محل لبيع الالبسة والرتب العسكرية في السوق
بغداد – العباسيـة نيـوز: سعدون المسعودي:حدثني صديق يعمل لسنوات طويلة أستاذاً في الجامعات الليبية واختصاصه الأدب الانكليزي قائلاً:
قدمت أوراقي ومستمسكاتي إلى جامعة الفاتح في طرابلس وحددوا لي موعداً لمقابلة اللجنة التي تتولى اختيار المؤهلين علمياً للعمل كأساتذة في الجامعة وفي يوم المقابلة والكلام لا يزال لصديقي الأكاديمي دخلت على اللجنة، دققوا في المستمسكات ومن ثم سألني احد أعضاء اللجنة مع جدية واضحة على المعاملة: هل شهادتك من جامعة مانشستر البريطانية صحيحة أم أنها من مجمع مريدي الأكاديمي؟ عقدت المفاجأة لساني لفترة وجيزة وجاء دوري لأسأله: وهل تعتقد إن بإمكان أي فرد ألقاء محاضرة عن الشعر البريطاني مع مقتطفات من قصائد لشعراء رومانسيين أفذاذ مثل ووردسورت و اليوت وكيتس وباللغة الانكليزية مع أيراد بعض الملاحظات والنقد الموضوعي .. هل تعتقد ذلك؟
اعتذر الرجل وقال بالحرف الواحد: لقد صعقنا من تردي مستويات بعض الاساتذة العراقيين الذين قدموا بعد الاحتلال الامريكي، ممن يدعون أنهم خريجو اعرق الجامعات العربية والأجنبية ولكنهم بعد محاضرات لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة يكتشف حتى طلبتهم مدى ضحالة إمكانياتهم وعجزهم عن إيصال المادة العلمية أو الأدبية إلى أذهان المتلقين .
وضحك عضو اللجنة وشاركه الضحك بقية زملاءه وهو يقول ساخراً: أن مجمع مريدي الأكاديمي بفضل جهود رئيس الحكومة نوري المالكي أصبح منافساً وخطيراً لأعرق الجامعات الرصينة في العالم !!
أنها صورة أو حالة واحدة تكشف عن مدى الإمكانيات والقابليات الاستثنائية في عالم التزوير والتزييف الموفرة في مكاتب سوق مريدي الذائع الصيت على مستوى العراق كله وربما إلى خارج البلاد.
سوق مريدي أصبح اسماً ملاصقاً ومرادفاً لممارسة الخداع والخديعة وترويج تزوير الوثائق الدراسية والمستمسكات الشخصية (جنسية، شهادة جنسية، جواز سفر) عبر التفنن في ابتكار وسائل تزوير الأختام الرسمية وصيغة الأوامر الوزارية والإدارية لكل مؤسسة ودائرة تابعة للدولة العراقية، ويتباهى أسماء الصف الأول وفي عالم التزوير وكما يطلق عليهم زبائنهم الدائمين والوسطاء بين الطرفين بأصحاب الأصابع الذهبية أو السحرية لبراعتهم في صنع اخطر واهم الوثائق وبطرق فنية إلى درجة يصعب التميز بين الأصل والمزور، يتباهى هؤلاء بان شعارهم الدائم هو: تباً للوثائق الرسمية مادمنا نحل الألغاز ونفك الرموز ونقدم أفضل ما لدينا لمن يدفع المعلوم !
ويؤكد أرباب التزوير أن تطور المهنة يقتضي منهم التعرف الدائم على أفضل الطرق الكفيلة لانجاز الوثيقة المزورة وبالشكل الذي يضمن تمريرها بسهولة وبالتالي تحقيق الهدف المطلوب من جانب صاحب الشأن ..
ويتباهى ألمع النجوم في عالم التزوير بأن كبار المسؤولين وبينهم وزراء ووكلاء وزارات ومستشارين ومدراء عامين في هذه الدولة العراقية يدينون لهم بالفضل فيما وصلوا إليه من مكانة عالية ومرموقة في الطبقة السياسية الحاكمة من خلال حصولهم على شهادات مزورة وأكثرها شهادات الحصول على درجة (الدكتوراه).
الناطق باسم رابطة المزورين الغير معلنة رسمياً واسمه (خالد ..نــ) يوضح أكثر فأكثر مؤكداً على أن ممثلي الشعب في مجلس النواب أكثر زبائنهم سخاء وكرماً مع أن طلباتهم غير صعبة المنال لأنهم لا يطلبون سوى شهادات دكتوراه بدرجة (الامتياز) من الجامعات الإيرانية مثل جامعات طهران وقم وتبريز وأصفهان!
التزوير بات حرفة ومهنة للكثيرين تقتضي التطور وابتكار فنون جديدة لمواجهة التغير الدائم لشكل المستمسكات والوثائق الرسمية في العراق وبقية البلدان من اجل إحباط خطط المزورين وتفويت الفرصة عليهم في العمل المريح والمربح لتعودهم على صيغة محددة شبه دائمة لأهم الوثائق المطلوبة على الصعيد الشخصي.
والتزوير بات صناعة رائجة وسوقاً لعمل العشرات وربما المئات من الذين ارتضوا لأنفسهم النصب والاحتيال وتزوير الحقائق وتزييف التاريخ والتلاعب بمصائر حشود بشرية تبحث عن طرق ملتوية وغير أخلاقية لتحقيق مآربها الشخصية دون أي عناء أو جهد حقيقي، وإنما عن طريق القفز فوق الحقائق وعدم احترام الذات وذلك يعني ببساطة السقوط المخجل في هاوية التضليل والخداع والدجل والكذب.
المزورون في معقلهم الشهير والمدوي في سوق مريدي يعملون في وضح النهار دون خوف أو وجل من جهات حكومية رقابية وهم حتى لا يصيبهم الحرج والخوف من أي قادم يتجول داخل مقارهم طلباً لوثائق محددة بعيداً عن الدوائر الرسمية صاحبة الشأن والعلاقة.
وكما تقول السيدة أم كلثوم في أغنيتها الشهيرة : طوف وشوف.
نعم طوف وشوف، فسوف تلقى العجب وتعقد لسانك الدهشة وأنت ترى بأم عينيك ما يجري في هذا العالم الغريب من ترويج هائل للمستمسكات المزورة بعيداً عن الطرق البدائية وكما كان الحال في السبعينيات والثمانينيات من قرن المنصرم ومضى.
وبدأ عالم جديد وبدأت الألفية الثالثة لابد من مجاراة التطور التكنولوجي الهائل واعتماد مختبرات حديثة وتقنيات متقدمة في مقدمتها أجهزة الحاسوب في آخر أجيالها.
نعم سوق مريدي يجاري التطور العلمي في أعداد المستمسكات المزورة المطلوبة لزبائن وهم بطبيعة الحال مسرورون لان ذلك يوفر لهم سرعة الانجاز مع تطمينات باستحالة اكتشاف الفرق بين الوثيقة أو الختم الرسمي ومثيلتها المزورة.
ولأننا في العراق نتعامل مع مسؤولين وقياديين في أحزاب وتشكيلات سياسية جاءوا إلى السلطة عن طريق الخداع وتزوير الشهادات والمستمسكات وكذلك الحال مع بعض الذين يحتلون المقاعد في مجلس النواب وهؤلاء جريمتهم أفظع وأشنع لأنهم زوروا الأرادة الجماهرية وباعوا الأكاذيب والأحلام المزيفة، والحال هكذا فان سوق مريدي سيظل لزمن طويل يمارس التزوير والتزييف والخداع دون أية محاسبة أو رقابة لان العراق كله يشهد قلب وتزييف الحقائق لصالح أصحاب السوابق وفاقدي الضمير والأخلاق والغيرة الوطنية.
837 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع