بشير الصقال من علماء الموصل

  

      بشير الصقال من علماء الموصل

  

                                            

      
(من رأى البحر زخر ماؤه وعب عبابه) ذلك في موجز  القول عن مثل هذا العالم الجليل الذي تعرف عنه الموصل خاصته والأمة الاسلامية عامة لسعة معارفه وخصب انتاجه وعظيم جهاده ، أنه اخطب خطباء الموصل المتفوهين ، وشيخ من شيوخها العارفين ومرشد من مرشديها الهداة وعالم من علمائها الاعلام وأديب من ادبائها الفطاحل وكاتب من كتابها المبرزين وشاعر من شعرائها الثائرين ذلكم هو فضيلة الشيخ بشير الصقال  (1324 - 1407 هـ/ 1906 - 1986 م).

  

نشأته ودراسته
ولد الشيخ الفاضل والعالم الجليل الحاج بشير بن أحمد بن عز الدين الصقال في مدينة الموصل عام 1906 في بيت علم وتقى وترعرع في احضان والده ، ارسله والده الى الكتاتيب كعادة اطفال المدينة ، وقرأ القرآن الكريم على السيد عبد الله البحراني ،  ومن ثم واصل دراسته وبعد أن تعلم القراءة والكتابة انتقل إلى المدرسة العثمانية الأميرية حتى الصف السادس الابتدائي، ثم تركها ليلتحق بحلقات الشيوخ من علماء الموصل للحصول على العلوم الشرعية، فدرس على أحمد حميد الحمداني المعروف بالمسدّي، وعلي الشيخ صالح الجهادي والسيد داود الوضحة وغيرهم ، ممن درس عليهم مبادئ العلوم العامة وبعد ذلك تهيأ للدراسة المنظمة والتخصص في علوم الشريعة المنقولة والمعقولة واتصل بعد ذلك بالشيخ محمد الرضواني ولازم حلقة الشيخ عبد الله النعمة وقرأ عليه علوم  الشريعة الاسلامية حتى اكمل دراسته المقررة وأخذ عنه الاجازة العالمية سنة 1349هـ.
مارس الشيخ بشير الصقال التدريس في المدرسة الاحمدية الدينية عام 1352 هـ ، يبدأ التدريس مع صلاة الفجر وينتهي منه قبيل صلاة الظهر ، ودرسَ في جامع الباشا وفي جامع النبي يونس وأسندت اليه خطبة الجمعة في جامع الاغوات وجامع الباشا ، وكان رحمه الله يمتلك صوتاً جهورياً رخيماً وقدرة خطابية فذة تؤثر في سامعيه ، وهو احد العاملين على فتح جمعية الشبان المسلمين في الموصل ، وعرف بحسه الوطني الى جانب حسه الديني وقاوم الاحتلال البريطاني للعراق وأيد حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 ، وحكمت عليه السلطات بالإقامة الجبرية في داره بعد فشل الحركة ، واعتقل ثلاث سنوات عام 1942 واعتقل ثلاثة اشهر 1948 على اثر وقوفه ضد معاهدة (بورتسموث) بين انكلترا والعراق ممثلاً برئيس وزرائه صالح جبر.
وعند تدريسه كان الصقال يصطحب كتبه كطلابه ، ويراجع الموضوع أو الباب الذي يّدرسه قبل عرضه على طلبته ، ومن تلامذته الذين لهم اثر في الحياة الدينية والشرعية في مدينة الموصل، محمد ياسين ، ومحمد العمر، ومحمود حسن عكله ، وعبد الرحمن أحمد المحمود ، وإبراهيم نعمي ذنون ، ونوري عبد الله ، وأكرم عبد الوهاب ، وإبراهيم النعمة. وجلس الصقال للوعظ في جامع النبي جرجيس عصر يومي الاثنين والخميس من كل اسبوع وكان الناس يئمون مجلس وعظه لسماع ما يقوله الشيخ الصقال في الرد على اعداء الإسلام ، وكتب في صحف عديدة محلية وعراقية وعربية في سوريا وفلسطين ومصر ، وكانت مراسلات بينه وبين شكيب ارسلان .
كان طموح الصقال في اصدار جريدة ، تمكن من اصدارها باسم الشيخ عبد الله الصوفي وحملت اسم (البرهان)
اصدرت عدة اعداد وتوقفت عن الصدور بعد أن نشر فيها الصقال مقالاً يشرح فيه بنود اتفاقية عقدت بين انكلترا والعراق ، وفيها انتقاد صارخ لسياسة العراق آنذاك.
اتبع الصقال نهج الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني في شرح الإسلام والرد على المستشرقين ، وكان يرى في كتاباتهما النموذج الذي يسير في ظله ، وقد تأثر بمحمد عبده تأثراً كبيراً وقال فيها لهذا رجل عظيم ، استطاع ان يخدم الإسلام خدمة كبيرة هو وأستاذه جمال الدين الأفغاني ، وإذا كانت السهام قد انتقلت وريشت ورمي بها هذان العالمان فلأن كلا منهما بذل جهوداً كبيرة في ايقاظ العالم الإسلامي.
وقد اجاز الصقال عدداً من طلبته الذين اخذوا العلم عنه ، منهم: محمد علي الياس العدواني، وشاكر النعمة، ومحمد ياسين ومحمد عمر الحديدي ونعمان حسين الموالي، وشمس الدين البدري ومحمود حسن عكله وعبد الهادي الحاج علي وإبراهيم خلف عنيز.
عمله وذكراه
عمل بائعا للشاي والسكر لفترة في باب السراي ، وامتهن الصقال التجارة مصدرا للرزق بعد أن فصل من وظائفه عام 1948 على الرغم من أن التدريس عنده أفضل من اية مهنة أخرى لأنه تصله بطلابه وبالعلم مباشرة وجهوده في إنشاء الجمعيات الإسلامية في الموصل معروفة فقد قام بتشكيل جمعية البر الإسلامية ، وفي هذه الجمعية ميتم يقبل فيه سبعون طالباً من الطلاب اليتامى وصار رئيساً للجمعية بعد وفاة شيخه عبد الله النعمة.وكان كاتم سر جمعية الشبان المسلمين وله فيها مجلس يشرح فيها أحاديث صحيح البخاري ، وقام بتأسيس فرع جمعية الهداية الإسلامية في الموصل وعقرة ، وانتخب نائبا عن الموصل سمة 1937 في البرلمان العراقي .
مؤلفاته :
كثرة واجباته الدينية والدنيوية لم تدع له مجالا للتأليف    والتصنيف بالرغم من اعداده لبعض المواضيع والمسودات التي لو أتيح له الوقت وفسح المجال له لكانت مؤلفاته قيمة لا يستغنى عنها في هذا العصر الحديث منها
ديوان خطب منبرية في شتى المواضيع من حديث وتفسير ادب وسياسة واجتماع وتاريخ .
النفسية العسكرية في الاسلام وهي محاضرها القاها في النادي العسكري بالموصل سنة 1935 على الضباط الاشاوس فنالت اعجابهم واستحوذت على اذهانهم وملكت مشاعرهم وقد نشرت فصولا منها في مجلة الشبان المسلمين البصرية حينذاك .
اليقظة الاسلامية في العصر الحديث وهي محاضره القاها في جمعية الشبان المسلمين بالموصل وطبعت على نفقتها وهناك غير ذلك من مسودات ومواضيع بانتظار اتاحة الوقت لترى النور  
توزع شعر الصقال بين الشعر الديني وشعر المناسبات والمحافل ، ولا ينفصل الشعور الديني عنده عن الشعور الوطني فهما يتواشجان معاً الاسلام والوطن ولا يمكن في نظره فصل الدين عن الدنيا ، لان كل منهما يكمل الاخر إلا ان الغلبة عنده للشعر الديني لأنه يرتبط بصلب عمله فهو خطيب بارز من خطباء الجمعة يحتشدون في الجامع قبل صلاة الجمعة لسماعه فلا عجب ان يمنح الجانب الديني جلّ شعره وهو يمتاز بالجزالة والقوة ، وقد جمع الشيخ ابراهيم النعمة جانباً من شعره وخطبه في كتاب أسماه (اليقظة الاسلامية) عام 1988 ومازال الكثير من شعره مبعثراً في بطون الدوريات او مخطوطاً يحتاج الى جمع وتحقيق وطبع ونشر.

احبك ياحدباء والله شاهد     محبة جسم روحه ساعة العسر
احبك حبا خالصاً من شوائب    واهفوا الى ذكراك كالطائر القمري
ومهما يكن يادجلة من تهكم     فأن اعتصامي لايهدد بالكسر
ترفّع في علياك كل مذمم     ونالت بمسعاك العلا نُذُل العصر
واقصيت ياحدباء من كان همه     خلاصك من ناب الطواغيت والشر
بكيت فاجريت العقيق مدامعاً     كما بكت الخنساء حزناً على صخر
بكيت وماابكي على ضائع الثرى     من المال، بل أبكي على ضائع العمر
وياسوء حظ الرافدين اذا خلا     وصارت دعاة الجهل قائدة الفك

اواخر الستينيات على مواقفه الوطنية نقل الى بلدة تلكيف وهو العالم الكبير وبلدة تلكيف انذاك بها مسجد
صغير وعدة عوائل مسلمة فقط فإذا ببشير الصقال ينشىء مجلسا ادبيا ووطنيا كان من رواده رجال الكنيسة في تلكيف فلم يروق الامر للحكومة مما اضطرت معه الى اعادته الى الموصل.
الشيخ بشير الصقال والقس ميخائيل عزيزة .. وهذه الحادثة !
كتب السيد ماجد عزيزة : اقتبس ((قرأت مقالة للأستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث في جامعة الموصل وعنوانه (الشيخ بشير الصقال 1907 – 1986 من رموز الموصل في الإصلاح ) وأفاض في فضائل هذا العلامة الجليل وما قدمه من علمه لبلده ودينه الحنيف ومدينته العظيمة ، والعالم المؤمن الشيخ الصقال كان علامة من علامات الموصل هذه المدينة التي انجبت العلماء والأدباء وأعطت للعراق رموزا ما زال التاريخ يذكرها بفخر ..
توقفت طويلا عند مقال الاستاذ العلاف ، وعادت بي الذاكرة الى طفولتي ، وأود هنا (وليسمح لي الفاضل الدكتور العلاف) ان اضيف فضيلة اخرى لفضائل هذا الشيخ العلامة،ففي بداية الستينات من القرن الماضي كان عمي الاب ( القس) ميخائيل عزيزة وهو يهم بالدخول الى المحلة التي كنا نسكنها (محلة الساعة) في الموصل ، تعرض لاعتداء من احد المغرضين ، حيث رمى عليه قشر رقي ( شمزي) فأصابته في كتفه ، لكنه لم يحرك ساكنا ، ولم ينبس ببنت شفه وسارع للدخول الى بيتنا دون ان يتكلم بشيء ، وصعد الى غرفته وركع يصلي لله القادر على كل شيء .
ويبدو ان احد ابناء المحلة شاهد العملية من شباك بيته فأوصلها الى الشيخ بشير الصقال ، وفي خطبة الجمعة ومن على المنبر وصوت الميكروفون يصل الى جميع انحاء الموصل صاح الشيخ الصقال رحمه الله : بالأمس قام احد الذين لا يمتون للإسلام بصلة بفعلة شنيعة ألمتنا جميعا نحن اهل الموصل ، حيث فعل كذا وكذا بالأب الفاضل والكاهن الوقور القس ميخائيل عزيزة ، ونحن هنا ومن هذا المنبر نعتذر لأخينا وأبينا العالم الكبير ، ونقول للفاعل : انك قد رميتنا شخصيا بما رميت به الاب عزيزة وعليك اينما كنت الآن ان تأتي معنا لزيارة بيت الاب ميخائيل عزيزة للاعتذار منه ، وبعد ساعة كان الشيخ الصقال ومجموعة من المصلين يقفون في باب بيتنا الذي يسكنه معنا عمي الاب ميخائيل ويعتذرون منه جميعا ، وعلى عادته ( رحمه الله) اعتذر هو من الشيخ الصقال على ما حصل وأزعجه ، ودخلوا بيتنا وجلسوا في غرفة ( الخطار ) ودارت استكانات الشاي وصحون ( الكليجة ) وكان الشيخ الصقال يجلس مع عمي القس ميخائيل في صدر الغرفة يتحادثان كأخوة وأهل .
وفي يوم الاحد الذي تلا الحادثة والزيارة كان القس ميخائيل عزيزة يقف على منبر الوعظ في كنيسة مار كوركيس الكلدانية في شارع نينوى مقابل محلة خزرج وهو يقول : صلوا معي ايها المؤمنون ليعطي الله القدير الصحة والقوة
لأخينا الشيخ بشير الصقال لأنه منارة من منارات الموصل)) .
يذكره اهل الموصل ، من مسلمين ونصارى ، بالخير ويكنون له الاحترام والتوقير.
يا رب اعد تلك الايام السمحة والأخوية الى ربوع عراقنا العزيز وموصلنا الغالية .
المصدر :
تاريخ علماء الموصل ، احمد محمد المختار ( المكتبة الوطنية بغداد) 1984
ماجد عزيزة 2010-08-31
  

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2012 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع