العراق فريسة التصحّر ووحده النخيل صامد حتى الآن

    

إيلاف/وسيم باسم:ينتشر التصحّر في الأراضي العراقية بعد أن أعلنت وزارة الموارد المائية عن حاجة ملحة لكميات كبيرة من المياه للحد من هذه الكارثة التي تزحف إلى الكثير من المناطق، وتدفع المزارعين إلى مغادرة أراضيهم.

بغداد: في وقت أعلنت فيه وزارة الموارد المائية في العراق عن الحاجة الملحة لحوالى ستين مليار متر مكعب من المياه سنويًا للحد من التصحر، يتم تأمين كمية من هذه الحاجة في الوقت الحاضر لا تتجاوز الربع، ويظهر ذلك جليًا عند التجول في السيارة على الطرق الخارجية، لتجد الأراضي الجرداء القاحلة التي تحيط بالمدن. ومع احتفال دول العالم باليوم العالمي لمحاربة التصحر، في 17 حزيران (يونيو)، فإن الجفاف يمثل خطرًا على العراق، يتعاظم كل عام.

ويقول سعد القريشي، الذي يعمل في استيراد مضخات الري وبيعها بواسطة شاحنات تقطع الصحراء بين العراق ودول الجوار، إن المسافر نحو الداخل العراقي سواء من سوريا او الأردن او إيران يندهش للمساحات الصحراوية الواسعة التي تزحف على الطرق الخارجية، وتكاد تلتهم الاسفلت عبر الرمال المتحركة. ويقول عوني ذياب عبدالله، مدير المركز الوطني لإدارة الموارد المائية، يتوافر في العراق أربعة مليارات متر مكعب من المياه الجوفية كناتج من الأمطار، وهي كمية لا تكفي لسد الحاجة الفعلية للحد من التصحر.

تركوا أرضهم

في جنوبي بغداد، التي كانت تشتهر ببساتينها ومزارعها، يؤكد حسين الجبوري، الذي هاجر إلى بغداد تاركًا أرضه، أن حاله يشبه حال المئات من المزارعين الذين تركوا أرضهم طوال السنوات الماضية، بسبب التصحر الناتج من غياب برامج الاستصلاح التي لا تتم في ظل ندرة المياه. ويتابع الجبوري حديثه: "لا مفر من تحولّنا إلى عاطلين على أطراف المدن، لكنني أزور قريتي بين الحين والآخر في محاولة لإعادة زراعة أرضي، إلا أن شح المياه يحول إلى الآن دون ذلك".

وفي نفس الوقت، غادر صائب الهاشمي قريته على الطريق بين الديوانية والحلة، ليستقر في المدينة بعدما يئس من إمكانية استصلاح أرضه. واضطر الهاشمي إلى النزوح بعد تراكم الديون عليه، حين فشلت خطط زراعة أرضه وأثمرت عن إنتاج لا يسد حتى تكاليف زراعة الحنطة والشعير التي كان يتوقع ان تدر عليه ربحًا جيدًا.

ويؤكد الهاشمي أن ظاهرة بيع الأراضي والبساتين وتحويلها إلى مشاريع عمرانية وصناعية مستمرة، بسبب قلة المياه وزحف الصحراء، وهي تتزايد بوتيرة متصاعدة. يقول: "الصامد الوحيد بوجه التصحر حتى الآن هو النخيل، الذي بدأ يتهاوى أيضًا".

  

بساتين تتحول مشاريع

على طول الطريق من بغداد إلى المدن الوسطى والجنوبية، تحولّت البساتين والمزارع التي كانت تحتضن الطرقات إلى مطاعم وكراجات سيارات وورش غسل وتصليح ومتاجر بقالة ومشروبات، على طول خطوط المواصلات الرئيسية. وفي منطقة ريف المسيب، يقول زاهر محسن إن الكثير من الفلاحين باتوا يعتمدون على المياه الجوفية للشرب والإرواء في نفس الوقت. لكن الهاشمي يرى أن قرار أي فلاح بهجرة أرضه أمر غير صائب، "وعليه الصمود فيها حتى مع صعوبة لقمة العيش، وإيجاد الحلول اللازمة".

وبالرغم من أن نسبة الأمطار المتساقطة في شتاء هذا العام كانت جيدة، إلا أن الاستفادة منها قليلة، لغياب التقنيات الحديثة في الارواء والخزن. لكن الفلاح ابوعصام، الذي ما زال يزرع ارضه كل عام، يعاني من تدني الانتاجية.

ويقول المهندس الزراعي أيمن الوائلي أن التصحر يفقد العراق نحو 100 ألف دونم من أراضيه القابلة للزراعة سنويًا، بحسب احصائيات وزارة الزراعة. وبحسب الوائلي، أغلب المزارعين العراقيين الذين يعيشون عند خطوط التصحر يعتمدون على المياه الجوفية المتجددة بفعل الأمطار والمياه المتسربة والأخرى الجوفية الثابتة.

وحفرت وزارة الموارد المائية العراقية 750 بئرًا في 15 محافظة خلال العام 2012، لكن هذا العدد ضئيل جدًا أمام الحاجة الكبيرة لهذه الآبار، بحسب الوائلي.

  

رمل يزحف إلى المدن

في المدن المتاخمة للصحراء، بات منظر الكثبان الرملية وهي تغزو الطرق الخارجية أمرًا مألوفًا. ومع اختفاء الغطاء النباتي، وعدم وجود مشاريع كبرى لتعزيز المظلات الخضراء حول المدن، يتفاقم خطر التصحر بشكل اكثر.

وأهم معضلة يواجهها الناس في الأرياف، بحسب ابو سعيد، من شمالي كربلاء، ليست مشاكل الزراعة فحسب، "بل التصحر الذي قضى على مناطق الرعي الطبيعية، ما أدى إلى انتشار ظاهرة الرعي الجائر الذي سبب نزاعات ومعارك بين الفلاحين".

وبحسب عصام حسن من ذي قار، فإن الهيئة العامة لمكافحة التصحر تحتاج إلى الدعم المادي، وتعزيز ملاكاتها وتقنياتها لكي تتمكن من آداء دورها. وفي أغلب محافظات العراق، فإن ملاكات هذه الهيئة لا يتناسب وحجم المهام الملقاة على عاتقها.

ويقول علي حسن، الموظف في الهيئة، إن حوالى تسعين منتسبًا للهيئة تظاهروا هذا الاسبوع في ناحية الفجر في ذي قار مطالبين بتثبيتهم في وظائفهم. يضيف: "كيف يمكن أن نؤدي المهام الملقاة على عاتقنا، وراتب الموظف لا يتجاوز مئة وخمسين دولارًا".

وتبلغ مساحات الأراضي الزراعية المهددة بالتصحر مليونين و881 ألف دونم في محافظة ذي قار وحدها. وفي محافظة الأنبار، تراجع منسوب مياه الأنهر بسبب قلة تساقط الأمطار وضياع المياه وبدائية شبكات الارواء إلى تفاقم الوضع في منطقة هي عبارة عن أراض صحراوية في الأصل.

ويلخص مهدي الكاظمي، وهو مهندس ري، الحلول في اعتماد تقنيات ري حديثة، لتقليل الهدر وكذلك ضمان اتفاقيات ثنائية مع دول الجوار للحفاظ على مناسيب مياه جيدة في الأنهر، إضافة إلى إنشاء خزانات وسدود على الأنهار لتقليل الهدر في المياه التي تصب في شط العرب والاستفادة من المياه الجوفية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

999 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك