السينما العراقية: أغنيات على مقام القطاع الخاص

       

العربي الجديد:علاء المفرجي:سادت أفلام الأغاني في السينما العراقية مع بداية الإنتاج السينمائي العراقي، منتصف القرن العشرين، متأثّرة بسيادة هذا النوع من الأفلام في السينما المصرية واللبنانية.

كان لهذه السينمات دور بارز في الإنتاج السينمائي العراقي، تحديداً في الأفلام الأولى، خصوصاً أنّ إنتاج الأفلام العراقية، في بدايتها، كان رهن شركات القطاع الخاص، التي ازدهر نشاطها في الخمسينيات الماضية. عموماً، كانت أفلام الأغاني تستلزم إنتاجاً كبيراً، وهذا سبَّب انحسارها بشكل كبير في ما بعد.

إنتاجٌ فقير

تبدو السينما العراقية فقيرة من حيث الإنتاج، قياساً بمثيلاتها المصرية واللبنانية مثلاً. كما أنّها مُقصّرة عن اللحاق بها، خبرةً وقِيماً فنية، عامة. هذا انسحب على إنتاج أفلام الأغاني بشكل خاص، إذْ تميّزت هذه الأفلام بخطابها المباشر، بل بسذاجة مواضيعها التي احتكمت الى سيناريوهات مفكّكة، وإخراج لا يرتقي الى مستوى مقبول، على الأقلّ. مثلاً: "ارحموني" (1958) لحيدر العمر ليس سوى ميلودراما منسوخة بشكل مشوّه من الأفلام المصرية.

وإذا عرف نجاحاً في الصالات العراقية، فبفضل مُشاركة اثنين من نجوم الغناء آنذاك، الملحن رضا علي وهيفاء حسين. الأمر نفسه يحصل مع أفلامٍ عدّة، ارتكزت على مشاركة مطربين عراقيين، أصابوا شهرة وقتذاك، كالموسيقار والملحّن فاروق هلال، بطل فيلمي "مع الفجر" (1964) لعبد الجبار العبيدي، و"درب الحب" (1966) لبرهان الدين جاسم؛ وصوت المطرب داخل حسن في "العودة الى الريف" (1963) لفالح عبد العزيز، و"الجزاء" (1970) لحسين السامرائي، الذي شارك في بطولته اثنان من نجوم الغناء الصاعدين حينذاك، ياس خضر وجاسم الخياط.

لم تلقَ هذه الأفلام استحساناً من النقّاد، رغم النجاح الجماهيري لبعضها في الصالات العراقية. حتّى الرقابة منعت أحدها، بعد إطلاق عرضه بثلاثة أيام، "حمد وحمود" (1986) لإبراهيم جلال، بسبب أفكاره السطحية وسذاجته وضعف إخراجه. بينما يُعدّ "البصرة الساعة 11" (1963) لوليم سايمون أفضل هذه الأفلام، التي شهدت انحساراً واضحاً في العقود الثلاثة الأخيرة: انطوى على لغة سينمائية متقدّمة، في إطار دراما بوليسية ومطاردات بين الشرطة ومهرّبي المخدرات، وشاركت في بطولته إحدى أهمّ مطربات ذاك الزمن، أحلام وهبي. هناك أيضاً الفيلم الغنائي الحديث "إلى بغداد" (2020) لأنور الياسري، مع نجم الغناء العراقي ستار سعد، الفائز ببرنامج The Voice.

لكن، ورغم تطوّر تقنيات صناعة الأفلام، لم يخرج هذا العمل عن مستوى سابقيه. يصحّح المخرج طارق الجبوري مصطلح الأفلام الغنائية، قائلاً بـ"أفلام المطربين"، إذْ يرى أنّ أغلب هذه الأفلام "مجموعة توليفات لأغان تُصنع لها حكاية وحبكة ونوع من الصراع، يناسب مواضيع الأغاني"، مُشيراً إلى أنّه في أحيانٍ عدّة "تُصنع أغنية هنا وأغنية هناك لإكمال سلسلة الأحداث، وتعزيز الموضوع والحبكة"، ومُضيفاً: "هكذا هي الأفلام الغنائية، من فرانك سيناترا إلى ألفيس بريسلي، حيث استفادت هوليوود من شهرة نجوم الغناء، فاستغلّتهم لتحقيق إيرادات كبيرة، وفبركة قصص تتخلّلها أغان لهم".

وكما حصل في مصر، مع أفلام أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وغيرهم، فغالبية هذه الأفلام منضوية في إطار الميلودراما، التي تتلاعب بعواطف المتلقّي ووجدانه. ويشير الجبوري إلى أفلام الشرق الأوسط، أي الأفلام الهندية والتركية والإيرانية والعراقية، كـ"ارحموني" و"نعيمة" (1962) لعبد الجبار توفيق ولي، ثم جاء "مدّ الأفلام الهندية، مكتسحاً صالات السينما في هذه المنطقة".

رحيلٌ فانهيار

ويرى الجبوري في رحيل نجوم الغناء، الذين كانوا يُشكّلون رقماً صعباً في شبّاك التذاكر، والذين لم يعد لهم وجود، سبباً في انحسار هذا "النوع السينمائي". يقول: "جميع نجوم الغناء الحاليين لا يمكن أنْ يُشكّلوا ظاهرة سينمائية في هكذا نوع من الأفلام، بعد أنْ أصبح عددهم هائلاً". ويتابع قائلاً: "بكل الأحوال، لا يُمكن إنتاج أفلام إيراداتها لا تغطّي تكاليف إنتاجها. فالجدوى الاقتصادية ضعيفة".

هناك سبب آخر لغياب هذا النوع السينمائي، بحسب الجبوري: "في الماضي، كان هناك مخرجون متخصّصون في هذا الميدان، لم يحلّ محلّهم آخرون. في العراق، وكما نعرف، هناك من يفتقرون إلى التقنية، والأعمال تعاني ضعفاً في القصّة والحبكة، والنجوم الحاليون ليس لهم انتشار أو مساحة جغرافية عربية".

أما الشاعر والناقد الموسيقي علي عبد الأمير عجام، فيرى أنْه "ليس غريباً انحسار الأفلام الغنائية عربياً، لأنّها تمثّل نوعاً من الإنتاج السينمائي كبيراً ومُكلِفاً، فضلاً عن الشغف الذي يميز القائمين عليه، لجهة كيفية بناء جسر بين الصورة والصوت، وفق تصوّر جمالي شامل، يبدأ باختيار أجمل الوجوه وأقربها إلى الجمهور، وصولاً إلى تكليف ملحنين كبار وشعراء أغنية، ومروراً بمُصمّمي رقصات (كوريغراف) وديكورات خاصة". يُضيف: "الشغف هذا غير موجود اليوم، كما أنّ التجريب الإنتاجي نادرٌ، ذاك الذي يبدو اليوم مغامرة غير محسوبة، والمكانة التربوية والجمالية التي كانت تحقّقها الأغنية في الجمهور غير حاضرة".


إذا كان الإنتاج السينمائي العراقي في مجال "الفيلم الغنائي" فقيراً نسبياً، قياساً إلى مثيله المصري وحتى اللبناني، إلا أنّ له حضوراً وتأثيراً في أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته، مع انتعاش روح المبادرة الفردية، وثقافة الإنتاج الخاص: "منذ منتصف الستينيات الفائتة، تراجع الإنتاج بل انحدر، قبل أنْ يتمّ تأميم السينما، وإخضاعها لذائقة حكومية قائمة على استخدام السينما، وعموم العمل الثقافي، في الدعاية الرسمية و"غسل الدماغ" بما يناسب العقيدة الحزبية الحاكمة".

لا إنتاج سينمائيا حقيقيا من جهته، يرى الناقد والأكاديمي سالم شدهان أنّ انحسار الفيلم الغنائي، الراقي والعربي، يتلخّص بعدم وجود "النجم الأول"، الذي يراهن عليه المنتج، كالرهان على عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفريد الأطرش مثلاً، بالإضافة إلى الكلفة العالية، التي يحتاج إليها تصوير الأغاني: "هناك أيضاً كثرة الفضائيات التي تبثّ لقاءات وبرامج مع النجوم بسهولة، والأرقام الخيالية التي يطلبها النجوم الحاليون، وانحسار هذا النوع في العالم عموماً". يضيف شدهان أنّ انحسار النوع في العراق، بالإضافة إلى الأسباب السابقة، "متأتٍ من عدم وجود إنتاج سينمائي حقيقي، والموجود ليس سوى تجارب فيلمية شخصية، تحاول أنْ تحقّق ذاتها، علماً أنْ لا وجود لسوقٍ سينمائية للفيلم العراقي".

الباحث السينمائي مهدي عباس يقول إنّ هناك نوعين من الأفلام الغنائية في السينما العراقية: نوعٌ يكون فيه البطل أو البطلة مُطرباً، ونوعٌ تقحم فيه الأغاني على الفيلم. بالنسبة إليه، النوع الأهمّ هو الأول، و"السينما العربية عامة، والمصرية خاصة، استفادت من اختيار مطربين ومطربات في بطولة الأفلام، فتحقّقت نجاحات كبيرة، من عبد الوهاب إلى أم كلثوم وفريد الأطرش ومحمد فوزي وعبد الحليم وشادية ووردة وصباح، وغيرهم".

ويشير عباس الى أنّ السينما العراقية حاولت تقديم أفلامٍ غنائية. لكنْ، بسبب قلّة الإنتاج السينمائي العراقي، "لم يكن نصيب أيّ مطرب أو مطربة سوى فيلم واحد، أو فيلمين في أفضل الأحوال". يُضيف: "للأمانة، هذه الأفلام نجحت جماهيرياً، كـ"ارحموني" مع المطربة هيفاء حسين، و"بصرة الساعة 11" و"ليالي العذاب" مع المطربة أحلام وهبي، و"إلى بغداد" مع المطرب ستار سعد"، مُشيراً إلى أنّ أفلاماً كهذه "حقّقت نجاحاً جماهيرياً كبيراً"، ومُذكِّراً بأنّه "تمّ إشراك عددٍ من المطربين في وصلات غنائية، في عددٍ من الأفلام، كما حصل مع داخل حسن وحضيري أبو عزيز وجعفر حسن ومائدة نزهت وعباس جميل وياس خضر، وغيرهم".

   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

682 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع