رووداو دیجیتال:في (27 تشرين الثاني 2024)، بدأ في حلب هجوم هام عندما باغتت هيئة تحرير الشام والجماعات المتحالفة معها قوات الحكومة السورية. كانت تلك بداية مرحلة جديدة في الحرب الأهلية السورية.
الهجوم بدأ فجراً حيث هاجمت قوات المعارضة المواقع العسكرية المهمة في ضواحي المدينة وتمكنت بسهولة من اجتياز الدفاعات الحكومية، وبحلول الظهيرة تحدثت الأخبار عن دخول قوات المعارضة إلى المدينة ومطارها الدولي وسيطرتها على ثانية كبرى المدن السورية.
مع احتدام المعارك في ذلك اليوم، تمكنت قوات هيئة تحرير الشام من الوصول إلى أطراف تلك المدينة المهمة، وأدى الهجوم إلى نزوح قسم كبير من السكان الكورد من حلب لاذوا بالمناطق الآمنة في أطراف المدينة بينما علق قسم آخر منهم في المدينة.
اليوم السابق لهجوم قوات المعارضة
في 26 تشرين الثاني، قبل هجوم قوات المعارضة بيوم واحد، غادر بشار الأسد إلى موسكو، وأقام هو وطاقمه في فندق (فور سيزنس) بموسكو لحين اللقاء مع بوتين. كان الكريملين قد حدد يوم الخميس موعداً للقاء، لكن تم تأجيل اللقاء لأسباب غير معروفة إلى الثانية من بعد ظهر الجمعة، وفي يوم الجمعة تم تأخير الموعد مرة أخرى، وبينما كان بشار الأسد ينتظر في الفندق، أبلغوه بأن بوتين سيكون بانتظاره في الخامسة مساء.
في ذلك المساء، اجتمع الأسد لمدة ساعة مع بوتين في الكريملين. كان الأسد قد طلب قوات روسية، كما طلب من روسيا تقديم تسهيلات لتمكين إيران من الوصول لنجدته. في الاجتماع، تظاهر بوتين بأنه موافق، لكنها كانت موافقة لم يتبعها أي فعل. حتى بعد انتهاء اللقاء وعودة الأسد إلى الفندق، لم يكن الكرملين مستعداً لإصدار أي بيان مشترك.
بدا الأسد يائساً في ذلك اليوم. ثم، في يوم السبت، استقل هو وابنه كريم طائرة روسية إلى دمشق التي وصلاها في الثامنة من ليلة 30 تشرين الثاني. أما ابنه الآخر، حافظ، فقد لحق بهما فيما بعد وعاد إلى دمشق.
في 30 تشرين الثاني، بدأت الضربات الجوية التي استهدفت مواقع قوات المعارضة، ودخل الجانبان معارك ضارية. كانت الحكومة السورية تحاول استعادة السيطرة على المناطق التي خسرتها، لكن مسلحي المعارضة كانوا يواصلون المواجهة والتقدم.
بدأ الوضع الاقتصادي لسوريا يتدهور مع بداية كانون الأول، وفقدت الليرة السورية أكثر من 90% من قيمتها، وكانت قوات المعارضة تزحف من كل الجهات باتجاه العاصمة دمشق.
الجولاني أعلن النصر
بدأ نطاق الهجمات يتسع في أطراف حلب، وكانت قوات المعارضة تتقدم جنوباً لتلقى مقاومة لا تكاد تذكر قبل أن تسيطر على حماة التي انبرى أهلها لتحطيم تماثيل أفراد عائلة الأسد، ووجه رئيس هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، بياناً قال فيه: أبشركم بأن إخوتكم المجاهدي والثوار قد بدأوا يدخلون مدينة حماة وأدعو الله عز وجل أن يكون فتحاً خالياً من الثأر، لأن الفتح كله رحمة ومحبة، الحمد لله تعالى".
في الأيام الأولى من كانون الأول، اتجهت قوات المعارضة صوب مدينة حمص، وكشف الزحف باتجاه حمص عن حقيقة أن الجيش السوري الذي كان ذات يوم قوة مرعبة في المنطقة، اختفى أمام قوات المعارضة في لمح بصر. أخليت المواقع العسكرية وتركت نقاط التفتيش بلا حرس.
النظام الدفاعي القوي الذي كان لسنوات بثابة قلعة حصينة لحماية سلطة الأسد، بات مجرد أطلال، والقوة القليلة الباقية تشرذمت وانهارت معنوياتها تماماً. لم يأت ذلك من لاشيء، فقد كان الأجر الشهري للجندي أقل من 20 دولاراً، والجنود الذين في جبهات القتال كانوا بلا خبرة وينقصهم السلاح. في المقابل، كانت المعارضة مزودة بمسيرات عسكرية متطورة، حيث كان هناك أكثر من 200 منها في مخزن بالقرب من مدينة إدلب، ومع بدء المعارك كانت المسيرات تهاجم جيش الأسد باستمرار.
انسحاب حزب الله وزيادة تدهور حال سلطة الأسد
زادت الأوضاع سوءاً عندما اضطر حزب الله، بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة ومقتل رئيسه، إلى سحب قواته من سوريا. أما روسيا الحليفة للأسد فقد اضطرت بسبب الحرب الأوكرانية إلى سحب عدد من طائراتها الحربية من سوريا إلى أوكرانيا.
ومع استمرار المعارك بدأت الدول المجاورة لسوريا بتحركات دبلوماسية، فاجتمع وزراء خارجية العراق وإيران وسوريا في بغداد، وكان حلفاء الأسد في سعي مستمر لإيقاف هجمات قوات المعارضة. فقال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في مؤتمر صحفي مشترك عقد ببغداد مع نظيريه الإيراني والسوري: لا شك أن المحور الرئيس والموضوع الرئيس مرتبط بالأوضاع الصعبة والخطيرة في سوريا".
لكن موقف جارة سوريا الشمالية، تركيا، كان مختلفاً تماماً، وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكل صراحة موقفه من هجمات المعارضة بالقول: تقدم المعارضة مستمر حتى الآن، ونحن نتابعه استخبارياً وإعلامياً. نأمل أن يستمر هذا التقدم في سوريا بلا مشاكل وبلا كوارث"، وفي يوم الخميس، 6 كانون الأول، أبلغ أردوغان المسؤولين العراقيين أنه لا توجد أي محادثات وأن أبواب الدبلوماسية مغلقة.
أما على الأرض، فقد احتشدت قوات الحشد الشعبي على الجانب العراقي من الحدود بين العراق وسوريا، وبدأ في بغداد ومدن جنوب العراق تسجيل أسماء الراغبين في الذهاب إلى سوريا للدفاع عن الأسد، وفي رسالة مصورة، دعا رئيس هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، رئيس الوزراء العراقي إلى عدم التدخل في الحرب السورية، وقال الجولاني في رسالته: مثلما نجح العراق ورئيس وزرائه محمد شياع السوداني مؤخراً في تجنب الحرب بين إيران والمنطقة، ونحن ندعم هذا، وندعو إلى أن يتجنب العراق التورط في حرب جديدة وفي ما يجري في سوريا".
بوتين لم يرد على بشار الأسد
حاول بشار الأسد مراراً الاتصال ببوتين، واتصل في الثلاثاء والأربعاء، 3 و4 كانون الأول، بالكرملين مراراً، لكن لم يتم الرد على اتصالاته. في الأخير تم الرد على الأسد لكن بفتور، وتم إبلاغه بأن بوتين في بيلاروسيا ولا يمكنه الاتصال به.
24 ساعة الأخيرة للأسد وهروبه
في يوم 7 كانون الأول، أعلنت هيئة تحرير الشام أنها دخلت ضواحي دمشق، ومع اقتراب قوات المعارضة من ضواحي العاصمة السورية، اجتمعت الدول المجاورة لسوريا وحلفاؤها في العاصمة القطرية، الدوحة، كانت إيران وروسيا تبحثان عن حل لإيقاف هجمات المعارضة وإنقاذ نظام الأسد. فأعلن وزير الخارجية الإيراني من الدوحة أن المعارك والمواجهات يجب أن تنتهي و"يجب احترام وحدة وسيادة سوريا والركون إلى قرارات الأمم المتحدة، والأهم من كل ذلك بدء مفاوضات بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة الشرعية"، ومن الدوحة أيضاً أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن القلق من الأوضاع في سوريا، وقال: نحن قلقون جداً على مستقبل الشعب السوري. لا نريد أن يواجهوا نفس مصير العراقيين والليبيين والأمم الأخرى التي خربها الذين يريدون فرض سلطتهم".
في يوم 7 كانون الأول أيضاً، خاض وزراء خارجية عدة دول عربية ومجموعة أستانة اجتماعاً دام حتى الساعات الأخيرة من النهار، ودعوا في بيان إلى إيقاف المعارك، لكن لم يكن للدعوة أي صدى على الأرض، واستمرت قوات المعارضة في التقدم، وأعلن المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن أنه يجب الإعدادا لمرحلة انتقالية و"لم تكن مرحلة انتقالية سياسية ضرورية كما هي الآن، ويبدأ ذلك ذلك من خلال التشكيل السريع لإجراءات مرحلة انتقالية شاملة وموثوقة في سوريا.
بدا وكأن أي مسعى لن يتمكن من إيقاف مسلحي المعارضة، فطالب المبعوث الأممي إلى سوريا بالإعداد لمرحلة ما بعد نظام الأسد.
خدع بشار الأسد طاقمه وشاغلهم
في الساعات الأخيرة لسلطته على سوريا، نفذ بشار الأسد خدعته الأخيرة على الذين اعتمدوا عليه. فبعد ظهر ذلك اليوم، كلف بشار الأسد طاقمه بإعداد خطاب له، ووجه طاقمه بأن يضم الخطاب مبادرة لإيقاف القتال، ثم تبين أن ذلك كان مجرد خدعة لينشغلوا بها بينما كان يعد العدة لمغادرة دمشق.
في يوم السبت ذاك من كانون الأول 2024، وقف أمام القادة العسكريين ووعدهم بالدعم الروسي، ذلك الدعم الذي لم يأت قط.
أصدر وزير الداخلية السوري بياناً أعلن فيه عن الاستعداد للدفاع عن دمشق، وفي الفترة بين الساعتين 11 و12 من ليلة السبت 7 كانون الأول، اجتمع بشار الأسد مع الملحق العسكري الروسي، وتم خلال الاجتماع وضع خطة هروب الأسد من دمشق بمساعدة روسيا، وفي الساعة 02:15 من فجر 8 كانون الأول، غادر بشار الأسد القصر الرئاسي ومعه حرسه الخاص ومدير مكتبه ووزير الدفاع ورئيس الأركان إلى مطار دمشق ومنه إلى القاعدة العسكرية الروسية في حميميم.
هروب العاملين في القصر الرئاسي السوري
انتشر بين العاملين في القصر الرئاسي أن الرئيس غادر دمشق، فسارعوا إلى مغادرة القصر على عجل يتملكهم الخوف والقلق، وكانت زوجة الأسد وأولاده قد هربوا إلى موسكو قبل ذلك، ومع شروق الشمس نشر رئيس وزراء حكومة الأسد رسالة مصورة أعلن فيها بما يقطع الشك نهاية نظام الأسد. قال الجلالي في رسالته: أنا في منزلي ولم أغادره، لأنني ابن هذا البلد ولا أعرف مكاناً آخر كوطني، في هذا الوقت الذي يشعر فيه الناس بالقلق والخوف، ومع أنهم جميعاً حريصون على هذا البلد ومؤسساته، فإنني من منطلق حرصي على المؤسسات العامة للدولة التي ليست ملكاً لي وليس ملكاً لأي شخص آخر، بل هي ملك لكل السوريين، أمد يدي إلى كل مواطن سوري حريص على هذا البلد لحماية مؤسسات البلد. أدعو جميع المواطنين إلى عدم الاعتداء على أي ممتلكات عامة لأنها في النهاية ممتلكاتهم".
في ذلك اليوم انطلق السوريون إلى الشوارع وقصدوا قصور ومباني وسجون نظام الأسد، وفي القصر كان الطعام متروكاً على المواقد وصور أفراد عائلة الرئيس الهارب متروكة في الأروقة والصالات.
مكث بشار الأسد حتى مساء 8 كانون الأول في القاعدة العسكرية الروسية، وبعد أن سقطت دمشق اضطر للهرب إلى موسكو بطائرة روسية أخرى مرت بهدوء تحت جنح الظلام عبر أجواء سوريا حاملة الرئيس المخلوع إلى روسيا.
وحسب مسؤولين عراقيين، فإن شقيق بشار، ماهر الأسد ومجموعة من الضباط السوريين سلكوا طريق الصحراء بسياراتهم وفروا إلى العراق، لكن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أعلن فيما بعد أن ماهر الأسد ليس في العراق.
الجيش الإسرائيلي قضى على 70% من قدرات الجيش السوري
في الساعات الأولى التي تلت سقوط الأسد وبينما توافد السوريون على الميادين والشوارع في مدنهم ومنهمكين في الاحتفال، استهدفت إسرائيل أكثر من 350 موقعاً عسكرياً في عموم أنحاء سوريا، فقصفت الطائرات والسفن الحربية الإسرائيلية المطارات والمؤسسات العسكرية ومخازن الصواريخ، وقضت تلك العملية العسكرية التي شنتها إسرائيل مباشرة بعد سقوط الأسد على 70% من قدرات الجيش السوري.
وهكذا حلت نهاية واحد من أكثر الأنظمة دموية في القرن الحادي والعشرين، وفر بشار الأسد من القصر الجمهوري الذي احتله والده بانقلاب عسكري قبل 53 سنة، في ليلة ظلماء فر رأس النظام الذي قتل مئات آلاف السوريين وجرح أكثر من نص مليون منهم وشرد 13 مليوناً من ديارهم واستخدم الأسلحة الكيمياوية لقتل شعبه. فسقط دكتاتور شرق أوسطي آخر في مواجهة إرادة شعبه.
734 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع