نعمة عزالدين- إرم نيوز:كتاب هام ومثير، للناقد الكبير صلاح فضل، جعل له عنوانًا طريفًا هو “أحفاد نجيب محفوظ”، إذ تتبع عبر صفحاته، الشجرة الإبداعية المحفوظية المباركة، بداية من سيرة الجد الأكبر، وعميد العائلة الكاتب الكبير، نجيب محفوظ، الذي ولد أوائل القرن الماضي، وتحديداً العام 1911، فكان أحد المؤسسين الكبار لتيار جديد في السرد العربي، متميزاً بغزارة الإنتاج، تاركاً ارثاً إبداعياً ضخمًا، لايقدر بثمن.
وجاء بعده الأبناء، وهم جيل الستينيات، الذي شغل الفضاء الإبداعي في العقود الأخيرة من القرن الماضي، أما الجيل الثالث الذين يعتبرهم فضل، أحفاد نجيب محفوظ، من التناسل الأدبي، لاختزانهم تجربته التقنية، فقد بدأوا النشر في التسعينيات، وتتراوح أعمارهم بين الثلاثين حتى الخمسين.
ويحلل ويرصد الناقد ، في هذا الكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، ما يزيد على 60 عملاً روائيًا، تنتسب لنحو 50 كاتبًا، صدرت أعمالهم خلال السنوات العشر الأخيرة، في إطلالة كاشفة وقراءة نقدية، ترصد تجارب متعددة ورؤى متباينة ومدارس شتى، بعضها ينحو للرمزية، وبعضها يجنح للخيال، وثالث عمل توثيقي وتاريخي، منها ما يعبر عن تجارب شخصية، ومنها ما يحاكي واقع الحياة الاجتماعية، وما تحفل به من نماذج بشرية متعددة، حيث وضع أعمال هؤلاء الرواة تحت مجهر النقد الأدبي تاركاً الباب موارباً للقارئ، ليطلق له العنان، لرصد ما بين سطور فكر هؤلاء الأحفاد وميولهم.
كما يكشف صلاح فضل، أن عنوان الكتاب “أحفاد محفوظ”، استوحاه من كتاب الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، “أحفاد شوقي” قائلاً: “ليس محفوظ بأقل من شوقي في كثرة النسل وخصوبته، ولما كنت قد نشرت من قبل كتابات نظرية عديدة عن مفهوم الأجيال وتحقيبها، أي توزيعها على حقب زمنية، فإن بوسعي تبرير ذلك جيدًا وإقناع الناشر والقارئ أيضًا به.
ويتوقف عند أهم الظواهر اللافتة في إبداع هذا الجيل من أحفاد نجيب محفوظ، ويسجلها في 3 نقاط: أولاً: مضى هذا الجيل بالرواية العربية إلى آفاق رحبة من التطور والخصوبة والثراء، حافظوا في الأغلب الأعم على الإطار السردي المستوعب للأشكال المستقرة والتقنيات الناضجة، وأطلق عليه هنا “الإطار الكلي” بدلاً من التسميات المجحفة مثل التقليدي والكلاسيكي، لأنه لا يقف في صلاحيته عند زمن معين أو مدرسة محدودة مثل الواقعية أو غيرها، وهو متجدد متنوع يتسع لأنواع محدودة من التجريب المحسوب.
ثانيا: تفرد من أبناء هذا الجيل عدد من الكتاب، الذين يتقنون في الأغلب لغة أجنبية عالمية، ويترجمون بها ويطلعون عبرها على التيارات الحداثية والتجريبية والطليعية في الرواية، فاستهواهم النوع الثاني من الإبداع الذي يشبع ما يسمى بـ “جماليات التخالف” أي تلك التي تسعى إلى توظيف تقنيات غير معهودة صادمة لعامة القراء، لكنها مثيرة للتأمل لدى المثقفين، المتخصصين والمستعدين بفطرتهم للتجريب، وفي مقدمة هؤلاء يقف الثلاثي الجميل طارق إمام وأحمد عبدالله وياسر عبدالحافظ، بجرأتهم المدهشة وإنجازاتهم اللافتة.
ثالثا: أما الظاهرة اللافتة الثالثة، فهي بروز عدد من شباب الكاتبات، تجاوزن القضايا النسوية التقليدية في كتاباتهن وتقدمن ليحكين قصة العالم من منظورهن وبلغتهن، طامحات في أن تشكلن هذه الرؤية، بغض النظر عن اختلافهن النوعي بطريقة مساوية ومنافسة ومتكافئة تمامًا، مع منظور الرجال الملتبسين بحلات البطريركية المزمنة، ولعل كتابات منصورة عز الدين ومي خالد وهالة البدري وأمل عفيفي تكون نموذجًا لهذا التيار.
يزخر الكتاب بتحليل نقدي وافٍ لعدد كبير من أعمال أهم أحفاد نجيب محفوظ وهو الكاتب الروائي محمد المنسي قنديل، فيختار من رواياته: “يوم غائم في البر الغربي”، و”أنا عشقت”، و”كتيبة سوداء”، كذلك الكاتب د. عمار علي حسن “شجرة العابد” و”وردة التحرير”، وللكاتب وجدي الكومي “الموت يشربها سادة” و”خنادق العذراوات”، ورواية “هدوء القتلة” لطارق إمام، و”خمارة المعبد” لبهاء عبدالمجيد، و”كتاب الأمان” لياسر عبدالحافظ وغيرهم.
ويواصل الناقد الكبير صلاح فضل بكتابه “أحفاد محفوظ”، مشروعه النقدي الضخم، الذي سعى به إلى مواكبة الإبداع السردي المتدفق من المحيط إلى الخليج، بداية من كتابه عن “أساليب السرد في الرواية العربية”، ثم “سرديات القرن الجديد”.
429 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع