تاريخ الصحافة العراقية في العهدين الملكي والجمهوري

   

تاريخ الصحافة العراقية في العهدين الملكي والجمهوري


            

                                           

                     مليح صالح شكر


صدر حديثاً عن الدار العربية للموسوعات في بيروت كتاب عن التاريخ السياسي للصحافة وعلاقتها بالحكومات العراقية المتعاقبة للفترة من عام 1932 وحتى تأميم الصحافة في كانون الأول عام 1967ن بعنوان( تاريخ الصحافة العراقية في العهدين الملكي والجمهوري).

 

ويحكي المؤلف الدكتور مليح صالح شكر الأحداث السياسية والصحفية من منظور جديد لم يسبق للمؤلفين العراقيين أن تعاملوا به، ويصحح الكثير من الامور التي غابت عن بال بعض المؤلفين ، أو تعمدوا تجاهلها.
ويقول المؤلف  في مقدمة كتابه:  
إن التاريخ السياسي للصحافة العراقية لم ينل العناية الكافية في الدراسات التي تناولت الصحافة في العراق حيث إقتصر بعضها على جانب محدد ولفترة معينة دون أن تشمل مسيرة هذا التاريخ منذ أن بدأ العراقيون في احتراف الصحافة بكل أنواعها، وقد دفعته تلك الإنتقائية إلى البحث في جميع جوانب الحياة الصحفية دون الاقتصار على هذه المسألة أو تلك، فجاءت دراسته لتبحث في كل ما تعاملت به الصحافة العراقية في المجال الوطني والمجال القومي.
ويؤكد الدكتور مليح صالح شكر إن مثل هذه المحاولة لدراسة التاريخ السياسي للصحافة العراقية ، الذي هو جزء من تاريخ العراق ، هي أول محاولة لدراسة هذا الجانب سواء كانت باللغة العربية أو باللغة الإنكليزية ، لأن غالبية الدراسات والبحوث السابقة في هذا المجال، اقتصرت على القضايا المحددة ، وأكثرها أكتفى بنشر قوائم بأسماء الصحف والمجلات ، وأسماء أصحابها ومحلات صدورها وتواريخها .
وفي هذا الكتاب الجديد ، يعرض المؤلف ، عدة مصادر موثوقة ، منها الأعداد الكبيرة جداً من الصحف والمجلات المحفوظة في المكتبة الوطنية ببغداد ، ومنها عدد لا بأس به من مقتنياته الخاصة ، التي ورث بعضها عن والده إبراهيم صالح شكر والتي ما تزال حتى اليوم في مكتبته الخاصة . وللوثائق الرسمية أهمية بالغة في إعداد هذه الدراسة ، وبعضها كان محفوظاً في مركز الوثائق العراقية ، بينما تفضل عدد من الشخصيات التي اتصل المؤلف  بها بتزويده بوثائق أخرى ذات قيمة تاريخية ، ولم يسبق لأحد ان نشرها ، أو إطلع عليها، لو جرى نشر نصوصها في  الظروف الحالية لسببت الاحراج للبعض.
وقام المؤلف بتقسيم دراسته إلى ثلاثة أبواب رئيسية، تضم أحد عشر فصلاً ، وكل باب يشكل بفصوله موضوعاً منفصلاً عن فترة تاريخية معينة ، لكنها ترتبط بما سبقها من ممارسات وإجراءات كانت الحكومات ترثها من الحكومات التي سبقتها .
ويقع الباب الأول في خمسة فصول ، يتناول الأول منها ، الصحافة العراقية تاريخياً منذ عام 1869 حين أصدر الوالي العثماني مدحت باشا  أول صحيفة عراقية سماها ( زوراء) ، ثم نتعرف على الأسلوب العثماني ومن بعده البريطاني ، والإدارة العراقية الأولى في التعامل  مع الصحافة ، والسيطرة على ما تنشره ، في وقت كان الاهتمام الأول للعراقيين هو الاستقلال التام للعراق . وفي الفصل الأول ، كذلك نستعرض علاقة الصحافة بثورة العشرين الوطنية ضد الاحتلال البريطاني .
وفي الفصل الثاني ، تبدأ هذه الدراسة في بحث التاريخ السياسي ، اعتباراً من 1932 حينما أصبح العراق عضواً في عصبة الأمم ، ثم تتابع تطورات الأحداث في ظل حكومة ياسين الهاشمي ، وظهور الصراع السياسي في العراق ، واتجاهاته المعروفة ، مثل جماعة الأهالي، والتيار القومي ، ودور الصحافة في الترويج لهذا الجناح من الحركة الوطنية ، أو الجناح الآخر ، وحتى آخر عقد الثلاثينيات ، واندلاع الحرب العالمية الثانية. وفي الفصل الثاني أيضاً وقائع الحياة الصحفية في ظل أول وزارة يشكلها نوري السعيد وممارساتها للسيطرة على الصحافة ، التي أصبحت قاعدة ثابتة لتعامل الدولة مع الصحافة لسنوات طويلة جداً ، وحتى وإن كان نوري السعيد خارج الحكومة.
ويبحث الفصل الثالث موضوعاً تجاهلته الدراسات السابقة، وأهملته،ربما لدوافع سياسية معروفة،  والمقصود هنا موضوع  الصحافة وثورة مايس 1941 ، مع استثناء وحيد هو البحث الذي أصدره خالد حبيب الراوي عام 1978. ومع أن هذا الفصل قد أحاط بالكثير من جوانب هذا الموضوع ، إلا أن المؤلف يؤكد وبثقة أنها المحاولة الأولى بهذا الخصوص، وإعتمد فيه على نصوص ما نشرته الصحف العراقية خلال الثورة، وعلى مقابلات واتصالات مع عدد من المعنيين الذين شاركوا فيها بشكل مباشر، ونشاطاتهم الصحفيه والإعلامية. ولأول مرة تطرح هذه الدراسة آراء الحركة الشيوعية السرية في العراق في ثورة مايس 1941 ، والتي اعتبرتها أول الأمر ثورة وطنية ضد الاستعمار البريطاني ، لكنها انقلبت بعد حين لتستخدم أوصافاً ،استخدمتها بريطانيا ضد الثورة.
ولأن تاريخ العراق بعد الحرب العالمية الثانية ممتلئ بالأحداث ، فقد خصص، الدكتور مليح  الفصل الرابع لهذه الفترة ، وتحدث بإسهاب عن الصحافة والأحزاب السياسية التي سمحت الحكومة لها بالعمل الرسمي بعد 1946 . وقد انعكست أحداثها بصورة حادة على حرية الصحافة ، وأفرطت الحكومات المتعاقبة في فرض الأحكام العرفية ، وفي القمع والتعطيل والمطاردة والمصادرة والمحاكمة ، وهي السمات التي امتازت بها حكومات أرشد العمري ومزاحم الباجه جي وصالح جبر، لكن قبضة صالح جبر لم تتمكن من مواصلة تعسفها ضد الشعب العراقي وصحافته الوطنية ، فأطاحت وثبة كانون عام  1948 بحكومته .
ويعالج هذا الفصل أيضاً علاقة العراقيين بالقضية الفلسطينية ، وأصدائها في الصحف العراقية عام 1948 وبشكل لم يتطرق إليه مؤرخو تاريخ الصحافة العراقية ، وكذلك الصراع على صفحات الصحف بين شخصيات وحركات وطنية عراقية .
ثم نطلع خلال الفترة التاريخية لهذا الفصل على الإجراءات التي اتخذتها حكومة نوري السعيد عام 1949 ضد الصحافة، فأوقع بين صفوفها خسائر فادحة ، وصفها المؤلف (بمذبحة الصحافة) ، وأطلق على موضوع آخر صفة ( انتفاضة الصحافة)  حينما أعلنت الصحف العراقية الإضراب العام ، واحتجبت عن الصدور، مع دعم عمال المطابع ، ونواب المعارضة في البرلمان . وبعد ذلك يستعرض أساليب القمع التي مارستها حكومة الفريق نور الدين محمود عام 1952، التي أغلقت الصحف بالجملة ، وحبست الصحفيين، وعطلت الأحزاب ، وقتلت المعارضين بالرصاص.
ومن الموضوعات الهامة في تاريخ الصحافة العراقية ، موضوع علاقة حكومتين شكلهما ، الدكتور فاضل الجمالي 1953-1954 مع الصحافة ، وهي الحكومة التي ضمت في صفوفها ولأول مرة في تاريخ العراق، صحفياً عراقياً محترفاً ، هو روفائيل بطي، صاحب صحيفة      ( البلاد) .وقد توصل المؤلف في هذا المجال إلى نتائج لم يسبقه إليها أحد من الباحثين ، الذين زعموا ان الصحافة تمتعت خلال عهد الجمالي ببعض الحرية، وإستطلع رأي الجمالي شخصياً لشرح تلك الأحداث، قبل إنتقاله الى رحمة الله ، وهو الرأي الذي يحتفظ المؤلف به بخط يد المرحوم الجمالي.
ويفحص الفصل الخامس ، محنة الصحافة عندما عاد نوري السعيد الى رئاسة الحكومة أواخر عام 1954 ، وإصداره لمرسوم المطبوعات الذي اعتبر أكثر تشريعات الصحافة سوءاً في تاريخ العراق، وإستمر نافذاً لسنوات حتى بعد قيام النظام الجمهوري عام 1958 .
ومن المعروف ان السعيد عاد الى رئاسة الحكومة عام 1954 بمشروع ربط العراق بالأحلاف العسكرية، فألغى بمراسيمه الصحافة والأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات ، ولم يبق أمام الحركة الوطنية سوى الصحافة السرية لأحزاب كافحت ضد حلف بغداد حتى سقوطه مع إلغاء النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري .
ويتحدث الفصل الخامس أيضاً عن الانتفاضة القومية في العراق عام 1956 للتضامن مع شعب مصر ومقاومته الباسلة للعدوان الثلاثي، ورد فعل الحكومة وإعلانها الأحكام العرفية لتمنع تضامن وتعاطف العراقيين مع أشقائهم العرب في مصر.
وخصص المؤلف موضوعاً منفرداً لأسلوب الحكومة في إدارة الأعلام، خلال العاميين الأخيرين من عمر النظام الملكي ، والذي كان آنذاك يسمى (الدعاية) . وهو الأسلوب الذي قد تطور من مجرد مكتب للمطبوعات مرتبط بوزارة الداخلية ، إلى محاولة حكومة الجمالي ربط شؤون الدعاية بمجلس الوزراء ، وحتى إنشاء وزارة الأنباء والتوجيه لأول مرة في تاريخ العراق في 17 نيسان 1958 ، قبل قيام النظام الجمهوري بثلاثة شهور، وكان برهان الدين باش أعيان أول وزير للإعلام في تاريخ العراق على الإطلاق. وهذه الحقائق التاريخية تفند ما يزعمه البعض من أن اول وزارة للإرشاد قد تم إستحداثها في حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم.
أما الباب الثاني، فيضم ثلاثة فصول ، هي السادس والسابع والثامن ، وكلها تدرس الصحافة وعلاقاتها مع الأنظمة السياسية التي جاءت إلى سدة الحكم خلال النظام الجمهوري، بعد ثورة 14 تموز 1958. ويناقش الفصل السادس بإسهاب ، دور الصحافة والصحفيين في الأحداث السياسية العاصفة التي شهدها العراق بعد إعلان النظام الجمهوري، ودخول الصراع السياسي بحدة إلى الصحافة، وآراء رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ، أول رئيس وزراء في النظام الجمهوري ، تجاه الصحافة ودورها وأساليب توجيهها والسيطرة عليها ، وكذلك التطورات التي عصفت بالصحافة ،ومنها اقتحام مقرات الصحف وحرق إداراتها ومكاتبها .
ولأول مرة يقوم باحث عراقي بإستعراض لحالة الصحافة تحت ما أصطلح على تسميته بالنفوذ الشيوعي في العراق عام 1959 ، والصحف التي كان مسموحاً لها بالصدور ، ثم تعامل صحف الأحزاب التي أجازتها الحكومة عام 1960 مع الأحداث ، وأخيراً معاناة الصحافة في العاميين الأخيرين لحكم عبد الكريم قاسم ، حين أصبحت الصحافة تحت رحمة إدارة عسكرية مباشرة.
ولأول مرة في تاريخ الصحافة العراقية ،يتناول الفصل السابع حالة الصحافة تحت حكم حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1963 ، والجهات الرسمية التي أدارت شؤون  والأعلام والصحافة ، ومصير الصحفيين الذين تعرضوا لقمع النظام الجديد ، واعتقلوا ثم أطلق سراحهم ، ولم يعد الكثير منهم الى الحياة الصحفية بعد ذلك. كما يناقش في هذا الفصل موضوع إصدار حكومة البعث ، للصحف ، والخلافات التي عصفت بصفوف الحكومة ، وانعكاساتها على الصحافة.
ويأتي الفصل الثامن لمعالجة حالة الصحافة والأعلام لفترة ما بعد 18 تشرين الثاني 1963، وبتفاصيل لم تكن معروفة في السابق عن تعامل نظام الرئيس عبد السلام عارف مع الصحافة، والخلاف الذي عصف بعلاقته مع الضباط الناصريين الذي شاركوه في تولي السلطة ، ومنها خلافات بشأن إدارة الصحافة والسيطرة عليها ، كما يتطرق الى البدعة التي دخلت الصحافة العراقية آنذاك بصدور قانون الخمسات .
وفي هذا الفصل أيضاً ، تأتي أحداث نظام حكم عبد الرحمن عارف خلفا لشقيقه عبد السلام ، والتي تنتهي بسيطرة الدولة سيطرة تامة على الحياة الصحفية بإصدار قانون المؤسسة العامة للصحافة والطباعة في 3 كانون الأول عام 1967 ، وأصبحت الصحافة به من أملاك الدولة.
أما الباب الثالث ، والأخير من هذا الكتاب ، فيبحث في ثلاث موضوعات هامة، هي للمرة الأولى التي تعالجها الدراسات الصحفية، وهي موضوع العمل النقابي وإنشاء نقابة الصحفيين العراقيين ، وموضوع استخدام أموال الدولة في الصحافة ، وموضوع التشريعات القانونية العراقية ذات الصلة بالصحافة منذ الحكم العثماني وحتى1967 .
ففي الفصل التاسع يعرض المؤلف بدقة تفاصيل المحاولات الأولى في العراق لتأسيس جمعية أو نقابة للصحفيين ، ورواد هذه المحاولات ، وقيام أول نقابة عام 1959 ، والقوى السياسية التي هيمنت عليها ، وإيجابيات العمل النقابي الصحفي وسلبياته .
وفي الفصل العاشر ، نلقي الضوء على موضوع مثير آخر،هو استخدام أموال الدولة للسيطرة على الصحافة أو للترويج لسياسة الحكومة التي  تتبوأ كراسي الحكم ، ومنها ما كان يدفع نقداً ، ومنها ما كان يختفي وراء ستار الإعلانات الرسمية الحكومية، وكذلك الاتهامات المتبادلة بين بعض الصحف التي تحظى بالإعلانات وتلك التي تحرم منها.ومن المؤكد أن موضوع استخدام أموال الدولة في الصحافة سيبقى من الأمور الغامضة ، وأحياناً السرية المحرمة، ولذلك تنعدم تماماً أية وثائق رسمية بهذا الخصوص ، أو لأن المعنيين من السياسيين والصحفيين يتجنبون الحديث فيه .
وفي الفصل الحادي عشر والأخير، تعرض هذه الدراسة لأول مرة ، جميع التشريعات الصحفية التي حكمت الصحافة العراقية منذ الحكم العثماني ، ودوائره وتشكيلاته التي أدارت الصحافة والمطبوعات، وتعسفت في سلطاتها. ثم تفاصيل قوانين المطبوعات العراقية منذ صدور أولها عام 1931 حتى صدور آخرها ضمن إطار هذه الدراسة، في عام 1967 . وهذا الفصل هو محاولة لم يسبق لأي باحث أن أقدم عليها ، قبل الدكتور مليح صالح شكر. ويكاد هذا الفصل أن يكون دراسة منفصلة تعني بالتاريخ القانوني للصحافة ، يضاف إلى دراسة التاريخ السياسي للصحافة في العراق.
ولمراسلة المؤلف عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1162 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع