إحباط عراقي من فساد الطبقة السياسية وخوف من كوارث طائفية قادمة

    

يشعر العراقيون بالاحباط مما آلت اليه الأوضاع في بلادهم، بعد عشرة أعوام على دخول القوات الاجنبية إليها لإسقاط النظام السابق، محملين الساسة المسؤولية لأنهم ارتضوا المحاصصة الطائفية ورضخوا للتدخلات الخارجية.

عبدالجبار العتابي/بغداد: أعرب العديد من العراقيين عن خيبة أملهم من النتائج السلبية التي تحققت، وبالحياة التي عاشوها خلال السنوات العشر الماضية المكتظة بالدمار والخراب والفساد والموت، بعدما كانت حياتهم مليئة هي الاخرى بالدمار والحروب والفساد والخوف والموت، على عكس ما كانوا يتوقعون بعد زوال الدكتاتورية البغيضة، وإن كان البعض لا يخفي سعادته وقد تخلص من كابوس رهيب كان يجثم على حياته. الا أن ما افسد هذه السعادة هي الازمات المتلاحقة التي باتت تضرب البلاد وتعكر صفوه.
 
سنوات الاخطاء
أعرب المواطن سعد الطائي عن اساه لما حدث، فقال: "حكمنا اللصوص والجهلاء، وبعد عشر سنوات ما زلنا لا نعرف مصير العراق، وربما حتى بعد ثلاثين سنة إن طال بنا العمر، وياليته يعود بنا إلى الوراء لنعرف اخطاءنا ولا نعطي للصوص والجهلاء الفرصة ثانية، فقد تعبنا مما عشناه خلال السنوات العشر الماضية، ليس لنا الا أن نقول إن هذا قدرنا".
اما المواطنة بيداء احمد، الموظفة في وزارة الثقافة، فأشارت إلى أن السنوات العشر تمثل امتدادًا لسنوات الخوف في زمن النظام السابق. قالت: "كنت أتوقع أن يحسن سقوط النظام السابق الوضع في العراق، ولكن للاسف لم يتركنا الاشرار نعيش حياتنا كما توقعناها بهدوء وهناء".
 
اضافت: "ذهبت الايام التعيسة وجاءت غيرها، تكالب على العراق الارهاب من كل حدب وصوب وقتلوا ابناءه، كل يوم لنا قصص مؤلمة، والعراقيون يعرفون من يقتلهم لكنهم سيصبرون لأن مستقبلهم سيكون زاهرًا".
 
وختمت قائلةً: "مرت السنوات العشر مظلمة دموية وثقيلة ايضا، وظهر فيها طغاة كثار وسياسيون فاسدون، لكننا نأمل أن يمن الله علينا بقائد ابن حلال، وليس لنا إلا أن نصبر".
 
اما المواطن باسل الخطيب فأوجز جوابه بالقول: "إذا ما كانت اتفاقية سايكس بيكو قد زرعت الألغام، فإن الأميركيين نجحوا في تفجيرها، وهكذا نصبوا نظاما نجح بامتياز في دق الأسافين وقادوا البلد إلى هاوية التقسيم".
 
صنمٌ بدل آخر
إلى ذلك، قال المواطن عبدالله حسين إنه شبع جندية وحروبا، "ففي مثل هذا الشهر المبارك من العام 2003 ازاح بوش حفظه الله وقوى الخير بالعالم ألعن دكتاتور وطاغية ومجرم في التاريخ، بعد تحرير العراق على ايدي التحالف العالمي كما حرروا مسلمي البوسنة من الصرب وافغانستان من القاعدة السلفية المدعومة من الخليج، وازاحة أكبر صنم عربي تجاوزت اسماؤه 101 اسم في تحد حتى لاسماء الله الحسنى".
 
أضاف: "استبشرنا خيرا عندما رأينا صوره في المزابل، لكن لم يخطر في بالنا أن هذا الصنم استبدل بأصنام أخرى، لتتولد قناعة في أذهان العقلاء بأننا شعب يعبد الاصنام البشرية المصنعة بايدينا، من دون قضية وهدف، ونتمسك حتى بالصورة والاسم والعائلة والعشيرة والمنطقة".
 
كارثة محدقة بالوطن
من جانبه، أشار النائب جمال البطيخ إلى بعض الملامح التي رسمت وجه العقد الماضي، فقال: "ملامح الوضع العراقي بعد مرور عشرة سنوات على إزاحة صدام حسين غير مرضية، فعلى المستوى السياسي يعتبر النظام السياسي العراقي فاشلًا بامتياز، لأنه اعتمد على الترضيات والتوافقات والمحاصصة، وعلى مستوى الدولة والمجتمع توقف النمو وشلت الحياة بسبب التقاطعات السياسية، فالحكومة والبرلمان مشلولان لا يقفان عن خدمة الدولة والمجتمع بسبب المماحكات السياسية".
 
أما الخلاصة بحسب البطيخ فهي ضرورة اعتماد نظام الاغلبية السياسية، "لأنه السبيل الوحيد لبناء الدولة والمجتمع، كما هو حاصل في البلدان الديمقراطية، حيث الاغلبية السياسية تحكم والمعارضة تراقب".
 
وشرح الكاتب والمحلل السياسي فلاح المشعل ما شهدته السنوات هذه وما انتهت اليه، وقال: "بعد عشر سنوات من الاحتلال نشعر بأسى عميق ونحن نقف إزاء انسداد أفق العملية السياسية التي اسس لها المحتل باخطاء استراتيجية، تهدد بضياع الوطن ونسف نسيجه التاريخي ووحدته الوطنية".
 
أضاف: "وجود الدستور المشوه، الذي يغلب المكونات والانتماءات الفرعية على المواطنة العراقية والهوية المشتركة، أنتج كانتونات طائفية وصلت إلى نقطة التصادم في تنافسها على مراكز السلطو والمال والنفوذ، ومن هنا لا بد من رسم خارطة طريق للخروج من الزمات المتعاظمة أولًا، ومن ثم الاتفاق على مشتركات وطنية وتصحيح دستوري وتشريع قوانين تحقق الوفاق والتشارك على اساس المواطنة والكفاءة، وليس معيار الطائفة أو الجذر القومي والطابع الأثيني".
 
تابع: "تلك عملية تستدعي جهودًا وطنية مخلصة، ومشاركة فاعلة من كافة القوى السياسية والمرجعيات الدينية والعشائرية والمجتمعية، فبعد عشر سنوات بلغنا ذروة الأزمة، ولا بد من حلول لكارثة محدقة بالوطن".
 
تشذيب الزوائد لاحقًا
من جهته، يعتقد هيثم الطيب، عضو حزب انتفاضة العراق، أن عملية التحول السياسي رافقتها عمليات تحول اجتماعية واقتصادية اثرت في البنية العراقية بشكلها الكامل، "وما نشهده اليوم من ارهاصات تبدو طبيعية جدًا بعد عملية التحول الهائل التي حصلت، وارجو أن يفهم الاخرون أن ما جرى في العراق لا يشبه اي احتلال او اي عملية اسقاط نظام بالقوة، بل إن ما جرى يمثل نقطة تحول تاريخية على مستويات عديدة اهمها الدين".
 
أضاف: "ما يجري اليوم بالعراق يشبه عملية تكامل يتم تشذيب الزوائد منها، واعتقد أن العملية السياسية في العراق سوف تنتج شكلًا آخر للحكم مع الاحتفاظ بالديمقراطية كمنهج، ولذلك أرى أن شكلًا رئاسيًا لنظام الحكم مع مجلس للامة يقوم مقام مجلس الاتحاد الوارد ذكره في الدستور، سوف يكون مناسبًا لتلبية مطالب الناس".
 
وتابع: "سوف يطرح حزب انتفاضة العراق مشروعًا سياسيًا على المكونات السياسية المشاركة في الحكم وغيرها التي لم تشارك، من اجل الخروج من عنق الزجاجة والتأسيس لمرحلة سياسية جديدة يتمثل بتعديل دستوري لانتخاب رئيس للجمهورية يشكل الحكومة من التكنوقراط، وتكون هذه الحكومة تحت إشراف البرلمان الذي يستطيع إقالتها، وتكون قرارات الرئيس تحت إشراف مجلس الامة، ووضعنا الآليات لعمل البرلمان ومجلس الأمة الذي هو بطبيعة الحال مجلس الاتحاد".
 
أرادوه مشتعلًا
إلى ذلك، أشار المحلل السياسي باسم السعيدي إلى الصراعات السياسية التي اثرت في الحياة العراقية، وراحت تهدد المستقبل. قال: "كنا نتوسم خيرًا في عملية التغيير، لكن النتائج أتت عكسية، إذ يشهد البلد حالة من عدم الاستقرار في المجالين الامني والسياسي، فيما قد تسبب حالات التقاطع شرخًا في قوادم الايام، إن لم يحتكم الساسة إلى لغة المنطق والحوار والايمان بالآخر".
 
أضاف: "كانت السنوات العشر متخمة بالتفاصيل المرعبة والدماء والاشكالات التي ما زلنا نعجز عن اجتراح حلول لها، فنحن نعرف من يقتل ابناء العراق ولماذا، وكيف اصبح العراق ساحة لصراعات قوى خارجية وداخلية".
 
لا يبرئ السعيدي الكثير من دول العالم، التي ارادت أن تبعد الشر عنها فأبقت العراق مشتعلًا، ليستقطب من يشاء أن تكون له اجندة طائفية أو قومية أو غيرها، "لكننا شعب نطمح لتقدم البلد وازدهاره، وتكاتف القوى السياسية في الصلاح والاصلاح هو السبيل الوحيد".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

592 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع