أتعامل مع كثير من مهماتها بنوع من الدقة والنباهة والاتقان، وتمييز الأفضل والأليق منها.. لكنني لم أواصل صقل الموهبة، لأني ولع الموهبة الأدبية والمعرفية قد أخذني وكان أكثر جذبا من أي ميول أخرى فالفن قد لا يخاطب كثيرا من الشرائح بقدر الثقافة التي تخاطب الجميع، أو لعل الفن لا تشعر أنه يصقل العقل وينمي الخبرات، ويشعر بالمتعة، بقدر ما تنميه أو تشعر به الثقافة والمعرفة.
س7 : بكلمتين لا اكثر ..ماذا يمثل لك هؤلاء وما هو رأيك فيهم "العقاد ، محمد الغزالي ، الرافعي ، احمد شوقي ، محمود محمد عمارة ، طه حسين ، الشعراوي، المنفلوطي ، علي الوردي ؟!" .
** العقاد: معجزة الفكر
الغزالي: الحب والعشق
الرافعي: المحارب الجسور
محمد عمارة : حصن الإسلام
شوقي: هبة الله للعربية
طه حسين: الإنسان والمشاكس
المنفلوطي: القديم المضيء
الوردي: عبقرية العراق
س 8: ماذا تشكل المرآة في حياتك ؟
** أحترم المرأة كثيرا وأؤمن بقدراتها، وأدرك أنها مظلومة كثيرا في عالمنا العربي، والمرأة لديها قدرات عظيمة ويمكن لها أن تفوق الرجل في كثير من المهمات، شريطة أن تراعي هذه المهمات أنوثتها وقدراتها حق القوامة، وإلا خرقت معالم الأنوثة وحدث لها ضرر كبير حتى ولو حققت كثيرا من النجاحات والانجازات الحياتية.
قدر لي مؤخرا أن أخوض التجربة لأقف على إبداعات المرأة وأنا أعد كتاب (رحلة التكوين ) فكان للقلم النسائي نصيب كبير من الابداع، بل إنهن أبدعن كثيرا أكثر من أقلام الأدباء الرجال، حقيقة كنت فرحا بهذا جدا، فبعضهن وصلت إلى حد العبقرية في العرض والأسلوب، وتعطينا رسالة مهمة بضرورة الاهتمام بالمرأة وحسن تكوينها العلمي والنفسي، لأنها يمكن أن تقدم الكثير والكثير.
س 9: لو لم تكن كاتبا ومؤلفا فماذا كنت تتمنى أن تكون ؟
** لو لم أكن كاتبا لتمنيت أن أكون عالما فقيها أو داعية للناس على المنابر والحق أنها أمنية لا أراها بعيدة عن الكتابة، فيمكن للكتابة أن تحقق بعض هذه المعاني.
س 10: شخصية تتمنى لقاءها ولم يتسن لك ذلك ؟
** الشخصية الحقيقية التي كنت أتمنى لقاءها هو الشيخ الغزالي رحمه الله، فهذا الرجل له كثير من الفضل علي في تكويني الوجداني والمعرفي بفضل كتبه وأسلوبه الفريد، وحزنت كثيرا يوم موته، وحينما زرت المدينة المنورة دلني أحدهم على مكان قبره فوقفت وترحمت عليه، وتدفقت في هذه اللحظة كثيرا من معاني الحب والوفاء له، وشعوري الكبير بالرباط الروحي بيني وبينه.
س 11: لمن تقرأ ؟
** أنا أحب القراءة للشيخ الغزالي وممن أثر في كذلك كتابات عبد الوهاب مطاوع، ود. مصطفى محمود وقد قرأت أكثر ما كتبوه، ولا أمل من الاستمتاع بأسلوبهم وأفكارهم وآدابهم.. كما أنني قد وجدت في نفسي طبيعة الاختلاف التي طرأت علي ميولي كلما تقدم بي الزمن فقد كنت أهوى القراءة الدينية بعمق في صغري وبحكم نشأتي، ثم مالت أكثر بعدما كبرت إلى القراءة الأدبية ، واليوم أجد الميل أكثر للكتب الفكرية، لكن يظل هؤلاء الثلاثة محببون إلى نفسي إلى هذا اللحظة مع اختلاف ميولي وتعدد وجهاتي لأنهم كتبوا أو جمعوا في مكتوباتهم هذه المسارات الثلاثة.
س12 : كتاب لاتمل قراءته ؟
** الكتاب الذي لا أمل من قراءته إنما هي كتب كثيرة لنفس الأشخاص الذين ذكرت حب القراءة لهم، فكل كتاب من هذه الكتب كلما تصفحته كان ذلك يعني أنني أستعيد مواقف سعيدة في حياتي، ومن الغريب أنني مع إعادة القراءة لها أكتشف أفكارا جديدة أكتب عنها وأستلهمها، وأتعجب كيف لم أفطن إليها من قبل؟!
س13 : شاعر تردد أبياته بإستمرار ؟
** كل شعر يحمل معاني العبرة والحكمة أردده وأتغنى به وأستشهد به في كتاباتي والروعة لم يختص بها شاعر بعينة إذ تجدها لدى كثير من الشعراء القدامى والمحدثين.
س14 : اللون المفضل لديك ولماذا ؟
** اللون المفضل لي ألوان كثيرة، ويختلف الميل إليها في مواطن متعددة.. ومن ألطف الالوان التي تحبها نفسي ويهواها فؤادي هي ألوان الكتب الصفراء القديمة، أجد في ذاتي تعظيما وحبا وإكبارا لها.
س15 : حكمة تؤمن بها ؟
** تعجبني كثيرا مقولة مانديلا: (حافظ على كرامتك حتى لو كلفك الأمر أن تصبح صديقا لجدران زنزانتك) وهي حكمة ألمسها في حياتي، فكثير من الناس حينما تختلط بهم، تجد منهم تصرفات ومواقف تحزن نفسك، وتدلل على عدم الحرص على نفوس الآخرين، ومن ثم كانت العزلة عنهم خير طريق لتجنب شرورهم، لأن الكاتب يحب دوما أن تكون نفسة هادئة بعيدة عن ما يعكر صفوها حتى يستطيع أن يكتب، خاصة من كان منهم يملك نفسا حساسة وشعورا مرهفا، لقد آمنت أن خير من يقترن بهم الإنسان ويصحبهم هم أولئك الذين يماثلونه في الفكر والتوجه والهوى، سترتاح معهم كثيرا ولن تجد منهم عناء لأنهم يشبهونك.
س 16 : بلد سافرت اليه ولديك ذكريات لا تنسى فيه ، وبلد تتمنى زيارته ولم تتوفر لك الفرصة لزيارته بعد ؟
** سافرت إلى العديد من بلدان العالم بحكم عملي الصحفي وخاصة بلدان قارة إفريقيا، وكم رأيت فيها من جمال الطبيعة ما لن أنساه أبدا أو رأيته في مكان آخر، ومما أزعجني فيها أن الغرب يغزوها غزوا كاملا بالمشاريع والاقتصاد والمعاملات والمصالح بينما نحن غافلون عنها وعن ثرواتها، أما البلد التي كنت أود زيارتها فهي تركيا والعراق، تركيا لمشاهدة مآثرها الإسلامية ، أما العراق فهي تعني للمصريين معاني كثيرة فهذه البلد له فضل كبير على مصر وشبابها ونهضتها، ونحب العراقيين أكثر من غيرهم، وفوق هذا هي عنوان الحضارة العربية، وفخر الأمة الإسلامية، وما زلت أتذكر أحاديث أحمد أمين ، وزكي مبارك عن العراق والعراقيين.
س 17 : شخصية تأثرت بها ؟
** الشخصية التي تأثرت بها هي شخصية الشيخ الغزالي رحمه الله، ولا شك أن هذا راجع لعاملين، الأول أسلوبه البديع الذي ملك علي جوانح نفسي، ثانيهما ما كان من حياة الشيخ العملية وجهاده في نصرة الإسلام والاهتمام والعناية بقضايا الأمة، فلم يكن الغزالي في نظري مجرد عالم دين لا يفقه إلا أمور الشريعة فقط، وإنما كان العالم البصير الذي ارتقى إلى رتب الزعماء والمصلحين والفلاسفة، وإدراكه العميق لمكامن الداء في حياتنا وتسليطه الضوء على كل المعاطب التي تعللت بها النفوس.
س 18 : كتاب ندمت على تأليفه قبل أوانه وكنت تتمنى لو أنه تأخر قليلا ليرى النور بعد إضافة المزيد من الآراء والمعلومات والافكار اليه ؟
** الكتب التي ألفتها وطبعتها في مقتبل حياتي، كانت تحتاج لبعض التريث والتهذيب، فبعضها كانت مادته كبيرة وكان يمكن فصله لكتابين، وكنت في بداية حياتي مولع بالجمع وحشد المعلومات، حتى إذا خرج الكتاب ربما يفوق ٣٥٠ او ٤٠٠ صفحة، وقد تبينت بعد هذا أنه خطأ، ويمكن للفكرة أن تصل بقليل من المعلومات المهمة والمركزة، لكن أكثر ما يضايقني للآن هو الأخطاء اللغوية، في بعض كتبي السابقة، فقد تم طباعة بعضها دون مراجعة، لكن هذه الكتب عموما كانت منذ زمن مضى وانتهى، ومن محاسنها أنها كانت البداية التي منها انطلقت وتطورت، وكان هناك شيئا غريبا أراه من محاسنها علي، فكلما ألفت كتابا، وجدت همة في نفسي وعزما متحمسا للعمل الذي يليه، وإلى الحين، لا يمر يوم ينتهي فيه كتاب، حتى أفكر في الذي يليه، وهو منهج حياتي أسير عليه، فلا يمكن أبدا أن أخلو من فكرة كتاب أعده، وأطرح فيه أفكاري ورؤاي.
نعم فالانتهاء من التأليف، من أقوى المحفزات على التأليف.
إن حياتي وعقلي إذا لم يفكرا في التأليف، فإن هذا يعني توقفي عن الحياة.
س19 : كيف تقضي وقت فراغك ؟
** أقضي وقتي عموما في القراءة والكتابة، والبحث عن أفكار جديدة، فلذلك الحنين الأول، وإذا مللت بحثت عن أي عمل أمارسه مما يتطلبه المنزل ولو كان في النجارة والسباكة والخياطة، فأنا أتقن هذه الأشياء وأمارسها كلما أصابني فتور، كنوع من التسلية.
س 20 : ماذا يمثل لك غروب الشمس وشروقها وما هو الوقت الذي تهبط عليك فيه اشراقات الكتابة فتجد قلمك يتحرك مدفوعا لا اردايا ليشرب ظلمة قبل أن يلفظ نورا ؟
** حينما يمر علي يوم بدون كتابة شيء، أضيق جدا وأشعر بحالة اكتئاب وأشعر أن العمر يمر مني دون الإفادة منه في شيء، واليوم الذي أكتب فيه، أشعر فيه بنفسي وكياني، وأنني قدمت شيئا مهما ثمينا لحياتي ووجودي.
س 21 : مالذي يضحكك ، ومالذي يبكيك ؟
** ربما هناك ما يضحكني وما يبكيني وأنا بهذا أشترك فيه مع كل البشر في كل مثل تلك المواقف العارضة الطبيعية في الحياة، لكن الغريب أن أجد في حياتي المضحك المبكي ، وأكثر الصور التي تجمع هذا التضاد حينما أجد شخصية نالت أرقى الدرجات العلمية ثم هي جاهلة وغير واعية ومتجردة من الحكمة والنظر والصواب.. والمصيبة أن تجد هذه الشخصية وقد أيقنت بما حصلت عليه من درجة علمية أنها أهل للتنظير والحكم والتقييم، ومن ثم ستأتي بالجهالات والمبهرات.
وقد أضحك منفردا من لحظة أبحث فيها عن معلومة وبعد عناء البحث والتنقيب أجدها، فساعتها تغمرني فرحة كبيرة، أما المبكي على انفراد فهو حينما أسعى إلى شرح حسن قصدي وسلامة نيتي في بعض التصرفات، ثم أراه لا يقتنع ويبحث في دهاليز أقوالي عن سقطة يلومني فيها، فهؤلاء الناس أدرك أن البعد عنهم غنيمة لكنهم لا شك يبكون المرء ويحزنونه لنفوسهم المنغلقة، حتى أنني حدثت أحدهم مؤخرا لأقول له، من المعروف أن العقول الكبيرة لا تجد عناء أن تبصر مدلولات الأمور وحقائق الأشخاص ولا يجد المرء معها عناء في إيصال المعنى المراد، لكنك تتعبني كثيرا لأنك لا تريد أن ترى مني شيئا محمودًا.
س 22: محطة غيرت هندسة حياتك ؟
** للمرء في حياته محطات كثيرة تغير مسار حياته، لكنني أشعر أن البداية التي غيرتني كثيرا هي تلك البداية التي التزمت فيها بالقراءة والكتابة، وتأتي ثورة 25 يناير التي شهدت انطلاقا كبيرا لقلمي، رغم أنني كنت أكتب قبلها ولكن ليس بالصورة الحرفية المرجوة، فمنذ هذه البداية شهد قلمي انطلاقة كبيرة ليحقق بالمعنى الحرفي معنى الكاتب.
س23 : امنية لم تتحقق بعد ؟
** ليست لي أمنية إلا أن أرى كتبي ومقالاتي قد قدمت شيئا طيبا يصلح النفوس ويهدي العقول، وحينما أجد أحدهم قد قرأ لي واستفاد وتعلم، أشعر بسعادة كبيرة ولا أطلب شيئا غير هذا في الحياة.
س 24 : كلمة أخيرة لقرائك ومحبيك في العراق ومصر وعموم الوطن العربي .
** العودة لمعين الدين وقيمه وتعاليمه، فهذه العودة تحقق لنا الكثير مما فقدناه في دوامة الحياة من القلق والتأخر والضياع والانحدار.
2239 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع