حوار في كتاب
بغداد / الگاردينيا - عبدالرضا غالي الخياط*
لعل من ابرز مهام النقد واشتراطاته تناوله للمنجز الأدبي، سواء كان رواية أم قصة أم شِعراً، قراءته بعين نافذة مبصرة، معرفاً بقيمته الإبداعية ومعطياته الفنية والجمالية، وذلك من خلال الكشف عن بنيته السردية والصورية والوقوف عند لغته التي كتبت بها.
ويأتي ذلك من خلال وظيفة الناقد الحاذق وقراءته للنص الأدبي، قراءة واعية ترتكز إلى منهج مُسلم به؛ فالنقد يساعد الأدباء على تحسين ابداعهم ويسهم بشكل فاعل في تطوير الأدب، ويرتقي بأذواق القراء على السواء. وللنقد أهمية كبيرة؛ لأنه يوجه دفة الإبداع، كما يساعده على التقدم والازدهار.
مثلما يعد مختبراً للتجريب وللاكتشافات الجديدة، بعد ان كان فيما مضى يخضع لأحكام صارمة تدخل فيها الذوقية والقواعد المعرفية الفرعية.
والكتاب الذي نحن بصدده الآن هو الإصدار الجديد للقاص والناقد يوسف عبود جويعد، الموسوم بعنوان( قراءات نقدية في الرواية العراقية الحديثة)، الصادر حديثاً عن دار الجواهري للنشر والتوزيع - بغداد - دمشق، بواقع (141) صفحة قطع متوسط، والذي يجمع بين دفتيه قراءات لتسع وعشرين رواية عراقية حديثة، تقترب من هامش الواقع المعاش الذي يختزن الوجع العراقي الصادم، بواقعه السياسي والاجتماعي والنفسي، تناولها بالدرس والتحليل كاشفاً مضامين المضمر في المتن السردي للروايات الآنفة الذكر كل على حدة.
حيث يقول المؤلف مبيناً منهجه النقدي في دراسته للروايات العينة المختارة (أنني وجدت المنهج الواحدي هو منهج لم يعد يفي بالغرض المطلوب، إذ ان هذه المناهج تظهر الجانب السلبي من النص الأدبي). وتهمل الجوانب المضيئة، مثل جمال النص، وروح النص، ووحدة النص، وإيقاع النص، ورؤية النص كاملاً، كما يذكر في تقديمه لهذه القراءات النقدية منهج موحد، يقوم على استخدام (الأدوات النقدية كلها حيث ما اقتضت الضرورة لذلك، دون ان يطغي منهجاً نقدياً على أخر)، وقد راعى في دراسته للروايات، موقف الروائي منها والغاية المتوخاة من كتابة الرواية. وقد أختار عينه لبعض الكتّاب العراقيين الكبار ممن لهم باع طويل في مجال السرد والقص، الذين خرجوا من إطار السرد التقليدي المتعارف عليه، إلى فضاءات أوسع مما كانت عليه الرواية العراقية سابقاً، متجاوزين الحداثة بعض الشيء ومجاورين لما بعدها، وكل ذلك جاء نتيجة المتغيرات الكبيرة التي انعكست أثارها على واقعنا المعاش، مع سعة المساحة للسارد اليوم وما يتمتع به من انفتاح على الفضاءات الأخرى وبكل حرية ويسر. فالروايات التي اختارها الناقد للقراءة تعبرعن تجربة خلاقة، كسبت القبول والنجاح من قبل النقاد والقراء على السواء. وهي تعبر عن موجة جديدة لما يسمى ب ( تيار الرواية العراقية الجديدة). ففي كل رواية تناولها الناقد يوسف عبود نجد لها خط سردي مستقل لوحده. كما نرى هنالك اختلافا مغايرا في الثيمات، والأحداث والحكايات. وقد قام الناقد بإظهار مواطن القوة والضعف، والمتانة والجمال في الروايات التي تطرق إليها في دراساته النقدية في ضوء المنهج الموحد. والذي بحسب ما نرى، ان صح التعبير، هو أقرب ما يكون منه إلى المنهج التوظيفي - التكاملي. ففي كل دراسة قدمها لرواية تقدم رؤية إبداعية تضاف إلى الروائي العراقي ومنجزه الإبداعي. وكثيرا ما نجد الناقد يوسف عبود مواكباً ومتابعاً للنشاط الأدبي وفعالياته الأسبوعية سواء في (نادي السرد) في اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق، أم في الجلسات السردية التي تقام في البيوتات الثقافية البغدادية. وأحيانا يفاجؤنا بتقديم قراءة نقدية لرواية حديثة، أو لمجموعة قصصية جديدة، أو لديوان شعر مازال للحظته أخضر، بعد خروجه من المطابع بشهر أو يزيد عن ذلك التاريخ قليلاً، ويأتي هذا من باب حرصه الشديد واهتمامه الكبير بالمنجز الأدبي. كل ذلك يقدمه بقراءات ومعالجات نقدية ترتقي إلى مستوى الوعي والإبداع في الاقتراب من روح المتن السردي والقصصي وبأسلوب واضح بعيداً عن التعقيدات والمماحكات اللفظية..
وبمناسبة صدور كتابه الجديد يسرنا أن نلتقيه في حوار.
* في كتابك النقدي الجديد تناولت قراءة تسع وعشرين رواية عراقية حديثة، ما القاسم المشترك بينها ؟
- القراءات النقدية التي كتبتها عن الرواية تفوق هذا العدد بكثير، إلا أنني اخترت ان يكون كتابي هذا يضم تسع وعشرين رواية لكي يكون اخف وزناً وأسرع قراءة، وستكون هنالك منشورات لقراءات جديدة عن الرواية وعن القصة وعن الشعر، إما القاسم المشترك في هذه الروايات لها مداخل عدة، منها أنها اشبه بالطيور التي كانت محجوزة في الأقفاص ثم كسر هذا الحاجز وانطلقت في سماء السرد، هنالك الكثير من الروايات التي تناولتها كانت من المسكوت عنها في وقتها بسبب الرقيب والسلطة القمعية، إلا ان الوقت قد حان لكي تكون هذه الكتابات حرة، ومنها سيرة ذاتية صيغت برواية، ومنها كتابات بلغة روحية، وكتابات بلغة شعرية، وأنها كتابات رصينة، وكتبت بأساليب فن صناعة الرواية الحديثة، كما أنها خرجت من القوالب التقليدية الثابتة الى حيث التجريب والتجديد، وأحسست أيضا بأن كتاب الرواية ملمين بهذا الجنس وحركة التطور التي حدثت في العالم العربي، والعالم برمته، فقد دخلت عوالم مختلفة، واكتشفت أساليب جديدة، وأنني استمتعت وأنا اسبر أغوار هذه العوالم السردية وأقوم بتحليلها، كما ان الروائي العراقي اخذ بنظر الاعتبار توفر جوانب أساسية في صناعته لفن الرواية، المتعة، التشوق، الاختزال، تشذيب الزوائد التي ترهل المسيرة السردية، بل ان بعض الروايات وصلت الى حد متابعتها بشغف حد انقطاع الأنفاس كما يصف، وقبل هذا كله فأنها أفكار مكبوتة ومسجونة داخل فكر كل أديب مبدع وقد سنحت له الفرصة بإفراغها، ان الروايات العراقية التي غزت المسيرة الادبية الابداعية لا تتشابه، بل أنها تشبه البصمة فليس هنالك بصمة تشبه الأخرى، عالم البحر، عالم الغربة، عالم السجون، عالم الموت، عالم الأحزان، عالم الذكريات، عالم النضال، حياة البلد من كل زواياه، روايات أسهمت بطرح الحياة من كل جوانبها، وأنا أقول بكل صراحة ومن دون مجاملة احد، ان الرواية العراقية الحديثة مميزة، وتدخل في آتون أهدافها الإنسانية من اقرب نقطة.
* ما الذي استنتجته واستخلصته من هذه القراءات ؟
- ما استنتجته هو خزين فكري كبير ظهر بعد ان فك الحصار عنه، وهي كتابات ناضجة وناجحة، وقد حصلت الكثير من الروايات التي ضمها كتابي على جوائز عربية، اذكر منها ( بوصلة القيامة) للروائي هيثم الشويلي الحاصلة على جائزة الشارقة الأولى، ورواية (آخرالنهايات) للروائي راسم قاسم التي حصلت على جائزة الطيب الصالح، ومنها ما رشح لجائزة البوكر، وهذا يدل على ان الروائي العراقي خبر فنون السرد وأبدع فيها، وأنها روايات تدخل ضمن عالم الحداثة، أنها كتابات فنية صيغت بخبرة ومعرفة وهي تنافس الروايات العالمية وليس العربية لان الروائي اكتسب خبرة من خلال مطالعته للروايات العالمية.
* في كل رواية عادةً ما يخضع بناء المكان، إلى إستراتيجية معينه، مما يعني أن لكل رواية تصورها الخاص للمكان، كيف وجدت إستراتيجية الروائي العراقي في خلقه للمكان ؟
- ان المكان ركن من أركان السرد في الرواية، فأن الروائي أولاه اهتمام واضح، كون اغلب الروايات هي تجارب شخصية وظفت بصيغة الرواية بمهارة، فنجد المكان يأخذ الحيز المطلوب كونه بنية أساسية من بناءها السردي، البنية المكانية وضعها الروائي العراقي في نصب عينيه وهو يقوم بكتابة الرواية، ولم اجد خلال تحليلي للروايات ان أي روائي قد أهمل هذا الجانب المهم.
* في متن الكتاب جاء قولك : أنني وجدت المنهج الواحدي هو منهج لم يعد يفي بالغرض المطلوب، إذ ان هذه المناهج تظهر الجانب السلبي من النص الأدبي )، وأيضاً ذهبت إلى القول (استخدام الأدوات النقدية كلها حيث ما اقتضت الضرورة لذلك، دون ان يطغي منهجاً نقدياً على أخر)، كيف تفسر ذلك ؟
- ان التحاليل والدراسات النقدية الحديثة تخطت النهج الواحدي مثل البنيوية، والتفكيكية، والخطاب الأدبي، والأسلوبية، ودخل النقد في طور التحديث، وان أخر الأساليب النقدية الجديدة تستخدم تلك الأدوات كلما اقتضت الحاجة دون استعراضها، أي ان الناقد الحديث يستخلص من النص الأدبي الإبداعي، نص أدبي إبداعي نقدي، يمتنه ويؤازره ويستخرج منه روح النص، وجماله، وخطابه النقدي، وخطابه الثقافي، ويتابع بقية التحليلات النقدية الأخرى، وبهذا يخرج النقد من النظرة الأكاديمية المقيته، والملل، الى حالة أخرى يستمتع المتلقي بمتابعتها، وقد حازت هذه التجربة رضا الجميع، حيث أنني قمت بنشر تلك الدراسات في الصحف العربية، وكانت تنشر بفترة قصيرة، مع اهتمام واضح بقراءتها والتمتع بها، إذ أنني قمت بنشر تلك الدراسات بأكثر من دولة عربية، السودان، مصر، اليمن، الكويت، قطر، لبنان، البحرين، الجزائر، عمان، ودول أخرى، كما أنني قمت بقراءتها بالجلسات الاحتفائية للروائي ولاقت رضا وقبول المحفل الأدبي، لأنني أحسست بأنني حلقة وصل لإيصال روح النص من الناحية النقدية للمتلقي، بينما حضرت جلسات لنقاد تناولوا المنهج الواحد ورأيت حالة الملل والتذمر من هذا المنهج لأنه يغبن الأديب المبدع ويخفي الكثير من الرؤية الفنية للمنجز الأدبي، وقد أصبح هذا النهج من الأساليب القديمة التي لا تخدم الحركة الادبية الحديثة، إذ ان المتلقي الاعتيادي يستطيع من خلال الرؤية النقدية ان يكتشف الأنساق المضمرة للمنجز الأدبي، وأوجه الجمال، وأساليب التناول المختلفة ولكن بلغة أدبية إبداعية.
*مدير مكتب الگاردينيا في بغداد
758 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع