ما زال أغلب المشاهدين العراقيين يشيحون بأنظارهم عن أعمالهم الدرامية متوجّهين إلى المسلسلات التركية في شكل لافت، معلّلين ذلك أن الدراما العراقية تفتقد عناصر الجذب.
عبدالجبار العتابي/بغداد : أكّد الكثير من العراقيين أنهم لا يتابعون المسلسلات العراقية وتحوّلوا إلى مشاهدة الأعمال التركية التي على الرغم من مرور سنوات على ظهورها على الشاشات العربية إلّا أنها ما زالت تستقطبه، موضحين أن الفرق كبير بين ما تقدّمه الدراما العراقية والتركية.
وتبيّن ذلك من خلال الإستفتاء الفني السنوي الذي أجريناه، حيث ظهر أن الغالبية من المشاهدين غير مهتمين لما تقدّمه الفضائيات العراقية من مسلسلات، لأنها لا تقدّم ما يشعر الإنسان بالترفيه بقدر ما تلجأ إلى المفخخات والقتل والذبح والدماء، على العكس من المسلسلات التركية التي تقدّم حكايات اجتماعية ووجوهًا جميلة وأماكن نظيفة، وتمنى العراقيون أن تتخلّص الدراما العراقية من الظواهر السلبية في مواضيعها وأن تتجه إلى قصص الجمال والمتعة والرومانسية.
وفي هذا السياق، أكّد المخرج فارس طعمة التميمي وجود عدة أسباب وراء الإتجاه إلى الدراما التركية والتخلّي عن الدراما العراقية، وقال: "في زمن الفضائيات الكثيرة استطاعت الدراما التركية أن تغزو القنوات العربية بأعمال جميلة جدًا بموضوعاتها الإنسانية والاجتماعية والرومانسية، ما جعل أغلب المشاهدين العرب وليس العراقيين فقط، يتجهون لمشاهدة هذه الأعمال لأسباب عديدة، منها وجود تقنية عالية وجودة في الصورة، إضافة إلى جمال الممثلات والممثلين الذين يؤدون شخصيات مكتوبة في شكل صحيح من ناحية البناء الدرامي المتدفق للشخصية، وأيضًا لأننا نشاهد المناظر الجميلة لمواقع التصوير سواء كانت خارجية أو داخلية. وهذا ما تفتقده أغلب الدراما العربية في شكل عام والعراقية في شكل خاص، وهنالك أيضًا الأزياء العصرية التي تتماشى مع موضة العصر، والرؤية الإخراجية المتميزة، فأصبحت الدراما التركية قريبة جدًا بل تكاد تكون دراما بديلة عن الدراما العربية لقربها من الشرق وتنوّع نصوصها الرائعة ومواضيعها".
أمّا المخرج أسعد الهلالي فأشار إلى التشويق الذي تفتقده المسلسلات العراقية، وقال : "استحوذت على إعجاب المشاهد العراقي لأن طبيعة الموضوعات لا تعد غريبة عن المواطن العربي والعراقي، مثلما كان يحدث في المسلسلات المكسيكية أو الأميركية اللاتينية المدبلجة، فالمسلسل التركي كموضوع قريب من مزاج المشاهد العراقي، وثانيًا إن اختيار الوجوه يكاد يكون مميزًا، فنسبة الجمال عالية سواء عند الشباب أو الشابات، والجمال محط اعجاب بالتأكيد، وهذا ينسحب على المواقع التي يصوّرون فيها فهي جميلة جدًا ومعتنى بها ونظيفة والعين تحبها، والسبب الأهم أن الأعمال التركية تستخدم تقنيات جيدة، فنحن نشاهد نوعية جيدة ونسمع صوتًا جيدًا ونرى تقطيعًا ممتازًا. كما أن طريقة إخراج المسلسلات تعتمد على ظاهرة مطّ الحدث الذي يكون بسيطًا ومدته 30 ثانية، فينتهي في 3 دقائق، من خلال ردود الأفعال لدى الممثلين أو نتيجة استعراض تفاصيل جميلة، وهذا لا يعني أنه يقترب من الملل بل على العكس هو مشوّق، وطبعًا الأعمال العراقية تفتقد التشويق".
من جانبه، أكد الناقد عباس لطيف أن المسلسل العراقي لم يتطوّر منذ السبعينيات، وقال: "هناك مشكلة في التلقي لأن المسلسلات العراقية تفتقد إلى عناصر الجذب، وهناك خلل في البناء الفنيّ وحتى لغته وفي أداء الممثلين، فنرى أن هناك افتعال لقضية ليست حقيقية، إلى جانب النفور الذي يحدث عند المتلقي نظرًا لعدم صدقية المعلومة خصوصًا إذا كان تاريخيًا، فكثيرون يملكون ذاكرة ويلاحظون أنها لا تمّت بصلة إلى التاريخ".
وأضاف : "أما الأعمال المعاصرة فهي لا تمسّ حقيقة الشارع العراقي، وعدم وجود متعة صورية على مستوى الإبهار في الديكور والأداء، فممثلونا متكاسلون يفتعلون الإلقاء إلى جانب تكرار الكثير، فالمسلسل العراقي منذ السبعينيات إلى الآن لم يتطوّر ويفتقر إلى عناصر جذب".
أما الفنان طه درويش فقال : "هناك فرق كبير بين أعمالنا والأعمال التركية، ما جعل الأسرة العراقية تتجه نحو المسلسلات التركية لعدة أسباب من أهمها اختيارهم الأماكن الجيدة التي نحن العراقيون محرومون منها، نحن نعيش في البيوت القديمة ومع الأوساخ والشوارع غير منظمة، والذي نتمنى أن نشاهده عندنا نشاهده في المسلسلات التركية، نشاهد البحر والأجواء الجميلة العامة والبيوت الراقية والأثاث الراقي فضلًا عن الملابس الفاخرة والأنيقة، ثم إنهم يختارون ممثلات جميلات جدًا وهذا سبب من أسباب الجذب، كما أن أعمالهم لا تلجأ إلى المفخخات والقتل والذبح والدماء التي تظهر بكثرة في مسلسلاتنا، ونحن نعيشها ونعاني منها، الأتراك يقدّمون مسلسلات رومانسية جميلة تتمناها العائلة العراقية، فضلًا عن الإخراج الجيد والتمثيل غير المبالغ فيه على عكس ما لدينا من افتعال واضح وممل وتعبير مصطنع".
في ما شدّد الفنان عدنان شلاش على تغييرات في المجتمع العراقي والمواطن الذي يعيش في فراغ، وقال : "تلجأ العائلة العراقية لمشاهدة المسلسلات التركية نظرًا إلى فراغ الساحة والشاشة الصغيرة من أعمال قريبة من هموم العائلة العراقية مثل الفساد الأخلاقي وضعف العلاقات الاجتماعية في المجتمع الآن، فلو رجعنا سنوات إلى الأزمنة السابقة لوجدنا أن المشكلات الإجتماعية مترابطة وموجودة وقوية".
وأضاف : "نحن نحتاج إلى مسلسل يعالج الفساد الأخلاقي الذي يتمثل باللسان والكلام والاحترام وتبادل النقاش، نحن نفتقد إلى الحوار ابتداء من العائلة وصولًا إلى مجلس الوزراء، ولم نتخل عن أنانيتنا، لم نتخل عن الإنتماء الطائفي والحزبي، لذلك كل هذه الأشياء تدفع أفراد العائلة إلى المسلسلات التركية لأن المواطن يعيش في فراغ".
1170 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع