سيدات العائلة المالكة في العراق .. شيءعن حياتهن الاجتماعية

          

                                                                                                                  

                        



المدى/نهلة نعيم عبد العالي
أعتادت أغلب الأسر المالكة في الحجاز على تعليم بناتها داخل المنازل لعدم وجود مدارس لتعليم الفتيات ، وحتى في حالة وجودها فأنها لم تكن بالمستوى المطلوب ، وعلى هذا الأساس فأن الكثير من هذه الأسر كانت تعتمد في تعليم بناتها على المربيات لذا حرصت هذه الأسر على جلب مربيات يمتلكن قدرات تعليمية تؤهلهن للتدريس بنجاح .

أما بشأن  الواقع الأجتماعي في الحجاز وعادات وتقاليد الأشراف فقد أقتصر أهتمامهم على تعليم الرجال فحسب ، لذا لم تتلق نساء العائلة المالكة تعليمهن الكافي إذ أن ثقافتهن لاتتعدى ما تلقيناه من دراسة في منازلهن أهلتهن للقراءة والكتابة ليس إلا، فقد كانت الملكة حزيمه أمرأة غير متعلمة نشأت في جو ديني وتمتلك معرفة قليلة بالعالم وأساليبه  ، لذا لم تكن قادرة على مشاركة زوجها مسؤوليات الحكم ..

                 

ولم يشترط الملك فيصل أن تكون زوجته متعلمة أذ أكد ذلك في لقاء أجرته معه جريدة المصور عام  1933 قائلا ً " أنني  لا أريدها متعلمة ولكنني أريدها أن تعرف كيف تربي ولدها وكيف تنظم بيتها وكيف تجعل زوجها سعيدا ً ".
بحكم التطورات السياسية التي حدثت في الحجاز و إنشغال الشريف حسين بالثورة العربية، فأن ذلك حال دون توفير معلمات خصوصيات لتعليم بنات الأسر الحاكمة ، وعند مجيء العائلة المالكة الى العراق شهد توسعا ً في مجال التعليم النسوي بفضل تأثيرات النهضة الحديثة ، فضلا ً عن أهتمام الملك فيصل الأول، الذي يعد نصير المرأة (4)....

            

وأنعكس أهتمامه على عائلته ، فقد جلب لكريمتيه الأميرة عزه والأميرة راجحه المربية ( مس فيرلي Miss.Fairly) لتدريسهن اللغة الإنكليزية وتعليمهن التنس وآداب السلوك الأوربية ،  وبالنظر لأدراك الملك فيصل أن التنشئة الثقافية لها أثر في تحديد مكانة الأميرة الأجتماعية ، فقد فـتح صفا ًلكريمتيه وجلب لهن معلمة من المدرسة المركزية وهي الست أمت السعيد  ، بأجرة شهرية قدرها   200 روبية  ، ولم يقتصر تعليمهن على القراءة والكتابة بل تعدى ذلك الى تعليمهن بعض الفنون كالرسم والتطريز والموسيقى ، كما شجعهن على ممارسة بعض الألعاب الرياضية ضمن نطاق القصر مثل لعبة التنس ولعبة كرة السلة، وحاولت الست أمت السعيد خلق نوع من التآلف بين العائلة المالكة وبين الفتيات من عامة الشعب للحيلولة دون شعورهن بالبعد عن العائلة المالكة وذلك عن طريق جلبها مجموعة من الطالبات المتفوقات والمجتهدات الى قصر الملك فيصل الأول للأختلاط والتعايش مع الأميرات.
أما بنات الملك علي فقد أدخلن في البداية مدرسة الأطفال في الباب الشرقي ولكنهن أنقطعن عنها بعد مدة ، وقررت والدتهن الملكة نفيسه أرسالهن الى المدارس الأمريكية في بغداد لتعلم اللغة الأنكليزية . ولما كان من شروط هذه المدارس قراءة الأنجيل قررت والدتهن لهذا السبب عدم أرسالهن الى هذه المدارس ،..

                

وأقتداءً بتجربة الملك فيصل قرر شقيقه الملك علي فتح صف لكريماته وكانت الملكة عاليه في مقدمة اللواتي أقبلن على الدراسة ، وقد سبق للملكة عاليه أن تعلمت على يد الشيخ ياسين بسيوني القراءة وحفظ القرآن كما تكلفت سيدة تركية بتعليمها اللغة التركية قراءة وكتابة  وعندما كانت في الشام أدخلها عمها الملك فيصل الأول مدارس البنات في دمشق وفي العراق تولت مهمة تدريسها الست أمت السعيد اللغة العربية.
لم يقتصر تعليم الأميرات داخل المنازل بل أدخل الملك علي كريماته الأميرة بديعه والأميرة جليله في المدرسة المركزية للبنات للأنضمام الى الفتيات العراقيات وقد كـُن من المواظبات على الحضور الى المدرسة، ولم تتمكن الأميرات من الحصول على التعليم الكافي حيث لم يتعد تعليمهن ما يمكن الحصول عليه في المدارس من القراءة والكتابة .
 أما فيما يتعلق بالهوايات التي كانت تمارسها سيدات العائلة المالكة فهي لا تختلف عن العادات والهوايات التي تمارسها سائر النساء العراقيات ، فمن الهوايات المفضلة لديهن مشاهدة السينما، وقد توقفت عن هذه الهواية الملكة عاليه بعد وفاة الملك غازي.

            

والى جانب ذلك فقد كـُن يفضلن الأستماع الى الأغاني العربية بينما كانت الملكة عاليه تفضل الأستماع الى الأغاني الأفرنجية ، ولشدة حبها للموسيقى فقد أشترت لأبنها الملك فيصل الثاني  بيانو وعلمته عزف النشيد الوطني العراقي  . ولم تقتصر هواياتهن على الأستماع للموسيقى ومشاهدة السينما ، فقد كان لديهن حب المطالعة ، فقد كانت للملكة عاليه مكتبة خاصة في قصر الزهور تحتوي على الكثير من المجلات الأنكليزية ومن المجلات المفضلة لديها مجلة (Queen) وكان لها إشتراك فيها لمتابعة أحداث الشرق الأوسط عامة والعراق خاصة وبسبب أهتمامها بهذه الأمورفأنها أكتسبت ثقافة أهلتها لأبداء ملاحظاتها في الكثير من المسائل  فقد كانت تنبه بأستمرار الأستاذ المكلف بالأشراف على أبنها فيصل بأن عليه أن لا يكتفي بالأنتقاد وأظهار الخطأ بل عليه أن يثير أهتمامه الى مواطن القوة كمبدأ في التعليم لأن ذلك يقلل من همة التلميذ  .
وكانت سيدات العائلة المالكة مثل نساء المجتمع العراقي يمارسن بعض الأمور المنزلية ، فقد تولين مهمة الطبخ في بعض الأحيان على الرغم من وجود الكثير من الطباخين في القصور الملكية . فقد عمل في  المطبخ الملكي من الجنسيات كافة كالتركي والهندي والمصري والأفرنجي ، الإ إن السيدات في بعض الأحيان كن يفضلن صنع بعض الأكلات بأيديهن ، فكانت الملكة نفيسه تفضل صنع المربى بنفسها  أما الأميرة جليله فكانت تحب الطبخ بنفسها ، وكانت  الملكة عاليه عند سفرها الى قصر ستانويل في لندن تفضل طبخ الأكلات العراقية بنفسها تساعدها في ذلك الأميرة عبديه . وعندما صدر كتاب الطبخ عام  1949 كتبت الملكة عاليه مقدمة هذا الكتاب وكان نصها " لقد أصبح فن الطبخ والطهي من الفنون الجليلة في هذا العصر الذي أمتاز عن سابق العصور بالدقة والإتقان والبراعة وإنه لمن الإقلال لقيم الأمور أن يعد الإنسان التأليف في هذا الفن الدقيق الذي هو أقرب الفنون الى الحياة البشرية سهلا ً ميسورا ً وأنه لمن الوهم وقلة المعرفة أن يحسب التأليف في فن الطبخ من الأمور غير الضرورية ، والحقيقة أن البشرية لم ترث إلا قليلا ً من المؤلفات في أعداد ألوان الطعام وطبخها بطرائق فنية تجمع بين النفاسة واللذة والتنوع والإبداع ، ولعل سبب ذلك صعوبة تسجيل هذه الظروف تسجيلا ً كليا ً وضبط النسب بين مواد الألوان وضمان النجاح في طبخها طبخا ً لذيذا ً شهيا ً ".
ومن الهوايات الأخرى  المفضلة للملكة عاليه البستنة ،  فقد أدخلت لأول مرة وردة أنيثنا الى العراق وأطلقت عليها أسم الأميرة لنضارتها وكبريائها ، وطلبت من أمانة العاصمة  أن تعممها بين هواة الورود. كما أنها أدخلت وردة(  الملك The King) وسمتها سلطان الورد وتقول عنها بأنها الوردة الوحيدة ذات العطر القوي ويزداد أريجها في الظل وفي الليل أيضا ً ، وفي لندن أختارت شجرتين وقد أخذت تقضي ساعات من وقتها في العناية بهن ، وأهتمت في العراق بشجرة الصنوبر.
 بما أن سيدات العائلة المالكة قد عشن في الحجاز في بداية حياتهن ، لذا كان من الصعوبة عليهن عند مجيئهن الى العراق التكيف مع عاداته وتقاليده الموروثة لاسيما وأن الملك فيصل كان محافظا ً ، ألا أن سيدات العائلة المالكة أستطعن تكوين العديد من العلاقات بعد أنتقالهن من الحياة المقيدة في الحجاز الى حياة أكثر أنفتاحا ً في بغداد ، ومن أجل التأقلم مع طبيعة المجتمع العراقي فلابد من طلب الأستشارة لمعرفة ذلك  ، لذا فقد أستعانت الملكة حزيمه ب) مس بلMiss.Bill ) في حفلات الأستقبال التي تقيمها وتوليها شؤون تنظيمها ، فضلا ً عن أختيار ملابس الملكة وكريماتها كما كانت تصطحب الملكة حزيمه والأميرات للخروج في السفرات والنزهات العامة  .

                


أما علاقات الأميرات مع نساء المجتمع البغدادي فقد كانت لديهن صداقات كثيرة مع العوائل البغدادية ومنهم  بنات ياسين الهاشمي، وكذلك كانت لديهم علاقات مع العوائل التي سكنت بغداد منذ ايام الطفولة ومن هذه العوائل عائلة صفوت العوا وعائلة ساطع الحصري وعائلة علي جودت الأيوبي ، وقد خصص يوم من كل أسبوع لزيارة الأميرات  .
ولما كانت  الأعياد في بغداد موضع أحترام وإجلال يؤدي فيه الأهالي ما تفرضه عليهم الشعائر الدينية والمناسبات العامة ، ويتخذونها وسيلة لإظهار البهجة  ، فقد شاركت سيدات العائلة المالكة المجتمع العراقي هذه المناسبات ، فكانت الملكة حزيمه وكريماتها، والملكة عاليه وشقيقاتها يذهبن في هذه الأيام لزيارة العتبات المقدسة.  وكانت النساء تخرج الى الشوارع لأستقبالهن ، ومن العوائل التي أعتادت الملكة
حزيمه زيارتها في النجف الأشرف بيت آل شمسه، وكانت التشريفات الملكية تفتح سجلا ً تحدد فيه ساعات تقديم التهاني للملكة حزيمة، فكان موعد إستقبالها لعقيلات الوزراء والسفراء الأجانب من الساعة التاسعة صباحا ً الى الساعة الثانية عشرة ومن الساعة الثانية عشرة الى الساعة الرابعة لأستقبال نساء المجتمع البغدادي .

                        

وقد تولت مهنة مديرة التشريفات الخاصة بالملكة ، نازك الأيوبي  زوجة مرافق الملك فيصل الأول علي جودت الأيوبي وكان ذلك من أختيار (مس بلMiss.Bill )  فبقيت حتى عام  1927  حيث عينت السيدة رفيقه زوجة  ساطع الحصري  مديرة للتشريفات الملكية التي كانت تقوم بالأشراف على أعداد برنامج أستقبال الملكة للمواطنات وتنظيم الحفلات التي تقيمها الملكة في بعض المناسبات ، فضلا ً عن أهتمامها بتأثيث البلاط بالقطع التراثية، وقد كان لجهودها وقع حسن لدى الملك فيصل الأول ، فعندما قدمت أستقالتها في شباط عام  1928 شكرها الملك على الخدمات التي قدمتها في عملها مع الملكة وإهتمامها بجمالية البلاط .
برزت صيغة جديدة في التعامل بين سيدات العائلة المالكة والشعب كان  من شأنها تعزيز العلاقة بين الجانبين ، فقد عمدت الملكة على تخصيص يوم من كل أسبوع لأستقبال النساء في القصر لعرض مشاكلهن. وكان الكثير  من النساء يأتين إليها من مختلف الطبقات للتحدث معها في مشاكلهن وتحقيق مطالبهن ، وشهدت العلاقات الأجتماعية بين السيدات والمواطنيين تقليدا ً جديدا ً هو الرسائل والبرقيات ، وكان عدد الرسائل في هذا المجال كبيراً جدا ً مما يدل على  سهولة الأتصال بين الشعب والسيدات ، وهذا ما جعل بعض النساء يعرضن مشكلاتهن العائلية في هذه الرسائل . وحملت بعض الرسائل والبرقيات مضامين جديدة في شكواها وطلباتها فضلا ً عن الطلبات العادية. فقد أرسلت أحدى النساءالى الملكة عاليه رسالة طلبت فيها بعض المال لعلاج أبنها ، فقامت الملكة عاليه بأرساله الى بيروت للعلاج  .
كما أرسلت لها أحدى المدرسات رسالة كتبت فيها حاجتها للمال، فلبت الملكة عاليه طلبها وطلبت منها الأتصال كلما أحتاجت الى ذلك، وفي بعض الأحيان تقوم بأرسال برقيات للتوسط لدى شقيقها عبدالإله فيما عدا الأمور التي تتعارض مع القانون .
وكان لإنفتاح نساء العائلة المالكة على شقيقاتهن من الدول العربية أثره في حصول نوع من التقارب والتعارف بينهن ،

           

وقد نتج عن تلك العلاقات أقتران الأمير عبدالإله بنساء عربيات من خارج الأسرة المالكة ، ففي أحدى زيارات الأميرعبدالإله الى الأسكندريه تعرف الى عائلة  فتاة تدعى ملك فيضي كريمة صلاح الدين فيضي ، وتعد هذه العائلة من العائلات المصرية الكريمة، وبعد عودته الى بغداد أخبر عائلته بهذا  وعن طريق هذه العلاقات أيضا ً تزوج الأمير عبدالإله من فائزة الطرابلسي ، بعد إنفصاله عن زوجته الأولى التي لم تنجب منه ، وكان للمطربة أم كلثوم أثر كبير في معرفته بفائزة الطرابلسي  كونها كانت تربطها علاقة صداقة حميمة مع الأميرة عبديه،وتم  الزواج عام  1948  أما علاقات  سيدات العائلة المالكة داخليا ً فقد أثمرت عن زواج الأمير عبدالإله من الآنسة هيام كريمة الشيخ محمد الحبيب أمير ربيعة بعد إنفصاله عن فائزة الطرابلسي في السادس والعشرين من تشرين الأول عام 1950بعد زواج دام عامين. وقد كان للأميرة صالحه عمة الأمير عبدالإله أثر في زواجه منها كونها تربطها علاقة صداقة مع أسرة الشيخ محمد الحبيب .

                                     


وقد عقد قرانهما في حزيران عام  1956  وأقامت هيام في قصر الرحاب مع الأسرة المالكة وأنسجمت مع نسائه  وعاشت منزوية عن الناس طوال مدة وجودها  فيه ، وقد ظلت على قيد الحياة بعد أصابتها بجروح صبيحة يوم الرابع من تموز عام 1958.
لم يكن لسيدات العائلة المالكة أختلاط بالمجالس العامة أو مجالس الرجال ، لأنهن كـُن محجبات  وعند خروجهن الى خارج القصر يرتدين العباءة العراقية مع البوشي وعندما تقام الحفلات في القصر يرتدين العباءات ويجلسن في شرفة القصر يتطلعن من بعيد.
وعندما دعت بريطانيا دول العالم الى حضور إحتفال إستعراض النصر عام 1946 ، ولما كان العراق من الدول المشاركة فيه ، فقد أصطحب الأمير عبدالإله والدته وشقيقاته وهي المرة الأولى التي يخرجن فيها وقد أرتدين القبعات الأوربية .
وبما أن المجتمع الأسلامي ينتقد ظهور النساء المسلمات في المناسبات العامة وحفاظا ًعلى التقاليد فلم تخرج الملكة عاليه مع ملكة بريطانيا في  أثناء المسير، بل أكتفت بمشاركتها حفل العشاء الذي أقامه الملك جورج السادس.
كانت العلاقة بين سيدات العائلة المالكة والمجتمع العراقي إنعكاسا ً للواقع الذي يعيشه المجتمع آنذاك . فكانت الملكة عاليه تراعي في هذه العلاقة عدم التدخل في الأمور التي تمس التقاليد والأعراف السائدة لصعوبة الخوض في مثل هذه القضايا. ففي عام  1944 ، طلبت ثلاث سيدات من رائدات النهضة النسوية من الملكة عاليه إعلان السفور فأجابتهن الملكة عاليه "وهل بقي شيء من الحجاب حتى ترغبن في السفور" ، فأجابتها أحداهن بأن الكثير من السيدات يرغبن في السفور ولكنهن ينتظرن سفور الملكة ، فأجابتها الملكة عاليه بأنها تتعاطف مع الحركة النسوية وتتمنى أن تنال حقوقها ولكنها أرملة وأم ملك لم يبلغ سن الرشد في بلد أكثر سكانه من المحافظين عليه فأنها  آخر من يسفر من النساء . وطلبت منهن بأن لا يتقيدن بها وأن يتبعن ما يتفق مع روح العصر .
أما علاقاتهن الخارجية فقد كانت لا تتعدى تبادل التهاني والبرقيات في الأعياد والمناسبات ، وكانت الزيارات بين الأسر المالكة، لاسيما الدول الأجنبية قليلة جداً فعند زيارة عقيلة ولي عهد السويد( ليؤبولدLeeabuld. ) الأميرة (لويزا Louisa ) وكريمتها ( أنغريد Angered.)   عام  1935 ، أقتصر لقاء الملكة حزيمة لهن في قصر الحرم.

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1082 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع