بيت المدى يستذكر بلبل الغناء الريفي.. داخل حسن ذاكرة حية لأحزان العراقيين ومسراتهم

                       

قحطان جاسم جواد:احتفى بيت المدى للثقافة والفنون في شارع المتنبي يوم أمس الجمعة في إطار الاحتفاء بالرموز العراقية بالفنان الراحل داخل حسن في جلسة استذكارية حضرها جمهور غفير ملأ القاعة جلوسا ووقوفا وعلى نحو يحدث لأول مرة في جلسات المدى. قدم للجلسة الباحث الفلكلوري عادل العرداوي فقال:

نستذكر اليوم علما مهما من أعلام الفن العراقي هو الفنان خالد الذكر داخل حسن وهو اسم لامع أمتعنا بفنه الجميل وما يزال حاضرا في الأسماع العراقية.

داخل ابن الجنوب العراقي الذي جعل كل العراقيين يحبونه في الجنوب والشمال والوسط وبكافة مكوناته العربية والكردية والصابئة والإيزيدية والآشورية وغيرها مما يدل على نجاحه الكبير وعلى إمكانيته في توحيد العراقيين جميعا. سأتحدث عن الأمور والمعلومات التي امتلكها وربما لم تسمعوها من قبل.

داخل ولد عام 1909 في قرية  بقضاء الشطرة التابع الى محافظة ذي قار. وهو مولود في بيئة تحب الشعر والموسيقى والغناء،  والجميع يغني في اماكن المزارع والمعامل وأثناء التواجد للصيد في البر او الأهوار، كذلك في حفلات الاعراس والختان. في عمر ست سنوات التحق بمهنة قريبة من البيئة الشطرية حيث عمل مع نجار في منطقتهم يقوم بصناعة الزوارق النهرية بأنواعها كالمشاحيف الصغيرة والسفن والمراكب الكبيرة. كما يصنعون حتى الماطورات للسفن. وبعض تلك المراكب تجدونها اليوم امام مبنى التقاعد العامة راسية هناك وبالإمكان مشاهدتها من النهر.

                  

في عام 1927 في زمن الملك فيصل الأول كان داخل حسن "حالته المعيشية على كد الحال". في هذا العام افتتح التطوع إلى الشرطة العراقية من أبناء المحافظات, فقدم داخل حسن وصديقه ناصر حكيم إلى الشرطة كمتطوعين فيها. ونسبا إلى سرية الخيالة لان الخيل كانت آنذاك الوسيلة الرئيسة للنقل. وعملهم يتضمن تبليغ المتهمين أو المطلوب حضورهم إلى المحاكم او مراكز الشرطة وغيرها , فيذهبون على الخيل للتبليغ.

وبقي داخل حسن في مسلك الشرطة الى ما قبل عام 1936 فجاء الى بغداد. وكان قد سبقه في المجيء الى بغداد صديقه المقرب المطرب ناصر حكيم.

                     

وكانت الإذاعة العراقية قد افتتحت في 1/7/1936 وكانت تسمى الاذاعة اللاسلكية في زمن الملك غازي الذي يمتلك ايضا اذاعة اخرى خاصة به اسمها اذاعة  قصر الزهور.
فقدم (داخل وناصر) طلب نقل خدماتهما من الجيش الى الاذاعة في وزارة المعارف.
وكانا يقدمان وصلاتهما الغنائية في الاذاعة التي كان بثها يشمل عدة ساعات وليس اليوم كله. وكان داخل يتميز بصوت عذب وشجن يميزه عن جميع مطربي الريف العراقي.

  

ثم التحق بهم حضيري ابو عزيز لتشهد الساحة الغائية الريفية منافسة حامية الوطيس بينهم, وكانوا يمثلون قمة الغناء الريفي.
وكان قد سبقهم في الغناء عبدالامير الطويرجاوي ومسعود العمارتلي وهو امرأة وليس رجلا! واذكر ان التلفزيون العراقي قدم مسلسلا عن هذه الشخصية الغنائية.


وأضاف العرداوي:
 أن داخل حسن لم يكن لديه باع بالألحان بقدر ما كان له في الشعر وكلام الأغاني, ويختار بعض الابوذيات من الشعر الفصيح كما في قصيدة "ألا ليت الشباب يعود يوما" وغيرها وتعامل مع الكثير من الشعراء الكبار أمثال عبد الحسين الحياوي وعبد الأمير الفتلاوي وجبوري النجار. وأحيانا يأخذ أبياتاً من قصائد لا يعرف من هو صاحبها او مؤلفها كما أغنية:
يا طبيب صواب دلالي كلف
لا تلجمه بحطة السماعة
بعد دگات الگلب ما تنعرف
بين ساعة وساعة
حكاية هذه القصيدة التي غناها داخل تظهر في الفضائيات على انها من كلمات واداء داخل حسن والحان عباس جميل. لكن الحقيقة غير ذلك, اذ ان الشعر لكاتب اخر من الذين يمتهنون مهنة الرادود في الحسينيات والعزاء واسمه عبد الحسين الشاعر وهو انسان معمم، وليس له في الفن بل في المنبر الحسيني.  والقصيدة كتبت سنة 1937 حين نظمها عبد الحسين وقرأها في حفل زواج لصديق له لانه لا يمتلك المال ليقدمه للعريس في مناسبة زواجه فكتب وألقى قصيدة يا طبيب صواب دلالي كلف. وظل داخل يفتش عن شاعر القصيدة الى ان وجده فأبدى له رغبته في ان يغنيها وحاول ان يعطيه مبلغا عن حق القصيدة فطار صواب الشاعر لأنه صار رجل منبر ويقرأ عن اهل البيت فغضب وقال لداخل حسن بعصبية (روح عني واخذ القصيدة الك وسجلها باسمك وما اريد فلوس وجفيني شرك)!.

وبذلك صارت القصيدة تنسب لداخل وليس لشاعرها, الذي تبرأ منها بسبب تغيّر مهنته ومكانته الدينية.
وأشار العرداوي إلى انه كان يعمل في جريدة الراصد في عام 1977 وأجريت حوارا مع الفنان داخل حسن لكن في نفس اليوم انتقلت للعمل في جريدة الجمهورية ولم ينشر الحوار حتى الآن ومازلت احتفظ بمسوداته!


عائدة اللحن للموصلي
الباحث سعدي السعدي قال معقبا:

إن أغنية "يا طبيب صواب" هي كلحن بالأصل تعود إلى الموسيقي الكبير الملا عثمان الموصلي كما اشار اليها الفنان عباس جميل في جلسة موسيقية أقامتها نقابة الفنانين. كذلك قدم القبانجي قصيدة لملا عبود الكرخي "لاتظن توجد الجنات النعيم" واخذ نفس اللحن للموصلي او يقترب منه, ثم جاء ناظم نعيم ليقدم للغزالي ام العيون السود. وكل هذه الألحان مستمدة من الأصل للموصلي.


مات داخل حسن
الناقد كمال لطيف سالم قال:
كنت اعمل في مجلة ألف باء وجاءنا خبر عن وفاة الفنان داخل حسن ثم تم نفي الخبر فقررت ان اسافر الى الناصرية لألتقي به وقلت له اسمعت بخبر وفاتك فقال (وكان تعبانا ومريضا) أنا فعلا ميت. وقلت له ماذا تحب، فردّ: أنا لا أحب شيئا لكن هناك قصيدة حميد التي غناها داخل وحضيري والكثير من المطربين بعده, وهي قصيدة أحبها كثيرا. ثم توفي داخل بعد خمسة أيام من اللقاء! وأضاف كمال: انه يشكر المدى على استذكارها لهذا الفنان الكبير في وقت بات الجحود كبيرا.
 ثم انطلقت الفرقة الموسيقية بقيادة اياد هرمود لتقديم روائع الأغاني لداخل الحسن جعلت الجمهور الغفير يتمايل طربا. وتكونت الفرقة من المطرب حسين جبار وحسين كشيش على الرق ومحمد على الأمام على العود وماجد حسين على الإيقاع وإياد على الكمان.
شهادات
الناقد كاظم حسوني قال :-
داخل حسن يمثل قمة في الغناء العراقي وصاحب صوت استثنائي لما يضمه من شجن وعذوبة وجمال. ويمثل الحياة العراقية لاسيما في منطقة الجنوب. وقد بقي طوال عمره يمتلك المكانة العالية في الغناء الريفي. وهو صوت عربي ايضا وليس عراقيا، إذ كانت شركات إنتاج الاسطوانات العربية تأتي خصيصا لتسجل له الأغاني. وجمهوره كبير جدا وكما ترى ان القاعة امتلأت وسيبقى وهجا وعمقا وذاكرة وشعلة لا تنطفئ في حياتنا.

الشاعر نصير فليح قال:
صوت داخل له ميزة خاصة عن بقية الأصوات الريفية. ولديه قدرة على مداعبة أحاسيس الناس ومشاعرها من خلال عذوبة  صوته. والناس تحب أسلوبه وصوته لأن معدنه ثمين ويمثل صوت الجنوب. وهناك طرفة لها دلالة هي ان بعض النسوة توجهن الى كربلاء لزيارة أمواتن في المقابر فقررن أن يزرن قبر داخل حسن لما يمتلكه من حضور في قلوبهن.

التشكيلي خضير الحميري قال:
الامسية تذكرنا بالصوت العراقي الأصيل بعد ان امتلأت الساحة الغنائية بالاصوات النشاز. داخل حسن عبر بصدق عن الريف العراقي في فترة غنائه وحتى الآن لان صوته ما يزال يسحر الكثيرين من الناس داخل العراق وخارجه.. انه صوت الطرب الأصيل.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

595 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع