المدى/قحطان جاسم جواد:احتفى بيت المدى للثقافة والفنون في شارع المتنبي يوم أمس الجمعة بالذكرى السنوية الخمسين لوفاة عبد الكريم قاسم، وبحضور جماهيري كثيف.
الزعيم قاسم احدث ثورة اجتماعية وسياسية واقتصادية وعمرانية وعسكرية في العراق. ففي عهده صدر أول قانون للإصلاح الزراعي الذي استعاد الأراضي من الإقطاع وأعادها إلى الفلاحين. وكذلك اخرج العراق من منطقة الإسترليني وتأثيراتها على الاقتصاد العراقي. واقر قانون النفط الذي انتزع حقوق العراق النفطية من الشركات الاحتكارية الأجنبية. كما جعل البلاد ساحة إعمار كبيرة منها مشروع قناة الجيش وبناء مستشفى مدينة الطب وبناء مدن للفقراء في الثورة والشعلة ونواب ضباط بغداد الجديدة. عاش عبد الكريم فقيرا ونزيها ووطنيا ومات كذلك, ولم يمتلك مالا أو عقارا او رصيدا في البنوك داخل العراق وخارجه.
الزعيم رجل وطني وضحى بنفسه
قدم للاحتفالية السيد عبد الكريم الصراف فقال:-
إن عبدالكريم قاسم ضحى بحياته من اجل الوطن, وكان عراقيا صميميا ولم يمثل طائفة ما بل كان يمثل كل الشعب. وقد كان يوم استشهاده بعد انقلاب الثامن من شباط الأسود, ذلك اليوم الحالك والمشؤوم على كل العراقيين. ولم يشهد العراق على مداه يوما مشؤوما كيوم 8 شباط 1963 الذي اريد له تدمير العراق, ولا يختلف عما فعله بنا هولاكو. لأنه فتح باب الشر على العراق, وفتح باب المقابر الجماعية, وكل انهار الدم العراقية التي سالت على ارض العراق. وعلينا ان نستذكر هذا اليوم بأسى وحزن شديدين.
خمسون عاما مرت على شهادة الزعيم باني العراق الحديث, خمسون عاما
مرت على اليوم الدامي الذي ازال كل منجزات ثورة 14 تموز 1958.
ولأول مرة يقتل الأسير بأمر السلطة بدون محاكمة, بالرغم من ان الانقلابيين وعدوهم بمحاكمة عادلة او تسفيرهم خارج العراق. لكنهم
لم يفوا بالعهد , وقاموا بإعدام الزعيم مع مجموعة من رفاقه بلا رحمة.
وكما الأشجار تموت واقفة كان الزعيم شهما وواجه القتلى بموقف صلب ولم يتخوف منهم. مات الزعيم بالرصاص وهو لا يمتلك في جيبه سوى دينار وربع فقط. وكان الزعيم صائما في شهر رمضان حين استشهد.
مفارقة بين مقتل الزعيم والإعفاء عن القتلة
ومن يومها أعطت السلطة البعثية أمراً بالقتل لكل من يقف بوجه الثورة لذا سالت دماء غزيرة من ابناء الشعب.في وقت اعفى الزعيم عمن ضربه بالرصاص عام 1959 وكانوا هم أنفسهم من البعثيين الذين ضربوه لكنه قال لهم عفا الله عما سلف!. وقد حاولت الجماهير ان تُسلم السلاح صباح يوم 8 شباط لكن الزعيم رفض وقال لهم لا اريد ان تسيل دماء العراقيين.
وكان نزيها وعفيفا الى درجة انه لم يمنح نفسه رتبا إضافية بل كان يترفع حسب القانون والمدة المنصوص عليا وهي اربع سنوات لكل رتبة, وكذلك شقيقه لطيف قاسم الذي كان نائب ضابط في الصنايع بالقوة الجوية وظل نائب ضابط الى ما بعد استشهاد الزعيم. في وقت منح الانقلاب الرتب بلا حساب فكان العريف يصبح نقيبا والملازم الاول يصبح عقيدا وهكذا. وأشار الصراف إلى أن عبدالكريم قاسم كان لا يؤاخذ أحدا بجريرة غيره كما حدث مع الشواف حين قتل وفشلت محاولته الانقلابية جاء اخوه خالد الشواف وزير الصحة لعبد الكريم كي يقدم استقالته فرفض الزعيم، وقال له انك رجل وطني ونحن لا نؤاخذ أحداً بجريرة غيره، اذهب إلى وزارتك ومارس عملك, في حين كان الانقلابيون يعتقلون من يقوم بشيء ضدهم إلى الدرجة الرابعة!
أخيراً قال الصراف من ابرز أخطائه هو الإفراط بمنح العفو للمعارضين وكان معظم الذين انقلبوا عليه في 8 شباط هم من الذين اعفي عنهم.
خطف وطن
وقال وكيل وزارة الثقافة فوزي الأتروشي:-
في هذا اليوم علينا أن لا نظل نبكي على الأطلال بل يجب استنباط العبر من ما حدث. ويجب أن يكون هذا اليوم يوما للتحدي والبناء والاستقرار. وأنا سعيد اليوم وجدا لأني قبل مجيئي إلى هنا زرت معرضا لصور الزعيم في المركز الثقافي البغدادي, وها أنا أقف أمام الزعيم ثانية لنتحدث عنه في ذكرى استشهاده وقد حاول الانقلابيون على الزعيم أن يخطفوا وطنا. وملثما عاش الزعيم زكيا وعفيفا ومات كذلك. بدليل إننا نحتفي به اليوم بعد خمسين عاما على رحيله. وبالنسبة لنا نحن في الحركة الوطنية الكردية راجعنا موقفنا واعترفنا بانه قائد وطني ونزيه, ذلك الرجل الأصيل الذي ارادنا لعراقيتنا أن نكون أجمل وأكثر أصالة. ومثلما فعلوا في 8 شباط أعادوا الكرة ثانية في عام 1968. ويجب ان نعمل جميعا من اجل ان لا تعود السنوات الماضية الى حياتنا بل نستمر في عراقنا الديمقراطي.
ويجب ان نعمل من اجل العراق بكل مكوناتنا لا أن يصادر مكون حقوق المكونات الاخرى. لان وحدة العراق تهم جميع العراقيين كما كان ينادي الزعيم عبد الكريم قاسم, الذي لم تستطع قوى الانقلابين من محو ذكراه في قلوب العراقيين.
وعاد الصراف ليعقب قائلا: فعلا تراجع القادة الكرد عن مواقفهم اتجاه الزعيم كما فعل الرئيس جلال طالباني حين قال انا نادم لاني ذهبت مع وفد البعث الى الزعيم عبد الناصر حيث وجدت ان الزعيم هو شهيد الوطن الاكبر وانه أفضل بديل من كل هؤلاء الذين جاءوا بعده.
فقدان الموازين الأخلاقية
مستشار رئيس الجمهورية السيد جلال الماشطة قال: نشكر مؤسسة المدى لاستذكارها الزعيم عبد الكريم قاسم. لانها جعلت خيط الذاكرة يعود بنا الى تذكر الشخصيات الوطنية. وماضينا بكل اخطائه وحسناته هو واقع لحاضرنا وامتداد لمستقبلنا, ولربما نتعظ مما حدث لاسيما مما حدث في 8 شباط. ذلك اليوم الذي فقدنا فيه الموازين الاخلاقية وهي كارثة خطيرة, وقد كررها النظام البعثي حتى بعد عودته عام 1968, بالتي كان يطلق عليها عروس الثورات لكنها كان عروس مخضبة بالدماء والجرائم والقتل. وكانت واحدة من اهم الانتكاسات في تاريخ العراق.
وقد حاول الانقلابيون محو ذاكرة وهوية العراق الاصيل والاستعاضة بهويتهم لكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك. وشباب اليوم ربما لا يعرفون الكثير عن جرائم 8 شباط التي ستبقى جرحا غائرا يذكر بنفسه. وعلينا ان نتعظ منه من خلال التذكير به بين فترة وأخرى.
في 8 شباط خسرنا الزعيم لكن آثاره بقيت تذكرنا به. وعلينا استحضاره دائما لاسيما في مواقفه الأخلاقية من الجميع. فهو لم يعرف عنه إن كان شيعيا ام سنيا وكان يرفض الصلاة في الجوامع حتى لا يحسب على طائفة ما. كان عراقيا صميميا ويحب الجميع. وحاول الزعيم ان يبني دولة المواطن العراقي وليس المواطن الذي ينتمي الى هذه الجهة او تلك.
الجرائم الإنسانية لـ8 شباط
رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان محمد السلامي قال: في 8 شباط انتهكت جميع حقوق الانسان العراقي، منها الحق في الحياة والحق في عدم تعرض الانسان للتعذيب. وعندما نراجع الجرائم الانسانية للثامن من شباط نجدها تتعارض مع ما جاء في قانون او لائحة حقوق الانسان العالمية. وقد اجهز انقلاب شباط على كل منجزات ثورة الزعيم.
ثم جرت مداخلات عديدة من الحاضرين حول دور الزعيم عبد الكريم قاسم وبعضهم اشار الى مواقف كان قد شهدها بنفسه.
773 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع