أربيل ... فردوس العراق

     

الشرق الأوسط/لندن: معد فياض:من فوق قلعة أربيل، أقدم مستوطن بشري في التاريخ، وحيث يرفرف علم إقليم كردستان، أكبر علم في العراق، بألوانه الزاهية، حيث تتوسطه شمس ذهبية تبشر الأكراد بخير مستديم، نتطلع إلى مدينة أربيل الحديثة.. من عمق ما يقرب من ستة آلاف عام نرصد حاضر هذه المدينة ومستقبلها الذي ينمو باطراد وهي تستعد للتألق أكثر بعدما تم اختيارها من قبل جامعة الدول العربية عاصمة العرب السياحية لعام 2014 مؤخرا.

وأربيل، أو هولير، حسب تسميتها الكردية، هي عاصمة إقليم كردستان، ورابع أكبر مدينة في العراق بعد بغداد والبصرة والموصل، استوطنت في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، وتعاقبت عليها سيطرة الكثير من القوميات، مثل الآشوريين والبارثيين والسلوقيين والساسانيين والعرب، وأخيرا العثمانيين، قبل أن تصبح جزءا من مملكة العراق عام 1920.

هنا ومن قلعة أربيل التي كانت حتى ما يقرب من ثلاث سنوات، مأهولة بالسكان، قبل أن يتم نقلهم إلى مناطق سكنية أخرى استعدادا لإعادة إعمارها بعد أن اعتبرتها اليونيسكو مكانا أثريا لا يجوز التلاعب فيه، وتم تسجيلها في قائمة الموروث الإنساني العالمي، هنا كان موطن إلهة الجمال عشتار، وكان هذا المكان مقدسا بالنسبة للآشوريين، وهذا ما يوضحه جليا الدكتور محسن محمد، في جامعة صلاح الدين في أربيل، حيث يقول: «إن أربيل كانت تفوق في قدسيتها مدينة (دلفوس) اليونانية التي اتخذت مقرا لعبادة آلهة الأولمبوس، حتى إن الملك الآشوري سنحاريب، الذي تربع على عرش إمبراطورية امتدت من كردستان إلى وسط العراق وأطراف من سوريا وتركيا، عبر عن احترام وتقديس كبير لأربيل، موطن السيدة الجليلة الإلهة عشتار التي أقامت في المدينة المقدسة صاحبة آلهة الآشوريين، مدينة أربائيلو، أوروبيلم، أربيلا، الآلهة الأربعة، أربل، أربيل، هه ولير، سبعة أسماء لمدينة واحدة عاشت منذ سبعة آلاف عام وتتواصل فيها الحياة بلا انقطاع، جيلا بعد جيلا وسلالة إثر سلالة».

   

فقد مد هذا الملك، الذي عرف بإنجازاته الحضارية، للمدينة المقدسة «صاحبة عشتار»، قناة مائية لإيصال الماء العذب من الجبال إلى وسط المدينة، وقد وثق الملك (705 - 681) بلغته المسمارية هذا الحدث على جدار من الحجارة قرب قرية كردية على ضفاف نهر بستورة المنبع الجبلي الذي مد منه القناة:

«أنا سنحاريب ملك بلاد آشور حفرت ثلاثة أنهر من جبال خاني التي في أعالي مدينة أربائيلو وأضفت إليها مياه العيون التي في اليمين واليسار من جوانب تلك الأنهار ثم حفرت قناة إلى وسط مدينة أربائيلو موطن السيدة الجليلة الإلهة عشتار وجعلت مجراها مستقيما».

كانت القلعة هي المدينة، والمدينة هي القلعة، مستوطن بشري يتوارثه السكان جيلا بعد جيل، يقوم فوق مرتفع يسهل على سكانه حمايته، ومحاط بسور منيع، وحسب وصف ياقوت الحموي في «معجم البلدان» فإن «أربيل قلعة ومدينة كبيرة في فضاء واسع من الأرض، ومحاطة بخندق عميق، كانت مدينة كاملة فيها أسوار ومنازل للآهلين، وفيها سوق عظيمة، ومسجد عظيم ما زال موجودا يقال له مزكه وتى يه نجة».

القلعة هي مركز وقلب المدينة التي تبعد عن بغداد مسافة 350 كيلومترا شمالا، وتستقبل الزائر من مسافة بعيدة بسبب ارتفاعها عن مستوى سطح البحر بـ450 مترا، وعن مستوى المدينة بنحو 26 مترا، على مساحة تقدر بستة آلاف متر مربع.

ويتحدث العلامة التاريخي طه باقر عن سبب ارتفاع القلعة في كتابه «المرشد» قائلا: «يحتمل أن القلعة كانت أكثر ارتفاعا فيما مضى، وأن قارا قه للا Qaraqalla الإمبراطور الروماني الذي غزا أربيل بعد عودته من حملته على طيسفون في عام 216م، هدم ذروتها ونبش فيها القبور التي تعزى إلى الملوك الفرثيين».

   

أما حول الوصول إلى القلعة والدخول فيها في العهود القديمة، فقد جاء في كتاب «العراق قديما وحديثا»: «لا يمكن الصعود إلى القلعة إلا من درجين قديمين، ومن درج ثالث فتح قبل نحو أربعين عاما، وكان الباب الرئيسي للقلعة، وقد اتخذ هذا الحصن مدة دارا للحكومة ومدرسة ومستوصفا». وفي مجلة «سومر» لسنة 1949 ذكر «أن القلعة ليست إلا بقايا مدينة آشورية مهمة تعرف باسم أربا - ئيللو مشيدة على تل أثري قديم العهد».

بقيت قلعة أربيل محتفظة بهيكلها القديم إلى نهايات الخمسينات من القرن الماضي، وكانت تتكون من محلات تسكنها عوائل كردستانية من أديان مختلفة، منها إسلامية ويهودية، وكان فيها كنيس لممارسة الشعائر الدينية اليهودية، وفي وسط القلعة جامع القلعة الكبير الذي كان إلى ما قبل عام يحتضن جموع المسلمين في يوم الجمعة، وبجانبه حمام قديم واسع مبني على طراز مميز، ومن أشهر محلات القلعة، السراي التي تقع في الجهة الشرقية، والطوبخانة في الجهة الجنوبية الغربية، والتكية تقع في الجهة الشمالية الغربية.

من هذه القلعة، من الماضي الحضاري، من أربيل التاريخية نمضي إلى المدينة المعاصرة التي تحولت بغضون سنوات قليلة إلى «فردوس العراق»، إلى الحاضرة التي تزدحم بعشرات الآلاف من السياح العراقيين والعرب والأجانب سنويا، حيث تستقبلنا ساحة وسط المدينة التي تم إعمارها وتزيينها بالنافورات التي تتلون مياهها ليلا بالأنوار، هناك تكون الحركة ضاجة ومزدحمة، فمن هذه الساحة يتجه الناس إلى أسواق المدينة القديمة: سوق القلعة، وسوق شيخ الله، وسوق الكتب، أسواق تتفرع إلى أسواق أخرى، تتشابك وتلتقي عبر أزقة ضيقة مؤثثة بألوان الأقمشة النسائية الزاهية، وواجهات الصياغ التي يلمع فيها الذهب الأصفر من عيار 20 و24 قيراطا والمشغول وفق الصياغة الأربيلية المشهورة، إذ يعرف حب المرأة الكردية للذهب. أسواق للعسل الأصلي وللمكسرات والحلويات التي تتميز بها كردستان، وأشهرها «من السما» المن والسلوى. يقول أبو صلاح، أقدم من توارث بيع العسل في هذا السوق: «نحن نبيع العسل منذ عشرات السنين، وقد ورثت هذا الدكان عن والدي الذي ورثه عن جدي»، موضحا أن «هذا العسل يأتينا من مناحله الطبيعية في الجبال المحيطة بأربيل».

  

أربيل، المدينة التي كانت حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي مجرد قرية كبيرة بسبب سياسات النظام السابق التي كانت تحرم على الأكراد البناء والتوسع والعمران، تحولت اليوم إلى واحدة من أكثر المدن العراقية تطورا وتقدما وجمالا، إذ انتشرت فيها الأحياء السكنية الراقية، وارتفعت في فضائها الفنادق الحديثة، وبعد أن كان فندق «أربيل إنترناشونال» وحده يستقبل كبار الضيوف، إلى جانب فندق يقع عند أطراف أربيل (خانزاد)، يوجد اليوم فنادق كبرى مثل «روتانا» و«ديفان» (ديوان) و«سفير» و«فان رويال» و«تاكرام اربي»، وفي الانتظار افتتاح فنادق كبرى مثل فندق «كوبانسكي» وفندق «لي رويال»، إضافة إلى المجمعات السكنية الضخمة، مثل القرية الإيطالية، والقرية الإنجليزية، والقرية الأميركية، ومجمع زكريا للشقق السكنية.

وحسب نوروز محمد أمين، مديرة عامة في دائرة الاستثمار في كردستان، فإن «قوانين الاستثمار المتطورة التي وضعها السيد نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة الإقليم، وبإصراره على متابعة المشاريع والخطط لتطوير المدينة، تحولت أربيل إلى مدينة متقدمة في شتى جوانب الحياة»، مشيرة إلى أن «في أربيل واحد من أكبر المطارات في المنطقة وأكثرها تطورا، إلى جانب الأسواق الضخمة (المولات)، وأبرزها (ماجدي مول) و(فاميلي مول)، التي أنجزت من قبل مستثمرين محليين، كما تم شق وتعبيد الشوارع العريضة وتأثيثها بالإنارة الحديثة».

ومن نافذة في الطابق الـ23 بفندق «ديفان»، يمكن لأي سائح أن يطل على أكبر متنزه (بارك سامي عبد الرحمن) في أربيل، الذي كان معسكرا للقوات العراقية في عهد النظام السابق وتحول إلى متنزه عام يضم بحيرة واسعة ومسارح ومطاعم ومقاهي مفتوحة.

وتعتبر مدينة عينكاوة الملحقة بأربيل متنفس عاصمة إقليم كردستان العراق، ويقطنها غالبية من المسيحيين العراقيين، وفيها أكبر كنائسهم، إضافة إلى ما يميز أسواق ومطاعم ومقاهي هذه المدينة التي تسهر حتى الثالثة فجرا، وما يميز سكان أربيل والأكراد عامة كرمهم وروحهم الطيبة الودودة.

سكان أربيل، والأكراد عامة، يتركون يوم الجمعة بيوتهم ومدنهم ويتوجهون منذ الصباح الباكر إلى الجبال والوديان المحيطة بأربيل، حيث الطبيعة الساحرة، باتجاه جبال سفين، وبعد اجتياز مصيف صلاح الدين الذي يتربع فوق قمة الجبل، والهبوط نحو مدينة شقلاوة التي تتمدد في واد أخضر يزدهر بأشجار التوت والتين والرمان، ماضين نحو مناطق راوندوز الخلابة بمفاجآت طبيعتها، هناك تتدفق الشلالات من بطون الجبال، مثل شلالات كلي علي بك، وشلالات بي خال، وتنساب الأنهار ملتوية بين السلاسل الجبلية بحرية، بينما تقوم مدينة ألعاب راوندوز بقريتها السياحية فوق كتف الجبل جاذبة الآلاف من السياح سنويا.

ولعل ما يميز هذه المناطق السياحية وجود الطرق المعبدة حديثا، التي تتسلق الجبال نحو قمتها وتهبط إلى الوديان موازية مجرى نهر الزاب، مع توفر محطات مجانية لاستراحة العوائل وسط بيئة نظيفة وصحية.

يبقى أن نشيد بالجانب الأمني الذي يسود مدن إقليم كردستان، فأربيل وما حولها منطقة آمنة تماما، ويشعر السائح فيها بالاطمئنان، كما أن تعامل الأجهزة الأمنية، وخاصة الشرطة المحلية، يتسم بطابع حضاري يشجع الزائر على التنقل بسهولة بين مناطق عاصمة الإقليم.   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

970 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك