وكالات الأنباء: نرى اليوم صراعات داخلية محتدمة وتطورات مزعزِعة للحكم مختلفة الحدة في دول كثيرة حول العالم، مثل أفغانستان، والعراق، ومصر، وجنوب السودان، وسورية، وتايلند، وأوكرانيا.
ويُعتبر الصراع السوري الأعنف مع مقتل 125 ألفا وتهجير 6 ملايين وسط عمليات التعذيب والاعتداءات بالأسلحة الكيماوية. تنشب الصراعات عادة عندما تفضل الفصائل السياسية في الأقلية أو الأكثرية القتال المستمر على خيار التسوية، فيرفض القادة السياسيون غير الواثقين من قدراتهم أي شكل من التظاهر أو الانتقاد. نتيجة لذلك، يواجه المدنيون معاناة قاسية بسبب هذه الصراعات. إلا أن الأمل بتدخل المجتمع الدولي والأمم المتحدة يتضاءل.
تشكل الحروب الأهلية الحالية والمقبلة تهديداً كبيراً مباشراً للمجتمعات الإنسانية. صحيح أن بعضها يعود إلى الجذور عينها، ولكن ما من قضية توحدها كلها، باستثناء ربما الاعتقاد أن الصراع هو قتال من أجل البقاء، فإما الانتصار أو الموت.
تترأس سورية هذه المجموعة البشعة. فقد فاقت حصيلة الوفيات المئة ألف في حرب بين قائد البلد، الرئيس بشار الأسد، وقوات المعارضة. وأفادت تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن عدد القتلى بلغ 126 ألفا الشهر الماضي، مشيرة إلى أن هذه الحصيلة قد تكون أكبر بكثير. كذلك غادر أكثر من مليونَي لاجئ سوري البلد، في حين هُجر 4.25 ملايين آخرين من بيوتهم وانتقلوا ليعيشوا في مناطق أخرى من سورية. وادعى أخيراً تقرير صدر عن ثلاثة مدعين عامين سابقين في محاكم جرائم الحرب أن نحو 11 ألف سجين عُذبوا، كثيرون منهم حتى الموت، في «عملية قتل جماعي» نفذها نظام الرئيس بشار الأسد.
نراقب هذه التطورات المريعة. صحيح أن المفاوضات الراهنة بين عدد من فصائل المعارضة وحكومة الأسد في مونترو أنقذت على الأرجح أرواح بعض النساء والأولاد في مدينة حمص المحاصرة، إلا أن المشكلة الأساسية تبقى تصادم أهداف حالية لا يمكن حله: يصر النظام على أن يبقى الأسد في السلطة، في حين تتمسك المعارضة بمطلب رحيله في الحال. ويبدو أن قوات الأسد تتمتع بالأفضلية.
تتلقى قوات الأسد من إيران وروسيا دعماً منتظماً وبالغ الأهمية. وذكر تقرير صدر أخيراً أن المساعدة الروسية تزداد. أشار مايكل هايدن، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في واشنطن الشهر الماضي إلى أن انتصار الأسد قد يكون الخيار الأفضل «بين ثلاثة خيارات بشعة جداً».
يشمل الخيار البشع الثاني (والأكثر احتمالاً وفق هايدن) تواصل الصراع بين الفضائل الإسلامية السنّية والشيعية. وقد يؤدي هذا إلى حرب أهلية أوسع تجر البلدان الإسلامية الواحد تلو الآخر إلى صراع مرير. فيشكل الشيعة، وهم أقلية في العالم الإسلامي، الأكثرية في العراق. أما الأقلية السنّية هناك، التي كانت من أشد داعمي الحاكم المستبد الراحل صدام حسين، فتهاجم المراكز الشيعية وتثير الاعتداءات المضادة.
لكن هذا الصراع غير ملائم في دولتين أخريين من العالم الإسلامي. ففي أفغانستان، لا يشكل الشيعة أكثر من 5 في المئة إلى 10 في المئة من السكان. لكن توسع نفوذ حركة «طالبان» (بعد أن ساد الاعتقاد سابقاً أن تدخل حلف شمال الأطلسي أنزل بها الهزيمة قبل عقد) يهدد اليوم الحكومة المركزية، التي تبين أن سلطتها وقواتها المسلحة غير كافيتين للسيطرة على البلاد بعد أن يسحب حلف شمال الأطلسي قواته في غضون سنة. نتيجة لذلك، تلوح حرب أهلية غير معلَنة في الأفق، بعد أن باتت جائزة الإمساك بزمام الحكم متاحة مرة أخرى.
أما في مصر، فيشكل الشيعة أقلية أصغر بعد. لكن هذا البلد يعاني صراعاً بين أنصار جماعة «الإخوان المسلمين» المخلوعة وقوات الدولة التي يسيطر عليها الجيش. من المرجح أن يُنتخب قائد قوات الدولة، المشير عبدالفتاح السيسي، رئيساً خلال انتخابات قُرب موعدها على أمل بسط الاستقرار، في حين أن عدد الوفيات وعمليات الاعتقال في تظاهرات «الإخوان المسلمين» لا ينفك يرتفع. مازال «الإخوان المسلمون» يتمتعون بدعم واسع. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر، يبقى احتمال أن يتوسع هذا الصراع قائماً، وقد يتحول إلى صراع بين المناطق الريفية الفقيرة والجيش وداعميه في المدن.
نلاحظ انقساماً مماثلاً في السياسة التايلندية، باستثناء أن الفقراء في الريف يدعمون الحكومة الحالية التي تترأسها ينغلاك شيناواترا، شقيقة رئيس الوزراء السابق تاكسين شيناواترا، الذي عزله الجيش من السلطة عام 2006. لايزال شيناواترا يتمتع بشعبية كبيرة في الريف بسبب سياسات إعادة التوزيع التي عادت عليهم بالفوائد. لكن سكان المدن يتهمون إدارته بالفساد المستشري. وقد فرضوا إرجاء الانتخابات التي كان من المفترض عقدها في 2 فبراير، لأن فوز شيناواترا فيها بدا أكيداً.
في دولة جنوب السودان الحديثة العهد، وقعت حكومة الرئيس
سيلفا كير أخيراً اتفاق وقف إطلاق النار مع قوات رئيس وزرائه السابق رياك مشار. ولكن في الحال، اتهم كلا الطرفين أحدهما الآخر بانتهاك هذا الاتفاق. وتبدو عودة الاشتباكات محتملة اليوم. يتحدر هذان الرجلان من قبيلتين متحاربتين. ومع أن استقلال هذه الدولة الفتية لايزال ضعيفاً، تبقى الخلافات بينهما أكبر من أن تدفعهما إلى التوحد لدعم الدولة ولاستبعاد صراع على السلطة.
في أوكرانيا، اتسع الشرخ بين داعمي الاتحاد الأوروبي والحكومة، وأخفقت جهود التسوية. عرض الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، الذي واجه تجدد حركة التظاهر خلال الأسابيع الماضية، رئاسة الوزراء على المعارضة. لكن هذه الأخيرة رفضت عرضه، معتبرة إياه «مسموماً». نتيجة لذلك، احتل المتظاهرون وزارة العدل في كييف وسيروا تظاهرات في مدن شرق أوكرانيا، منطقة تميل تقليدياً إلى روسيا.
نتيجة لذلك، باتت الحرب الأهلية في بلد يقع وسط الانقسام بين الحضارتين الروسية والأوروبية محتملة اليوم. في فنزويلا أيضاً، يُستغل إرث هوغو شافيز، الذي يرأسه خلفه نيكولاس مادورو، لاستمالة معارضة عنيدة. صحيح أن الجيش وقف بحزم وراء شافيز، الذي كان ضابطاً عسكرياً، إلا أنه يبدو أقل ولاء لمادورو، الذي يفتقر إلى قوة الشخصية والنجاح في آن واحد.
لا يمكن تحقيق الكثير في هذه وغيرها من الصراعات. فيُعتبر التدخل (باستثناء بعض المهمات المحدودة، مثل محاربة القوات الفرنسية المتطرفين الإسلاميين في مالي) اليوم خطوة مستبعدة، لا محببة. يجب أن تنبع الرغبة في السلام من الداخل. هذا هو شكل العالم الناشئ اليوم، علما بأن قوة عظمى ستتولى في النهاية تسوية الأوضاع، تماماً كما حدث خلال الحرب الأهلية في سريلانكا قبل خمس سنوات. لكننا تعلمنا أن عدم التدخل يؤدي إلى عدد مشابه أو ربما أكبر من الضحايا، تماماً مثل التدخل. رغم ذلك، يكتفي العالم الثري بالمراقبة، وإرسال المساعدات، وعدم التدخل.
1010 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع