صورة وبصمة ومسح قزحية : الملايين من العراقيين على قواعد بيانات بيومترية أميركية

بيانات تتعدى على حرية العراقيين

الآلاف من البيانات الدقيقة تمنح واشنطن قدرة معرفة سجلات العراقيين أكثر من بغداد.

استغلت الإدارة الأميركية فترة احتلالها للعراق لجمع أكبر عدد ممكن من بيانات العراقيين بحجة مساعدة السلطة العراقية على تتبع المشكوك فيهم ورقابة الوضع الأمني غير المستقر. لكنها لا تزال إلى اليوم تحتفظ بهذه البيانات وهو ما يؤكد محللون أنه يمثل خطرا على أصحابها، ويخلق نوعا جديدا من التعدي على الحقوق.

العرب/لوس أنجلس/ بيروت - سيطر الجيش الأميركي على الفلوجة في 2004، ونظّم حملة اعتقالات لشبان في غرب العراق. وطالت هذه الموجة حسام عزام حين كان يبلغ من العمر 17 سنة رغم أنه قال إنه لم يشارك إلا في الاحتجاجات السلمية ضد الوجود الأميركي.

وحرص الجيش على إدخال صورته وبصمات أصابعه ومسح قزحية عينيه في قاعدة بيانات شملت مجموعة من المعلومات عنه وعن أسرته.

وقال في إشارة إلى احتفاظ الولايات المتحدة ببياناته البيومترية “إذا كانت قوات احتلال انتهكت حقوق دولة بأكملها… فستنتهك بالطبع حقوق الفرد”.

وعندما سافر عزام الذي يدير منظمة غير حكومية مقرها الفلوجة عبر مطار بغداد العام الماضي ظهرت الصورة التي التقطتها القوات الأميركية له حين كان يبلغ من العمر 17 عاما على الشاشة في الجمارك إلى جانب معلوماته الحيوية.

ويندرج جمع بيانات الملايين من العراقيين كعزام ضمن سعي الجيش الأميركي إلى “هيمنة الهوية”، وهو مصطلح صاغه جون وودوارد الذي كان مدير مكتب إدارة القياسات الحيوية بوزارة الدفاع من 2003 إلى 2005.

ودفع البرنامج إلى تخزين القياسات الحيوية لما يقرب من 3 ملايين عراقي في قاعدة بيانات في ولاية فرجينيا الغربية. وهي لا تزال مسجّلة بعد 20 عاما. ورأى المخططون العسكريون الأميركيون في القياسات الحيوية أداة رئيسية لـ”محاربة التمرد في العراق والحفاظ على سلامة القواعد الأميركية”. وقُدّم البرنامج بعد عشرين عاما من غزو العراق كمثال على كيفية استخدام هذه البيانات الحيوية لمعالجة التهديدات الأمنية.

لكن الجماعات الحقوقية (وبعض العراقيين الذين جُمعت بياناتهم قسرا) ترى أن البرنامج ينتهك الحقوق ويمهّد الطريق لجمع القياسات الحيوية الجماعية خارج نطاق القانون.

وقال جيرامي سكوت المحامي في مركز إلكترونيك برايفاسي إنفورمايشن بالولايات المتحدة “لقد جمعوا كل ما استطاعوا. لم يكن ذلك للتركيز على جمع بيانات الذين كانوا يمثلون تهديدا، بل لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات”.

وتابع لمؤسسة تومسون رويترز أن ذريعة جمع البيانات لم تعد قائمة لكن الأميركيين احتفظوا بقياسات الأفراد الحيوية. وتقرر إنشاء قاعدة بيانات القياسات الحيوية لوزارة الدفاع لمشاركة البيانات مع مختلف الوكالات الحكومية الأميركية الأخرى، بما في ذلك الهجرة وإنفاذ القانون، وفقا للمعلومات المنشورة على الإنترنت والمقاولين الذين ساعدوا في تأسيس هذا النظام.

وأحال متحدث باسم وزارة الدفاع أسئلة حول العمليّات في العراق إلى وكالة القياسات الحيوية التابعة للدفاع التي لم ترد على طلب للتعليق.

وأشار المتحدث الرسمي إلى وثيقة سياسة وزارة الدفاع لسنة 2016 التي تنصّ على تشجيع “جمع المقاييس الحيوية خلال جميع العمليات العسكرية وأنشطة الاستخبارات العسكرية حيثما كان ذلك قانونيا ومناسبا”.

عاصفة مثالية
تزامنت بداية حرب العراق مع البحث عن حلول بيومترية لمجموعة من تحديات الهوية، فقد أوصى مجلس علوم الدفاع بالولايات المتحدة في 2004 الجيش الأميركي بإطلاق حملة “لوضع علامات على الأهداف” في حربه على الإرهاب، “وتتبعها وتحديدها”.

وقال وودوارد الذي يعمل الآن أستاذا في جامعة بوسطن في مقابلة عبر الهاتف إن “حرب العراق كانت دليلا على مفهوم استخدام القياسات الحيوية لأغراض استخبارية. التقت العديد من العوامل وخلقت عاصفة مثالية”.

واستأجرت الولايات المتحدة متعاقدين من القطاع الخاص “لتسجيل” الملايين من العراقيين في قواعد البيانات بالإضافة إلى القياسات الحيوية التي جمعتها في العمليات العسكرية.

وسافر المقاول من أوكلاهوما توبي ستيل عبر محافظات العراق بين 2007 و2013 لجمع البيانات عن الآلاف من المواطنين وإرسالها على بعد أكثر من 6 آلاف ميل إلى قاعدة بيانات نظام التعريف الآلي للقياسات الحيوية التابعة للبنتاغون في ولاية فرجينيا الغربية.

وكان ستيل يعمل في الكثير من الأحيان 12 ساعة في اليوم لسبعة أيام في الأسبوع خلال تواجده في بغداد ونينوى وكردستان. وقال إن “المئات من الناس كانوا في طوابير لا نهاية لها”.

لكن آني جاكوبسن مؤلفة كتاب “قصة حرب حديثة في عصر هيمنة الهوية”، الذي يتناول برنامج القياسات الحيوية الأميركي، قالت إن الكثير من البيانات التي جمعتها القوات الأميركية والمتعاقدون قد تكون غير كاملة أو غير دقيقة.

وأضافت أنهم “جمّعوا قواعد البيانات دون أيّ رقابة تقريبا. ولهم الآن كمية غير عادية من البيانات التي جمّعوها بهذه الطريقة العشوائية”.

ويمكن أن تحتوي قاعدة البيانات إلى جانب القياسات الحيوية على تفاصيل كالانتماءات الدينية والفئات الحساسة الأخرى، وفقا للمواصفات التي تنشرها وزارة الدفاع.

كما نجح تحميل بصمات الأصابع وغيرها من البيانات البيومترية التي جُمعت في مواقع الهجمات الإرهابية، أو في مواقع يشتبه بتصنيع الأسلحة فيها.

وخصصت وزارة الدفاع في المجموع أكثر من 3.5 مليار دولار لبناء “القياسات الحيوية القتالية” بين عامي 2004 و2012، كما أوردت جاكوبسن في كتابها.

وكان على العراقيين الذين تقدّموا لشغل وظائف في القواعد الأميركية، أو دخول مناطق حساسة مثل المنطقة الخضراء في بغداد، التسجيل في قواعد البيانات البيومترية.

ويتذكر ستيل تسجيل الأشخاص من جميع الفئات، من عمال النظافة والطهاة إلى كبار المسؤولين الحكوميين.

وقالت الباحثة البارزة في جامعة كوبنهاغن كاتيا جاكوبسن إن طرح المقاييس الحيوية في العراق ساعد في ولادة “الفكرة القائلة بأنه إذا تمكنا من تحديد هوية الأشخاص، فسنكون أكثر أمانا”.

وقال تقرير صادر عن مكتب محاسبة الحكومة الأميركية سنة 2017 إن البيانات البيومترية ساعدت في القبض على 1700 هدف أو قتلهم خلال العقد السابق، ومنعت 92 ألف شخص من الوصول إلى القواعد العسكرية في العراق وأفغانستان.

وقال وودوارد “كان على الجيش الأميركي أن يعرف حين يحتجز شخصا ما إذا كانت المرة الأولى. لقد أنقذت البيانات الأرواح”.

حقوق غير مسبوقة
وأثارت الجماعات الحقوقية منذ البداية مخاوف بشأن برنامج القياسات الحيوية الأميركي في العراق والظروف القسرية التي تقول إنها سادت حين جُمعت البيانات، وإمكانية إساءة استخدامها.

ووجّهت إبيبك وهيومن رايتس ووتش والخصوصية الدولية (برايفاسي إننترناشيونال) رسالة إلى البنتاغون في 2007، وحذرت من أن “التجميع الهائل للملفات السرية عن العراقيين، المرتبط بمعرّفات بيومترية دائمة، يخلق خطرا غير مسبوق على حقوق الإنسان”.

واستفسرت المجموعات عن الضمانات الموضوعة لضمان عدم إساءة استخدام المعلومات والمدة التي خططت الولايات المتحدة لتخزينها فيها.

وقال سكوت إن إبيبك لم تسجّل تلقي رد، لكن وثيقة سياسة وزارة الدفاع لعام 2005 ذكرت تخزين القياسات الحيوية “إلى أجل غير مسمّى لدعم مساعي الحرب على الإرهاب”. ووفقا للأستاذة في جامعة ستانفورد نينا ديوي توفت دجانيغارا التي كتبت تقريرا عن القياسات الحيوية في العراق وأفغانستان، كانت الولايات المتحدة في قيد تطوير سياسة خصوصية القياسات الحيوية بعد خمس سنوات من بدء جمع البيانات على نطاق واسع. وأطلقت الولايات المتحدة قاعدة بيانات موازية للحكومة العراقية في 2004.

وقال أليكس كيلباتريك نائب الرئيس السابق في شركة إيديال إنوفايشن للتكنولوجيا والاستشارات الذي عمل على القياسات الحيوية مع الحكومة العراقية إنها “أرادت منح العراقيين نفس القدرات التي يمتلكها مكتب التحقيقات الفيدرالي لإجراء عمليات التحقق من الخلفية ومن الهوية”.

وأكد أن العراقيين لم يتمكّنوا من اعتماد البرنامج بالكامل بمفردهم رغم استخدام قاعدة البيانات في النهاية لفحص المتقدمين للشرطة العراقية ورقمنة بصمات الأصابع من 280 ألف سجل جنائي.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية في 2022 تبحث عن مقاولين لمساعدة وزارة الداخلية العراقية في الحفاظ على قواعد بياناتها البيومترية، وفقا لسجلات المشتريات.

ويرى بعض العراقيين الذين اضطروا إلى تسليم بياناتهم أن الولايات المتحدة تجاوزت كل الحدود. وقال سلام خالد، البالغ من العمر 38 سنة والذي أُجبِر على تسليم بياناته الحيوية للقوات الأميركية لدخول مدينته الفلوجة في 2005، إن “الأمر ينتهك في نفس الوقت الحريات الشخصية وسيادة العراق”.

ويدعو سلام الولايات المتحدة الآن إما إلى تسليم البيانات إلى العراق أو تدميرها. وقال “كان لديهم مبرر لذلك من قبل. كانوا يسيطرون على المنطقة ويفرضون قواعدهم. لكنهم غادروا العراق رسميا الآن. ولم يعد لديهم ما يخوّل لهم الاحتفاظ ببياناتنا إلى اليوم”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

876 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع