الصباح/الديوانية – عباس رضا الموسوي:أحيانا وأنت تتوجه بسيارتك أوقات الغروب بعيدا عن ضجيج المدينة، قاصدا مشارف الصحراء, تستوقفك تلك البيوت المصنوعة من الشعر وما يدور في محيطها من صور شاعرية مفعمة بالجمال..
فتيات يجلبن الماء وآخريات يحملن الحطب فيرسمن بقوامهن الرشيق لوحة غارقة بالتأملات.. شباب مع أغنامهم في المراعي يعزفون على الناي بطريقة تترجم الوجع الانساني بأبهى صوره.. وتستهوي أنظارك خيوط الدخان المرتفعة من المواقد، فتشعر أن هؤلاء السكان لهم حياة ساحرة فيها من الأسرار ما يدفع فضولك للاقتراب منها أكثر.
الذهب والماشية بدل الأثاث
حياة الترحال التي يعيشها البدو منذ القدم تفرض عليهم التخفيف من أثاث بيوتهم، والاعتماد على كل ما غلا ثمنه وخف وزنه، فهؤلاء أقوام عرفوا بالترحال الدائم بحثا عن الماء والخضر كي تبقى مواشيهم على قيد الحياة، لذا فأن ثقل الحمولة تتسبب لهم مشكلات كثيرة، ففي الرحيل الجماعي يكون أول من يصل المكان المعشب صاحب الحظوة باختيار المرعى الأفضل
لماشيته.
وبهذا الصدد يقول بداي آل رعد ( 48 سنة): "عودتنا حياة الترحال على الاحتفاظ بالأدوات المنزلية الضرورية فقط وبالتحديد أواني الطعام والفراش وقلة من الملابس، ما يجعلنا عندما (نهد ونمد)، نهد بيوتنا ونمد بالصحراء بسرعة، لذا تجد اننا نفضل ان يكون مهر الزواج ذهبا أو ماشية بدلا عن ما موجود لديكم من قائمة طلب من غرفة النوم وأثاث الاستقبال وتجهيز المطبخ، وحقائب الملابس.ويضيف قائلا: "أنا مثلا تزوجت لمرتين كان مهر الزوجة الأولى وهي قريبتي 20 نعجة هدية لأهلها، وخاتما وقلادة وميدالية ذهب وما خف من الملابس لها، فيما كان مهر زوجتي الثانية مبلغا من المال يكفي لشراء الذهب والملابس.
أماكن محدودة لملتقى العشاق
ويضيف بداي أن أغلب لقاءات البدوي بالمرأة التي يميل اليها قلبه تكون اما في (الغدير) أو (المحطاب) حيث تبكر البدوية الى الساقية القريبة من بيوت (الجماعة) لجلب الماء في أول واجباتها اليومية، حينها يتربص العاشق لاعتراض طريقها شريطة ان يكونا على مرأى من الفتيات الاخريات ولا يسمح لهما بالخلوة الا بعد الخطبة، فيكون عندها له الحق حتى بمنادمتها في (المحرم) وهو النصف المخصص من بيت الشعر الى النساء أو في (الشج) وهو النصف الثاني المخصص للرجال، ولو دامت الخلوة لساعات متأخرة من الليل وهو ما عشته انا وغيري من أبناء البادية.
اما مواد تجميل العروس، والكلام للمتحدث- فهي مازالت كما عهدتها امهاتنا وجداتنا (الحناء) لباطن اليدين, و(الديرم) للشفاه, و(الطين خاوه) لنعومة الرأس, والوشم على مناطق محددة من الجسم، وكلها مواد طبيعية تحتفظ بها العائلة البدوية منذ أزمنة بعيدة.
عزلة لمدة سبعة أيام
وبدلا عن السفر لقضاء أسبوع العسل في أحد الفنادق أو الأماكن السياحية، فبينما يقوم اهل العريس البدوي باقامة الولائم واستقبال المهنئين ينشغل الزوجان البدويان بقضاء الأيام السبعة الاولى من الزواج في (الخربوش) وهو بيت شعر صغير يسع لشخصين ينصب لهما على مسافة غير بعيدة عن (الجماعة) ويحق للعريس الخروج والالتقاء بباقي الرجال على عكس العروس التي لا يسمح لها بالخروج لحين انقضاء المدة والتي تختصر احيانا الى ثلاثة ايام (حسب الانسجام).
وعن هذا تقول رهف آل رماح (60 سنة): ان زواج بناتي لايختلف من حيث التقاليد عن زواجي الذي يشبه تماما زواج أمي.
وتضيف ان البدوية عندما يهد (خربوش) زواجها في اليوم الثالث من الزواج يعني ان زوجها لايحبها بقدر تلك التي يبقى زوجها معها لمدة سبعة ايام واحيانا اهل العريس يفرضون على ولدهم هد (الخربوش) في اليوم الثالث وحينها تبدأ حياتهم مع العائلة فتصبح الكنة بمثابة الابنة لعمتها، فوحشة الصحراء كفيلة بتقريب قلوب أهل البيت البدوي الواحد.
البدوي وتعدد وصغر الزوجات
ولان البداوة لها تقاليدها المحافظة الى حد يصعب التأقلم معها دون تضحيات جسام تقدمها المرأة على مضض، فان ظاهرة زواج الرجال الكهول من فتيات صغيرات سارية المفعول الى يومنا هذا، مثلما هو حال الزواج من أكثر من امرأة لأسباب تتعلق بانجاب اكبر عدد من الذكور واشباع الرغبة العارمة لدى الذكر أو حتى للأبهة.
ويقول بشأن هذه الظاهرة، حمود آل صافي: لقد تزوج أبي من ثلاث نسوة كانت الاولى أمي وهي تقربه بالعمر، اما الثانية فكانت تصغره بخمس وعشرين سنة تقريبا وحكايتها ان والدها تولع بحب فرس لدى أبي وحاول اغراءه بالمال فرفض ما اضطره الى تزويجه من ابنته التي كانت تكثر من اللعب مع اختي الصغرى عندما يكون ابي خارج (الديرة).. اما الثالثة، فانها تصغره بنحو عشرة اعوام.
ويضيف قائلا: ان زوجات أبي الثلاث لم يخالفن له رأيا او يردن عليه كلاما طيلة وجودهن معه بل كان كثيرا ما يستخدم العنف معهن خصوصا عندما يلمس القصور اثناء حلول ضيف علينا كونه رجلا مضيافا يسهر الليل والنهار لخدمة ضيفه..
اما في عائلتنا فقد تزوج اخي من امرأة تقرب لنا تكبره بالعمر ليصبح حديث المجالس فمنهم من قال انه طمع بمال أهلها ومنهم من اتهمه بقلة العقل الا ان الحقيقة التي اعرفها انه عشقها وخالف التقاليد وتزوج منها وسد مسامعه عن كلام الناس وهو الآن يعيش حياة هادئة وسعيدة مع المرأة التي احبها واختارها واخلصت له.
720 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع