أطفال عراقيون في الجنوب قرب انبوب نفطي
إيلاف/ وسيم باسم:كبيرة هي معاناة العراقيين القاطنين حول الحقول النفطية، يشكون تلوث هوائهم بالغازات والأشعة، ومائهم، وتربتهم، كما يشكون بطالة مستشرية بين أبنائهم بسبب إقصائهم عن العمل في الشركات النفطية العاملة في حقولهم.
في وقت يزداد فيه الانتاج النفطي العراقي، وترتفع فيه العوائد النفطية، تتسع احتجاجات سكان المناطق التي تقع فيها الآبار النفطية وتزداد معاناتهم من فقر وحرمان وبطالة، اضافة إلى تلوث بيئي يدفعون ثمنه غاليًا من صحتهم وراحتهم.
يشير عبد المطلب احمد، وهو يسكن منطقة المزاك قرب حقل الأحدب النفطي في محافظة واسط، إلى انبعاث الكثير من الغازات من الحقل، إضافة إلى الملوثات البيئية المختلفة، ما يتسبب في أمراض الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية، إضافة إلى التأثيرات السلبية على النبات والأحياء المائية. يقول: "فوق كل ذلك، لا يشعر الناس أن العوائد النفطية قد أسهمت في بلورة حياة كريمة او مشروعات خدمية أو عمرانية بارزة، عدا بعض المشاريع المتواضعة التي تصنف في خانة الترميمات".
تلوث بيئي قديم
يقول المهندس الكيميائي سعيد لطيف إن حرق كميات كبيرة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط يسبب تلوثًا بيئيًا يطال القرى القريبة من الآبار، ويتسبب في انبعاث الغازات السامة والملوثة.
يضيف: "في الكثير من دول العالم، تعمل الشركات على معالجة هذه المشكلة عبر التخلص من الغازات المصاحبة بحرقها وفق تقنيات خاصة"، مطالبًا باعتمادها وبفحص التربة والأطيان التي غالبًا ما تشكل تهديدًا مباشرًا للبيئة اذا ما تلوثت.
ويفكر أبو محمد، المعلم سابقًا والمزارع حاليًا، بالرحيل عن قرية أشبييله القريبة من الآبار النفطية، بسبب الغازات المنبعثة التي تصل روائحها ورمادها إلى داخل غرف البيوت. ويجزم أن أية فحوصات سيخضع لها سكان القرى ستثبت حقيقة اصابة الكثيرين منهم بالأمراض التنفسية والجلدية، محذرًا من أن السكان في العادة لا يجرون فحوصات دورية منتظمة.
أما حسن جاسم، المهندس في قطاع النفط، فيؤكد أن مشكلة الغازات المنبعثة من حقول النفط قديمة، ولم يستطع العراق إلى الآن وضع الحلول المناسبة لها، على الرغم من أن اغلب الدول استثمرت هذه الغازات في الكثير من المجالات، منها توليد الطاقة الكهربائية.
الجدير بالذكر أن حقل الأحدب بدأ الانتاج فيه العام 2011 بطاقة 135 ألف برميل يوميًا. ويشير القاطنون حوله إلى أن مردوداته المالية هائلة، ولا بد من توظيف جزء منها لتنمية المناطق المجاورة للحقل، وتعويض السكان عن ضريبة التلوث التي يدفعونها يوميًا.
يأس ومطالبة بتعويض
في حقل السيبة في محافظة البصرة، يؤكد عادل البياتي الذي يسكن مجاورًا للحقل، أن الأمر "لا يقتصر على الغازات والروائح الكريهة فحسب، بل هناك تلوث كبير تسببه المياه المستخدمة في التنقيب، والتي تُرمى في الأنهار".
غير أن المهندس جاسم يرى أن الشركات النفطية المنقبة عن النفط في العراق، نجحت في تجنب تلوث المياه، حيث تعالج قبل اعادتها، عدا حالات نادرة.
ويوضح جاسم أن الاسلوب التقليدي المتبع في التخلص من المياه الملوثة يكون عبر سكبها في التربة المحيطة بالمكان، حيث تساهم أشعة الشمس القوية في تبخرها، ما يقلل من نسب التلوث المحتملة.
يقول البياتي إن السكان يطالبون من فترة ليست بالقصيرة بتعويضهم عما يصيبهم من اضرار جراء التلوث في الهواء والماء، بعدما يئسوا من الحد من مسببات التلوث.
تلوث إشعاعي
إلى الغازات المنبعثة، تعاني مناطق الآبار النفطية من التلوث الاشعاعي المصاحب لاستخراج النفط، بسبب استخدام تقنيات ومعدات حفر تصدر الأشعة الملوثة.
يشير جاسم إلى أن حقل بازركان النفطي في ناحية الطيب شرق مدينة العمارة يعاني من هذا التلوث الخطر، وقد أكدت وزارة البيئة العراقية في شباط (فبراير ) 2012 فقدان معدات إشعاعية تابعة لشركة تنقيب أميركية، تصدر أشعة غاما.
ومنذ العام 2010، ابرم العراق عقودًا مع كبريات شركات النفط العالمية مثل إكسون موبيل ورويال داتش شل وبريتش بتروليوم، لتطوير حقوله النفطية، التي وصفها تقرير أوردته مجلة فوربس بأنها آخر الجيوب العالمية للنفط السهل، الذي لا يتطلب الحفر عميقًا ولا يحتاج تقنيات إنتاج مبتكرة.
اقصاء عن التوظيف
وكأن التلوث البيئي لا يكفي هؤلاء القاطنين بجوار الحقول النفطية، ليصيبهم تلوث الفساد من خلال اقصائهم من العمل والتوظيف في الشركات التي تستثمر في اراضيهم. فالكثير من العاملين في هذا القطاع من غير المهرة ليسوا من ابناء المنطقة، في حين يعاني شباب المنطقة من البطالة.
يطالب أمين حسين، الذي يسكن في قرية تجاور حقل ديمة النفطي في ناحية العزيز، بتسخير طاقات اهالي المنطقة في عمليات تنقيب واستخراج النفط، "لأن هذا يحقق لهم استقرارًا اقتصاديًا مثلما يؤمن للشركات وضعًا امنيًا واقتصاديًا أفضل، فلا تتكرر حادثة حقل غرب القرنة 2، حين هددت العشائر شركات النفط وأجبرتها على دفع الإتاوات".
وفي السياق ذاته، يطالب كريم الياسري الذي يسكن في مدينة القرنة في البصرة بتحويل المنطقة إلى محافظة بعد اتحادها بمدينة المدينة، ويؤكد أن هذا هو مطلب السكان هناك بعدما تحولت المنطقة إلى بؤرة للفقر والتلوث والبطالة، على الرغم من أنها تضم أكبر حقلين نفطيين في العراق.
يتابع الياسري: "شغل الناس الشاغل هو الظلم الذي يلحق بهم جراء عدم تعويضهم من جراء الملوثات، وانتشار البطالة بين ابنائهم".
959 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع