يمكن أن تصبح جندياً بـ 25 ألف دينار فقط
بغداد - سناء البديري:بات من اليسر ان تقتني بزة عسكرية وتنتحل صفة جندي أو رجل أمن، في ظل انتشار المتاجر التي لم تعد تقتصر فقط على الملابس، وإنما تعدت ذلك الى بيع مختلف أنواع التجهيزات العسكرية لمختلف الاستعمالات، ومنها الدروع والنواظير والعصي التي تستخدم في فض أعمال الشغب وحتى الأسلحة البيضاء، وقد لا يكلفك ذلك مادياً ولا عناء كبيراً..
هذه المحال انتشرت في عدة مناطق مثل مدينة الصدر والباب الشرقي وسوق الهرج ومنطقة التكية والكاظمية أيضا، التي وجدت خلال هذا العام والأعوام الماضية رواجا من قبل من يحتاجها, الأمر الذي دفع الحاج عبد الله جواد (54 سنة) وهو أحد بائعي هذه الملابس في الباب الشرقي، أن يختار زبائنه بدقة، بحسب ما قال، فالحاج الذي امتهن هو وأولاده هذه المهنة منذ تسعينيات القرن الماضي، صار يخشى هذه الأيام عدد ونوع الزبائن ممن يشترون بضاعته، فقد رفض الشهر الماضي بيع عشر بدلات دفعة واحدة لشخص ترجل من احدى السيارات ذات الدفع الرباعي، عندما طالبه باثبات انتسابه الى جهة رسمية، وعند اعتذار الأخير رفض بيعه بسبب التعليمات والتحذيرات من قبل القوات الأمنية التي شددت في الآونة الأخيرة إجراءاتها بسبب أن الكثير من الهجمات الارهابية التي حدثت هذا العام نفذت بملابس ورتب عسكرية.
احترازات أمنية
أما بائع الملابس سعدون غماس فقال: "تعرضت في العام 2006 الى مضايقات العديد من الجماعات التي أجهل هويتها، حيث جاءت الى بيتي في ساعة متأخرة من الليل وطلبت مني تجهيزها بكميات كبيرة من هذه الملابس وخاصة المشابهة لما ترتديها القوات الأميركية، وبعد نقاشات لم تدم طويلا وأمام المبلغ الذي عرض وقتها وافقت على بيعها".
وأضاف غماس "ان العوز المادي واغلاق محلي لعدة أشهر بسبب الأحداث التي شهدتها العديد من مناطق بغداد وخاصة مدينة الصدر هما من دفعاني لبيع هذه الكمية من دون معرفة هوية الزبائن, أما مع عودة الأمن لكثير من المناطق في الوقت الحالي جعلني أتروى كثيرا في بيع هذه الملابس خوفا باستغلالها من قبل الجماعات المسلحة، كما أنني اتفقت مع العديد من الباعة خاصة ان كان منهم من أقاربي على أن نكون أكثر دقة في بيعها فضلا عن أننا نسأل من يشتري عن عمله والى أية جهة أمنية ينتسب ونتأكد من خلال هويته وأوراقه الرسمية التي تثبت انتسابه؟."
خياط الملابس العسكرية (ابو نجم) في شارع الرشيد تحدث لنا في هذا الموضوع قائلا: "أعمل في خياطة الملابس سواء كانت المدنية أو العسكرية منذ ما يقارب الـ(20) سنة ولكني في الوقت الحالي تخصصت بخياطة و(تقريم) الملابس العسكرية فقط بسبب الطلب على هذا النوع, كما أود أن أذكر أمرا مهما هو أن جميع من يبيع ويشتري ويعمل في هذه المهنة أصبح لديه في الوقت الحالي حذر وحس أمني كبيرين بسبب الأحداث التي مر بها بلدنا، لذلك تجده يبادر ويسأل من يشتري منه بدلة أو احد مستلزماتها عن أسمه ومكان انتسابه ولماذا هو في حاجة لشراء بدلة عسكرية؟".
تاجر الجملة جعفر الخزرجي في الباب الشرقي، أعرب عن دهشته للزيارات المتكررة من قبل القوات الأمنية وتشديدها في الآونة الأخيرة على ضرورة اصدار رخص لممارسي هذه المهنة.
وبشأن منشأ هذه الملابس والمواد التي تدخل في صناعتها، قال الخزرجي: "منذ العام 2003 وحتى الآن وأنا أقوم بسفرات شهرية متكررة الى اقليم كردستان من أجل شراء هذا النوع من الملابس ومستلزماتها من الأحزمة والدروع بأصنافها والخوذ والأحذية وباقي المستلزمات العسكرية، فأنا أحد المصادر الرئيسة لتجارة هذا النوع من الملابس بالتحديد."
تجهيز المنتسبين
أما (رعد علي)، منتسب في وزارة الدفاع والذي صادف وجوده في أحد محال بيع الملابس العسكرية في الباب الشرقي، قال: "تمزقت بدلتي السابقة اثناء تنفيذي أحد الواجبات الأمنية لذلك اضطررت لشراء بدلة جديدة التي كلفتني 25 الف دينار وهي من النوع الصيني الذي لا يتمزق بسهولة قياسا بالبدلة محلية الصنع التي تفقد لونها ومتانتها بعد أسابيع من استعمالها".
ويوضح انه يتسلم بدلتين في السنة من وحدته العسكرية، احداهما شتوية والأخرى صيفية، لكنهما بطبيعة الحال لا تكفيان مقارنة مع عمل الوحدات الأمنية الذي يتطلب ساعات طويلة من التعرض للمتغيرات الجوية من حرارة الشمس الحارقة وبرد الشتاء.
الأسعار حسب المنشأ
وبشأن أسعار هذه البدلات وملحقاتها يقول البائع (جري ساجت) من منطقة الباب الشرقي: "ان الأسعار تكاد تكون ثابتة ومناسبة في الوقت نفسه باستثناء الشيء القليل، فهي تتباين من بدلة الى أخرى حسب المنشأ والجودة، فهناك بدلات صينية المنشأ لا يتجاوز سعرها الـ (50) الف دينار، وهناك بدلات أميركية الصنع والتي تراجع الطلب عليها في الآونة الأخيرة، لا يتجاوز سعرها الـ( 100) الف دينار، كما ان هناك ملابس من مناشئ عدة منها التركي والكوري والتي لا يتجاوز سعرها الـ(80) الف دينار، وهي قليلة التداول وسوقها لا يجد رواجا.. أما البدلات العراقية الصنع فيتراوح سعرها ما بين 10 الى 15 الف دينار فقط ."
رأي عمليات بغداد
وتحدث نائب قائد عمليات بغداد الفريق حسن سلمان البيضاني في هذا الموضوع قائلا: "فيما يتعلق في تجارة الملابس العسكرية، لدينا تحفظات كثيرة بشأن انتشار هذه الظاهرة في الأسواق والتي تحمل أبعادا خطيرة وتؤثر سلبا في الأمن باعتبار أن الملابس العسكرية باتت مباحة لكل من يشاء, وقد عملنا بالتنسيق مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية لوضع ضوابط لهذه الظاهرة ولكنها للأسف تأخرت كثيرا, اذ يجب أن تكون هناك اجازات وضوابط خاصة للعاملين في هذه المهنة سواء للخياطين أو الذين يبيعون ويشترون بها من التجار".
وأضاف النائب "في جميع بلدان العالم نجد هناك قوانين وضوابط حاسمة في التعامل مع هذا الموضوع، ولكن في العراق وللأسف لم نجد تلك الضوابط حتى قبل سقوط النظام المقبور بسبب عسكرة مجتمعنا، أو أن المجتمع العراقي متعسكر أصلا لذلك فأن بيع وشراء هذه الملابس أصبح شائعا".
وبشأن تأثيراتها السلبية، قال: "هناك الكثير من الحوادث الارهابية التي نفذت من قبل من يرتدي هذه الملابس في سبيل اثارة الشبهات تجاه الوحدات العسكرية الموجودة في مكان الحادث بشكل خاص والقوات الأمنية بشكل عام، فعلى سبيل المثال، وهذه الحادثة حصلت قبل أيام قليلة، قتل مواطن من قبل أحد المسلحين كان يرتدي بزة عسكرية، لذلك نحن نعمل مع الجهات المسؤولة من أجل استصدار قرارات حاسمة في هذا المجال.. وهذه الاجراءات أمنية فقط وليست قسرية لمن يعمل في هذه المهنة".
657 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع