نوري المالكي يبدأ حملة استعادة موقعه في السلطة عبر إرباك عمل الحكومة العراقية

    

الفترة المتبقية على موعد الانتخابات البرلمانية المبكّرة في العراق ستكون بامتياز فترة التنافس الشرس وخوض المعارك السياسية، سعيا لتصدّر المشهد ومحاولة إسقاط الخصوم والمنافسين بإثارة القضايا المنسية والنبش في الملفات بحثا عن ثغرات ونقاط ضعف هؤلاء الخصوم على غرار ما يقوم به حاليا ائتلاف رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ضدّ رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي.

العرب/بغداد – شرع ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي في الدفع بالنائب محمد شياع السوداني كواجهة جديدة للائتلاف المتضرّر بشدّة من السمعة السيئة لزعيمه التي جرّت عليه تراجع عدد مقاعده في البرلمان إثر انتخابات سنة 2018 والمهدّد بمزيد من التراجع في الانتخابات المبكّرة المقرّرة لصيف العام القادم، الأمر الذي من شأنه أن يجعله عمليا خارج معادلة السلطة التي ستنشأ عن تلك الانتخابات.

ويرى ائتلاف المالكي في السوداني المستند إلى تجربة ناجحة عندما شغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة حيدر العبادي بين سنتي 2014 و2018، وجها قابلا للتسويق ومنافسة رئيس الوزراء الحالي الذي تشير التقديرات إلى تمتّعه بقدر من الشعبية بفعل عدم انتمائه للأحزاب التي قادت البلاد منذ 2003 وأفضت بها إلى وضع كارثي على مختلف المستويات.

وبدأ السوداني هجومه على حكومة الكاظمي الهادف للتشكيك في نزاهتها وهزّ ثقة الشارع فيها من بوابة ملفّ خدمة الهاتف الجوال الذي يحتوي على عدد من الثغرات موروثة أصلا عن حكومات سابقة.

وباتت خدمة الهاتف الجوال في العراق تواجه مصيرا مجهولا، بعدما عطل القضاء مصادقة الحكومة على تجديد رخص عمل ثلاث شركات خاصة في مجال الاتصالات، تقدم خدماتها لأكثر من 20 مليون مشترك.

وبدأت القصّة عندما رفع النائب محمد شياع السوداني القيادي البارز في ائتلاف دولة القانون، دعوى ضد الحكومة لأنّها جددت رخص شركات الهاتف الجوال الثلاث من دون أن تستحصل منها ديونا بذمتها منذ أعوام.

وبناء على مرافعة من طرف واحد، أصدر القضاء أمرا ولائيا يقضي بتجميد إجراءات التمديد مؤقتا، ودعوة المدّعِي والمدَّعَى عليه إلى تقديم دفوعاتهما خلال جلسة طارئة.

ونظرا لثبوت أحقية الحكومة باستحصال الديون المترتبة على الشركات قبل التجديد لها، حصل السوداني على حكم سريع بإبطال قرار تجديد رخص الشركات الثلاث. وتعمل شركات الهاتف النقال في العراق منذ أعوام، محولة القطاع إلى قصة نجاح حقيقية، في بلد يتراكم فيه الفشل عاما بعد آخر.

وبرغم أن الشركات مدينة للحكومة فعلا بمبالغ غير واضحة، لكنّها كبيرة وفقا لمختلف المصادر، فإن العراق لا يملك بديلا جاهزا يمكنه من سد الفراغ الذي ستتركه الشركات إذا وجدت نفسها في مواجهة دفع ديونها أو الرحيل.

وينتهي عقد الشركات الثلاث نهاية العام القادم، ما يعني أن على الحكومة أن تبيع الرخصة لشركات أخرى، ربما غير موجودة من الأساس.

وما عمق الأزمة أن الشركات أوقفت عملية استثمار تتطلب إنفاق ملايين الدولارات للارتقاء إلى الجيل الرابع في خدمات الاتصال وما يتعلق بها من خدمات الإنترنت، بمجرد صدور القرار القضائي بإبطال تمديد رخصة عملها.

وقال مختصون إن الشركات الثلاث كان يمكن أن تُطلق خدمات الجيل الرابع قريبا، ولكن هذا لن يحدث ربما.

وأكد خبراء في مجال الاتصالات أن تفعيل خدمات الجيل الرابع قد يتطلب سنتين من العمل في أوضاع بلد مثل العراق. وفي حال تغيرت الشركات فعلا، فيعني أن العراق لن يختبر الجيل الرابع قبل 2024.

وتحت تهديد المصير المجهول لخدمة الهاتف النقال في العراق، اضطر الكاظمي إلى تقديم طعن في قرار المحكمة، وهو أمر حاول استغلاله السوداني، لإظهار رئيس الوزراء بمظهر الداعم لتبديد أموال الدولة.

ولم يخل الأمر من دوافع وأهداف سياسية، إذ أن السوداني مرشح سابق عن ائتلاف المالكي لمنافسة الكاظمي شخصيا على منصب رئيس الوزراء، وهو أحد المرشحين المقبولين لدى إيران.

ويخطط السوداني للمنافسة على منصب رئيس الوزراء مجددا عقب الانتخابات، أو أن يكون مرشح تسوية قبل ذلك، في حال جرى إسقاط الكاظمي.

ولهذه الأسباب ولغيرها، حصل السوداني على دعم واسع من وسائل الإعلام المملوكة للميليشيات والأحزاب الشيعية التابعة لإيران خلال حملته ضد شركات الاتصال والكاظمي.

ويعتقد مراقبون أن الجو السلبي الذي خلقه الإعلام التابع لإيران حول قرار الحكومة تجديد رخصة شركات الهاتف النقال ربما أثر على القضاء.

وتزعم الميليشيات والأحزاب الشيعية التابعة لإيران أن الكاظمي حصل على عمولات من الشركات لقاء التجديد لها والتغاضي عن ديونها.

وتخشى هذا الميليشيات والأحزاب أن يحصل الكاظمي على أموال ويقوم باستخدامها خلال الانتخابات المقبلة لتقويض نفوذها الذي يتحدى الدولة وربما يتفوق عليها في الكثير من الأحيان.

لكن الفريق القريب من الكاظمي يقول إن الحكومة لم تشأ المجازفة بتوقف الشركات عن العمل مع اقتراب عقدها من النهاية في حال اشترطت استحصال الديون.

وتجادل الشركات بأن أرباحها انخفضت بنحو الثلثين بسبب جائحة كورونا والأزمة المالية التي ألمّت بالعراق، حيث تعثرت الحكومة في تأمين رواتب الموظفين، التي تعد الركن الأساسي في عملية تحريك الاقتصاد المحلي.

وبرغم الجدل الكبير الذي يحيط بقطاع الاتصالات في العراق وحجم النقد الموجه إلى الشركات الخاصة العاملة فيه، إلا أن مختصين يقولون إن الخدمة في العراق تكاد تكون شبيهة بتلك المقدمة في الأردن والكويت، على سبيل المثال. وتقول الشركات إنها أوصلت خدماتها إلى آخر النقاط الحدودية في العراق. ويرى كثيرون أن خدمات الاتصال لم تكن لتتمتع بهذا القدر من الاستقرار لولا الاعتماد على القطاع الخاص كليا.

ويملك العراق وزارة للاتصالات وهيئة مستقلة لمراقبة أداء شركات الاتصال، لكن الجمهور يتهم جميع هذه الأطراف بمحاباة الشركات على حساب الأسعار التي يدفعها نظير الحصول على الخدمة.

ورغم أنّه من غير المتوقع توقف قطاع الهواتف النقالة في العراق عن العمل لأي ظرف كان، نظرا لقيمته التي تعادل ملايين الدولارات، فإن هذا الملف دليل على أن القوى السياسية يمكنها أن تلجأ إلى أكثر الأساليب ضررا بالمال العام في سبيل تصفية الحسابات مع خصومها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

898 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع