تجار السجاد الإيراني يترقبون فتح الأسواق العالمية بشغف للعودة إلى تجارة عمرها مئات السنين
انتظرت فئات واسعة وقطاعات مهمة طويلا، من رواد وقائمين وتجار، انفتاح الاقتصاد الإيراني على الغرب، وربما أخذ هذا الانفتاح شكل مفاوضات حول البرنامج النووي لطهران وهذا في الظاهر، لكن الإمكانات الاقتصادية التي وفرها ذلك الاتفاق فاقت الطاقة النووية ذاتها. وكأن الأمر بدا أن إيران تسعى للتباهي بقوة عسكرية ودبلوماسية في الخارج، لكن بعض الحرف والصناعات، كشفت أن الأمر كان أساسا لغاية فتح أسواق للبضاعة الإيرانية في الخارج.
العرب /طهران - يفيد مسؤولون إيرانيون بأن القيمة الإجمالية لصادرات إيران من السجاد الفارسي انخفضت بنسبة 30 بالمئة عندما تم فرض العقوبات الاقتصادية على المجال التجاري والمالي الإيراني، ممّا أدى إلى تكبّد هذه الصناعة لخسائر فادحة.
ويعود تاريخ صناعة السجاد الإيراني أو السجاد العجمي، وهو أحد أهم الفنون الإيرانية، إلى حقبة بلاد فارس القديمة. حيث يؤكد المؤرخون أن سوق السجاد في إيران يعود إلى عصور قديمة جدا، عندما عثر على سجاد بازيريك يعود تاريخه إلى عام 500 قبل الميلاد، أي إلى الفترة الأخمينية، فيما جاء أول دليل موثق على وجود السجاد الفارسي من النصوص الصينية التي يعود تاريخها إلى الفترة الساسانية.
وتعتبر إيران اليوم أكبر مصدر للسجاد في العالم، إذ تتجاوز قيمة صادراتها من السجاد اليدوي 420 مليون دولار سنويا، أي نحو 30 بالمئة من السوق العالمية، ويوجد في أسواق نحو 100 دولة حول العالم، لكن خلال العشرين عاما الماضية، انخفض عدد النساجين إلى النصف ليبلغ حوالي مليون نساج. وفي السابق كان عدد مصدري السجاد الفارسي يفوق الألف مصدر في حين أنه الآن في حدود المئة فحسب.
ويقول حسين، الذي طلب عدم استخدام اسمه الحقيقي، إن الحظر الذي تم فرضه في العام 2010 على تصدير السجاد الفارسي إلى الولايات المتحدة (إلى جانب العقوبات الاقتصادية الأخرى) أدى إلى تراجع مبيعات السجاد الملوّن والمصمم بشكل متقن.
وأضاف أنه في السابق باع ما قيمته 700 ألف دولار من السجاد الفارسي في الولايات المتحدة خلال شهر واحد، ولكنه عاطل الآن ولم يتمكن من بيع ولا سجاد. وقال أحد المصدرين في تصريح أدلى به إلى إحدى وكالات الأنباء “كانت العقوبات الإسفين الأخير الذي تم دقه في نعش السجاد الإيراني المنسوج يدويا”.
هذا وتؤكد تقارير أن الطلب المحلي على السجاد المنسوج يدويا قد تراجع بشكل ملحوظ، رغم جودته العالية وتاريخه الثري، ما جعله أكثر رواجا في مهور الزواج إلى جانب مكانته في الأساطير الإيرانية. ويكافح الكثير من الإيرانيين اليوم من أجل تحمل تكاليف السجاد المنسوج يدويا، الذي يمكن أن تكلف عملية شرائه بالتجزئة 50 مليون ريال (حوالي 1670 دولارا)، وهو ما يقدر بستة أضعاف سعر السجاد المنسوج بالآلة، ومع ذلك، أدى التوصل إلى الاتفاق النووي التاريخي في يوليو الماضي، إلى إنعاش الآمال باستئناف المبيعات فور رفع العقوبات الدولية، والتي قد يتم رفعها في وقت مبكر من العام القادم.
ولم تخف الدوائر الرسمية المسؤولة عن تجارة السجاد الإيراني استعدادها لكل الاحتمالات المتعلقة بانفتاح الأسواق، خاصة سوق الولايات المتحدة الأميركية ذاته، حيث تعد السوق الأميركية الهدف الأول والرئيس لتجارة السجاد الإيراني.
ويشير حميد كرغار، وهو مدير مركز إيران للسجاد الوطني، الذي يعتبر الهيئة الحكومية المسؤولة عن السجاد اليدوي، إلى أن تأمين موطئ قدم من جديد في سوق الولايات المتحدة بعد هذا الانقطاع الذي دام لسنوات، سوف يتطلب جهدا كبيرا.
وأوضح مرتضى عراقجي، نائب رئيس جمعية مصدري السجاد لإيراني، أن منافسة الشركات الهندية والباكستانية التي توفر سجادا زهيد الثمن، إلى جانب تراجع المبيعات الأوروبية، أدت إلى الإضرار بالصادرات الإيرانية قبل فرض العقوبات، وقال إن “كل هذه العوامل أدت إلى ضرب السجاد الفارسي، ممّا أسفر عن ركود السوق”.
ويتركز حوالي 1 مليون من النساجين الإيرانيين الذين مازالوا يمارسون هذه الحرفة القديمة في المدن النائية مثل تبريز وأصفهان وقم ومشهد. وقد احتلت الجودة الاستثنائية لنسيج السجاد المتأتي في فارس وكاشان مرتبة على قوائم التراث الثقافي غير المادي لمنظمة التربية والعلم والثقافة التابعة للأمم المتحدة.
وأكدت عديد المصادر من داخل إيران وخارجها أن التجار الإيرانيين بدأوا فعلا خلال الأسابيع الأخيرة في زيارة عدد تجار التفصيل والباعة المتخصصين في الأقمشة والسجاد في أوروبا وأميركا وجنوب شرق آسيا، وذلك بعد أن تم رفع الحظر على مجموعة من التجار وأصولهم المالية.
ولكن وفي كل الحالات فإن الوضع الاقتصادي بشكل عام في العالم لا يشجع على عودة قوية لهذه التجارة التقليدية التي عرف بها الفرس منذ القدم، إذ يقول محمد العابد مدير شركة لتصنيع السجاد الإيراني “إذا تحسنت الظروف الاقتصادية في العالم، فإن ذلك قد يؤثر على صادرات السجاد الإيراني، حيث لا نرى الآن ظروفا مساعدة على هذا الأمر، لذلك نتمنى أن تتحسن القدرة الشرائية في العالم بشكل عام”.
745 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع