جلال الدين الرومي بين عقلين

  

   كتاب يضيء جانبا أهملته الدراسات الغربية عن الرومي

 

 يبقى الإمام جلال الدين الرومي مصدر بحث دائم لما تزخر به تجربته من أبعاد متداخلة وتأثير عميق مازال ظاهرا إلى يومنا هذا في الفكر الإسلامي النيّر الذي أسس فيه لصوفية إسلامية هي أقرب إلى سراط العشق.

العرب/القاهرة- يتناول كتاب “مولانا جلال الدين الرومي في الهند” للباحث خالد محمد عبده أبعادا جديدة من حياة الرومي، منها الكشف عن كيفية تلقي مسلمي الهند لأعماله وأفكاره، وإضاءة جانب طالما أهملته الدراسات الغربية عن الرومي وهو وجود تاريخ وتقليد عربي بمولانا، وذلك من خلال رصده للأدبيات التي كتبت عنه.

يحقق الباحث المتخصص في دراسات الرومي في أعمال ثلاثة لأهم مفكري الهند المسلمين الذين لمسوا أثر الرومي فأعادوا تشكيل رؤيتهم إلى التصوف وإلى الجانب الروحي في الإسلام، وهم : شبلي النعماني، ومحمد إقبال، وأبو الحسن الندوي، وإذا كان العالم والمصلح شبلي النعماني (1857-1914) قد استشف من المثنوي المعنوي ما يجعله أحد أهم مصادر علم الكلام، فإن الشاعر والمفكر محمد إقبال (1877-1938) قد اعتبر الرومي مرشده الروحي و”أمير قافلة العشق”.

أما الجزء الأعظم من الكتاب، الصادر عن دار المحروسة، فيرصد ويحلل أثر الرومي في فكر الشيخ المصلح أبي الحسن علي الندوي (1914-1999) الذي قدم الرومي كمتكلم جديد. ويتتبع الباحث الكيفية التي أثرت بها أعمال الرومي في أفكار الندوي من خلال كتابات الأخير، مشيرا إلى أن هذا الطرح غاية في الأهمية في الوقت الراهن الذي تتعدد فيه أشكال الشد والجذب بين الإسلام الحركي المتشدد في نصوصيته وبين التصوف كعلم ومنهج حياة.
ويضيف “لعل أثر الرومي الإيجابي في فكر الندوي كأحد أهم رموز الإسلام الحركي الحديث يفكك لنا هذه الإشكالية بشكل يجعل التصوف بلا منازع أحد أهم الأركان الروحية للعقيدة والإيمان في الإسلام”.

يقول خالد محمد عبده إن جلال الدين الرومي عاش في وسط الأشاعرة ومدرستهم الفكرية، وكان قبل أن يقابل شمس الدين التبريزي أستاذا كبيرا وعالما جدليا، ولكن بعد ما جذبته الجاذبة الربانية، وانتقل من القيل والقال، إلى حقيقة الحال، ومن الخبر إلى النظر، ومن الألفاظ إلى المعاني، وبطل سحر المصطلحات والتعريفات التي يتبجح بها المنطق، ووصل إلى لب اللباب وغاية ما في الباب انكشفت له مواضع ضعف الفلسفة وعلم الكلام في فهم هذه الحقائق، ومواضع غلطهم في الاستدلال والقياس والاعتماد في تقريرها أو نفيها على العقل والحواس، وعرف أن بضاعتهم مزجاة في هذا الموضوع ومن هنا تناول علم الكلام والفلسفة بالنقد.

ويرى الباحث أن الرومي يعتقد أن هنالك عقلا إيمانيا هو نبراس ودليل لهذا العقل الجسماني، وهو مرشد هذا العقل “الجزئي المحدود” وقائده، يرشده ويبصره الطريق، كما أن العقل الجزئي المحدود ـ مرشد الجسم وقائده ـ يقضي حاجاته ويخدمه في أغراضه المادية، ويصح أن يسمى هذا العقل الإيماني “عقل العقل” لأن العقل يمشي بنوره ويبصر بعينه، “ولا يرزق هذا العقل الإيماني إلا المؤمن”.

ويلفت الباحث إلى أن الرومي في أسلوب “المثنوي” لم يقتصر على النقد الإجمالي للتفكير الفلسفي ومنهج علم الكلام وخضوعه الظاهر، ولم يقتصر على التنويه بالحواس الباطنة والاهتمام بالوجدان والروح، بل بحث في المباحث الكلامية ومعضلاتها بأسلوب طريف، وعرض مهمات مسائلها عرضا جميلا يقبله القلب ويستسيغه الذوق السليم، ويعتقد السامع والقارئ أنها شيء بدهي، وحقيقة من الحقائق المعلومة لا تعقد فيها ولا غموض، ولا جفاف فيها ولا عبوس، فالمسائل التي تتعب فيها الفلسفة كأنما تصعد في السماء وتقبض على الهواء، تتراءى في شعره كالماء الزلال، لذلك كان “المثنوي” العظيم مصدر إيمان جديد وإذعان مزيد في كل عصر.

وحول قضية العلة والمعلول يشير إلى فرق إسلامية كثيرة وقعت في مسألة الأسباب والعلل في إفراط وتفريط، فمذهب الحكماء أن العالم خاضع خضوعا تاما لسلسلة من العلة والمعلول، والمعلول لا يتخلف أبدا عن العلة، والمسبب لا ينفك حينا عن السبب، ويميل المعتزلة إلى هذا الرأي. أما الأشاعرة فيرى الباحث أنهم بالعكس من ذلك على طرف آخر، إذ يرون أنه لا شيء علة لشيء آخر، ولا خاصية في شيء ولا تأثير، وقد أضر هذا التطرف أيضا وأحدث فوضى. أما الشيخ جلال الدين الرومي فمذهبه وسط الطرفين، فهو يقرر أن الأسباب حقيقية وأن العلل والمعلولات والأسباب والمسببات مربوط بعضها ببعض، ليس من الإنصاف ولا من المعقول إنكارها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

700 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع