حوار في كتاب
بغداد / الگاردينيا - عبدالرضا غالي الخياط *
صدر حديثا للكاتب والإعلامي كريم خالد البهادلي، كتابه الثامن عن دارالوراق ببغداد، الموسوم بعنوان " أدَباء المَهجَر ورحلَة الأدَب العَربي المُعاِصر" ويقع ب(335) صفحة قطع وزيري، تناول فيه المؤلف بالبحث والدراسة 15 محوراً، وقد قسم المؤلف الدراسة إلى قسمين:
الأول تناول بالرصد والتحليل مفاهيم أدب المهجر الشمالي والجنوبي، بشكل مستفيض، وفي القسم الثاني عرض سير وتراجم أعلام أدب المهجر الشمالي والجنوبي، بمن فيهم جماعة الرابطة القلَمية والعُصبة الأندلسية الذين هم بحدود 35 شاعراً وأديباً؛ وفي هذه الدراسة تطرق المؤلف إلى ظاهرة الشعر العربي في المهجر والنهضة الأدبية التي أسهمت بها جماعة أدباء المهجر مع الإشارة إلى تبيان الاتجاهات الجديدة والعوامل الموضوعية التي أدت إلى خلق تلك النهضة الأدبية، مع عرض ودراسة بعض الآثار الأدبية عند أدباء المهجر، ومن ثم الوقوف عند مفهوم مصطلح " المهجر" نشأته وتطوره والنزعة الإنسانية التي تحلى بها أدباء المهجر، فضلاً عن دراسة البنية الدرامية والنزعة الروحية وبنيتها التأملية التي اتسمت بها جماعة المهجر. خلاصة القول فيما توصل إليه الكاتب من ان الأدب المهجري شكل يؤمذاك منعطفاً كبير في بنية القصيدة وشكلها، ما جعل من هذا الأدب بصورة عامة والشعر بخاصة في المهاجر الأمريكية يعد فصلاً فريداً في تاريخ الفكر العربي الحديث، حيث أكد كثير من المؤرخين إن ولادة أدب المهجر تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، وتعد " الأندلس " أسبانيا حاليا الحاضنة الحقيقة للجماعات القادمة من بعض الأقطار العربية مثل لبنان وسوريا، وحين الرجوع إلى تاريخ الشعر العربي الحديث يتضح لنا بكل تأكيد إن شعراء المهجر أسهموا بشكل فعال في إرساء قواعد النهضة الشعرية التي عرفها العالم العربي في مطلع القرن العشرين، اذا أتاحوا للشعر العربي الانفتاح على التجارب الريادية في الأدب والفن عند الغربيين، بعد ما عاش هولاء الأدباء تجارب مهمة على جميع المستويات وقد أتاحت لهم الفرص من ان يسهموا وعلى كل المستويات بروح تجديدية وان يضعوا هذه النهضة الشعرية في عالم عربي لايزال يعيش محنة التخلف والانحطاط ووبال الأمية والبؤس المدقع، فضلا على الاحتلال الأجنبي فقد تركوا أوطانهم في مرحلة مبكرة من حياتهم بسبب الظلم الاجتماعي والسياسي والديني وبسبب شظف العيش والبحث عن حياة أفضل. وقد جاءت المحاور التي عالجها الكتاب على النحو الآتي : أدباء المهجر ودورهم في تجديد الشعر العربي/ مظاهر التجديد في الشعر المهجري/ الأدب المهجري وأثره في حركة الحداثة/ شعراء المهجر والانشطار الروحي/ أدباء المهجر والحنين إلى الوطن/ النزعة الإنسانية في الأدب المهجري/ النزعة التأملية في الأدب المهجري/ الغزل في الشعر المهجري/ الرمزية والرومانتيكية في الشعر المهجري/ مفهوم الرمزية / مفهوم الرومانتيكية / البنية الدرامية في أدب المهجر/ أعلام الأدب المهجري- الرابطة القلُمية والعُصبة الأندلسية - سير وحياة وذكريات. وبمناسبة صدور كتابة الجديد ارتأينا أن نلتقيه في حوار بشأن بعض مضامين الكتاب.
*لماذا العودة إلى أدب المهجر، في زمن تجاوز المرحلة الرومانتيكية ؟
- عٌرِفَ عن الأدب العربي المهجري بأنه ظاهرة نشأت في الأمريكتين وأخذت تنمو وتترعرع منذ بواكير القرن العشرين، وأنتجت عددا من الأعمال الأدبية الجيدة لاسيما في مجال الشعر. ثم تواضع الباحثون والدارسون على تسمية هذا النتاج " أدب المهجر"، وهي تسمية تحتاج إلى دراسة لهذا الأدب العربي المهجري وإعادة النظر فيما قيل وقبل أن نبدأ في مناقشة ظاهرة هذا الأدب يِحسن بنا أن نقف عند أصحاب هذه الظاهرة اللامعين من الأدباء والشعراء، فهم لم يولدوا أدباء في هذا العالم الجديد، ولم يجعلهم العالم أدباء، لكنهم جاءوا إليه وهم على موهبة حقيقية صقلتها التجربة الطويلة في هذا المجال، هذه التجربة الشاقة وأمدتها بأفكار وموضوعات لم يألفوها من قبل، ويكفي أن نذكر إن بعضهم على الأقل كان قد نشر في وطنه كتابا أو كتابين قبل هجرته، كالشاعر إيليا أبو ماضي، الذي نشر ديوانه الأول في الإسكندرية عام 1911 م أو ميشال مغربي، الذي نشر ديوانه الأول أيضاً في حمص عام 1922م. كما إن أدبيات المهجر التي شاعت عندنا حتى صارت البديهيات نسبة غير دقيقة من عدة نواح، فهي قد تعني نوعا أدبيا له خصائصه الذاتية، وقد تعني إن الأدب الذي ينتج خارج الوطن يعد منفصلاَ عن الذي يكتب داخله وكلها في النهاية عناصر تفرق لا تجمع، وأدق من هذه التسمية ينبغي أن نقول الأدب العربي في العراق أو في مصر أو في سوريا وهكذا جريا على البلد. ثم هناك نقطة جديرة بالدراسة لم يتطرق إليها الدارسون في هذا الأدب كثيرا، وهي ان ظهور الصحافة العربية في الأمريكتين سبقت ظهور الأدب العربي فيهما وهذا أمر طبيعي بلا شك، فقد كان المهاجرين أشد حاجة إلى الصحافة من حاجتهم إلى الأدب، فقد صدرت أول صحيفة عربية في أمريكا الشمالية عام 1889 م وكان اسمها " كوكب أمريكة " ثم تلتها صحيفة " العصر" عام 1898م، كما وصدرت أول صحيفة عربية في أمريكا الجنوبية عام 1892 م وكان اسمها " الفيحاء " ثم تلتها صحيفة " الرقيب " عام 1896م.
* ما الذي يميز أدباء مهجر الشمال عن الجنوب ؟
- من المعرف إن الأدباء والشعراء الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية واستقروا فيها، كانوا أشد وأنشط تأثيرا وإن كانوا أقل صلة بوطنهم وقد عُرٍفَ منهم أمين الريحاني وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونسيب عريضة وعبد المسيح حداد وإيليا أبو ماضي الذين شكلوا الرابطة القلمية عام 1920 م مثلما أسس إيليا أبو ماضي مجلة" السمير" وأسس حداد مجلة " السائح "، وقد أستقر عدد كبير من أدباء المهجر في أمريكا الجنوبية في البرازيل، أبرزهم ميشال معلوف وحبيب مسعود وجورج حسون المعلوف ورشيد وأخيه قيصر الخوري وآخرون كثر، اذا شكلوا هولاء " العصبة الأندلسية " في سان باولو عام 1933م وكانوا ينشرون أعمالهم في مجلة " الأندلس الجديدة " التي أنشأها شكرالله الجر، ولاشك إن أُدبائنا في الأمريكتين، قد جمعت بينهم قضيتان أساسيتان هما، قضية الوطن، وقضية العروبة، وكانتا هاتان القضيتان على رأس أية قضايا أخرى ذاتية أو موضوعية، ولاشك إن هاتين القضيتين " الوطن والغربة " كانتا وراء ما أبدعهُ المهاجرين من شعر ونثر، ويمكن القول أن اسهام المهاجرين إلى أمريكا الشمالية تختلف عن اسهامات زملائهم المهاجرين إلى أمريكا الجنوبية، فقد ركز الشماليون جهودهم في النثر، وكان شعرهم يَميلُ إلى التجديد شكلا ومضمونا وثورة على القديم لأنهم هم الذين قادوا حركة التجديد في شعر المهاجر، وكانوا أسبق من الجنوبيين في الظهور، على حين كان هولاء أظهر في الشعر وأقل اعتداداً بالنثر، وإن شعرهم يميل إلى المحافظة على القيم ودعم الصِلات بين الشعر الجديد والشعر القديم لأنهم كانوا بين مهاجري أسبانيا في أمريكا الجنوبية وفيهم أدباء وشعراء يذكرون مجد العرب في الأندلس.
* ما الذي أضافه أدب المهجر إلى واقع الأدب العربي ؟
- التقت دعوات التجديد التي دفعها أدباء المهجر في الشمال الأمريكي بنظائرها في مصر أبان العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي وكان التجديد الذي ذهب إليه صاحبا الديوان " المازني " و" العقاد " وكذلك " مطران" ومدرسة أبوللو متفقين ما دعا إليه صاحب " الغربال " ميخائيل نعيمة في أمريكا الشمالية وزملاءه أعضاء الرابطة القلمية، وكذلك أعضاء العصبة الأندلسية في الجنوب، ولاسيما فيما يتعلق بالشعر، بل إن حصيلة التجديد الذي أحدثه مهاجروا الشمالية والجنوب في الشعر بخاصة كانت من المؤثرات البالغة الأهمية في كل حركات التجديد في الوطن العربي على اتساعها منذ بداية الثلاثينات حتى الخمسينات، وكانت القصص القصيرة التي كتبها ميخائيل نعيمة وجمعها فيما بعد في مجموعة " كان ما كان " من انضج القصص القصيرة في وقتها، زمن الحرب العالمية الأولى، وكذلك
الشاعر إيليا أبو ماضي والقروي وفرحات وآل معلوف من أغنى الشعر العربي الحديث تعبيرا عن الحنين والحب والوطن والدعوة لوحدته وتجميع صفوفه، ولعلّ جبران هو الأكثر هولاء جميعاً اليوم صلة بالأدب واللغات غير العربية، ومن خلال تجربته لكثير من أعماله الأدبية التي ترجمت إلى اللغة الأسبانية والبرتغالية مقصد للقراء غير العرب، كان ذلك هو ماضي الأدب العربي في الأمريكتين منذ بداية العشرينات حتى انتهاء عصره الذهبي نهاية الخمسينات حافلا بالعطاء الثر والإبداع المتميز لا من حيث الكم وإنما من حيث النوع أيضاً.
* ما الأسباب التي جعلت من الأدب العربي المهجري يتجه إلى الزوال ؟
- الأسباب كثيرة، ولكن بعد الخمسينات تعرض هذا الأدب لانهيارين كبيرين : الأول من أمريكا الشمالية حين زال الأدب العربي بعد وفاة أعضاء الرابطة القلمية في نيويورك وعودة ميخائيل نعيمة إلى بلده لبنان، ثم جاء الانهيار الآخر في أمريكا الجنوبية حين عاد إلى الوطن بعض اقطاب العصبة الأندلسية في البرازيل أمثال: القروي ونصير زيتون و إلياس فرحات والرابط الأدبية في الأرجنتين، أمثال: جورج صيدح، وكذلك حين توالى سقوط أقطابه الباقين في أمريكا الجنوبية أمام الموت اذا توفى إلياس فرحات وآل المعلوف ونعمة قازان وفليب لطف الله وميشال مغربي وغيرهم، وبهذه الأحداث انطوت صفحة جديدة في تاريخ أدبنا العربي المهجري وما تركوه ذلك هو حاضر الأدب العربي في الأمريكتين فقد تقلص نهائيا في أمريكا الشمالية واخذ في التدهور والانقراض في أمريكا الجنوبية ليترك بصمات مليئة بالانجازات تضاف إلى الموروث الثقافي العربي والعالمي..!
*مدير مكتب الگاردينيا في بغداد
413 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع