عبدالجبار العتابي/بغداد: اعلن في بغداد، مساء الاثنين، عن رحيل المفكر العراقي الكبير الدكتور حسام الالوسي استاذ الفلسفة بجامعة بغداد عن عمر ناهز الـ 77 عاما،بعد معاناة مع المرض الذي داهمه خلال السنة الحالية،
وظل بعيدا عن اعين المهتمين بالشأن الثقافي او العلمي، على الرغم من انه كان في حركة دؤوبة ويشارك في المنتديات، فضلا عن انه اسم لامع في مجال الفلسفة وقد تخرج المئات من الطلبة وطلبة الدراسات العليا الذين اصبح البعض منهم زملاء له، ويؤكد العارفون بفضله ان اسمه محفور في ذاكرة اليونسكو والعالمين العربي والاسلامي بنتاجاته الفلسفية الكبيرة، مثلما محفور في الذاكرة العلمية العراقية كواحد من الفلاسفة الكبار ، وقد نهل من علمه وفلسفته الباحثون العراقيون والعرب، فضلا عن كونه شاعرا وقد اصدر مجموعة عام 2009 حملت عنوان " زمن البوح "، ضمت اكثرمن سبعين قصيدة عمودية كان كتبها الالوسي ولم ينشر اغلبها.، بدا فيها كثير الاحباط و الحزن، وحين استضافه اتحاد الادباء تحدث طويلا عن غربته في هذا العالم، وكشف ان سبب شعوره المرير بهذه الوحدة هو توزعه بين الشك واليقين والايمان ونقيضه، وهو القائل عنه : هذا الديوان يحمل غربة عن الزمن وعن الاخرين وعن تراثي، وأنا ليس كما يارني الناس منتظماً، فأنا أعرف أنني ربما ضللت الطريق، وحين تجدوني وحدي، فأنا كذلك في الديوان وفي سلوكي، حيث أنكم ستجدون في القصائد انساناً يتكلم بعقله في بيت شعر ما، وفي بيت آخر يتحدث بقلبه.
ولد الدكتور حسام الدين محيي عبد الحميد الألوسي عام 1936 في مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، من عائلة دينية- اكمل دراسته الابتدائية والثانوية في تكريت انتقل بعدها عام 1952 الى بغداد لاكمال دراسته الجامعية ودخل جامعة بغداد، كلية الآداب- قسم الفلسفة، عمل مدرسا في متوسطة طويريج، ثم تكريت ثم ثانوية كربلاء، وفي عام 1961 سافر الالوسي ببعثة على نفقة الدولة الى بريطانيا لاكمال دراسته العليا، حيث دخل جامعة كمبرج وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1965 عن اطروحته "مشكلة الخلق في الفكر الاسلامي، وفي سيرته العلمية نقرأ انه : عمل استاذا في قسم الفلسفة جامعة بغداد منذ عام 1968 وترأس القسم في اوقات متفرقة، وهو عضو الهيئة الادارية لجمعية العراق الفلسفية، والمسؤول عن الجانب العلمي والانتاج العلمي في الجمعية، ونائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية التي مقرها الاردن، وعضو مشارك في الجمعية المصرية الفلسفية. رئيس قسم الدراسات الفلسفية في بيت الحكمة منذ 2006. اشرف على العديد من طلبة الدراسات العليا، الماجستير والدكتوراه، خلال مسيرته التدريسية، عمل مستشارا لمجلة دراسات معاصرة في كندا، كما عمل مستشارا لمجلة "اوراق فلسفية" التي تصدرها جماعة اوراق فلسفية جامعة القاهرة
ومن مؤلفاته : حوار بين الفلاسفة والمتكلمين"، بغداد، 1967 بغداد / بيروت 1980، مشكلة الخلق في الفكر الاسلامي 1968 باللغة الانكليزية،الاسرار الخفية في العلوم العقلية-تحقيق ودراسة بيروت 1975، من الميثولوجيا الى الفلسفة او بواكير الفلسفة قبل طاليس 1973-الكويت، الزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم-بيروت 1980،دراسات في الفكر الفلسفي الاسلامي بيروت 1980،فلسفة الكندي واراء القدامى والمحدثين فيه-بيروت 1975، التطور والنسبية في الاخلاق- دار الطليعة بيروت 1989، الفلسفة والانسان-جامعة بغداد 1990، الفلسفة اليونانية قبل ارسطو-جامعة بغداد 1990،مبادئ علم الاجتماع والفلسفة 1990-العراق، مدخل الى الفلسفة بيروت 2005، حول العقل والعقلانية 2005-عمان والزمان في الفكر الديني والفلسفي وفلسفة العلم بيروت 2005
ويدور المشروع الفلسفي للدكتور حسام الألوسي حول معالجة قضايا الفكر الإسلامي انطلاقا من منظور عقلاني حداثي، وباستخدام المنهج الجدلي التاريخي الاجتماعي، ويهدف من ذلك إلى تصحيح نظرتنا للتراث الفكري والفلسفي الإسلامي. وبالتالي يعتبر مشروع الدكتور حسام مشروعا نقديا، يحاول أن يمهد الطريق نحو ظهور فلسفة أصيلة وجديدة عربية معاصرة. ذلك أن تصحيح نظرتنا إلى التراث، انطلاقا من فكرنا المعاصر، يؤدي تلقائيا إلى زيادة حرية الفكر، وبالتالي ظهور أفكار إبداعية جديدة، ويذكر الراحل فيما يخص القضية الجوهرية في فكره في كتابه (تجربتي الفلسفية)، قوله : مجال الفكر الفلسفي العربي والإسلامي: هذا هو ميداني الخاص... بالنسبة لكتاب دراسات في الفلسفة الإسلامية فهو مجموعة بحوث. وكل منها يفتح نتائج جديدة ويؤشر مسارات ويصحح أحكاما ويصح ذلك على بحثنا فيه عن الغزالي مشكلة وحل وبحثنا نظرية الفيض للفارابي بمنظور معاصر نقدي، وكذلك بحثنا فيه عن تقسيم العلوم ونشأة الفكر العربي الإسلامي... كل كتبي ليست تاريخا للفلسفة، بعضها فيها تاريخ ولكن ليس للتاريخ بل للوصول إلى أهداف أخرى
و على الرغم من الراحل اشتهر بكتاباته في الفلسفة الإسلامية، الا انه كان ينظم الشعر، وقد انسحبت كتاباته على شعره الذي تسوده النزعة التأملية والفلسفية. في قصيدة ((رؤياك)) تتضح رؤياه التأملية الصوفية :
(رؤياك رؤيا النور من بعد العمى أو مثل غيث فوق يمس قد هما
تـمضي الشهور ولا أراك كـأنـما أنا في الحضيض وأنت في أعلى السما
إنـي لــفي شــوق إليك وإنما حكم المروءة أن أعف وأحرما
ظمئي إليك يزيد في قلبي الظمـا ويزيدني ظمأ رضاي بذي الظما)
قال عنه الناقد فاضل ثامر رئيس اتحاد الادباء والكتاب في العراق : عرفنا الدكتور الالوسي مفكرا وفيلسوفا على درجة كبيرة من الوعي والثقافة كما تعرفنا على الوجه الاخر له، وهو ان يكون شاعرا يمتلك شعرية كبيرة، كما ان الالوسي وبرغم كل ما قدمه لم يفهم كما يفترض ان يفهم فيه، فهو ينحدر من عائلة دينية لكنه تمرد بسبب موجات الشك واليقين التي تعتليه، فانتقل الى الفكر الليبرالي وصار يحمل مفهوما عقلانيا وعلمانيا، والالوسي وعبر ديوانه (زمن البوح) قدم العديد من القصائد العمودية بعضها اقترب من اشتغالات الجواهري وبعض الشعراء الرومانسيين، وقد وجدته صريحاً في بعض قصائده حين قدم شعراً تناول فيه الجانب الشخصي سواء على مستوى العائلة أو على مستوى الاصدقاء، بمعنى انها قصائد (اخوانية) كما وجدت بعض القصائد الوطنية مثل قصيدته المهداة الى الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم أو قصيدته التي حملت عنوان (الشهداء الثلاثة) والتي اهداها الى شهداء الحزب الشيوعي العراقي (فهد – صارم وعازم ) .
رحم الله الفيلسوف والمفكر والشاعر حسام الدين الالوسي وسيظل اسمه يلمع في غياهب العابرين الى الفلسفة.
902 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع