متظاهرون يحرقون العلم الأمريكية أمام المقر السابق للسفارة الأمريكية في طهران
مونت كارلو:كما فاجئ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم كله بتوجيه بإرسال طائراته بي 2 لقصف المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية بالقنابل الخارقة للتحصينات جي بي يو 57، عاد لإطلاق مفاجأة جديدة بعد أقل من 24 ساعة، في منتصف ليلة الاثنين 23/6 – الثلاثاء 24/6، للإعلان عبر شبكته الخاصة للتواصل الاجتماعي عن وقف لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل يبدأ تنفيذه على مدى 24 ساعة، لتليه عملية سلمية وإنهاء الحرب بين البلدين
يبدو أن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل من نوع خاص وفريد من نوعه، ذلك إن وقف إطلاق النار يكون عادة في ساعة معينة بين جيشين أو طرفين، ويلتزم الجانبان بالتوقف عن العمليات العدائية في هذه الساعة المعينة وفي لحظة واحدة.
ولكن ما أعلنه ترامب هو توقف إيران عن إطلاق النار في السادسة من صباح الثلاثاء 24/6، على أن توقف إسرائيل هجماتها في منتصف نهار اليوم نفسه، وبعد التزام إسرائيل بـ12 ساعة يتم إعلان نهاية الحرب بين الطرفين.
هل شهدنا حربا أم مسرحية حرب؟
مما لا شك فيه أن الأيام الأولى من حرب الاثني عشر يوما – كما أسماها ترامب – شهدت ضربات إسرائيلية قوية استهدفت البنى التحتية العسكرية والنووية، كما تضمنت عمليات اغتيال لقادة الصف الأول من العسكريين وعلماء الطاقة النووية.
كما شهدت هذه الأيام رد فعل إيراني، تمثل في استهداف الأراضي الإسرائيلية بالصواريخ، بصورة لم تتوقعها إسرائيل، وفقا لبعض المراقبين، بالرغم من التعتيم الذي فرضته إسرائيل على الأهداف التي طالتها الصواريخ الإيرانية.
يبقى أن الجزء الأخير من هذه الحرب يثير بعض التساؤلات، ذلك إن الولايات المتحدة استخدمت أسلحة استثنائية، وللمرة الأولى، سواء الطائرة الشبحية بي 2 أو 14 من القنابل الخارقة للتحصينات جي بي يو 57، لضرب ثلاث منشآت نووية، ولكنها تركت الفرصة للإيرانيين لنقل 400 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب حتى نسبة 60⁒، ويؤكد الإيرانيون أنهم نقلوا أيضا أجهزة الطرد المركزي إلى أماكن آمنة، ولم نعرف حجم التدمير الذي أصاب المنشآت الإيرانية.
وردت إيران، في اليوم التالي، بإطلاق 14 صاروخ ضد قاعدة العديد الأمريكية في قطر، تم التصدي لـ13 منها، وهي القاعدة التي أفرغتها واشنطن من القوات والعتاد قبل أن تهاجم المنشآت النووية الإيرانية.
باختصار ضرب الأمريكية منشآت نووية إيرانية خالية من البشر والمنتجات وردت إيران بضرب قاعدة أمريكية خالية من البشر والعتاد، ولم تؤد أي من الضربتين لأي ضحايا من قتلى أو جرحى.
وفور الانتهاء من الضربتين أعلن دونالد ترامب وقفا لإطلاق النهار، تليه عملية التفاوض من أجل السلام، وهو ما وافقت عليه، فورا، طهران وتل أبيب.
حسابات الربح والخسارة
يطال التعتيم النتائج الحقيقية للهجمات الإسرائيلية الأمريكية في إيران، كما يطال النتائج الحقيقية للقصف الإيراني لإسرائيل، ولكن المؤكد هو أن
خسائر المنشآت النووية الإيرانية عطلت المشروع النووي لهذا البلد لعدة سنوات، وذلك في أفضل الاحتمالات.
الضربات الإسرائيلية في العمق الإيراني، قضت على عدد كبير من كوادر الصف الأول من العسكريين وعلماء الطاقة النووية.
كشف عمق وحجم الاختراق الاستخباراتي الذي نجح الموساد في تحقيقه عن مدى ضعف البنية المنية في الجمهورية الإسلامية.
ألحق حجم ودقة الهجمات الإسرائيل الكثير من الضرر بسمعة وهيبة واستقرار النظام الإيراني، وعلى رأسه المرشد الأعلى.
من جانب آخر
كشف الرد الصاروخي الإيراني عن نقاط ضعف هامة في منظومة الدرع الحديدي.
يؤكد الإيرانيون أنهم ألحقوا، بصواريخهم، أضرارا جسيمة بمراكز استراتيجية، سواء أمنية أو استخباراتية أو بحثية في إسرائيل
أبرزت إيران مستوى من الصمود العسكري النسبي، بالرغم من مفاجأة الضربات الإسرائيلية وحجمها الكبير.
لم تؤد الهجمات الإسرائيلية لثورة داخلية واسقاط النظام، ويبدو أن العكس هو ما حدث بسبب بروز شعور وطني لدى المعارضة التي أجمعت أن تحرير الإيرانيين من حكم استبدادي لا يمكن أن يأتي من الخارج.
وفقا لحسابات الربح والخسارة، يرى الكثيرون أن قبول إيران بوقف إطلاق النار - وبالرغم مما صاحبه من ضربات وجهتها لإسرائيل – إنما هو استسلام أمام الرغبة الأمريكية – الإسرائيلية بتعطيل مشروعها النووي
الرابح الأكبر
هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي برز كمدير وحيد للأزمة، واستطاع عبر شكل تدخله العسكري من فرض انعطاف حقيقي، وربما نهاية لهذه الحرب.
وهو بذلك يمحي آثار سلسلة من الفشل في وقف الحرب الروسية - الأوكرانية والحرب في غزة، دون الحديث عن سقطاته فيما يتعلق بكندا وغرينلاند والعلاقة مع أوروبا والصين، ويشارك بالتالي في قمة الحلف الأطلسي غداة وقف إطلاق النار من موقع النجم.
كما تمكن من إدارة الأزمة التي أثارها التدخل العسكري الأمريكي في الخارج، داخل صفوف أنصاره بعد أن أخذ عليه قسم كبير منهم تراجعه عن وعوده الانتخابية بعدم التورط في حروب خارجية.
أضف إلى ذلك أن توجيه الإدارة الأمريكية الجديدة ضربة عسكرية بهذه القوة لبلد بحجم إيران يشكل رسالة هامة لأطراف أخرى قد لا تكون على علاقة مباشرة بالأزمة الراهنة
الخاسر الأكبر
هو الشعب الإيراني الذي نجح في إضعاف النظام الاستبدادي الحاكم عبر حركات احتجاج قوية ومتصاعدة، سيحتفظ حاليا بهذا النظام الاستبدادي، والأخطر أنه نظام استبدادي تعرض لضربة كبيرة طالت هيبته وسمعته واستقراره، ومن المؤكد أنه سيطلق حملة قمع كبيرة لعلاج آثار هذه الضربة داخليا
الخاسر الآخر هو أوروبا، وفرنسا تحديدا، التي كانت مستبعدة من كافة أطراف الأزمة، بالرغم من أن مسار ما بعد وقف إطلاق النار يعود إلى المنهج الذي اقترحته، ولكن الأزمة تظل في الشكوك المتزايدة على قدرة الفرنسيين والأوروبيين على تشكيل ثقل حقيقي في مسار العلاقات الدولية، ربما لأن دعايات وتحريضات ترامب ضد أوروبا تترك أثرا على الساحة الدولية، وخصوصا في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وماذا عن القانون والشرعية الدوليين؟
غياب كامل منذ البداية وحتى هذه اللحظة.
الهجوم الإسرائيلي ضد إيران يشكل، وفق المختصين في القانون الدولي، انتهاكا واضحا وصريحا للقانون الدولي، الذي لا يتضمن مفهوم "الحرب الاستباقية"
الهجوم الأمريكي يندرج في الإطار ذاته ويشكل انتهاكا للقانون وللشرعية الدوليين.
يسمح القانون الدولي لبلد بشن حرب على بلد آخر، في حال الدفاع عن النفس، مثال أوكرانيا ضد روسيا، أو بتفويض من الأمم المتحدة في حال بلد يشكل خطرا حقيقيا على الاستقرار الإقليمي أو العالمي، وهي شروط لم تتوفر في حالتي الهجمات الإسرائيلية والأمريكية ضد إيران.
566 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع