الحلقة الأضعف في الدولة
العرب/بغداد - أصدرت رئاسة البرلمان العراقي قرارا مفاجئا بإنهاء فصله التشريعي، الأمر الذي يزيد من تضييق المساحة الزمنية المتبقية من عمر المجلس الذي ينتهي قبل الانتخابات البرلمانية المقررة لشهر نوفمبر القادم.
وعرف البرلمان على مدى مدته النيابية الحالية صعوبات استثنائية في عقد جلساته وإنجاز أعماله التشريعية والرقابية نتيجة الخلافات الحادّة بين القوى الممثلة تحت قبّته والتي كثيرا ما لجأت إلى أسلوب الإخلال بالنصاب القانوني لتعطيل عقد جلسات لم تكن موافقة على جداول أعمالها والتشريعات والقوانين التي كانت ستناقش خلالها. ولن تتاح للمجلس، الذي لم يتمكّن من عقد أي جلسة على مدى الستين يوما الماضية بعد قرار إنهاء الفصل التشريعي، العودة للانعقاد قبل منتصف شهر يونيو القادم، على افتراض أنّه سيتمكن مجدّدا من عقد الجلسات.
ووصف مصدر نيابي معترض على إنهاء الفصل التشريعي هذا القرار بأنّه عملية تقطيع للوقت في انتظار نهاية الدورة البرلمانية، وذلك لتفادي فتح الملفات المثيرة للخلافات وطرح التشريعات المحرجة محليا ودوليا، مثل قانون الحشد الشعبي الذي لن يخلو من حرج لحكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني إزاء الولايات المتحدة التي يحاول قدر الإمكان تجنّب إثارة حفيظتها لتفادي تشدّدها في مسألة تطبيق العقوبات المفروضة على إيران بما يقتضيه ذلك التطبيق من وقف للتعامل المالي معها وإنهاء الاعتماد عليها في استيراد الغاز والكهرباء.
وكانت قوى شيعية عراقية قد هددت بإخضاع وزير الخارجية فؤاد حسين للمساءلة النيابية بسبب زيارته الأخيرة إلى واشنطن وعدم تنسيقه المسبق مع تلك القوى بشأنها. كما يجنّب عدم انعقاد الجلسات البرلمانية الخوض في مواضيع مضادة لسياسة الانفتاح والتوازن التي تحاول الحكومة انتهاجها وتوثيق العلاقات بمقتضاها مع دول عربية وأيضا مع تركيا.
ولا تريد الحكومة والقوى المساندة لها والتي يبدو أنها وقفت وراء القرار المذكور إثارة المزيد من الضجيج والانتقادات لدول عربية من قبل نواب معروفين بموالاتهم لطهران، على الأقل خلال الفترة الحالية التي يشهد العراق خلالها عقد قمّة عربية في بغداد. كما لا يريد السوداني أن يرى تشويشا نيابيا على زيارته لتركيا المقررة اليوم الخميس.
ولا يخلو تعطيل البرلمان أيضا من مصلحة لعدد من الأحزاب الممثلة بقوة في البرلمان والتي لا تريد للنواب أن يثيروا الخلافات والتراشق في الوقت الذي بدأت فيه جهودها واتصالاتها مع قوى أخرى لإنشاء التحالفات استعدادا للانتخابات القادمة. وأصدرت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب العراقي بيانا مقتضبا جاء فيه أنّ المجلس “أنهى رسميا أعمال الفصل التشريعي الأول من السنة التشريعية الرابعة، وذلك بعد استكمال جدول أعماله للجلسات السابقة.”
وانتقدت عدّة شخصيات ما اعتبرته تعطيلا ممنهجا لدور البرلمان. وقال النائب أحمد الشرماني لوكالة بغداد اليوم الإخبارية “إن هذا التعطيل له غايات سياسية. وسببه المناكفات بين بعض الجهات والمزاجات السياسية السائدة. رغم أن هناك قوانين مهمة يترقبها المواطن وتمس حياته مثل تعديل قانون التقاعد وسلّم الرواتب وقانون الخدمة المدنية.”
واعتبر أن “هناك جهات سياسية مستفيدة من استمرار تعطيل جلسات مجلس النواب وهي مصرة على ذلك ولا يهمها الدور التشريعي والرقابي ولا القوانين التي ينتظرها الشارع، وكل ما تريده هو تمرير الصفقات السياسية فيما بينها.” ويعتبر ضعف الأداء التشريعي والرقابي سمة ملازمة للبرلمان العراقي الحالي يتوقّع أن تستمر حتى نهاية دورته التشريعية الحالية.
وكان من مظاهر ذلك الضعف المدة الزمنية الطويلة التي استغرقها تمرير القوانين القليلة التي توصّل المجلس إلى إقرارها بعد تجاذبات سياسية شديدة، وكذلك استغراق انتخاب رئيس للمجلس بعد إزاحة رئيسه السابق محمّد الحلبوسي بقرار قضائي، سنة كاملة.
ولم يتمكن المجلس سوى من تمرير عدد محدود من التشريعات بعضها هامشي وقليل الأثر على واقع البلد وسكانه إن لم يكن ذا تأثير عكسي باتجاه إضعاف وحدة المجتمع وإذكاء النعرات الطائفية والعرقية داخله، على غرار إقرار عطلة يوم الغدير التي تخلّد ذكرى دينية خاصة بأبناء المكوّن الشيعي دون غيره من المكونات.
509 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع