بغداد ــ عثمان المختار:كشف مصدر عراقي حكومي رفيع المستوى أن أطرافاً حكومية عراقية وأميركية تحركت منذ أيام لإعادة إنتاج قوات الصحوة، بنسخة جديدة، بهدف محاربة الفصائل المسلحة ودعمها بالأسلحة والمعدات، وذلك على نقيض ما يحدث في المدن الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة التي تجري فيها اجتماعات عشائرية مكثّفة مع قادة الفصائل لتشكيل مجلس مشترك لإدارة تلك المدن.
وقال المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي، باشرت بعقد سلسلة لقاءات مع قادة سابقين في قوات الصحوة من العرب السنّة فضلاً عن شيوخ عشائر ورجال أعمال وسياسيين سنّة من مدن شمال وغرب البلاد، بهدف تشكيل قوة جديدة داخل تلك المدن لتنفيذ عمليات نوعية ضد الفصائل المسلحة تهدف لإضعافها داخلياً وتوفير الدعم للقوات الحكومية لاستعادة المدن الخارجة عن السيطرة".
وأوضح المصدر، الذي يشغل منصباً رفيعاً في لجنة المصالحة الوطنية التابعة لمجلس الوزراء العراقي، أن "شخصيات حكومية وأخرى مستقلة كُلّفت من المالكي لعقد سلسلة اجتماعات في أربيل وعمان مع تلك الشخصيات. وهي من الشخصيات المعارضة لتنظيم (الدولة الإسلامية) بهدف تأسيس نواة لقوة في مدن الرمادي والفلوجة والموصل وتكريت كبداية". وفيما أوضح المصدر أن "هناك تجاوباً واضحاً من تلك الشخصيات"، أشار إلى أن المباحثات لا تزال في مرحلتها الأولى".
الحكومة العراقية ترصد 500 مليون دولار لإعادة إنتاج قوات الصحوة بنسخة جديدة لمحاربة الفصائل المسلحة
ولفت إلى أن "الخطوة جاءت باقتراح من فريق المستشارين الأميركيين العاملين في بغداد منذ نحو شهر، بعد فشل القوات الحكومية والمتطوعين في إحراز تقدم، وارتفاع الأصوات المعارضة في الجنوب من زج أبنائهم للقتال في المدن السنية وتعريضهم للموت والأسر".
وأكد أن "الحكومة رصدت نحو 500 مليون دولار للمشروع الذي سيكون بشكل مختلف وأهداف متشابهة لقوات الصحوة التي ولدت في العام 2007".
وتعتبر قوات الصحوة العشائرية واحدة من مشاريع الجيش الأميركي في العراق في العام 2007، إذ شكّلت في بداية الأمر قوة قوامها 12 ألف مقاتل قبلي لقتال تنظيم "القاعدة" في الأنبار، ونجحت تلك القوة في الحد من نفوذ "القاعدة".
وخصصت القوات الأميركية مرتّباً لعناصر الصحوات يصل إلى 3 ملايين دينار شهرياً، لكن حكومة المالكي قطعته بعد الانسحاب الأميركي من البلاد عام 2010، وهو ما أدى إلى تخلي المقاتلين القبليين عن القتال.
وكان محافظ نينوى، أثيل النجيفي، قد دعا، السبت الماضي، أهالي الموصل إلى التطوع في قوات شعبية لقتال تنظيم "داعش"، وتخليص المدينة وعدم انتظار القوات الحكومية لفعل ذلك.
من جهته، أكد المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق، الفريق الركن قاسم عطا، لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة جادة في دعم ورعاية مشروع القوات العشائرية والمتطوعين السنّة لقتال (داعش) في كل مناطق العراق".
وأشار إلى أن "قتال (داعش) داخل المدن المُسيطَر عليها وفتح جبهات داخلية عليه، سيؤدي إلى إرباكه". وتحدث عن "بوادر انتفاضة شعبية في الموصل وتكريت ضد (داعش) يقودها أبناء العشائر، بعد سلسلة الجرائم التي ارتُكبت من قبل التنظيم من تهجير العراقيين المسيحيين وغيرهم وتفجير قبور الأنبياء والمراقد والكنائس والمساجد وفرض عقوبات على المدنيين"، مضيفاً: "نحن نرعى ونبارك ذلك".
وشدد على أن "أي قوة تُشكّل في هذا الصدد لا يمكن اعتبارها صحوة بقدر ما هي التزام وطني من السكان في الدفاع عن أرضهم".
بدوره، أكد شيخ عشيرة البو ذياب في الرمادي، حميد الهايس، لـ"العربي الجديد"، أن "ولادة قوات عشائرية لقتال (داعش) باتت مجرد مسألة وقت".
وأضاف: "إننا كشيوخ عشائر، نؤمن أن الحكومات راحلة اليوم أو غداً، لكن (داعش) مخططاته طويلة الأمد ويسعى للتمكّن والانتشار في العراق والسيطرة على الأراضي. لذا، فإن قتاله واجب الآن. ونحن نؤيد المشروع الذي يجب أن يحظى بدعم ورعاية محلية واقليمية، فالخطر على دول الجوار قادم لا محال في حال استمر تمدّد التنظيم".
الشمري: إعادة بثّ الروح بالصحوة مجدداً محاولة لخلق اقتتال سني ـ سني لن يكون إلا في صالح المالكي
في المقابل، اعتبر القيادي في المجلس العسكري لثوار عشائر نينوى، عبد الله الشمري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مباحثات إعادة بث الروح بالصحوة مجدداً، محاولة لخلق اقتتال سني ـ سني لن يكون إلا لصالح حكومة المالكي ومَن معها".
وأكد أن "المالكي يحاول كسر شوكة تلك الفصائل وخلق فتنة واقتتال داخل مدننا بحجة (داعش)، والجميع يعلم، بما في ذلك المالكي، أن كل الفصائل تختلف مع (داعش) ولا تتصل به، لكن المالكي يضعها جميعاً في مُصنَّف واحد لخدمة مصالحه، فإذا تحقق مشروعه، فإن القاتل والمقتول هم من السنّة وسيدخل مدننا من دون خسائر".
واستبعد الشمري أن "ينضم إلى تلك القوات أكثر من بضعة آلاف من مقاتلين لن يكون لهم تأثير على الأرض".
وأشار إلى "اجتماعات تجري حالياً داخل المدن الخاضعة لسيطرة الفصائل بهدف الاتفاق على آلية لتنظيم إدارة المدن وسحب المظاهر المسلحة من شوارعها، وترك المعاملات المدنية والحياة الطبيعية للسكان أنفسهم مع تشكيل مجالس مؤقتة للإشراف عليها بينما يبقى المقاتلون على حدود تلك المدن".
من جهته، قال أحد زعماء القبائل في نينوى، حميد العنزي، لـ"العربي الجديد"، إن "معركتنا ليست ضد (داعش) الآن، ولا يمكن أن تنطلي علينا خدعة الماضي، فلدينا هدف محدد وهو اقتلاع آلية وضعها الاحتلال باعتبار السنّة مواطنين درجة ثانية في كل شيء وإنهاء المحاصصة الطائفية في الحكم".
وأضاف: "نحن ضد (داعش) الآن ومستقبلاً، لكن أن ندير بنادقنا باتجاه الشمال والغرب بدلاً من بغداد فهذا خطأ وسيمنح فرصة كبيرة للمالكي لاستعادة أنفاسه، ونحن نؤمن أن إخراج (داعش) مهم لكن ليس بأهمية الاطاحة بالنظام الحالي الذي يهيمن على البلاد".
714 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع