الشرق الأوسط/بغداد: معد فياض : ما إن تدخل مطار بغداد الدولي الذي بني في ثمانينات القرن الماضي حتى تشعر بأن شيئا لم يتغير في العاصمة العراقية.
فالمطار الذي أراده صدام حسين قطعة فنية مميزة وحمل اسمه (مطار صدام الدولي) تراجع كثيرا واختفت منه اللوحات التشكيلية لكبار الرسامين العراقيين ، حتى إن نظام الصوت في إذاعته الداخلية خرب، لكن الطريق الواصل بين مطار بغداد الدولي ومركز العاصمة العراقية يمنح الزائر فسحة من التفاؤل بأن هناك بعض الاهتمام بهذه المدينة التي اقترنت صورها بأذهان من زارها سابقا بالجمال والحيوية. فهناك مساحات خضراء تؤثث هذا الطريق لتعيده في الأقل إلى ما كان عليه قبل الغزو عام 2003 قبل أن تخربه الدبابات الأميركية.
يعلق سائق السيارة التي أقلتني من المطار بأن هذه الحدائق تم إحياؤها بمناسبة انعقاد مؤتمر قمة بغداد. فسحة الأمل هذه سرعان ما تتبخر في زحمة السيارات وبطء حركة السير بسبب نقاط التفتيش التي تؤثث الشوارع لتدع مئات الآلاف من السيارات تمر واحدة تلو الأخرى. وما يبعث على الاستغراب هو أن رجال الأمن في تلك النقاط لا يزالون مصرين على استخدام أجهزة الكشف عن المتفجرات ذاتها التي أكد خبراء عالميون عدم جدواها وأنها ليست سوى لعب أطفال لا تكشف شيئا. نقاط التفتيش هذه تجعل سائق السيارة يحتاج أكثر من ساعة لقطع مسافة خمسة كيلومترات.
ما إن يصل الزائر إلى وسط المدينة وتحديدا إلى مركزها، الباب الشرقي وشارع السعدون وشارع الجمهورية والكرادة بقسميها (الداخل والخارج)، يجد بغداد خربة.. خربة مع سبق الإصرار.. أبنية حتى سنوات ما قبل الاحتلال كانت تشكل علامات معمارية بارزة في المشهد المديني تهدمت أجزاء كبيرة منها، شوارع مزدحمة بالحفر والتراب ومظاهر عسكرية لم يق وجودها بهذه الكثافة الناس من التفجيرات والعمليات الإرهابية، وإن كانت هذه العمليات قد انحسرت كثيرا، وهذا أمر يحسب للأجهزة الأمنية ونقاط التفتيش التي هي هدف للإرهابيين دائما.
ما يبعث بالفعل على الأمل في العاصمة العراقية هو أهلها الرافضون للاستسلام لليأس، فبينما هم يتدفقون صباحا لأعمالهم تجدهم في المساء يزدحمون في شارع الكندي وحي المنصور بجانب الكرخ وفي الكرادة في جانب الرصافة، حيث توجد أسواق ومقاه ومطاعم وباعة أرصفة يعرضون كل شيء من ملابس وأجهزة إلكترونية وهواتف جوالة وأدوات منزلية.
سكان بغداد هم روح المدينة ومصدر حيويتها. وهناك شباب مبدعون في فنون الموسيقى يقيمون أماسي هنا وهناك ليبثوا الأمل في هذه المدينة التي اقترن تاريخها بالموسيقى والإبداعات الفنية، ومنهم عازف العود مصطفى محمد زاير ومعزوفتا «عشق بغدادي» و«الحيدرخانة»، أو معزوفات عازف السنطور هندرين حكمت، وعازف القانون الشاب عمر زياد، وعازف العود حسين فجر، وعازف الجلو أحمد سالم.. وهؤلاء الشباب كلهم أساتذة في معهد الدراسات الموسيقية. وتنتشر أيضا صالات العرض التشكيلي مثل قاعتي «حوار» و«أكد». وعندما ترى إصرار طلبة المدارس والجامعات وأساتذتهم على الوصول إلى مقاعد دراستهم رغم الازدحامات الخانقة، تشعر بالفعل بأن هذه المدينة ستبقى حية وعصية على التخلف.
ويعزو مسؤول حكومي بارز أسباب عدم تقدم بغداد عمرانيا إلى «العمليات الإرهابية والفساد المالي في أجهزة أمانة بغداد وبلدياتها». ويشير هذا المسؤول الذي فضل عدم نشر اسمه إلى أنه «من غير المنصف أن نلقي باللوم دائما على نوري المالكي، فهو رئيس للوزراء وليس أمينا للعاصمة أو محافظها». ويضيف «هناك أموال ضخمة مخصصة لإعادة إعمار بغداد، لكن المسؤولين في أمانة بغداد ومحافظتها لا يعملون».. وعندما نواجهه بحقيقة أن أمين بغداد السابق تم إبعاده عن منصبه لفشله في مهمته وكانت مكافأته تعيينه مستشارا لدى رئيس الوزراء بدلا من معاقبته، يجيب هذا المسؤول بأنه «لم يثبت أن الأمين السابق كان متورطا في قضايا فساد، وهو حاول أن ينجز الكثير لبغداد لكن الظروف لم تساعده».
وفي ما يتعلق بأبنية شارع الرشيد وبقية الأحياء والشوارع الرئيسة لبغداد، يوضح المسؤول «هذه الأبنية تعود ملكيتها لمواطنين وليست للدولة، وعلى أمانة بغداد أن تصدر تعليمات مشددة لإعادة ترميمها وإعمارها أو إجبار مالكيها على دفع غرامات مالية لتقوم الحكومة بمهمة ترميمها».
1304 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع