تقع مغارة " فارديزيا Vardzia" في أوروبا تحديداً في دولة جورجيا عند ملتقى أوروبا الشرقية وآسيا الغربية. يمتد تاريخ هذه المغارة على مدى أكثر من 800 عام .
من الوهلة الأولى التي تنظر بها للمغارة يتبادر إلى ذهنك العديد من الأسئلة : ما سبب بناء هذه المغارة في أعالي الجبل ؟ ولماذا بنيت؟ وكيف تم بنائها؟
في عام 1185 عينت الملكة "تمارا" على عرش جورجيا وكانت هي أول امرأة تحكم أوروبا في القرن الثاني عشر و في عصرها ازدهرت الثقافة، وكانت " تمارا" انسانة متدينة جدًا تقدس المسيحية؛ ولكنها رغم ذلك واجهت مشاكل عظيمة في محاربتها للمغول.
لقد كانت امبراطورية المغول تتوسع بلا هوادة وكانت جورجيا تحت التهديد بالاستمرار فأفضل فكرة رأتها الملكة "تمارا" هي أن يكون لمملكتهم الأسطورية دير منيعة منحوتة من الصخور الصلبة.
في الأوقات العصيبة كان يجب أن تتخذ تدابير مختلفة لحماية أنفس الناس من الهجوم المغولي، وهذا ما قامت به "تمارا" حيث أمرت أن يتم بناء ملاذ تحت الأرض لحماية أرواح الجورجيين، وتم اختيار بلدة " آزبنداز" وبدأ العمل السري تحت جبال "ايروشلي" العملاقة.
حين بدأ بناء الدير كان عمر الملكة لا يتجاوز 25 عاماً، وكانت حينها قد أكملت عاماً واحداً في الحكم فقط. ولأنها كانت أول امرأة تتولى مقاليد الحكم الجورجي فقد كان الأمر غريب وغير مقبول مما دفع الكثير من النبلاء إلى القيام بدسائس ومؤامرات شنيعة من أجل الحصول على المنصب وسلبه من "تمارا" بحجة صغر سنها وعدم نضجها وخبرتها بأمور الحرب والحكم كما كانوا يقولون. ولكن بالرغم من ذلك أظهرت "تمارا" قدرة وقوة كبيرتين في مواجهة العدو فاستمر حكمها لجورجيا 29 عاماً، وما تزال تمارا" ملكة الحرب" تبجل من قبل العديد من الجورجيين ليومنا هذا.
تم بناء هذه الكهوف على 13 مستوى، وتم توسيعها لتضم أكثر من 6000 كاهن بالإضافة إلى الفارين من الغزو المغولي، وكان السبيل الوحيد للوصول إلى هذه المملكة تحت الأرض هو عبر نفق سري قريب من نهر "متكفيري" القريب من جبال "ايروشلي".
الأرض الخارجية للدير كانت خصبة للغاية، والرهبان استغلوا ذلك فأنشأوا المدرجات التي من شأنها تغذية السطح الخارجي للجبل عن طريق مياه النهر، وكان هذا الدير هو أول مثال للبيئة المستدامة في أوروبا من حيث الغذاء والمياه. لقد كان حصناً منيعاً جداً وهذا ما أرادته "تمارا" لحماية أرواح شعبها.
وبكل تأكيد نجا الكهف من الغزو المغولي، ولكنه بعد مئات السنين حلت كارثة عظيمة على الدير، ففي عام 1283 تحديداً، واجهت المنطقة زلزال شديد الدرجة أدى الى انهيار جزء كبير من الدير. ماتت أرواح كثيرة في هذا الزلزال وذلك لكون الدير يقع في أعالي الجبل وأدى انهياره إلى سقوطه من ارتفاع شاهق محال بعدها أن ينجي أحد (وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال مشاهدة الصور).
اعتقد البعض أن هذا انتقام من الله وأنه رداً لكبرياء المغول الذين لم يستطيعوا غزو المنطقة.
لم يكن هذا الانتقام الوحيد الذي حل بالدير ففي عام 1551 تم الاستيلاء على الدير من قبل شاه طمهاسب الفارسي و الذي ذبح الرهبان، فخسرت جورجيا أهم القديسين في دير " فارديزيا".
في السابق كانت هذه المعابد أكبر بكثير من شكلها الحالي، إلا انها مازالت تعتبر عملاً عظيماً يبرهن على مدى تمسك المسيحين والجورجيين بدينهم، الذين ارتأوا أنه لا يجب أن يتم تدمير ثقافتهم ونمط حياتهم من قبل المغوليين أو من قبل أي أحد فحافظوا عليه رغم كل العثرات التي مرت بها الدير.
في القرن العشرين تم إعادة النظر في دير الرهبان الذين قرروا حماية تاريخهم فمازال هناك حتى الآن مجموعة صغيرة من الرهبة تسكن في المغارة ويعد الدير أكثر من مجرد متحف فهو عبارة عن تذكير للشعوب المتطرفة بأهمية حماية ثقافتهم بالرغم من تقلبات الطبيعة الوحشية التي تمر على المنطقة.
576 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع