دير مارمتى
يكتسب دير مارمتى من جديد أهمية جديدة في وسائل الاعلام، مع توجيه العراق دعوة رسمية الى بابا الفاتيكان لزيارة الأماكن المسيحية المقدسة والأماكن التاريخية، حيث من المؤمل أن يزور البابا في حال تلبية الدعوة مدينة اور مهبط النبي ابراهيم في ذي قار، ودير مارمتى في الموصل شمال العراق.
إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: في الرحلة الى الدير الذي يقع في الحدود الجغرافية لمدينة الموصل (465 شمالي بغداد)، يمثل الى العيان الدير الأثري في أعلى قمة جبل مقلوب. ومن بعيد، يدهش المرء كيف يمكن الوصول الى القمة حيث الدير لكن اقتراب الخطوات منه يقود مباشرة الى درب مدرج يرتفع مع السفح ويطلق عليه اسم "طبكي"، وربما تعني الكلمة الطبقات التي تعلو بعضها البعض لغاية الوصول الى القمة. وطبكي بحد ذاته درب ساحر، يقودك الى أعالٍ أكثر سحراً، يتلوى مع انحناءات السفح الى اليمين واليسار، رصف بالحجارة على امتداد أكثر من الف متر، يأخذك رويداً الى قمة جبل مقلوب.
أثرنا عدم الانتقال بالسيارة الى الاعلى حيث يمكن ذلك ايضًا، اذ أن اغلب الناس تفضل هذا الطريق الحجري التاريخي الذي يضفي رونقاً ومتعة وانت تقطعه لمسافات طويلة الى الاعلى. ويقول توما كامل الذي التقيناه وهو يهم بالوصول الى فناء الدير، ويبذل جهداً استثنائيًا في الصعود لأنه كبير السن ( 70 سنة ) إن قطع هذا الطريق هو عبادة، اضافة الى أنه يجعلك تتذكر الرهبان القدامى الذين كانوا يصعدون اليه منذ أكثر من الف وسبعمائة عام.
ويضيف توما : كان هذا المكان قبلة المسيحيين الذين يرومون الوحدة والاعتزال عن العالم، وكثير منهم قضى حياته فيه متعبداً زاهداً. ووجّه العراق دعوة رسمية الى بابا الفاتيكان فرانسيس لزيارة مدينة أور في محافظة ذي قار ( 375 كم جنوبي العاصمة بغداد)، المكان الذي ولد فيه ابو الانبياء ابراهيم الخليل، اضافة الى الكنائس التاريخية في بلاد الرافدين والتي تعد من اقدم الكنائس في العالم.
وكان رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، البطريرك مار لويس ساكو، قال في تصريح لوسائل الاعلام في شباط من هذا العام، إن بابا الفاتيكان الجديد أبدى موافقته لزيارة العراق بناءً على دعوة وجهها له لزيارة الأماكن المسيحية المقدسة في البلاد.
ويعتبر الدير هو الاقدم في العراق، لا يمكن للزائر الوصول اليه الا عبر السيارة التي تقطع منطقة صعبة التضاريس عبر مدينة عقرة أو عبر مدينة بعشيقة وبحزاني حيث تمتد على جانب الطريق الذي يبلغ طوله نحو اربعين كيلومترًا، الكثير من جمال الطبيعة الذي يعتبر مقصدًا سياحياً لكثيرين ممن يعشقون جماليات المكان. والسائح القاصد للدير سيدهش من المناظر الخلابة للمزارع المتناثرة على طول الطريق وبينها القرى التي يجوبها المزارعون بمواشيهم.
وتوقفنا في وسط الطريق عند عائلة قروية كردية، دعتْنا لشرب الشاي قائلة إن وقوعها على الطريق الى الدير جعلها تتعرف على الكثير من الناس من العراق ومن الدول الأخرى.
ويقول الحاج محمود ( 70 سنة) إن هذا المكان عبر التاريخ شهد مرور الكثير من الرحالة والمستكشفين، وأن عائلة انكليزية زارت المكان قبل ثلاثين سنة وظلت المراسلات مستمرة بينهما الى ان انقطعت منذ نحو عشر سنوات.
ويتحسّس الانسان اقترابه من الدير، من الطبيعة الصخرية التي بدأت تبرز أمام الأعين، كما تتناثر القطع الصخرية هنا وهناك ليقول دليلنا إننا اقتربنا لكن أعيننا لم تلتقط صرح الدير بسبب التلال وسفوح الجبال.
وبعد برهة من الوقت اطل هيكل من صخور رُتّبت بعناية ليشير أحدنا بإصبعه الى الصرح الصخري المهيب الذي برز مثل قلعة هائلة لم يصلها انسان بسبب موقعها المنعزل والفريد الذي يمنحها هيبة ووقاراً.
ويقول أحد سكان المنطقة مسعود جليل إن الجبل سُمّي بالمقلوب لأن صخوره مرتبة بقدرة إلهية بشكل عكسي مقارنة باتجاه الصخور في الجبال الأخرى.
وما يميز هذا الجبل بحسب معروف أنه ارتبط بالزهد ورغبة البشر في الاتصال بالله بسبب ارتفاع قمة الجبل البالغة نحو 3400 قدم عن سطح البحر، فقد تقاطر على الدير أكثر من سبعة آلاف راهب طلبًا في الزهد والحرص على الاتصال بالله، لأن المكان هادئ وطبيعي ومرتفع، كما لم تخربه يد البشر أو تحرّف فيه الآلة الصناعية الحديثة. ويقول السائح ايهم الجبوري من الموصل إنه عبر سنوات يأتي الى هذا المكان طلبًا للهدوء، حيث يقضي ليلة أو ليلتين داعيًا الجهات الحكومية الى الاهتمام به كمقصد سياحي ومصح لعلاج الأمراض النفسية.
ويرى الجبوري أن أفضل ما يمكن أن يخدم الدير هو بناء مجمع لاستراحة الزوار وتأهيل الطريق المؤدي الى الدير. ويقول الأب خضر الذي يخدم المكان إن الزائر يجب أن لا ينسى أنه يطأ بقعة في العالم لم تتغيّر منذ 1600 سنة والى الآن وهذا امر نادر في هذا العالم الذي غيّر فيه النمو الصناعي والتقدم العلمي كل شيء. وما يثير الانتباه أن الدير ليس مقصدًا للمسيحيين فحسب، بل هو مقصد الناس من مختلف الديانات.
ويقول طارق سعود الذي قدم الى المكان وهو وأسرته، من مدينة زاخو الكردية، انه قدِم الى المكان طلباً للراحة والهدوء والجو العليل، مؤكدًا أن الكثير من الناس وحتى المسلمين يأتون سنويًا أيضا للراحة وطلبًا للشفاء والدعاء الى الله.
وعند القمة حيث لا شيء يعلو على صوامع الدير، ينساب الهواء بتيارات خفيفة منعشة، تكسر هدوء المكان التام. والدخول الى هذه الصوامع التي بنيت للرهبان لكي يتعبدوا فيها، بجانبها غرف صغيرة يمكن للزائرين المبيت فيها لعدة أيام، ويستمتع الزائر أيضًا باستكشاف كهف الناقوط التاريخي الذي عاش فيه العشرات من الزاهدين من الرهبان، والذي يرتبط تاريخه بتاريخ الدير. بنى الدير الملك الآشوري سنحاريب سنة 363 ميلادية، في غضون القرن الرابع الميلادي. والشيخ مار متى أصله تركي من قرية ديار بكر في تركيا، كان ناسكًا عابدًا مؤمنًا بالسيد المسيح، هرب الى هذه الاصقاع في جبل مقلوب هرباً من طغيان الإمبراطور لليانوس الذي كان وثنيًا.
345 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع