تونس ــ العربي الجديد:لا زال شعر بدر شاكر السياب، يمثّل لدى جيل من النقّاد مركز اهتمام رغم تشعّب التجربة الشعرية العربية منذ عقود. من بين هؤلاء نجد الكاتب والناقد العراقي ماجد السامرائي الذي دُعي أمس الجمعة إلى مؤسسة "بيت الشعر التونسي"، حيث ألقى محاضرة بعنوان "قراءة ثانية في شعر السيّاب".
في بداية حديثه، قدّم السامرائي أدواته التي اعتمد عليها في قراءته الثانية هذه، إذ يقول "أنطلق من علم اجتماع الأدب، وأحاول الربط بين بناء فكر الشاعر وطرحه لمواقفه".
ويشير إلى أن "معظم من كتبوا عن السيّاب، إما درسوا موضوعاته مثل الغربة والحب، أو كتبوا عن جوانب فنية في شعره". يعتبر الناقد العراقي أن قراءته تحاول أن تجيب على أسئلة من قبيل "كيف ترسم قصيدة السيّابِ السيّابَ؟" أو "كم من شخصيّته موجود في نصّه؟". مضيفاً: "أحاول أن أصل إلى معرفة أين تلتقي الفكرة والتجربة؟".
يعتبر السامرائي أن السيّاب شاعر وُضع تحت أضواء النقد، بفضل كون سيرته الذاتية كانت متاحة، حيث أن الكثير من الوقائع قابلة للاستعمال في التحليل النقدي، حتى أننا نعرف من هي كل شخصية مذكورة في دواوينه، على عكس آخرين مثل البياتي فـ عائشة التي تردّد اسمها مئات المرات في أعماله لا ندري عنها شيئاً.
استخدم السامرائي في محاضرته بعض النماذج، إذ حلّل قصيدة "المخبر" انطلاقاً من سيرة السيّاب السياسية، فبيّن أن استخدامه للاعتراف (المسيحي) يمثل مؤشراً من مؤشرات الانفصال عن استخدام الأسطورة. ومن خلال نفس النموذج يوضّح أن الشعر لدى السياب لم يكن غالباً بلاغياً، وإنما هو شعر حالات ووقائع.
وفي نموذج ثان، حاول الناقد أن يتطرّق إلى ما أسماه بـ سيكولوجية علاقاته الغرامية من خلال قصيدة "أحبّيني" التي تبدو من سيرة عاطفية لصاحب "أنشودة المطر".
من خلال هذين النموذجين يكشف السامرائي بأن "الثأر مثّل محرّك السيّاب النفسي؛ الثأر من الحبيبة السابقة أو من الخصم السياسي". ويشير إلى أن ذلك امتدّ إلى علاقته بالمدينة والتي عبّر عنها بعبارته "بغداد مبغى كبير".
عند هذه النقطة، يعرّج السامرائي على تجربة شاعر آخر، كان مثل السيّاب من أبرز معتمدي أسطورة البعث في شعرهم، وهو خليل حاوي. وفي حين أن هذا الأخير أفضت به نهاية الحلم إلى الانتحار، فإن السيّاب قد استبدل في مرحلته الأخيرة "تمّوز" بالعودة إلى قريته "جيكور" التي أسطرها.
يستدل السامرائي بأن حاوي كان أقرب إلى شخصية الفيلسوف المؤمن بعقيدته والذي لا يمكن أن يستبدلها، أما السيّاب فكان ينظر إلى كل ما حوله كأدوات شعرية.
639 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع