إحدى أسواق بغداد التجارية
المدى/يوسف المحمداوي:أظهرت الأيام التي سبقت شهر رمضان المبارك ارتفاعا ملحوظا بأسعار المواد الغذائية ،بعد ان فشلت الحكومة في تأمين المواد الغذائية في نظام البطاقة التموينية المعمول به منذ أيام الحصار وبالتحديد عام 1991،وكانت الحصة التموينية في بداية العمل فيها توفر العديد من مفرداتها على الرغم من تردي مادة الطحين في ذلك الوقت لاعتماده على مطاحن أهلية تبغي الربح السريع على حساب صحة المواطن المبتلى.
بعد التغيير وردت الأنباء بأن الحصة التموينية سيكون عدد مفرداتها في ظل التحول الديمقراطي والموازنات الانفجارية (40)مادة تتضمن اللحوم البيضاء والحمراء والعصائر والعطور ،لكن رياح التغيير أتت بما لا يشتهي المواطن المبتلى بالأزمات والوعود ليزال الصفر من الأربعين لتصبح أربع مواد فقط والأسباب في سلة الفساد ضبابية والمسبب مجهول كما هم أمراء الإرهاب.
كيلو ونصف من الرز البزمكي
شهر رمضان وهو يطل علينا في أول أيامه المباركة كان المواطن على موعد مع وعود أخرى تتمثل في مواد العدس والطحين الأصفر وثلاثة كيلوات إضافية من الرز البزمكي،وهذا يعد مكرمة من قبل الحكومة لمواطنيها لكونها ستساهم بخفض أسعار المواد الغذائية في الأسواق العراقية، المدى وللاطلاع على هذا المشهد سواء عند المواطنين أم وكلاء المواد الغذائية وكذلك الأسواق المتخصصة لمعرفة تأثير الحصة الإضافية على أسعار السوق العراقي تجولت ميدانياً واستطلعت آراء جميع الأطراف.
وكيل المواد الغذائية نجم عبد الله خلف بيّن للمدى ان المادة الوحيدة التي وصلت حتى يومنا هذا هي مادة الرز البزمكي الهندي، وجهزنا كل مواطن من تلك المادة بكيلو ونصف فقط في حين ان المعلن هو ثلاثة كيلوات مضافة على الحصة ،أما بقية المواد سترسل تباعا كما يبين خلف الذي توجد في داخل محله قطعة كتب عليها أوقات دوامه كما هو مثبت من الساعة الثامنة صباحا حتى الواحدة ظهرا ومن الثالثة حتى السابعة مساءً.
ارتفاع في الأسعار
احد المواطنين الذي ظن بأننا من الرقابة التجارية قام يكيل بالمديح للوكيل على أمانته ونزاهته ،لكنه عرّج قائلا اضطررنا إلى شراء الكثير من المواد الغذائية من السوق التجارية ،مبينا ان الأسعار ارتفعت لجميع المواد، فمثلا مادة الزيت ارتفعت (500)ألف دينار والرز كذلك في حين ارتفع سعر كيس السكر من 38 ألف دينار إلى 49 ألفا وكذلك بالنسبة إلى مادة العدس فارتفعت بشكل واضح ،مبينا بأنه اشترى كيلو العدس بألفي دينار بعد أن كان سعره(1500)،وأضطر إلى ذلك لأن شهر رمضان دخل علينا ولم نتسلم سوى (1500)غرام من الرز.
المواطن توما متي قال ان سبب ارتفاع الأسعار في الأسواق التجارية هو في توزيع المواد بصورة غير منتظمة ،فأنا مثلا تسلمت مادة السكر منذ شهر كانون الثاني عام 2012،فمن المسؤول عن هذا التأخير ؟بالتأكيد التجارة هي المسؤولة عن ذلك بحسب قول متي.
الحل بتجهيز المواد المتراكمة
الوكيل خلف الذي يجهز 136عائلة أوضح بدوره ان المواطن لا يفهم بأن هناك تأخيراً في توزيع الحصة أو عدم وصول الرز البسمتي بكامل الحصة التي أعلنتها وزارة التجارة ،لذا نصبح نحن في مواجهته وقد يصل إلى حد اتهامه لنا بالتأخير،واضاف خلف ان وصول مواد متأخرة إلى حد السبعة أشهر يجعلنا نعاني كثيرا من تذمر المواطنين ،وتذمرهم لم يتأت من فراغ بل من عوز ومعاناة طويلة لم تجد الوزارة لها حلا منذ عشر سنوات والحل هو في تجهيز المواطنين بالمواد المتراكمة المتبقية في ذمة الوزارة،حتى يعرف ماله وماعليه كما قال خلف.
مواطنة وهي تحمل ماتسلمته من كيس الرز البزمكي والطحين الأصفر قالت بشكوى:لماذا لم توزع الوزارة حصة رمضان اذا كانت جادة في توزيعها قبل فترة من موعد الشهر الكريم ،أم ان رمضان زائر مفاجئ ولا نعرف موعده،مبينة أن مراجعتنا أصبحت دائمية للوكيل ،يوم للرز ،ويوم للطحين ،وآخر للزيت ،ورابع للسكر،وهذا ما دعانا إلى التسوق من المحال التجارية بأسعار مرتفعة لأننا ندرك تماما ان المواد لاتصل كما أعلن وبالتالي المستفيد الأول التاجر والمواطن هو الخاسر كما بينت المواطنة.
السكر المستلم الآن من حصة 2012
وكيل المواد الغذائية والطحين جمال عبد الحسين الجشعمي الذي يجهز حوالي 580عائلة من أهالي البتاوين قال ان ماو صل من حصة رمضان هي كيلو ونصف الكيلو من الرز البزمكي وخمسة كيلوات من الطحين الأصفر،وعن الشهور السابقة والمتبقية فيها من المواد غير المجهزة يقول الجشعمي،ان الرز المستلم يتبع لشهر شباط أما الطحين فهو مجهز لشهر حزيران أما الزيت فهو من شهر آذار الماضي أما السكر فهو مجهز لشهر كانون الثاني من العام الماضي، مؤكدا ان تأخير توزيع المواد هو من يساهم بارتفاع الأسعار وبالتالي يتحملها المواطن ،وبين الجشعمي ان التوزيع غير المنتظم هو من يساهم في التلاعب بالمواد من قبل بعض الوكلاء ذوي النفوس الضعيفة،لأن إعطاء الموطن الحصة غير الكاملة قد تدفع بعض الوكلاء إلى عدم تجهيز المواطن بها كما بيّن الوكيل.
المطاعم ترفع أسعار وجباتها
المواطن سلام شنون علي صاحب أحد المطاعم أوضح أن أغلب المواد الغذائية في السوق ارتفعت والسبب هو التلكؤ بتوزيع الحصة التموينية،مبيناً ان مواد السكر والرز والسكر والشاي ارتفعت بصورة سريعة مع دخولنا في الشهر المبارك،مؤكدا أنها سترتفع في الأيام المقبلة أكثر إذا ما تأخر توزيع حصة رمضان التي أعلن عنها وأوضح شنون ان العديد من المطاعم قامت برفع أسعار وجباتها تحت ذريعة ارتفاع الأسعار،وناشد علي التجار الخشية من الله في هذا الشهر الكريم ورحمة الفقراء من أبناء شعبهم وعدم الالتفات إلى الأرباح فقط وتناسي الواجب الذي يمليه عليه الضمير بذكر العوائل المتعففة وشريحة العاطلين عن العمل وكذلك شريحة الأرامل في هذا الشهر الكريم الذي يجب ان نكون فيه أكثر تماسكا وتعاونا بحسب قول علي.
بعض الساسة تحوّلوا إلى تجار
المواطن ثائر محمد أعمال حرة شارك الجميع بأن تأخر توزيع الحصة التموينية هي السبب في الغلاء الذي اصبح ظاهرة في عموم البلاد ،وبين محمد انه من المعيب ان لا تجد الدولة منذ عشر سنوات الحلول المنطقية لعملية توزيع منتظمة بحيث تصل إلى المواطن بانسيابية لا يشعر من خلالها بالإحباط،الذي بات صديقا ملاصقا له،لكن العشوائية في عملية التوزيع هي من أوصلتنا إلى هذه النتيجة المخيبة للآمال.
حسين مزعل صاحب محل لبيع المواد الغذائية وهو مدرس متقاعد يرى ان أسباب عدم نجاح ظاهرة التوزيع المنتظم هو بوجود علاقات بين متنفذين في الدولة وتجار كبار بينهم اتفاقيات ينفذونها لرفع أسعار المواد الغذائية ،موضحا ان بعض المسؤولين تحولوا إلى تجار في سوقي الشورجة وجميلة ،والتوزيع غير المنتظم هو أحد أسلحتهم في ارتفاع الأسعار في رمضان أو بقية الشهور.
ارتفاع أسعار السكائر والعصائر
حسين كاظم إسماعيل صاحب أحد المحال الغذائية يقول ليس المواد الغذائية وحدها التي ارتفعت بل حتى السكائر، فمثلا الإسبين من سعر التكه (7750) إلى (8750) ألف دينار وكذلك بالنسبة للعصائر الجاهزة أيضا ارتفعت ،فمثلا كنا نبيع قنينة عصير الميزو بـ(500) دينار أما اليوم وبعد ارتفاع سعرها بالجملة نقوم ببيعها بـ(750)ديناراً،فكل شيء سعره مرتفع كما يقول إسماعيل إلا المواطن أصبح أرخص الأشياء في هذا الوطن،وتمنى على الحكومة أن تجد حلولا لشريحة الفقراء في بلد يعد من أغنى دول العالم.
التاجر فارس الصيصان أكد للمدى أن من أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية لا تتعلق بتوزيع الحصة وإنما بتوفر الدولار وشحه أحيانا أمام صفقاتنا التجارية ،فضلا عن شحن البضائع الذي اصبح غير آمن في بعض المنافذ ،خاصة البضائع التي كانت تأتينا من سوريا والآن انعدمت تماما ،وهذا ما جعلنا نبحث عن منافذ أخرى سعرها أغلى من البضاعة السورية،وعن علاقة سياسيين بتجار تؤدي إلى رفع الأسعار،قال إنها ظاهرة موجودة ،فالسياسي عراقي وكذلك التاجر ولكن هل تساهم تلك العلاقة برفع الأسعار؟! أكد الصيصان انه لا يستطيع الجزم بذلك الأمر ولو أن كل شيء محتمل في العراق الجديد.
الوزير:تلكّؤ في تجهيز السكر
وفي المؤتمر الذي عقده في مجلس النواب بيّن وزير التجارة بابكر زيباري العديد من الحالات التي جاء بها هذا التحقيق وخاصة المتعلقة بتأخر وصول مواد رمضان في موعدها المقرر،حيث يؤكد زيباري ان المواد المجهزة ضمن حصة شهر رمضان المبارك هي 500 غرام لكل مواطن من مادة العدس اعتبارا من هذه الأيام ، وسيتم يوم الخميس المقبل تجهيز باقي المحافظات ، أما مادة الطحين فيتم تسليمه بصورة منتظمة وقد تسلمت كافة مطاحن البلاد حنطة استرالية {طحين الصفر} بواقع خمسة كيلو غرامات لكل أسرة ، ملمحاً إلى وجود تلكؤ بالنسبة لتجهيز مادة الزيت لمدة شهر ، فقررنا تجهيز المواطنين بوجبتين من الزيت خلال شهر رمضان الكريم ، وتم التجهيز اعتبارا من يوم الأحد الماضي وبعد أيام سيتم تجهيز الوكلاء بالوجبة الأولى لشهر رمضان فيما ستجهز الوجبة الثانية منتصف الشهر الفضيل ، أما بالنسبة لمادة الأرز البسمتي فسيتم تجهيز المواطنين بالوجبة الأولى بواقع كيلو ونصف الكيلو غرام لكل مواطن من مادة الأرز الهندي البسمتي ، وبعد 15 يوما يتم توزيعها مرة ثانية ولكافة المحافظات ، مع تسلم الأرز العادي وسيتسلم مواطنو الفرات الأوسط أرز العنبر ، وفي ما يخص مادة السكر فلدينا تلكؤ في التجهيز ،وفي يوم 13 من الشهر الحالي تصل باخرة على متنها سكر روسي وسيتم التجهيز بعد الانتهاء من عملية الفحص " .
تريّث في السلّة الغذائية
وتابع ان " للوزارة خطة جديدة للأشهر المقبلة ، فبالنسبة لمادة الحنطة فقد تسلمنا كمية 3 ملايين و42 ألف طن ولدينا استيرادات حنطة كندية وأمريكية واسترالية وروسية ،والخزين الستراتيجي من الطحين يكفي لعشرة أشهر " . منوها إلى ان " الوزارة لديها خارطة طريق مستقبلية لوضع حد للمعوقات من اجل إيجاد آلية لتجهيز وتوزيع المواد ،والأيام المقبلة سنقدم للجهات المختصة مقترحاتنا الخاصة بتجهيز وتوزيع المواد " . وختم وزير التجارة خير الله حسن بابكر مؤتمره الصحفي بالقول " هناك تريث من قبل رئاسة الوزراء بموضوع السلة الغذائية لا سباب فنية " .
وتشير التقديرات الحكومية إلى أن العراق صرف أكثر من 36 مليار دولار على مشروع البطاقة التموينية منذ العام 2003 ولحد العام 2012 المنصرم،فضلا عن موازنة هذا العام ،ومع ذلك عزف العدس والزيت عن الحضور. ألتفت مضطرا إلى موائد فطور المسؤولين وما تحتوي من أشهى المأكولات ،وبعين دامعة أنظر إلى مائدة الأرملة أم جاسم وهي تفطر مع أيتامها ومع فقر المائدة،لكني واثق تماما بأن صيامها مقبول على العكس من هؤلاء الذين يدّعون الدين ومع ذلك رددت مع نفسي (هلبت كسرنه بخاطر الله).
610 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع