سيارات الزعماء والملوك.. تحاكي عقائدهم السياسية وأذواقهم الشخصية

   

اعداد: عدنان أبو زيد:جرت العادة في القرون الخوالي، أنْ يُبرزَ الملوك والسلاطين، هيبتهم في صورة حياة مترفة، كوسيلة من وسائل النفوذ، فكانت العربات الملكية الفخمة، والقصور، وما تحويه من نفائس الأثاث، وتكنيز الذهب والمعادن الثمينة، واقتناء الجواري والخدم والحشم، لتبدو كلها، سبلاً تُبرز القدرة والرتبة وتُعلي الهيبة، حتى تبدّل الحال من عقود قريبة خلت، لتصبح السيارة أحد أبرز مظاهر الترف "المتحرّكة" التي تُفصح عن هيبة الزعيم وذوقه،

وتسجّل حضوره بين الجمهور، حتى باتت السيارة جزءاً مهماً من شخصيته يختار نوعها بنفسه، بل ان من الزعماء من يطلب من مصانع السيارات تصنيع سيارة بمواصفات وألوان وأشكال تناسب ذوقه، وتستجيب للتحديات الامنية التي تواجهه، وأحيانا لكي تشبع غروره، كما لدى بعض الزعماء الدكتاتوريين الذين اقتنوا أغرب أنواع السيارات وأكثرها كلفة.


مظاهر القوة
بل عُدّت السيارة بالنسبة للكثير من الزعماء لاسيما في الانظمة الشمولية باعتبارها احد مظاهر القوة، وزرع الهيبة والخشية بين الجمهور الذي يراقب سيارة الزعيم الفخمة المظلّلة، وهي تقطع المسافات، وخلفها مواكب الحاشية والحرس وأفواج الحماية.
وفي ذات الوقت، اتاحت المركبة الرئاسية او الملكية، للزعيم، الانتقال بين جمهور بلاده المترامية الاطراف، لكنها في ذلك الوقت تسببّت في مقتل زعماء كثر، باعتبارها هدفاً سهلاً للمعارضين والخصوم.
وبسبب ذلك، ازدهرت أحوال الشركات المتخصصة في تصنيع السيارات ذات المواصفات الخاصة، وتضاعفت ارباحها لتصل إلى الملايين وهي تسوّق المركبات التي تستجيب لذوق ومتطلبات هذا الزعيم أو ذاك.

  

الكاديلاك.. قصر متنقل

 وأحدى السيارات التي تُلفت الانتباه، تلك التي يستقلّها رؤساء الولايات المتحدة الاميركية من نوع "الكاديلاك" الفارهة في حجمها وتصميمها، ووسائل الامان، التي تُجَهّز بها، ماجعلها أعجوبة تكنولوجية، والسيارة الاكثر تحصيناً في العالم، ليس من الهجمات فحسب، بل من الأعطال ايضا، اذ سعى مصمّموها الى جعلها ذكية، تستجيب لظروف البيئة وحاجات البشر، حتى باتت، لوسعها مكاناً يمكن للرئيس ان ينجز فيها عمله، ويعقد فيها اجتماعاته في الظروف التي تتطلب ذلك.
وحرصت شركة "جنرال موتورز" على تجهيزها بمواصفات مضادة لهجمات الصواريخ، حيث يتألف جسمها الخارجي خليطا من الصلب والالمنيوم والتيتانيوم، كما ان الابواب مصفّحة بسمك 8 بوصات لكل باب. وتقاوم إطارات السيارة، التعرض للثقوب، بعدما "سُلّحت" بدوارة فولاذية تمنحها فرصة الافلات في حالة تفجير الإطارات، مثلما لا ينفذ الرصاص من زجاجها الكثيف، كما تتصل السيارة عبر الاقمار الصناعية بكل مراكز السيطرة، ومفاصل الدولة المهمة عبر مركز اتصالات متطور في داخلها بنظام "جيب ي أس".

    

سيارات "رأسمالية" و"اشتراكية"

ومنذ الستينيات ولسنوات طوال، ظلت سيارة "مرسيدس- بنز"، حلم زعماء كثيرين، من مختلف العقائد والاتجاهات من رأسماليين واشتراكيين، بل حتى زعماء الشيوعية حرصوا على اقتنائها،  مثل الرئيس اليوغوسلافي الراحل تيتو، والزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونج، وحتى بابا الفاتيكان.
لقد حقققت الرأسمالية في مجال صناعة السيارات الفخمة قصب السبق، من ناحية الفخامة والراحة والمظهر الخارجي بما قدمته من انسيابية في الجسم، وجمالية في اللون وسعة للركاب، إضافة الى السرع العالية، في حين انتجت الدول الشيوعية، وبينها الاتحاد السوفياتي سيارات، لم تستطع منافسة سيارات الشركات الغربية، من ناحية المواصفات وإقناع المستهلك ,وهو ما عبّر عنه الزعيم الشيوعي خروشوف حين زار مصانع شركة "فولكا"، وحين استقل احدى السيارات قال "الآن عرفت لماذا يكره الناس الشيوعية"، في انتقاد صريح لعدم قدرة السيارات "الاشتراكية"، على المنافسة مقارنة بما انتجته مصانع "الراسمالية".

   

يحارب الرأسمالية ويقتني سياراتها

والاستثناء في المقتنين لسيارة المرسيدس، ذلك الزعيم الكاره للرأسمالية، وصناعاتها، رئيس كوريا الشمالية، كيم جونج أيل، الذي يُسمي منتجاتها بـ"الجراثيم القاتلة"، لكنه في حبّه الجارف لسيارة ليموزين لمرسيدس- بنز نسي ذلك كله، فلم يجد بداً من امتلاك أسطول كبير من هذه السيارات، ما جعله متناقضاً مع ما كان يعلنه من مبادئ اشتراكية، ومقاطعة للرأسمالية.
 وارتبطت مظاهر الترف بتاريخ الثقافة الإنسانية، فمنذ آلاف السنين كانت العربات الملكية الفخمة التي تجرها الخيول الى جانب القصور، تعبيرا عن حب الملوك والسلاطين والزعماء لنزعة التميّز عن الاخرين وإبراز قدْرهم ورتبتهم، وتجسّدت هذه الظاهرة في السيارات بصورة خاصة، بل ان من الزعماء مَنْ اهتمّ بسيارته اكثر من اهتمامه بقصره، لتصبح المركبات، مُبرِزة للهيبة والمرتبة. ومع التطور الصناعي، وابتكار الكثير من التقنيات الحديثة في الميكانيك والكهرباء، اصبحت السيارة رمزاً لترف الطبقات الوسطى في اوروبا والعالم، ونجحت في فرض نفسها، من كونها سلعة للترف، في بادئ الأمر، الى حاجة يومية لا قِبل للشعوب بالتخلي عنها.ولم تعد المركبة الفخمة سلعة بيد الملوك والزعماء فحسب، بل اقتناها الاغنياء وأصحاب الشركات الذي اقتنوا في الكثير من الاحيان، سيارات تفوق في ترفها وثمنها مركبات اولئك الزعماء.

  

زعماء يُقتلون في سياراتهم

ومنذ مقتل وريث العرش النمساوي- المجري الدوق فرانز فيردناند علي يد قومي صربي، وهو يستقل سيارة في العام 1914، تكررت حوادث قتل الزعماء على مثل هذا النحو، كان اشهرها، مقتل الرئيس الأميركي الراحل جون كنيدي العام 1961، حيث اقلت سيارة "الليموزين"، الرئيس الشاب الى مشوار حياته الاخير. لكن هذه السيارة التي قُتل كنيدي على مقعدها، لم تتقاعد عن العمل، واستخدمها رؤساء اميركيون آخرون منهم نيكسون وفورد وكارتر حتى احيلت على التقاعد العام 1977.
ازداد تكرار حوادث الاغتيال بالسيارات في حقبة الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات بعدما اعتُبرت هدفاَ واهناَ من قبل مخططي العمليات، ما جعل الشركات تعمل على صناعة سيارة أمينة للزعماء، تأخذ في نظر الاعتبار احتمالات الخطر قبل كل شيء.
وكان أحد الضحايا المرشحين للقتل بسيارته، أدوارد شيفرنادزه رئيس جورجيا السابق، الا ان يد القدر حالت دون ذلك، ففي المرة الاولى وُضعت قنبلة أسفل سيارة "مرسيدس- بنز S600" التي كان يستقلها. وفي محاولة اخرى لاغتياله، تعرّض لهجوم صاروخي، لكن متانة السيارة جعلته يخرج سالماً من وسط الحطام.
ولأن فرنسا تعتز كثيراً بمنتجها الوطني من السيارات، فقد ألزم رؤساؤها أنفسهم كتقليد ثابت استعمال "الماركات" الوطنية، مثل "بيجوت" و"رينوت" و "ستروين"، في تنقلاتهم ومواكبهم الرسمية، وفي تنقلاتهم مع الضيوف من الملوك والزعماء.
 بل ان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ظل يستعمل سيارة "رينو فيل ساتيس" و "سافرين" كسيارة رئاسية، ما احرج الشركة المصنّعة التي لم تعد تمتلك أدواتها الاحتياطية.

   

روبرت موغابي يغيض مارسيدس

وأغاض رئيس زيمبابوي روبرت موغابي شركة "مارسيدس" الالمانية حين جهّز سيارته التي صنعتها الشركة بزوائد مصفحة، ما جعل مظهرها "قبيحا"، اضافة الى انها صارت ثقيلة بشكل كبير، ما أنعكس على كميات الوقود التي تستهلكها.
وثمة زعيم شيوعي آخر هو ماوتسي تونج، كانت تعتريه رغبة شديدة في اقتناء سيارة "ليموزين"، لكن وفاته العام 1976 حال دون تصنيع الشركة سيارة خاصة له، غير ان الشركة دأبت من العام 2005 على تصنيع سيارات لزعماء الصين وأثريائها الجدد.
وبسبب زيادة التهديدات الامنية لرئيس وزراء بريطانيا الاسبق توني بلير، نتيجة حرب العراق، أجريت تحسينات امنية على سيارته "جاجوار سوبر 8"، اذ عُزل داخلها تماماً عن العالم الخارجي، مع ضمان توفر الأوكسجين النقي لركابها.

  

سيارة بمواصفات السلطان

وَوَلع سلطان بروناي أشد الولع بسيارات موديل "ماكلارين" و"أستون مارتن" حتى امتلك اسطولاً جراراً منها، يقرب من الثلاثة آلاف سيارة، كلها تتمتع بمزايا خاصة، ما أغرى شركة "رولز رويس" و"بنتلي" لان تؤسس مصنعاً خاصاً ينتج سيارات بمواصفات خاصة اسمتها "مواصفات السلطان".
وعُرف عن ملك مصر، فاروق، شغفه بالسيارات الرياضية، من انتاج "بوجاتى" و"لانشا" و"استون مارتن" و"ام جى" و"اوستن" و"تريامف"، كما اقتنى سيارات "كاديلاك"، بنسخ صُنعت خصيصاً من أجله. وفي سنيّ حكمه الاخيرة، أمر بإدخال سيارات "رولزرويس" في خدمة المواكب الرسمية للدولة، كما اهداه الزعيم النازي أدولف هتلر سيارة "مرسيدس" حمراء بمناسبة زواجه من الملكة فريدة، وهي سيارة نادرة لم يُنتج منها سوى نسخ قليلة على عدد أصابع اليد.

  

غير ان هتلر ذاته، كان يفضّل سيارة "مرسيدس بنز كيه 540"، المصنعة في العام 1940على غيرها، وكان يستقلها حتى أيامه الأخيرة، كما استقلها نائبه هيرمان جورينج أيضا.

    

"زيل".. رمز روسي

وانبرت نخب سياسية وفكرية ووسائل اعلام روسية العام 2010 الى الدعوة لاحياء رمز نهضة روسيا الصناعية وهي سيارة "زيل" الفخمة، التي كان يستخدمها كبار القادة السوفييت من ستالين الى غورباتشوف، و كانت من المناظر المألوفة في موسكو في العهد السوفييتي.
جدير ذكره، ان شركة "زيل" صنعت ايضاً العديد من المركبات والشاحنات العسكرية، وجهزت الجيش العراقي بالمئات منها، حتى بات اسمها متداولاً في العراق، يطلقه الناس على الشاحنات بمختلف انواعها.

السيارة رمز وطني

وباتت السيارة رمزاً وطنياً في الكثير من الأوقات وفي العديد من الدول، باعتبارها جزءاً مكملاً لشخصية الزعيم، وأداة سياسية بيد النظام والجماهير معاً.
ففي العام 1958، جسّدت الجماهير في سوريا دعمها لخطوات الوحدة بين سوريا ومصر، وإعلان جمال عبد الناصر زعيماً للدولة الاتحادية، عبر حمْل سيارة عبد الناصر الكاديلاك السوداء من قبل الجماهير المحتشدة، على الاكتاف، ما جعل العالم يتحدث لفترة طويلة عن هذا الاستقبال الاسطوري.

   

وحدث ذات الأمر في ايران العام 1979، فحينما نزل اية الله الامام الخميني، على أرض المطار في طهران، كانت ثمة سيارة تنتظره ليستقلها، حين رفعتها الجماهير المليونية الى الاعلى.
وكشفت احداث ثورة 25 يناير 2011 في مصر عن مفاجأة في اعداد السيارات التي كان يستخدمها الرئيس المصري السابق حسني مبارك، سواء لأغراض الوظيفة الرسمية او الشخصية. واشتمل العدد على ثلاثين سيارة فارهة من بين نحو مائتي سيارة استخدمها مبارك ورجال نظامه، وهي من ماركات مشهورة، مثل "بورش" و"هامر" وBMW و "مرسيدس".

  

وخاتمة "السيارات" بالنسبة للقذافي كانت سيارة الدفع الرباعي من نوع "تويوتا لاند كروزر"، التي كانت ضمن قافلة ضمت أكثر من اربعين سيارة فر بها القذافي متجهاً الى الجنوب عند الحدود مع الجزائر والنيجر حيث تعرّض الموكب الى قصف من سرب مقاتلات فرنسية، قتل خلاله العشرات من أنصاره، لكن سيارة القذافي ذات الحماية الجيدة لم تتعرض لأذى كبير، ما سمح له بتركها فاراً الى مزرعة مجاورة بين الأشجار، ثم اضطر الى الاختباء في مجرى صرف صحي بعد مداهمته من قبل الثوار.
والغريب ان القذافي في هروبه الاخير الذي رسم نهايته لم يستخدم سيارة "ديجيتال'' الشهيرة، التي صُنعت خصيصاً له، وكانت تحاكي في تصميمها الدبابة، حيث زُودت بأحدث تقنيات الاتصال والحماية من القنابل والهجمات المسلحة عبر مظلة كهرومغناطيسية،، فكأنه يقصد التنويه عبر الظهور دائما مع سيارات صغيرة عادية.وكان القذافي أطل على الناس قبل هروبه من قصوره من على سيارة "تاك توك" الصغيرة، وبيده مظلة، قبل ان يصل اليه الثوار في باب العزيزية.

السيارة الرسمية

ويعرّف موقع ويكيبيديا مصطلح "السيارة الرسمية" بانها، "السيارة التي تستخدمها الحكومة لنقل رئيس الدولة أو رئيس الوزراء بصفة رسمية، كما تنقل الأعضاء الآخرين في الحكومة أو كبار الشخصيات من الضيوف". وبحسب هذا التعريف فان "جزءا من المعايير لسيارة الدولة الرسمية هو توفرها على الأمن الكافي، والقدرة والعظمة لواجبها".

السيارات والمشاهير

وإذ دأب إمبراطور اليابان على استخدام سيارة "تويوتا" حيث تشعر الشركة بالفخر لاستخدام احد اقوى منتجاتها من قبل العائلة المالكة، فان امبراطور اليابان اكيهيتوا والامبراطورة ميتشيكو اقتنوا منذ العام 2007 السيارة "سينتوري" ذات المحرك 12 "سلندر"، والمفضلة لدى الغالبية من المشاهير والزعماء ورجال الاعمال.

  

             سيارة الرئيس الأيراني السابق أحمد نجاد


زعماء فقراء ومركبات "متواضعة"

لكن ليس كل زعماء العالم، يقتنون السيارات "الرأسمالية " الفخمة، التي ارتبطت في الغالب بالملوك والأمراء، وزعماء الدول الغنية، اما الدول الفقيرة، فلم يكن لزعمائها ممّا ليس منه بد، في اقتناء السيارات الرخيصة الثمن، ذات المواصفات المحدودة.فقد استعمل زعماء جيبوتي، وتشاد، ومالي، سيارة من طراز "هامر"، وهو طراز كسدت صناعته، لأنه لا يراعي نظافة البيئة، فيما اقتنى الرئيس الايراني السابق محمود أحمدي نجاد، سيارة "بيجو 504 "، من جيل العام 1977، لكنها، على رغم ذلك حققت سعراً وصل الى المليون دولار في مزاد علني دولي.

  

وفي الأوروغواي، يقتني أفقر رئيس في العالم، هو خوسيه موخيكا سيارة "فولكس واجن بيتل" التي تقدر قيمتها بنحو 1945 دولاراً أميركياً.

   

ومقابل افقر رئيس في العالم، فان نجل احد اغنى أمراء العالم، هو الشيخ جوعان بن حمد، أحد أبناء أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، يمتلك أغلى سيارة في العالم، وهي "لايكن هايبر سبورت" وقيمتها اربعة ملايين دولار، مرصّعة بالألماس، وأغطية الصالون نسجت بالذهب، ويشغّل السيارة محرك بقوة 750 حصاناً، وسرعة انطلاق تبلغ 390 كيلومتراً في الساعة، ويمكنها الانتقال من وضع السكون إلى سرعة 100 كم في الساعة في وقت قدره 2.7 ثانية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

755 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع