فيروس كورونا: قصص قصيرة يمكنك الاستمتاع بها في فترة الإغلاق

          

تمثل القصة القصيرة "نهاية الغيرة" لبروست، نذيرا بما ستكون عليه ملامح شخصية تشارلز سوان الشهيرة، التي جعلها الكاتب الفرنسي من بين الشخصيات الرئيسية في "البحث عن الزمن المفقود"

بي بي سي/كاث باوند:في ظل إجراءات الإغلاق المفروضة بسبب تفشي وباء فيروس كورونا، وإمكانية استمرار ذلك لشهور طويلة، يرى البعض أن الفترة الحالية تشكل فرصة ذهبية، لمطالعة أعمال أدبية مهمة، كتلك التي كتبها مؤلفون من طراز مارسيل بروست وجيمس جويس.

لكن كم عدد من سيتوفر لهم ما يكفي من الوقت والطاقة الذهنية، في غمار الوضع الذي نمر به الآن، ولاسيما أن الكثيرين منّا يجمع بين العمل من المنزل وأداء مهام رعاية الأطفال.

وعلى الرغم من ذلك، فقد حان الوقت لإيلاء الاهتمام للقصص القصيرة بكل أشكالها التي لا تعد ولا تحصى. فمطالعة قصة لا يزيد حجمها على 10 أو 20 صفحة، أمر يمكننا الالتزام بإنجازه، مقارنة بالشروع في قراءة بضع مئات من الصفحات.

ومن شأن نجاح المرء في تركيز انتباهه على واحدة من هذه القصص، تمكينه من أن يجعلها نقطة انطلاق ينتقل منها إلى قصة أخرى، وهكذا دواليك.

وإذا حزمت أمرك على تجربة هذا النوع الأدبي، فستجده زاخرا بما يروق لكل الأذواق والأمزجة؛ بدءا من أعمال الرواد الأوائل للقصة القصيرة مثل أنطون تشيكوف، وصولا إلى كتابات معاصرين مثل الأديبة الإنجليزية زادي سميث.


نتحدث هنا عن الأديب الروسي تشيكوف، الذي أدرك أن الحياة عشوائية وقاسية، يُقاسي فيها الطيبون وينجح فيها الكسالى من ذوي القدرات المتوسطة في كثير من الأحوال.

وقد نأى هذا الرجل بنفسه عن الحرص على السرد القصصي المزخرف، لصالح الاضطلاع بدور الريادة على صعيد استحداث لون أدبي جديد دون وجود نسق محدد له؛ وهو اللون الذي بدا واقعيا بشكل لا يحتمل.

وتغص أعمال تشيكوف بالفلاحين الجهلاء الذين يتسمون بالفظاظة، والمسؤولين المنتفخين بفعل شعورهم بفرط أهمية زائف، بجانب الزوجات المحبطات والأزواج ضعفاء الشخصية.

ورغم ذلك، فلم يكن الأديب الروسي من أصحاب النزعة الأخلاقية في الكتابة، ولم يكن صاحب رسالة في هذا الإطار. إذ حوّل قصصه ببساطة، إلى مرآة ترصد ببراعة صورة المجتمع الروسي الذي عاش فيه، ثم ترك قراءه كي يتوصلوا بأنفسهم إلى تصوراتهم الخاصة بناء على هذه الأعمال.

وقد سطّر تشيكوف قصصا مؤثرة على نحو استثنائي. ففي "القبلة" (1887)، يكتشف جندي أخرق مذاقا جديدا للحياة، عندما تقبله امرأة مجهولة في غرفة مظلمة؛ فقط ليغرق من جديد في لجة القنوط والكآبة، بمجرد أن اضطر لتقبل حقيقة، أن ذلك حدث لأنها حسبته شخصا آخر.

وإذا كنت بحاجة لقراءة ما يُذكرّك بأن "الحياة العادية" ليست في الواقع بهذا "الطابع العادي"
قد تجد بغيتك هنا في أعمال آليس مونرو، التي يُشار إليها عادة باعتبارها أفضل كاتب للقصص القصيرة لا يزال على قيد الحياة. وتكشف قصصها عن مدى جهلنا بطبيعة وسمات الشخصيات التي تظهر فيها، وكذلك بالغموض الذي يكتنف أسباب تصرف البشر على هذه الشاكلة أو تلك. ففي "حافة وينلوك" (2005)، نتابع حكاية طالبة جامعية تتخذ حياتها منعطفا غير متوقع، عندما تذهب في مساء يوم ما، لتناول العشاء مع حبيب شريكتها في الغرفة، الأكبر سنا منها بكثير. أما في "صمت" (2004) فيؤدي الاختفاء المفاجئ لإحدى شخصيات القصة، إلى إماطة اللثام تدريجيا عن ثغرات تشوب علاقة تبدو مثالية بين أم وابنتها.

أما الكاتبة إديث بيرلمان فقد ظلت لأربعة عقود كاملة بعيدة عن الأنظار، حتى أصدرت مجموعتها القصصية "الرؤية من خلال المجهر" (2011)، والتي شكلت نقطة تحول في مسيرتها، وأكسبتها إشادة متأخرة من النقاد والجمهور. وتكشف قصص بيرلمان النقاب عن تفاصيل الحياة المعقدة لأُناس يُفترض أنهم أشخاص عاديون، كانوا يعيشون في بقاع تتوزع وتتنوع ما بين لندن وروسيا القيصرية، خلال حملة القصف النازي للندن خلال الحرب العالمية الثانية.

وإذا كنت من محبي الأعمال الروائية التي يشوبها قدر ما من الغرابة
فهناك قصص الأديب آيزك باشفيز سينغر، التي تدور أحداثها بوجه عام في دول شرق أوروبا، في الفترة السابقة للحرب العالمية الثانية. وتموج أجواء هذه الأعمال بالشياطين والعفاريت، حقيقية كانت أو متخيلة، وتعج بمجموعة من الحمقى وغريبي الأطوار ذوي الطابع المُحبب في الوقت ذاته. وفي"تيبيل وشيطانها" (1979)، نتتبع حياة امرأة تقودها خدعة ما، للتواصل مع رجل متنكر في صورة شيطان، لتجد نفسها في نهاية المطاف مُغرمة به. أما "صديق لكافكا" (1970) فبدت أقرب إلى الواقعية بشكل أكبر، إذ تدور أحداثها حول ممثل سابق في أحد مسارح وارسو، ينهمك في إمتاع راوي القصة، بأن يروي له تفاصيل صداقته مع الكاتب التشيكي العظيم الراحل فرانز كافكا.

وإذا انتقلنا إلى الكاتبة البرازيلية كلاريسي ليسبكتور، سنجد أنها تحتفي في مجمل أعمالها بالجنون والشغف سواء بسواء. وفي قصتها "المرأة الأقصر في العالم" (1960)، نرى شخصية تُدعى "الزهرة الصغيرة"، وهي عبارة عن سيدة أفريقية مصابة بالتقزم، يبعث وجودها في النفس مجموعة من المشاعر غير الصحية على الإطلاق. أما موضوع قصتها "دجاجة" (1964) فتبدو أنها تحظى بحب عميق من جانب أسرة ما، حتى ينتهي بها الحال، وقد ذُبِحَت وأُكِلَت أيضا.

وإذا رغبت في قراءة عمل يثير قلقك دون أن تكون له صلة بأي وباء
تتسم الحكايات التي تُسطّرها الأديبة شيرلي جاكسون، بأنها تمزج دون عناء بين وصف أجواء رعب تقشعر لها الأبدان، والحديث عن تفاصيل عادية إلى درجة الابتذال. وتعد قصتها "اليانصيب" (1948)، التي تسرد فيها على نحو مشؤوم تفاصيل طقس سنوي تشهده بلدة أمريكية صغيرة ذات طابع شاعري في الظاهر، إحدى أيقونات القصة القصيرة في القرن العشرين، وأحد أكثر أعمال الرعب شهرة خلاله.

أما روالد دال؛ فرغم أن صيته ذاع بفضل كتبه المخصصة للأطفال، فقد كتب كذلك سلسلة من القصص الرائعة؛ القاتمة وجنائزية الطابع. وتُخلّف هذه الأعمال تأثيرات ربما لا تُنسى، مثل "بشرة"، التي قد يدفع تصفحها كل من رسم على جسده وشما مثيرا للانتباه، إلى إخفائه عن العيون.

لكن إذا كنت تنشد قصصا عن الأشباح، فلا يوجد من ينافس الكاتب إم آر. جيمس في هذا المضمار. ومن بين أعماله "صب حروف الأبجدية الرونية" (1911) التي تدور أحداثها حول باحث في المتحف البريطاني، تصيبه لعنة ما، بعد مراجعته كتابا أعده شخص يؤمن بالقوى الخارقة. وتشكل قراءة هذا العمل وصفة مضمونة، لبعث الرجفة في أوصالك من فرط الرعب.

وإذا أردت قراءة أعمال كلاسيكية، دون تكبد عناء مطالعة الكتب الضخمة ذات الطابع الممل منها
في مجموعته القصصية "متع وأيام" (1896)، استكشف مارسيل بروست الكثير من الموضوعات، التي سيعالجها في ما بعد في روايته الشهيرة "البحث عن الزمن المفقود" (1913 - 1927). فالشغف الشديد الذي يُفعم سطور قصة "نهاية الغيرة"، مثلا، يشكل نذيرا بهوس شخصية تشارلز سوان - في تلك الرواية الكلاسيكية - بفتاة الليل أوديت، وتمهيدا كذلك لمشاعر الهوس المماثلة، التي ستتملك راوي "البحث عن الزمن المفقود" حيال شخصية ألبرتين.

ولا يختلف ذلك عما ورد في محتويات مجموعته القصصية "ناس من دبلن" (1914)، والتي تشكل مدخلا يسهل فهمه واستيعاب مضامينه من جانب الكثير من القراء، لكتابات جويس. فبين ثنايا قصص هذه المجموعة، تظهر مجموعة من الشخصيات الأدبية التي لا تُنسى، والتي سيسند الكاتب إلى الكثير منها، أدوارا ثانوية في "البحث عن الزمن المفقود". ومن خلال هذه الشخصيات، يرسم بروست صورة نابضة للغاية بالحياة والحيوية لدبلن مطلع القرن العشرين.

وتضم قائمة عظماء الأدب العالمي الذين يمكننا الاستمتاع بقصصهم القصيرة، أسماء أخرى مثل توماس مان، ودي إتش لورانس، وفرجينيا وولف، وإف سكوت فيتزجيرالد.

وإذا كنت تفضل قراءة قصص قصيرة معاصرة
اختارت الكاتبة الإنجليزية زادي سميث اسم "الاتحاد الكبير" عنوانا لمجموعتها الأولى من القصص القصيرة، التي أصدرتها عام 2019. وعبر صفحات هذه المجموعة، تتألق الموهبة الأصيلة لسميث وتبرز دون عناء، عابرة حواجز الألوان الأدبية والحقب الزمنية. إذ تحتفي فيها الكاتبة بمختلف الأساليب الأدبية، من السريالية إلى المعاصرة الفاقعة. ففي "النهر الكسول" - مثلا - يثبت سكان المنطقة التي تحمل الاسم نفسه في القصة، أنهم عاجزون عن السباحة ضد تيار الحياة المعاصرة، ومواجهة اعتمادنا المفرط على وسائل التواصل الاجتماعي.

أما في القصة التي اختير اسمها للمجموعة بأكملها، نجد الراوي يلتقي أمه المتوفاة خارج مطعم صيني في أحد أحياء غرب لندن، لينخرطا في حديث متأمل يتناول الروابط الأسرية، ومغنية الجاز الأمريكية بيلي هوليداي كذلك!

ومن جهة أخرى، فإذا وجدت أن رواية "المرآة والضوء" لهيلاري مانتل عاطفية أكثر من اللازم، فبوسعك تلمس البراعة الأدبية الشديدة لهذه الكاتبة، عبر مطالعة قصصها القصيرة، من قبيل ما ورد منها في مجموعتيْ "اغتيال مارغريت ثاتشر" (2014) و"تَعَلُم كيفية الحديث" (2003).

وإذا كنت ممن لا يستطيعون إكمال ولو صفحة كاملة من أي قصة
رغم أن مصطلح "الرواية المصورة" يشير ضمنا إلى عمل أدبي طويل، فإن هذا اللون الأدبي يزخر كذلك بالكثير من المجموعات الشهيرة للقصص القصيرة. من بين الأسماء المعروفة في هذا الإطار، أدريان تومين، الذي يوصف بـ "آليس مونرو القصص المصورة". وتتضمن مجموعته "القتل والموت" (2015) ست قصص قصيرة، ذات طابع مُدمر من الناحية العاطفية، ومُستمدة من مجريات الحياة اليومية، وقد رُسِمَ كل منها بأسلوب فني مختلف.

ومن بين الكُتّاب الآخرين لهذا اللون الأدبي؛ غابرييل بيل التي تتنوع قصصها المصورة، بين أعمال تتناول سيرا ذاتية لبعض الشخصيات، وأخرى تتحدث فيها عن رحلات سريالية خيالية، مثلما نرى في "سيسل وجوردان في نيويورك" (2009)، التي تُحوّل فيها امرأة شابة نفسها، إلى كرسي لكي تتجنب أن تصبح مصدر إزعاج لمن حولها. وفي مجموعة "كاريكاتير" القصصية المصورة للكاتب دانييل كلاوز، نطالع تسع قصص، تصطبغ بطابع السخرية السوداء المريرة. يروي لنا الكاتب من خلالها وقائع حيوات تتخللها الهواجس ومشاعر الحنين الخيالي للوطن، وذكريات التجارب الفاشلة.

وإذا كنت تحتاج إلى قراءة قصص تطمئنك بأن كل شيء سيصبح على ما يرام في نهاية المطاف
توفر القصص التي كتبتها توفي يانسون على مدار عقود للبالغين، القدر نفسه من الراحة والطمأنينة؛ الذي يمكن أن يجده الأطفال في أعمالها المخصصة لهم، والتي صدرت باسم "كتب مومين". وقد اختيرت مجموعة من القصص التي سطرّتها خلال مسيرتها، للصدور عام 2006، ضمن مجموعة قصصية حملت اسم "كتاب الشتاء". وتجسدت في هذه المجموعة، كل السمات التي أكسبت يانسون شعبية بالغة، من قبيل الحكمة والسحر والدفء والحماسة والطابع الإنساني.

ففي "جبل الجليد والقارب وأنا"، يُمنح الأطفال الفرصة للفكاك من القيود قليلا، على نحو يكفيهم لأن يَخْبروا إحساسا مغويا بذواتهم. أما الشخصيات الأكبر سنا التي تظهر في هذه المجموعة القصصية، فتواجه تحديات تتراوح ما بين استقبال زوار غير مرغوب فيهم من ذوي الفراء، مثلما نرى في "السنجاب"، إلى التعامل مع مرحلة الشيخوخة التي يواجهها الكثيرون منّا لا محالة، في "أخذ عطلة" التي تنتمي إلى قصص السير الذاتية.

وعلى مختلف قصص هذه المجموعة، يهيمن إحساس لا يتزعزع، بأن الفرصة يمكن أن تسنح للمرء، حتى في أحلك الظروف، وأن قدرتنا على التكيف والتحمل ستفسح لنا المجال لتجاوز أي مآزق، والأهم من كل ذلك ربما، أن كل شيء سيصبح على ما يرام في نهاية المطاف، طالما بقي الحب والعطف واللطف في هذا العالم.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

988 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع