بعد عقد من الزمان على تحطيم تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس البغدادية، لا يرى العراقيون أثرًا لأحلامهم بعراق جديد، بل يرون فقط تغييرًا مخادعًا استبدل دكتاتورية صدام بفساد مجموعة كبيرة من المسؤولين أكلوا البلاد.
إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: عادت ساحة الفردوس في العراق، بعد عشرة أعوام على إسقاط تمثال الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي انتصب فيها، ساحة عادية ليس فيها ما يشد الانتباه. فمنذ التاسع من نيسان (ابريل) 2003، حين تجمهر مواطنون بمساعدة دبابة اميركية في الساحة واسقطوا التمثال، ينتاب العراقيين عبر عقد من الزمن مشاعر مختلطة ومتبدّلة، ذلك أن كثيرين ممن تحمّسوا لإسقاط التمثال هفت حماسهم اليوم، بسبب ما آلت اليه الاوضاع في بلادهم.
ندم وحسرة
وهناك أيضًا من يشعر بالندم، مثل الاستاذ المدرسي عريبي حميد. يقول: "الأمر بمجمله احتلال، والتحجج بإسقاط دكتاتور لاحتلال بلد ليس أمرًا صحيحًا، وما حصل كان لخدمة استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، وليس لتحرير العراق من طغاته كما يدعون".
ويرى عبد الامير حسين أن الشعور السائد اليوم هو أن سقوط تمثال الفردوس تمخض عن نظام حكم جديد لم يستطع تحقيق الاستقرار في العراق، بل افرز طبقة سياسية فاسدة تسعى لتلبية مصالحها الخاصة، باختلاس المال العام وتزوير العقود والمقاولات.
يضيف: "كانت أموال العراقيين تذهب إلى جيوب شركات السلاح، الذي احتاجه النظام لإدامة معاركه في الداخل والخارج، اما اليوم فهذا المال يذهب إلى الشركات الوهمية والعقود المزورة وإلى جيوب المفسدين". ويتابع متألمًا: "ننظر إلى الماضي بتحسر، إذ حينها توفر الامن على الاقل، واليوم، تحسن المستوى المعيشي لكن العراقيين يشكون غياب الطمأنينة والأمن والاستقرار".
أحلام لم تتحقق
يتحدث كريم الدجيلي عن آمال راودته وهو يرى تمثال صدام يتهاوى في ذلك الوقت. يقول: "كانت لحظة إلهام بالنسبة إليّ، فقد تخيلت عراقًا مستقرًا وديمقراطيًا يتكلم فيه الناس بحرية، ولا يعانون من شظف العيش، لكني اشعر اليوم بخيمة امل كبيرة، ففي ذلك اليوم التاريخي، استبدلت الدكتاتورية بالفساد".
يتفق كل العراقيين على أن 9 نيسان (أبريل) يوم تاريخي، الا أن ثمة من يراه يوم الخلاص من الدكتاتورية والتسلط وسقوط الصنم، بينما يراه آخرون يومًا اسود على العراق، كقيس الطائي الذي يسميه يوم فقد العراق استقلاله وانهارت دولته.
يرى الباحث الاكاديمي سعيد مبارك أنه منذ يوم سقوط تمثال الفردوس، تخلت الادارة الاميركية عن مسؤوليتها القانونية والأخلاقية، ما تسبب في نتائج كارثية للاحتلال يعاني منها العراقيون إلى اليوم.
وتصف سهير السلطاني، الاكاديمية والاستاذة الجامعية في التاريخ، المشهد العراقي اليوم بانه ديمقراطية ممزوجة بمرارة العنف اليومي العشوائي وسوء الخدمات والفساد، وتعتقد أن سقوط تمثال الفردوس بم يغير الكثير، فالحديث عن الهجرة إلى الخارج ما زال سائدًا بين الشباب.
وترى السلطاني أن زيادة القدرة الشرائية وتحسين الرواتب للمواطنين لا يعد انجازًا، لأنه ناتج عن زيادة تصدير النفط، والمطلوب هو توظيف الثروة بشكل صحيح لزيادة الامن وتحقيق الاستقرار والبناء.
تفتيش وخيبة
ينظر كريم القرةغولي إلى الساحة، وهو يعبرها بسيارته العمومية قائلًا: "أنظر إلى كثرة نقاط التفتيش المنتشرة في انحاء بغداد، لا سيما الشوارع القريبة من الساحة، وكل ذلك يؤكد انه بعد عشر سنوات تحولت الحرية التي وعدنا بها إلى جثة خاملة تحرسها الاسلحة وكواتم الصوت وحمايات المسؤولين الذين يمرون عبر الساحة وسط انتقادات المواطنين العراقيين من القوة العرمرمية التي تحميهم".
وكذلك رياض الطائي، وهو سائق عمومي في بغداد، ينظر إلى لحظة اسقاط الدكتاتور من جهة مصلحته الذاتية، ويتحدث متشائمًا عن قطع للطرق المؤدية إلى ساحة الفردوس في كل عام، وعمليات تفتيش واسعة، وانتشار اعداد كبيرة من افراد الجيش والشرطة في المناطق المحيطة، متسائلًا: "هل هذا هو العراق الذي أردناه لحظة سقط التمثال؟".
579 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع