كيف فوتحَ نجيب الربيعي بالانضمام للضبّاط الأحرار .. ولماذا رفض؟

     

 كيف فوتحَ نجيب الربيعي بالانضمام للضبّاط الأحرار.. ولماذا رفض؟

  

أشرت الصلات بين فؤاد عارف والضبّاط الأحرار (تنظيم المنصور) مدى الثقة التي كان يتمتع بها لدى زملائه من الضبّاط الأحرار، إذ يشير عارف الى ذلك بقوله: (… وكانوا لا يتحرجون من الحديث امامي عما يجيش في صدورهم من رغبة في إنقاذ العراق من النظام الملكي وإرساء نظام جمهوري ديمقراطي


وتجدر الاشارة الى أن معظم اولئك الضبّاط كان لهم دور عسكري وسياسي مهم في تاريخ العراق المعاصر، ما أتاح لفؤاد عارف إمكانية الاتصال والتواصل مع معظم الحكومات التي سيطرت على العراق فيما بعد.

   

اتخذ فؤاد عارف موقفاً مؤيداً للضبّاط الأحرار، اذ كان يتعاطف معهم ويشاطرهم الرأي في مسالة تغيير نظام الحكم القائم من جهة، وكان يثق بهم وبنيّاتهم الوطنية من جهة ثانية، وعلى الرغم من ذلك، فإنه لم ينخرط في صفوفهم، خلافاً لما ذكره بعض المؤرخين ممن اعتقدوا انه كان من بين ضباط تنظيم المنصور، كما أن زملاءه من الضبّاط الأحرار لم يطلبوا منه الانضمام إليهم، لعلمهم بموقفه من التنظيمات السريّة، اذ اتخذ على نفسه عهداً بعدم الانخراط في أي تنظيم سياسي سري أثر تجربته السابقة مع حزب هيوا كما ذكرنا سابقاً، غير أن ذلك لم يمنعه من القيام ببعض النشاطات لصالح زملائه من الضبّاط الأحرار،

         

ففي أواخر عام 1956 كلّفه كل من عبد الكريم قاسم وطاهر يحيى، بأن يتولى مهمة مفاتحة قائد الفرقة الثالثة اللواء (الفريق أول فيما بعد) الركن محمد نجيب الربيعي، للانضمام الى تنظيم الضبّاط الأحرار والمساهمة في تفجير الثورة، وكان ذلك بعد عدة أيام من كشف الجهات الأمنية لاجتماع الكاظمية في الخامس من تشرين الأول عام 1956، الذي كان الغرض من عقده مناقشة خطة الثورة المؤمل القيام بها اثناء اجراء تمرين عسكري في منطقة جبال حمرين، إذ كان من المقرر أن يحضره الملك فيصل الثاني والوصي عبد الإله ورئيس الوزراء آنذاك نوري سعيد في الحادي والعشرين من تشرين الأول 1956، فقرر الضبّاط الأحرار الغاء الخطة وتأجيل موعد قيام الثورة بعد ذلك الاجتماع.

                            

ومحمد نجيب الربيعي: ولد في بغداد عام 1904، تخرج في المدرسة العسكرية عام 1927، وفي كلية الأركان عام 1938، تولى مناصب عسكرية عدّة مثل، آمر اللواء الأول في حرب فلسطين عام 1948، وقائد الفرقة الثالثة عام 1951 وحتى عام 1957، إذ عيّن سفيراً في جدة بعد ترقيته الى فريق ركن، اصبح رئيساً لمجلس السيادة في 14 تموز 1958 ولغاية 8 شباط 1963، توفي في كانون الثاني عام 1964.
لقد جاء تكليف فؤاد عارف للقيام بتلك المهمة لأسباب عدة، إذ أنه كان قد اقترح قبل ذلك على عبد الكريم قاسم وطاهر يحيى، فكرة انضمام محمد نجيب الربيعي للضبّاط الأحرار، لأنه كان يعتقد أن التنظيم بحاجة الى شخصية عسكرية مرموقة تحظى باحترام وتقدير كبيرين في أوساط الجيش العراقي، مثل محمد نجيب الربيعي الذي عرف بوطنيته وسمعته العسكرية الواسعة في الجيش العراقي ، فضلاً عن رتبته العسكرية العالية، الأمر الذي يجعل معظم ضبّاط الجيش العراقي يؤيدون الثورة، حالما يعرفون أن الشخص الذي يقودها هو محمد نجيب الربيعي، في حين كان الضبّاط الأحرار أقل رتبة منه، وغير معروفين على نطاق واسع في الجيش، وهناك سبب آخر جعل فؤاد عارف يطرح تلك الفكرة ويوافق على القيام بمهمة مفاتحة محمد نجيب الربيعي، فقد كانت تربطه به علاقة جيرة ومودة وطيدة تمتد الى أيام اقامة أسرة فؤاد عارف في بغداد بمحلة العاقولية، لذا كانت تلك الأسباب من أهم دوافع فؤاد عارف لطرح تلك الفكرة.

             

تشير عدّة مصادر تأريخية الى أن محمد نجيب الربيعي كان على صلة بالضبّاط الأحرار منذ عام 1948 عندما كان في فلسطين، إذ ترأس التنظيم الذي يعرف بـ (تنظيم الضبّاط الوطنيين) الذي أسسه رفعت الحاج سري آنذاك، كما استمرت علاقته بالضبّاط الأحرار عن طريق رفعت الحاج سري أيضاً، وكان على علم ودراية بالمحاولات السابقة للإطاحة بالحكم، مثل المحاولة التي خطط لها إبان انتفاضة عام 1952، ومحاولة عام 1956.
اجتمع فؤاد عارف مع محمد نجيب الربيعي في بعقوبة، اذ كان الأخير يشغل منصب قائد الفرقة الثالثة فيها، وخلال ذلك الاجتماع الذي جرى في منزل الربيعي، بناءً على طلب فؤاد عارف، قام الأخير بنقل رغبة الضبّاط الأحرار بالانضمام اليهم ليترأس التنظيم، وعلى الرغم من أن الربيعي لم يكن راضياً عن الوضع السياسي في البلاد، وانه يشاطر الضبّاط الأحرار الرأي بضرورة تغيير النظام الحاكم في العراق، لكنه رفض الفكرة التي جاء فؤاد عارف من اجلها، إذ عبّر لفؤاد عارف عن عدم ثقته ببعض أولئك الضباط، الى حد انه كان يعتقد أن كل ثلاثة ضبّاط، (اثنان منهم جواسيس للوصي ووزارة الدفاع، كما أوضح لفؤاد عارف أن الفشل سيكون نصيب أي محاولة يقومون بها)، فضلاً عن اعتقاده بأن غاية الضبّاط الأحرار من التحاقه بهم، جعله واجهة يكسبون تأييد الجيش لهم من خلالها كما حصل مع اللواء (محمد نجيب) قائد ثورة تموز (يوليو) عام 1952 في مصر، الذي دخل في صراع مع الضبّاط الأحرار فيها، انتهى بتنحيته عن الحكم في التاسع والعشرين من آذار عام 1954. كما طلب من فؤاد عارف، أن ينسى الأمر، وكأن شيئاً لم يحصل بينهما، وكان الأخير يقدّر موقف محمد نجيب الربيعي، ويعي خطورة الموضوع الذي طرحه عليه، ولا سيما أنه كان يشغل منصب قائد فرقة في الجيش.
تبلورت هذه الفكرة عن الضبّاط الأحرار لدى محمد نجيب الربيعي، بعد انكشاف موضوع اجتماع الكاظمية، الذي انكشفت عنه أسرار كثيرة تتعلق بالتنظيم، لا سيما ما دار من حديث بين الضبّاط خلال الاجتماع.

عاد فؤاد عارف الى معسكر المنصور، فوجد عبد الكريم قاسم وطاهر يحيى ينتظرانه، فشرح لهما تفاصيل ما دار من حديث بينه وبين محمد نجيب الربيعي، وبين موقف الربيعي من الضبّاط الأحرار، إلا أن فؤاد عارف لم يتطرق الى كلام الربيعي بشأن جعله مثل اللواء محمد نجيب في مصر، ويذكر فؤاد عارف، أن عبد الكريم قاسم قال له بعد ذلك: ((اذا كان هذا هو رأي نجيب الربيعي، فليس إلا أن نقوم بها نحن بأنفسنا)).
صدرت أوامر بنقل محمد نجيب الربيعي من منصبه كقائد للفرقة الثالثة الى منصب وزير مفوض في جدة بالمملكة العربية السعودية، ونقل فؤاد عارف من منصب آمر فوج التدريب في معسكر المنصور الى (كلية الاحتياط) في معسكر الرشيد ببغداد، إذ صدرت الأوامر بعد لقائهما مباشرة، الأمر الذي أدى الى استغراب فؤاد عارف لما حدث، وجعل الشكوك تساوره بشأن معرفة الأجهزة الأمنية بذلك اللقاء!!!!.

محمد سلمان التميمي
عن رسالة (فؤاد عارف ودوره السياسي والعسكري)

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

831 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع