الشيخ عجيل الياور
سمعت بالشيخ عجيل الياور وانا طفل صغير في مطلع الاربعينات من القرن الماضي وكان ذلك كما عرفت فيما بعد بسبب العلاقة التي كانت تربط جدي احمد الحامد العلاف بالشيخ عجيل الياور ومن ثم بعدد آخر من شيوخ شمر الكرام بحكم ان جدي كان يمتلك محلا في علوة سوق الحنطة الجديد في باب الطوب ومن ثم سيف في موصل الجديدة .
وعندما كتبت رسالتي للماجستير سنة 1973 عن (ولاية الموصل منذ سنة 1908 وحتى 1922) كانت شمر حاضرة في رسالتي وقد اوردت الكثير من تاريخها ومواقفها اواخر العهد العثماني ولازلت ايضا اتذكر ما كان يحدثنا استاذي في كلية التربية بجامعة بغداد في مطلع الستينات من القرن الماضي المؤرخ المصري الكبير الاستاذ الدكتور عبد العزيز نوار وكان متخصصا بتاريخ العراق الحديث عن شمر حتى انه كتب بحثا في ( المجلة المصرية للدراسات التاريخية ) بعنوان ( ال محمد :دراسة في الزعامة العشائرية ) عدد سنة 1969 .
وهكذا ومنذ نصف قرن وانا اتابع ما يكتب عن شمر ولي علاقات مع بعض من ينتمي الى هذه العشيرة الكبيرة التي كان لها دور فاعل في تالريخ العراق الحديث .
وهنا يجب ان اشير الى ما كتبه المؤرخ الاميركي جون فردريك وليمسون في اطروحته للدكتوراه الموسومة (التاريخ السياسي لشمر الجربا 1800-1958 ) عن التاريخ السياسي لعشيرة شمر في العراق والجزيرة والتي ترجمها الصديق الدكتور جوزيف نادر وهو احد الاساتذة المصريين الذين عملوا في جامعة الموصل خلال السبعينات وقد علمت مؤخرا انها قد طبعت وصدرت بكتاب .
وفي سنة 2000 صدر عن شركة الديوان للطباعة ببغداد كتاب للاخ الاستاذ عبد اللطيف اسماعيل عيسى الجبوري بعنوان ( عجيل الياور أمير بادية الجزيرة ) . ولدي نسخة من هذا الكتاب الجميل والمهم وفيه تابع الكثير من التفاصيل الدقيقة عن شخصية الشيخ عجيل الياور وصفاته ومواقفه ومما كتبه ان الشيخ عجيل الياور شخصية فذة جمع الله سبحانه وتعالى فيها العديد من المزايا والصفات التي يزاحم بعضها بعضا فهو رجل قيادي كبير وذكي ومتدين ويعد من انصح القياديين الذين تولوا قيادة شمر ردحا من الزمن وهو فوق هذا وذاك علم ورمز عراقي وعربي امتلك قدرات ابداعية وسرعة بديهة وهدوء توفرت فيه سمات الصدق والامانة والاصالة وكانت له قابلية وقدرة عجيبة في زرع المحبة في صدور سامعيه وعنده قدرة وسرعة وحكمة في اتخاذ القرار وقد التقى الكاتب عددا ممن كانوا يعرفونه معرفة جيدة وكتب عن تحريمه للغزو وعن موقفه من الثورة العربية الكبرى ومن الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 وعن علاقته بجمعية العهد القومية وعن موقفه من المجلس التأسيسي العراقي وعن المؤتمرات التي حضرها من اجل العراق واستقلاله وعن دوره في تأكيد عروبة الموصل وصيرورتها جزءا من الدولة العراقية في وجه المطالب التركية وعن موقفه من مؤتمر كربلاء الذي انعقد بين 8-13 نيسان 1922 لمناقشة الموقف من الغزوات الوهابية وكان معه عدد من الزعماء الموصليين منهم سعيد الحاج ثابت والشيخ عبد الله النعمة وثابت عبد النور وعبد الله باشعالم وايوب العبد الواحد ومحمد اغا رئيس الجرجرية وقد نزل وفد الموصل في دار الشيخ عمر العلوان شيخ عشيرة البزون وكان الى جانب هذا الوفد الموصلي وفد من بغداد برئاسة الشيخ مهدي الخالصي .
الشيخ عجيل والى يمينه الشيخ مطلك فرحان باشا وبعض الشيوخ من شمر
ومما اذكره ايضا وانا اتحدث لكم عن الشيخ عجيل الياور انني قرأت مقالا جميلا عنه للمؤرخ والدبلوماسي العراقي المرحوم الاستاذ نجدت فتحي صفوت نشره في جريدة ( الوسط ) عدد 21 حزيران سنة 2004 وقد اعجبني المقال وكان متميزا ومما قاله الاستاذ نجدت فتحي صفوت ان الشيخ عجيل الياور كان يمارس سلطته العشائرية في منطقة الجزيرة من سنجار الى منخفض عكركوف وحتى غربي بغداد . وقد تمكن بذكائه الحاد ، وشخصيته القوية من تكييف نفسه للظروف السياسية والاجتماعية المتغيرة التي اعقبت الاحتلال البريطاني للعراق 1914-1918 وبذل جهودا كبيرة لاسكان ابناء عشيرته وتحضيرهم وتعليمهم الزراعة وانشاء المشروعات الزراعية .فضلا عن نشاطه الاجتماعي واتصالاته الواسعة برجال السياسة العراقيين والاجانب .
كان الشيخ عجيل الياور شيخ مشايخ شمر ، وشمر تعد من القبائل القوية في العراق ، وهي قبيلة قحطانية وبيت الرئاسة فيها لال الجربا وهم ال محمد وقد نزحت الى العراق من نجد بحثا عن مراع خصبة في سنة 1791 وتاريخها في القرن 19 طويل وحافل بالوقائع والاحداث ومن ذلك الاسهام في ثورة 1920 وفي احتلال قلعة تلعفر في 4 حزيران 1920 وبالتعاون مع الضباط العراقيين الذين اتجهوا من سوريا الى العراق انذاك لتحرير العراق من الاحتلال البريطاني وكان الشيخ عجيل الياور هو اول من دخل تلعفر ومعه بنيان وحاجم وكان الشيخ عجيل قد خلف والده الشيخ عبد العزيز في رئاسة عشائر شمر ..
في سنة 1921 وقد انتخب الشيخ عجيل الياور عضوا في المجلس التأسيسي سنة 1924 عن لواء الموصل وقد اضطلع المجلس بوضع القانون الاساسي اي الدستور .وقد حصل الشيخ عجيل على مكانة مرموقة في المجتمع السياسي ، واصبح له دور محسوس في الشؤون الوطنية وصفه المؤرخ مير بصري - وقد رافقه في باريس عند حضوره معرض باريس الدولي وعودته من بريطانيا بعد استجابته للدعوة في حضور احتفالات تتويج الملك جورج السادس والد الملكة الحالية سنة 1937 - انه كان "رجلا مهيبا موفور الاحترام محبا للاطلاع معجبا بالحضارة الغربية ومستهجنا في الوقت نفسه استهانتها بالقيم والاخلاق والعادات الاجتماعية القديمة " .
كانت لديه رغبة في الاطلاع على أحدث الطرق في تربية الاغنام ، وتحسن انتاج الحبوب ، وكان ممتعا في حديثه ومجلسه وكان يمتلك كارزما حتى ان مؤرخ العراق الكبير المحامي عباس العزاوي وصفه بالقول : " شاهدته انسانا نظيفا ، عاقلا، كاملا ، حسن المعاشرة من كل وجه .وقد اتصلت به كثيرا فلم أعثر على ما يمل منه .بل كان هنالك لين الجانب ومجمل ما يسعني ان اقوله هو انه جامع لصفات العرب النبيلة " .
وقد اشار المؤرخ العزاوي الى ان الشيخ عجيل الياور كان واسع الاطلاع على شؤون العشائر وعلى الوقائع والاحكام البدوية .
أما المس بل السكرتيرة الشرقية لدار المندوب السامي البريطاني فقد وصفته في احدى رسائلها لأبيها انه انجرف ضدنا بعد احتلالنا الموصل وقالت بأنه " طويل القامة يبلغ طوله ست اقدام واربع بوصات ..شخصية رائعة غريبة وقوية ليس في جسمه اونس واحد من الشحم الزائد ويداه نمذجيتان وتحت كوفية حمراء تتدلى على صدره اربع جدائل غليظة سوداء من الشعر وله لحية سوداء مشذبة وقصيرة مع عباءة ذهبية وقميص قطني مزرر الى الرقبة والرسغين "
كان فكره تقدمي ، وعمل على توطين عشيرته ، وتشجيعها على ممارسة الزراعة بأساليب عصرية وقد اشترى اراض واسعة وحفر الابار وانشأ مشروعات زراعية واستخدم المضخات الالية لتجهيز الماء ، واوجد فرصا للعمل لافراد عشيرته من خلال حراسة انابيب النفط .
واجهة قصره في الشرقاط
وفي يوم 12 تشرين الثاني -نوفمبر سنة 1940 (1362 هجرية ) وبينما كان يقود سيارته الخاصة في الطريق قرب الشرقاط أصيب بنوبة قلبية لم تمهله ، فتوفي وكان في ال ( 55 ) من العمر وخلفه ابنه الشيخ صفوك وفي اواسط الاربعينات من القرن الماضي تنازل الشيخ صفوك عن الرئاسة لاخيه الشيخ احمد العجيل الياور .
وقد دفن الشيخ عجيل الياور بجوار داره الواقعة في محلة الغزلاني بالجانب الايمن من الموصل وبعد فترة بني جامع جميل فريد في طرازه المعماري ضم قبره وسمي بجامع الشيخ عجيل الياور وقد وثق بناءه بحساب التاريخ الشعري بقصيدة للشاعر عمر بن مصطفى الحسين العاني فيها :
بنو عجيل عمروا جامعا
جزاهم الله وفي الثواب
وقد اقيم له حفل تأبيني كبير القى فيه تحسين علي متصرف الموصل انذاك كلمة قال فيها ان الشيخ عجيل الياور كان : " رجلا بكل معنى الكلمة من رجولة .كان تقيا لله مخلصا بعيدا عن كل المحرمات وكان خوف الله يملك عليه قلبه ومشاعره .لم يترك فرصة في حياته لم ينتهزها لهذه الغاية وكان طاهر الذيل عفيف النفس واليد واللسان .وفضلا عن ذلك كان بارا رؤوفا رحيما بالمساكين والفقراء يعطف على كثير منهم ويواسيهم وكان لايتأخر عن كل عمل بر واصلاح .اما مواقفه الوطنية فحدث عنها ولاحرج فكم من موقف شرف وقفه لصالح العراق " .
الشيء الذي اريد ان اقوله هو ان الموصل واهلها يستذكرون دوما الشيخ عجيل الياور ويشيدون بحكمته ومواقفه ومنذ وفاته حتى اليوم نجده حاضرا في ذاكرة الموصليين والعراقيين والعرب .
رحمه الله وجزاه خيرا والذكر للانسان حياة ثانية له .
2131 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع