بغداد: أفراح شوقي «الشرق الأوسط» - يطل «عيد الحب» (سانت فالانتاين) على العراق هذا العام في ظل استعدادات غير مسبوقة، يظللها نوع من الخوف والذعر بعد أن أعلنت الحكومة العراقية فرض إجراءات أمنية مشددة وإغلاق عدد من الأحياء على خلفية إعلان عشرات الآلاف من المتظاهرين السنة الزحف إلى بغداد للضغط على الحكومة لتلبية مطالبهم.
وعلى غير طلتها، تلونت معظم الأسواق والمحال التجارية في العاصمة العراقية بغداد باللون الأحمر، عبر تنويعات من الورود والهدايا والمنشورات الضوئية ومستلزمات الزينة الزاهية، استعدادا لاستقبال احتفالات «عيد الحب» (الفالانتاين)، بطريقة وصفها عراقيون بأنها رد فعل معاكس لكل التوترات والمخاوف التي تعم المشهد السياسي في البلاد، خصوصا مع استمرار الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها الحكومة العراقية لمنع زحف متظاهري الأنبار إلى بغداد.
استعدادات هذا العام بدت مبكرة وواسعة أكثر من الأعوام الماضية، زادها رغبة الناس في تحدي حالة الهلع والخوف التي أشاعتها السلطات، خصوصا من الشباب الذي تجمع لدى المحال التجارية لشراء هدية «عيد الحب» للشريك أو الحبيب، وانتشرت في أسواق الكرادة والمنصور والحارثية وفلسطين والكاظمية معالم جديدة للاحتفال، عبر تزيين واجهات المحال بالأحمر وارتداء الملابس الحمراء وتزيين السيارات ومداخل البيوت السكنية بالأشرطة الضوئية والمنشورات الملونة.
يقول عمر سامي، 27 عاما، من منطقة الكرادة (وسط بغداد)، لـ«الشرق الأوسط»: «أحرص على أن أجلب إلى من أحب هدية (عيد الحب) كل عام، وإن كانت بسيطة، وفرحت لأن بغداد بدأت تتحدى أزماتها وتديم أفراحها على الرغم من خلافات السياسيين فيها، من أجل ديمومة الاحتفال والحب والفرح».
أما الشابة هاجر أكرم، 22 عاما، فقالت: «لم نعد نعبأ بالإجراءات الأمنية التي حولت حياتها إلى معتقل كبير، ونحاول أن نعيش حياتنا كما نريد، لا كما تفصلها لنا السلطات».
احتفالات «عيد الحب» بدأت تنتعش في بغداد على نحو واضح في السنوات الخمس الأخيرة، في محاولة من البعض لتغيير أجواء التوتر وتردي الخدمات في البلاد وتصاعد اتهامات السياسيين في ما بينهم، بينما تتواتر أنباء غير رسمية عن اعتبار اليوم الخميس عطلة رسمية وحظر للتجوال لمنع زحف المتظاهرين إلى بغداد، والتي ترافقت هذا العام مع دعوات واستعدادات مبكرة أطلقها عدد من الحركات الشبابية والناشطين في منظمات المجتمع، بينهم شباب «25 شباط»، الذين نشطوا في المظاهرات التي عمت البلاد عام 2010، للمطالبة بتحسين الخدمات والقضاء على الفساد الذي نخر بالبلاد وسلب خيراتها، في دعوة جديدة للعودة إلى ساحة التحرير اليوم الخميس 14 فبراير (شباط) لأجل التظاهر ضد الطائفية والتجييش العاطفي والفساد والمفسدين وكل مظاهر الإقصاء والتهميش، في يوم حب العراق، كما روجوا لذلك في منشورات وبيانات وردت عن اللجان المشاركة في المظاهرة.
يقول الشاب بسام السينمائي أحد الناشطين في المظاهرات لـ«الشرق الأوسط»: «ستكون وقفتنا في يوم الحب تخليدا لحب العراق، سنحمل الزهور ونحن نطالب بحلول جذرية لمشكلاتنا ومصائبنا، سندعو إلى عراق لا مكان فيه للمحاصصة والإرهاب والبعث ولا للفساد أو المفسدين».
وأضاف: «ستكون مطالبنا الدعوة لإصلاح النظام، والدعوة إلى تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي وتوفير العيش الكريم لكل العراقيين».
وبينما تشهد الأسواق إقبالا لافتا لاقتناء أنواع مميزة من الهدايا، حيث تكتظ بالزائرين بعد أن تماشت درجات الحرارة المعتدلة هذه الأيام مع مناسبة الاحتفال بعيد «الفالانتاين»، حاول بعض أصحاب محال الملابس مفاجأة زبائنه بعرض أنواع مميزة من الملابس النسائية والرجالية وملابس الصغار باللون الأحمر، على غير العادة، حيث كان اللون الأسود قبل أشهر هو الغالب بسبب إحياء الشيعة أيام عاشوراء وأربعينية الإمام الحسين.
يقول زياد طارق صاحب مكتبة «زيكو» للهدايا لـ«الشرق الأوسط»: «كل عام يكون الاحتفال أوسع وأجمل بـ(عيد الحب)، وقمت بتهيئة ديكور جديد لمحلي زينته بالأقمشة الحمراء والبيضاء كي أجذب الزبائن، وحرصت على تهيئة هدايا منوعة بكل الأسعار كي تكون مناسبة للجميع».
كما تشهد الأسواق والمراكز التجارية والباعة الجائلون في العاصمة بغداد ومدن عراقية أخرى عرض أنواع مميزة من هدايا «عيد الحب» من الأزهار والدمى (دبدوب) وبطاقات التهاني والمعايدة والأقلام وأكواب الشاي والشموع والملابس والأحذية والنشرات الضوئية، وكلها باللون الأحمر.
وأقبل العراقيون بشكل لافت للنظر لاقتناء أنواع مميزة من الهدايا، حيث تكتظ الأسواق بهم خلال ساعات مساء أمس وكل منهم يحمل بضاعته، ويبدو أن «عيد الحب» يحظى بجماهيرية واسعة بين جميع الطوائف والأديان.
وأطلقت «شبكة الإعلام العراقية»، أكبر مؤسسة لإدارة القنوات الإعلامية الرسمية في العراق، مبادرة «أسبوع الحب العراقي» ووضعت بداخل خارطة العراق قلبا ليتزامن مع «عيد الحب»، تقدم خلاله فعاليات فنية، كما تم إطلاق دعوات للحب بين العراقيين في ظل أجواء مشحونة بالعنف وحالة من الغليان السياسي متواصلة في هذا البلد منذ الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
تقول انتصار محمد، 47 عاما، موظفة حكومية: «يطل (عيد الحب) هذا العام على العراقيين بأنواع مميزة من الهدايا المستوردة من دول أجنبية، لكن الإجراءات الأمنية المشددة قد تقف عائقا أمامنا للخروج إلى الأماكن العامة والمتنزهات أو تناول وجبة طعام خارج المنزل».
وتضيف قائلة لوكالة الأنباء الألمانية: «في كل الأحوال، سنحتفل بـ(عيد الحب) على مستوى العائلة في حال استمرار الإجراءات الأمنية لأننا بحاجة إلى الأفراح والتعبير عما يدور بمشاعرنا بعضنا تجاه بعض، وسنتبادل التهاني مع الأصدقاء عبر رسائل الهاتف الجوال».
وتقول الحاجة أم سمير، 59 عاما: «(عيد الحب) لا يتعلق بالشباب والشابات فقط، بل نحن أيضا، فما زالت لدينا مشاعر وأحاسيس رغم ما يتعرض له العراق من مآسٍ، ولن أفرط بهذه المناسبة، وقد اشتريت هدية ستكون مفاجأة لزوجي». وتضيف: «أعتقد أننا بحاجة ماسة إلى احتفال يثير مشاعرنا ويضفي حالة من الفرح والسرور في أجواء العائلة والاجتماع على موائد لتناول وجبة طعام أو حلويات ومكسرات».
وتبدو حالة الطقس في العراق هذه الأيام مهيأة للاحتفال بـ«عيد الحب» خارج المنازل، حيث تبلغ درجات الحرارة نحو 25 درجة مئوية، ما يعني قضاء أوقات ممتعة في الحدائق العامة والمتنزهات والملاهي، أو حتى تناول وجبة طعام على الهواء الطلق.
وبين رغبات الاحتفال بـ«عيد الحب» وسعي السلطات لمنع وصول المتظاهرين السنة من الأنبار والموصل وصلاح الدين وسامراء، لأداء صلاة موحدة والتظاهر، تظل عيون العراقيين تترقب يوم زوال الغمة عن هذا البلد المثخن بالجراح منذ سنوات طويلة.
وكانت بغداد قد شهدت مؤخرا مهرجانا مبتكرا للجمال شاركت فيه حسناوات عراقيات، حيث جلسن أمام مصففات الشعر وخبيرات التزيين (الماكياج) ليستعرضن جمالهن، في خطوة تعد تحديا للدعوات التي تريد تهميش دور المرأة وإبعادها عن الحياة الاجتماعية والثقافية، ويعد هذا المهرجان الأول من نوعه منذ عام 1999، في وقت تنشط ببغداد مراكز خاصة للرشاقة والتجميل وتصفيف الشعر بعد غيابها عن واجهة الحياة العامة وضمن توجه معظم النساء العراقيات إلى ارتياد مراكز الجمال والزينة والعناية بالبشرة، ومسايرة خطوط الموضة المعاصرة.
927 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع