خياطون وخياطات بلاعمل وأقمشة لا يشتريها أحد
الصباح/بغداد- سناء البديري:فوجئت الخياطة ام سيف (38 عاما) التي تسكن في احدى المناطق الشعبية بطرقات قوية على بابها في صباح أحد الايام .
تسابقت خطواتها لتفتح الباب، ثم لتفاجأ باحدى جاراتها وهي تحمل (جلبية ) من النوع الصيني كانت قد اشترتها بسبعة الاف دينار، لكنها تحتاج لبعض التعديلات لتتناسب مع ما تريده تلك الجارة. تذكرت أم سيف انها طلبت من جارتها قبل عدة أيام عشرة الاف دينار ثمنا للقماش فقط. الخجل والحياء الذي رسم ملامحه على وجه جارة أم سيف العزيزة جعلها تتقبل الأمر برحابة صدر، ودفعها لأن تستذكر الكثير من زبوناتها، لا سيما عندما اكتظت بهن غرفة الاستقبال قبل حلول العيد بيومين أو أكثر. الزبونات اللواتي ما انقطعن عن زيارتها في السنوات الأخيرة لتخيط لهن ملابسهن على الرغم من تزايد عدد محال بيع الملابس الجاهزة التي انتشرت حتى في الضواحي والمدن البعيدة لم تحصل أم سيف على هذه الشهرة بضربة حظ، ولا عن طريق الصدفة، فقد أمضت ما يقارب العقدين من الزمن في ممارسة مهنة الخياطة التي ورثتها عن والدتها لتتحول بجدارة الى خياطة المحلة حسب شهادة زبوناتهاالكثيرات.
أحزان المهنة
أما الخياطة ام علي فقد اختلفت قصتها كثيرا على الرغم من ان سوق الخياطين في مدينة الكاظمية يعرف مهارتها العالية بصنع (الجلبية) النسائية حيث تحدثت عن قصتها قائلة: ( منذ اكثر من خمس سنوات وانا اقوم بخياطة الجلبية حسب الأحجام والموديلات المطلوبة مني بمعدل لا يقل عن 40-50 قطعة في الأسبوع الواحد الا اني اصبت بالصدمة بسبب قلة الاقبال على ( الجلبية) في السنوات الاخيرة إذ تراجع هذا الرقم كثيرا نتيجة رخص المنتوج المستورد والصيني منه بشكل خاص برغم رداءة الأقمشة المستعملة في انتاج مثل هذه الملابس"، بينما استذكر الحاج كطافة (62 عاما ) العصر الذهبي لمهنة الخياطة أيام السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، يوم كان موردها المالي كبيرا، اما الان فقد تراجعت الى الحد الذي طلب من ولده الكبير بعد أن علمه اسرار الخياطة منذ صباه ان يبحث له عن تعيين في احدى المؤسسات الحكومية ضمانا لحياته ومستقبله.
الحاج كطافة ترك مهنة الخياطة بسبب ضعف عينيه قبل اكثر من عشر سنوات حيث قال: " أحيانا لا يدخل مورد الى البيت من هذه المهنة، وقد تمتد هذه المدة لتصل الى اسبوعين او حتى شهر لأن المنتج المستورد فرض سيطرته بشكل كامل على السوق وخاصة ان الشباب هذه الأيام يميلون إلى المستورد بدلا من الخياطة والبروفة وغيرها "
الخياط محمد صكر لم يفكر طويلا في تحويل محل الخياطة العائد له في احد" المولات" ضمن منطقة بغداد الجديدة الى محل لبيع الملابس الجاهزة وادوات الزينة حيث أكد " أن دخول البضائع المستوردة من دون ضوابط تدعم المنتج المحلي والتي باتت تملأ الاسواق مع تعدد مناشئها خاصة الصيني والتركي ورخص اسعارها منعاني من الاستمرار بالعمل على الرغم من ولعي به بسبب ارتفاع الأجور لمهنة الخياطة ما يؤدي بطبيعة الحال الى ارتفاع سعر القطعة قياسا بالقطعة المستوردة الاجنبية اضافة الى السمعة الجيدة لهذه القطع بسبب انها مستوردة او اجنبية " مؤكدا انه اضطر الى العمل بتجارة الألبسة الجاهزة والمستوردة بعد ان اتفق مع عدد من التجار الممولين من تركيا على وجه الخصوص لأنها مطلوبة في السوق وتوفر له مصدر رزق بدلا من عمل الخياطة المشلول حاليا.
كما اضاف صكر قائلا: " ولا يمكن ان ننسى ان الانقطاع المستمر للكهرباء قد يكون السبب الرئيس الاخر لاعتكاف الخياطين عن الاستمرار بمزاولة مهنهم والتي شكلت عبئا كبيرا عليهم فالخياطة من المهن التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الكهرباء سواءا لماكنة الخياطة أو جهاز (الأوفر ) أو المكواة الكهربائية وهذا طبعا يتطلب سحب عدد اكبر من الأمبيرات من اصحاب المولدات، وبلا كهرباء لا توجد خياطة"
مواعيد عرقوب
الموظفة زينب قاسم (35 عاما) تحسرت بعد ان سمعت جارتها تقول لها :أن الخياطة أم هبة والتي تعودت زينب ان تخيط ملابسها لديها قد باعت ماكنة الخياطة العائدة لها وانها اعتكفت بشكل نهائي عن الخياطة لقلة
مواردها.
زينب أشارت " منذ فترة ليست بالقليلة وانا ابحث عن بديل لخياطتي بعد ان تعودت على خياطة ما احتاجه من ملابس العمل والمنزل عندها، لا سيما وأني من ذوات الوزن الثقيل لذا فالبحث عما يناسبني في الاسواق ليس بالأمر الهين " كما أضافت " لا يمكن الانكار ان مواعيد الخياطين مواعيد عرقوب في تسليم ما اتفقوا على خياطته الى الزبائن الا انهم يمثلون علامة فارقة في حياتنا لا يمكن الاستغناء عنها "
للخياط بصمة
طالب اعدادية الصناعة احمد سلام تضامن مع والدته في الاشادة بالجهد الكبير والذوق العالي الذي يتمتع به خياطو منطقة الكرادة في السنوات السابقة حيث قال: " ما زال الكثير من الناس يبحثون باستمرار عن الخياطين ومن ضمنهم فئة الشباب حتى وان كان الاعتقاد عكس ذلك من قبل عامة الناس , فالمواطن العراقي هو الأكثر ميلا الى الأناقة والتأنق على مستوى البلدان العربية، لذا تجده ينفق وبشكل كبير على ما يرتديه رغم أن لديه الكثير من الالتزامات الاخرى " اما عن رأيه بالملابس الاجنبية المستوردة ومدى ملاءمتها للاذواق فقال: " لا يمكن أن تضاهي هذه الملابس ما يخيطه الخياط أو الخياطة للدقة الكبيرة في التفصيل والخياطة واتباع القياسات كما ان الزبائن هم من يختارون القماش المخصص للبدلة او البنطلون حسب ذوقهم وتجربتهم لذلك انا اعتقد ان للخياط بصمة فيما يصنعه لا يمكن ان يضاهيها المستورد من هذه الملابس الجاهزة القصيرة العمر."
أسعار عالية
نصير الدراجي صاحب محل لبيع الأقمشة في شارع فلسطين علق على الموضوع قائلا:" من المؤكد ان عملنا بالدرجة الاساس يرتبط بالخياط بشكل مباشر لذلك نحن لدينا الكثير من الاقمشة وبخامات وانواع وصناعات مختلفة منها الهندي والصيني والتايلندي والخليجي وعلى الرغم من اسعارها المناسبة وجودتها العالية الا ان هناك اقبالا متوسطا عليها لأسباب قد تتعلق بالخياطين أنفسهم كارتفاع أجورهم، واعتقد ان هذا هو السبب الرئيس لردة فعل الزبون ولجوئه الى شراء الملابس الجاهزة لأن الزبون بطبيعته يبحث عن السعر المناسب في شراء كل احتياجاته اليومية , واسباب اخرى تتعلق بارتفاع ايجارات المحال وغلاء لوازم الخياطة وانقطاع التيار الكهربائي المستمر وهذه الاسباب دفعت الخياط لزيادة أجور عمله "
فرض رسوم كمركية
امل عبد الواحد من منظمة حرية المرأة كان لها هذا الرأي :
" نحن كمنظمة مجتمع مدني نهتم بشؤون المجتمع بشكل عام وبشؤون المرأة بشكل خاص، لا سيما باللواتي فقدن معيلهن من الارامل نتيجة الظروف التي مر بها البلد بعد العام 2003 , وهي محاولة انسانية منا في تحسين مستواهن المعاشي, لذلك كان من واجب منظمات المجتمع المدني في العراق أن تقوم بمحاولات كبيرة وجادة لمساعدة المرأة وتقديم العون لها ومن ضمن هذه المساعدات توزيع مكائن الخياطة على النساء المتضررات بعد ان تقوم المنظمة بادخالهن في دورات مكثفة لتعلم فن الخياطة والتفصيل, وطبعا كما هو معروف ان مهنة الخياطة من المهن القديمة التي أجادتها المرأة العراقية منذ زمن بعيد وهي افضل وسيلة لكسب المال، فالمرأة تستطيع ان تقوم بعملها داخل بيتها فلا تضطر الى ترك اولادها لساعات طويلة مثل باقي المهن الاخرى. "
وأكدت عبد الواحد " نحن كإدارة نبقى على اتصال مستمر مع تلك النسوة اللواتي حصلن على مكائن الخياطة لمعرفة نتائج تلك المبادرة، وعملنا هذا كان له دور كبير في إضافة مورد مادي للكثير من النساء، وقد استطاع ان ينتشل الكثير من العوائل من الغرق في دوامات الفقر والعوز والضياع.
وطالبت عبد الواحد الحكومة في ختام حديثها بأهمية " فتح معامل خاصة لهؤلاء النسوة وتصريف انتاجهن في الاسواق، والسيطرة على ما يدخل لتلك الاسواق من الملابس الجاهزة المستوردة بفرض رسوم كمركية عالية عليها حتى تتمكن مهنة الخياطة من اجتذاب الناس مرة اخرى ".
726 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع