فنجان قهوة - موفق نيسكو: سكنت العراق أقوام كثيرة لأنه مهد الحضارات

فنجان قهوة -موفق نيسكو: سكنت العراق أقوام كثيرة لأنه مهد الحضارات

عشقت التاريخ منذ الصغر وجاءت فرصة البحث والتخصص بكتابة التاريخ عموماً، وتاريخ الأقوام المسيحية وكنائسهم في الشرق الأوسط بعد سنة 2003


حوار: بسام شكري و رنا خالد

لقائنا اليوم يكتمل مع إشراقة ضيف جديد لمجلة الگاردينيا الثقافية وفقرتها المميزة والدائمة (فنجان القهوة) مجلة الگاردينيا التي تحتضن جميع الاحبة في العراق وخارجه لترسم خارطة وطننا العزيز.

ضيفنا أيها الكرام ..الأستاذ الباحث والمهندس موفق نيسكو.. عراقي من أهالي قرية ميركي شمال الموصل الحدباء باحث وكاتب بتاريخ الأديان عموماً وكنائس الشرق بشكل خاص وكذلك لديه لمام بالتاريخ العراق القديم وأقام العديد من المحاضرات بهذا الخصوص.
يقيم حاليا في السويد وعلى أبواب نيل شهادة الدكتوراه الهندسة المدينة من جامعة (ياش) في رومانيا موضوع الدراسة هو تدعيم وصيانة هياكل الآثار والكنائس والمعابد القديمة .. يتحدث اللغة العربية، الإنكليزية، الرومانية، السريانية، ويلمُ باللغة الكردية والدنماركية.
تباحثا اطراف الحديث معه أنا والأستاذ بسام شكري.. لكي نقدم لكم أحبتي القراء اجمل ما في التنوع الذي أوجده الخالق عبر آلاف السنين من حياة البشرية المتعاقبة .. وأحببنا ان يكون السؤال الأول تعرفي بالأستاذ موفق حول الاختصاصات الدراسية والخبرات والمؤلفات والأبحاث.. فأجابنا قالا:

انا باحث وكاتب في تاريخ وقوميات مسيحيي الشرق وأديانهم عموماً، وبالذات المنتمين للكنيسة السريانية وما تفرَّع عنها مثل الكنيسة الكلدانية والآشورية والمارونية، لدي اهتمامات بدراسة الأديان المقارنة والفلسفة الدينية واللاهوتية، ألمُّ بتاريخ العراق القديم المدني بشكل كبير، أقمتُ محاضرات في أماكن عديدة في العالم.
لي عدة لقاءات تلفزيونية ومقابلات حول المواضيع التاريخية خاصة تاريخ كنائس الشرق الأوسط ورعاياها، وبالذات الكنيسة السريانية ومنها، السريانية الشرقية التي سَمَّاها الغرب (روما والإنكليز) كلدانية وآشورية بعد القرن 16 الميلادي، أنشر مقالات في مجلات ومواقع عديدة عربية وسريانية، قدَّمتُ لبعض الكتاب والمؤلفين.
هندسيا عملت وشاركت في انشاء وصيانة العديد من الاثار والمعابد العراقية بالحجر مثل مدينة الحضر ، سور نينوى، كنيسة العذراء، دير متى، ، جامع النبي يونس في الموصل وعدة جوامع في بغداد ، معبد لالش وأغلب قباب معابد الايزيديين في بعشيقة وبحزاني والعديد من الابنية والمؤسسات المدنية في كل انحاء مختلفة في العراق. لي عدة مؤلفات:
1: تجسد المسيح في القرآن، إصدار دار كيون للنشر دمشق سوريا 2007م.
2: موت المسيح في القرآن إصدار دار كيون للنشر دمشق سوريا 2007م.
3: القديس مار اسطثاوس السرياني رئيس مجمع نيقية سنة 325م، إصدار مكتبة السائح، طرابلس- لبنان 2009م.
4: القديس مار ملاطيوس السرياني العظيم رئيس مجمع القسطنطينية سنة 381م، مكتبة السائح، طرابلس-لبنان 2009م.
5: القديس مار يوحنا الدَّيلمي السرياني، مكتب السائح، طرابلس - لبنان 2009م.
6: السريان الاسم الحقيقي للآراميين والآشوريين والكلدان، إصدار بيسان للنشر، بيروت- لبنان 2012م.
7: رد على البطريرك تيودرية- نسطورية البطريرك لويس ساكو، مكتب انفنيتي للطباعة، بغديدا 2018م.
8: اسمهم سريان، لا آشوريون ولا كلدان، أو كيف سَمَّى الغرب السريان الشرقيين ، كلداناً وآشوريين، صدر في السويد 2020م، توزيع بيسان، بيروت، وهو كتاب كبير في 973 صفحة، حجم كبيرA4 ، معزز بوثائق منذ ما قبل الميلاد وإلى اليوم، وبلغات عديدة، يشرح بالتفصيل (كيف سَمَّى الغرب حديثاً السريان الشرقيين كلداناً وآشوريين).
9: ترجمتُ وحققتُ مقالات مهمة عن السريان من الإنكليزية للعربية مثل مقالات الأب فييه الدومنيكي، والأستاذ جون جوزيف.
10: حققتُ قسماً من المقالات السريانية التي تُرجمت للعربية.
11: تحت التأليف تاريخ الكنيسة السريانية في شبه الجزيرة العربية.
12: تحت التأليف مقالات عديدة عن السريان نُشرت في مجلات ومواقع عديدة.

**- منذ خمسة عشر عاما بدأ اهتمامكم بالديانات واللغات وخلفيتكم الدراسية والمهنية هي الهندسة المدنية وهذا يعطي لا نتاجكم وأبحاثكم خاصية مميزة لأنكم تنظرون إلى موضوع الديانات واللغات نظرة تاريخية وهندسية تعطي بعدا أعمق وصورة أوضح للقارئ، ما الذي أثار اهتمامكم بموضوع الأديان واللغات في العراق والشرق؟
عشقت التاريخ منذ الصغر وجاءت فرصة البحث والتخصص بكتابة التاريخ عموماً، وتاريخ الأقوام المسيحية وكنائسهم في الشرق الأوسط بعد سنة 2003م، حيث ركَّزت على تاريخ السريان المسيحيين في العراق عندما أثار انتباهي أن هناك تزويراً متعمداً وتمادياً مبالغاً فيه لتاريخ العراق المدني والديني بدأ منذ حوالي قرن من طائفتي السريان الشرقيين المسيحيين الذين يدعون زوراً أنهم آشوريين وكلدان، مستغلين فوضى العراق بعد سنة 2003م، مروجين بصورة كبيرة أنهم سكان العراق الأصليين وسليلي الآشوريين والكلدان القدماء، باستعمال اسمي آشوريين وكلدان المنتحلين اللذين قام الغرب (روما والإنكليز) بسرقتهما من أسماء حضارة العراق القديم، وأطلقوهما على السريان الشرقيين النساطرة بعد قرن 16 لأغراض سياسية وطائفية وعبرية.
ملاحظة مهمة توضيحية: سأستعمل في الإجابة كلمتي: آرامي أو سرياني، وحسب متطلبات الإجابة، فكلمة: آرامي = سرياني، لغة آرامية = لغة سريانية، فالسريان هم الآراميون في كل التاريخ الكتابي الديني والمدني، والاسمان آرامي وسرياني مترادفان مثل هنكاريا والمجر، أثيوبيا والحبشة، اليونان والإغريق، وتعتمد على استعمال الكاتب، والاسم الآرامي استعمل قبل الميلاد بكثافة (مع استعمال الاسم السرياني أحياناً قليلة أيضاً)، والعهد القديم العبري يُسمِّي الشعب آرامي ولغته آرامية، بينما السبعينية اليونانية لسنة 280 ق.م. تترجم كل كلمة آرامي إلى سرياني، وبعد الميلاد استعمل الاسم السرياني بكثافة (مع استعمال الاسم الآرامي أحياناً قليلة أيضاً).

**_ ما هي الكنائس المسيحية في العراق؟ وكم تعداد المسيحيين في العراق قبل الغزو الأمريكي والآن بشكل تقديري؟
هناك 14 كنيسة في العراق: الكلدان الكاثوليك، السريان الأرثوذكس، السريان الكاثوليك، المشرق الآشورية، الشرقية أو الجاثليقية القديمة، الإنجيلية البروتستانتية الأثورية، الأرمن الأرثوذكس، الأرمن الكاثوليك، الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، اللآتين، البروتستانتية الإنجيلية الوطنية المشيخية، الأدفنتست السبتيين، الأقباط الأرثوذكس.
قبل الغزو الأمريكي سنة 2003م كان عدد المسيحيين داخل العراق حوالي 600 ألفاً، وعراقيو المهجر حوالي 400 ألفاً، أمَّا اليوم سنة 2023م فعددهم داخل العراق حوالي 250 ألفاً، وخارج العراق حوالي مليون، مع ملاحظة أنه دائماً يبالغ أغلب الكتاب خاصة المسيحيين ورجال دينهم بالعدد.

**_ من هي الأقوام التي سكنت العراق إلى قبل الإسلام؟، ومن هي الأقوام في العراق القديم التي قامت بالسبي البابلي الأول والثاني وما هي أعداد اليهود الذين تم سبيهم؟
سكنت العراق أقوام كثيرة لأنه مهد الحضارات: السومريون، السوبارتيون، الأكديون، الأموريون، البابليون، الآشوريون، الآراميون أو السريان، العرب، العبرانيون، الليديون، الميتانيون، الحثيون، الكورد، الميديون، الأرمن، الفرس، العيلاميون، اللورنستانيون، الكاشيون، وغيرهم، ولكل اسم خصوصيته من: ثقافة، لغة، آلهة..إلخ، والأكديون، الأموريون، الكلدان، الآشوريون، الآراميون أو السريان ومنهم الكلدان، العرب، العبرانيون، هم أقوام سامية نزحت من غرب نهر الفرات أي من الجزيرة والصحراء العربية- السورية غرب الفرات، أمَّا السومريون، السوبارتيون، الليديون، الميتانيون، الحثيون، الكرد، الميديون، الأرمن، الفرس، العيلاميون، اللورنستانيون، الكاشيون هم أقوام غير سامية أصلها من شرق نهر الفرات.
أمَّا عدد اليهود العبرانيين الذين سباهم العراقيون القدماء، فهم أكثر من نصف مليون فقد سبى ملوك آشور: شلمنصر الثالث +824 ق.م، تغلاث فلصر الثالث +727 ق.م، شلمنصر الخامس (أكثر من 200 ألفاً يهودياً)، سرجون الثاني +705 ق.م. (27290 يهودياً)، سنحاريب +681 ق.م. (200150 يهودياً)، أمَّا الذين سباهم نبوخذ نصر فكانوا أربع دفعات، وعددهم (62-70 يهودياً)، عاد منهم بعد 520 ق.م. (42360 شخصاً)، (انظر سفر نحميا 7: 66).
فأول هجوم للآشوريين على اليهود في إسرائيل من الملك الآشوري شلمنصر الثالث الذي احتل إسرائيل وفرض الجزية عليهم، لكن الهجمات القوية بدأت منذ عهد الملك تغلاث فلاصر الثالث حيث هجم على مملكة إسرائيل الشمالية ودمرها عدا عاصمتها السامرة وسبى أغلب أهلها إلى آشور ويُقدَّر عددهم بأكثر من (200000) نسمة، وهو السبي الذي تحدث عنه (سفر 2 ملوك 15: 29): في أيام فقح ملك إسرائيل (737–732 ق.م.) جاء تغلاث فلاصر ملك آشور وأخذ عيون وإبل بيت معكة ويانوح وقادش وحاصور وجلعاد والجليل كل أرض نفتالي وسباهم إلى آشور، ويضيف السفر: تم إسكان المسبيين في شمال العراق وتركيا: وسبى ملك آشور إسرائيل إلى آشور ووضعهم في حلح (خلكيتيس الحالية قرب التقاء الخابور بنهر الجيروجر) وخابور نهر جوزان (غوزانا قرب تل حلف الحالية) وفي مدن مادي (شمال العراق حالياً) (2 ملوك 18: 11)، ثم هجم شلمنصر الخامس على السامرة وحاصرها مدة 3 سنوات وسبى عدداً من اليهود وتوفي قبل اقتحامها ، فهجم خلَفه سرجون على السامرة ودمرها وقضى على مملكة إسرائيل نهائياً، وسبى من اليهود (27290) نسمة وأسكنهم في ناحية حرَّان قرب ضفة الخابور وميديا، ثم هجم الملك الآشوري سنحاريب على مملكة يهوذا سنة 701 ق.م. وسبى من اليهود (200150) شخصاً، وهو السبي الوارد في (سفر 2 ملوك 18: 13): صعد سنحاريب ملك آشور على جميع مدن يهوذا الحصينة وأخذها. (انظر بروفسور التاريخ الكنسي رئيس جامعة أبردين البريطانية د. سميث آدم، أورشليم، مج2، لندن 1908م، ص268-270، وانظر سفر 2 ملوك 24، 14-16، وإرميا 52: 30، وغيرها)،
أمَّا اليهود الذين سباهم نبوخذ نصر في بابل، فكان عددهم أقل بكثير من سبايا الآشوريين (62-70) ألفاً فقط، وعاد قسم كبير منهم مع عزرا الكاهن سنة 520 ق.م، حيث عاد 42360 شخصاً، مع 7337 من العبيد والمغنيين (نحميا 7: 6)، وهؤلاء اليهود المسبيون في بابل وبالذات النبي دانيال، هم من أطلق اسم كسدانيين على عائلة نبوخذ نصر الآرامية السريانية، ثم تبديل كلمة كسدان في الترجمة السبعينية للعهد القديم اليهودي من العبرية إلى اليونانية سنة 280 ق.م. إلى كلدان، وبقيت تستعمل إلى اليوم، لكنَّ نبوخذ نصر وخلفاءه لم يُسمُّوا أنفسهم ولا دولتهم، لا كسيدان، ولا كلدان، ومعنى كلداني: ساحر، مشعوذ، مجوسي، دجَّال، فتَّاح فأل، مُنجِّم، وثني..إلخ.

وهؤلاء اليهود المسبيون، هم أجداد وأسلاف من يُسمُّون أنفسهم اليوم كلداناً وآشوريين، فقد ترك اليهود المسبيون لغتهم العبرية القديمة منذ القرن الثامن قبل الميلاد، وتأرموا أو تسرينوا مستعملين اللغة الآرامية، وأصبحوا آراميين، وجميع آبائهم في التوراة كإبراهيم ويعقوب ولابان وبتؤئيل وغيرهم، هم آراميون، وعندما عاد اليهود المسبيين من بابل سنة 520 ق.م. كانت لغتهم آرامية، التي أصبحت لغة جميع فلسطين، وعندما جاء السيد المسيح تكلم بالآرامية أو السريانية هو وأمه وتلاميذه، وعند دخول المسيحية العراق عن طريق أنطاكية-الرها إلى مدينة أربيل التي كانت إمارة يهودية آرامية اعتنقها أغلب اليهود المسبيون في أربيل وشمال العراق من منطلق قومي وليس ديني، باعتبار المسيح من مدينتهم الناصرة، والمبشرين الذين جاءوا إليهم هم أبناء عمومتهم وجلدتهم، فهم يهوديي الأصل وآراميين مثلهم لغةً وثقافةً.
ولأنهم آراميون أو سريان، خضعوا لكنيسة أنطاكية السريانية، وشكَّلوا كنيسة في المدائن، ساليق، قطسيفون عاصمة الفرس سنة 310م، ولأنهم إسرائيلي الأصل فقد بقيت عندهم النظرة القومية العبرية، وهم الذين أُطلق عليهم كلمة نصارى التي تختلف عن كلمة مسيحي، فنصارى تعني المسيحيون من أصل يهودي فقط الذين آمنوا بيسوع الناصري، وهم الوحيدون الذين سمَّوا بطركهم، بطرك الناصرة، وبسبب نظرتهم العبرية كانوا كثيري التذمر، فاعتنقوا مذهب نسطور السرياني المحروم من الكنيسة في مجمع افسس 431م، ثم انفصلوا عقائديا وإدارياً عن أنطاكية بتأثير الفرس سنة 497، لكنهم بقوا سريان الهوية والثقافة واللغة، وتسمَّوا بالسريان المشارقة أو النساطرة، وسنة 1553م انظم أغلبهم إلى الكثلكة، فسمتهم روما كلداناً، وثبت اسم الكلدان عليهم في 5 تموز 1830م، أمَّا الطرف الذي بقي نسطورياً فتجمعوا في هكاري تركيا وحولها وسمَّاهم الإنكليز آشوريين سنة 1876م، وثبت اسم كنيستهم آشورية في 17 تشرين أول 1976م.

**_ المناذرة الذين أقاموا دولتهم في الحيرة هم مسيحيون عرب، هل كانوا يتبعون كنيسة واحدة؟، هل لديك بحث عن كنائس الحيرة عاصمتهم، ولماذا لم يتم الاهتمام بالإرث المعماري المسيحي للمناذرة وتوثيقه باعتباره جزء من الآثار العراقية على مر تاريخ العراق؟
تعتبر المناذرة والغساسنة أولى الدول أو الإمارات العربية المسيحية، وكان في المناذرة كنيستان، النسطورية (السريانية الشرقية)، وكنيسة السريان الأرثوذكس، وكان النساطرة هم الأغلبية لأنهم تابعين للفرس، ومقر بطركهم في المدائن عاصمة الفرس، وسنة 593م اعتنق ملكهم أبو قابوس النعمان المذهب النسطوري وغدا أحد حماته، وبما أن الكنيسة النسطورية تابعة للفرس، لذلك كانت دولة المناذرة جبهة أمامية للفرس بوجه الروم، وبما أن دولة الغساسنة في الشام كانت تتبع كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية، لذلك كانت دولة الغساسنة جبهة الروم بوجه فارس، ومعروف أن الفرس والروم كانوا في حرب مستمرة، لذلك كانت المناذرة والغساسنة في صراع دائم سياسياً وعسكرياً وعقائدياً، وقد اشتهر شمعون الأرشمي أسقف الحيرة السرياني الأرثوذكسي المتوفى سنة 540م، بمجادلاته مع النساطرة التابعين للفرس حتى لُقَّب بمجادل الفرس (داروشا فارسيا)، وطبعاً يوجد أخبار كثيرة عن الحيرة في كتبي وكتب غيري، أمَّا بشان الاهتمام بتاريخ أديرة وكنائس الحيرة فلها أخبار في كتب الديارات، للحموي، الشابشتي، الأصفهاني، البغدادي، الكلبي، السري الموصلي، الخالديين، الشمشاطي، وحبيب الزيات، الديارات النصرانية في الإسلام، وألبير أبونا، وبنيامين حداد، وغيرهم، وأصدر محمد سعيد الطريحي كتاباً خاصاً بالمنطقة (الديارات والأمكنة النصرانية في الكوفة وضواحيها).

**_ في اللغة العربية كلمة مذهب تعني رأي، فيقال مثلاً ذهبت مذهب الشافعي وتعني أخذ ت رأي الشافعي، وتطور استعمال الكلمة لتقسِّم المسلمين إلى آراء مختلفة، تطورت وأصبحت لتلك الآراء (المذاهب) قوانين خاصة كالإرث والصلاة والطلاق والزواج، لكنهم جميعا يتبعون القران الكريم والسنة النبوية ، كيف حدثت التفرعات في المسيحية ونشأت الكنائس المسيحية وهل الضرورة التاريخية هي السبب أم الفلسفة الدينية والنظر إلى الإله أو العوامل السياسية لإمبراطورية روما؟
جميع الأديان والأمم انقسمت في التاريخ نتيجة تزايد الناس وتنوع أفكارهم، والحقيقة السبب الرئيس لانقسام المسيحية هو الجدال اللآهوتي والفلسفي حول شخصية وطبيعة السيد المسيح تحديداً، فشخصية المسيح تنفرد بخواص فريدة مثل الولادة بدون أب، وقيامته من الأموات..ألخ، وقد شكل هذا الأمر منذ بداية المسيحية التي اعتنقها كثير من الناس من مختلف الملل والأعراق، أفكاراً وتفسيرات وسجالات عديدة بين مختلف ثقافة الفئات التي اعتنقت المسيحية، فمنهم اليهودي الذي كان خاضعاً للناموس الموسوي، والوثني المثقف الذي كانت تحكمه الثقافة والفلسفة اليونانية أو الرومانية، والجاهل الذي كانت تحكمه الأمور القبيلة، ومن كان يعتنق بعض الديانات الفارسية أو الشرقية. إلخ، لذلك ظهر على مسرح الكنيسة أشخاص وجماعات كثيرة خرجوا بأفكار كثيرة أدت لعقد عدة مجامع لحرم هؤلاء من الكنيسة، والمجمع الأول كان نيقية سنة 325، الذي حرم آريوس لتشكيكه في ألوهية المسيح، وأنه إله لكنه أدنى من الله، ثم مجمع القسطنطينية 381 الذي حرم المشككين في إلوهية الروح القدس كمقدونيوس، والثالث مجمع إفسس الذي حرم نسطور الذي مختصر فكرته أنه رفض أن تُلقَّب مريم العذراء والدة الله، بل يجب تسميتها أم المسيح، وأن المسيح ولد منها بمصاحبة الله، لكنه أصبح إلهاً كاملاً يوم عماده، وأن لاهوته فارق ناسوته عندما صُلب، ثم عاد اللاهوت واتحد مع الناسوت عندما قام..إلخ، لكن المجمع الذي أدى إلى الانقسام الفعلي في المسيحية وإلى اليوم، هو مجمع خلقيدونية 451م.
ومختصر الخلاف: إن جميع المسيحيين خلقيدونيين ولا خلقيدونيين أي المعترفين والرافضين بالمجمع آنذاك، كانوا متفقين أن المسيح هو الله المتجسد، لكن مجمع خلقيدونية أقرَّ أن المسيح الإله المتجسد، هو من طبيعتين إلهية وإنسانية قبل الولادة وبعدها، فقبل الولادة حلَّت الطبيعة الإلهية في أحشاء السيدة العذراء واتحدت بطبيعتها الإنسانية، وولد المسيح إلهاً متجسداً بطبيعتين أيضاً، إلهية وإنسانية، فهو يستطيع أن يتصرف كاله وكانسان وفق ما يشاء.
أمَّا اللاخلقيدونيين الذي رفضوا المجمع فهم مثل الخلقيدونيين يعترفون أن المسيح هو من طبيعتين قبل الولادة، لكن بعد الولادة هو إله متجسد من طبيعة واحدة فقط، ويرفضون أي لفظة (اثنين) بعد الولادة، لأنها ستُقسِّم المسيح، وبالتالي تفصل لاهوته عن ناسوته المتحدان معاً، فهم يقبلون الواحد من اثنين، ولا يقبلون أثنين من اثنين، فالمسيح بعد الولاة هو في نفس اللحظة: إله متجسد واحد، ربٌّ واحد، شخص واحد، أقنوم واحد، طبيعة واحدة، مشيئة واحدة، فعل واحد، فاعل واحد..إلخ، ويستطيع أن يتصرف كإله أو كانسان وفق ما يشاء، كما يتحاشون لفظ حرف الواو بين طبيعتي المسيح الإلهية والإنسانية، ويحبذون نطق كلمة: المسيح هو إله متأنس أو متجسد، وليس إله (و) إنسان.
والخلقيدونيون هم، كنيستا روما والقسطنطينية، والاخلقيدونون، هم: السريان (بضمنهم الهند) والأقباط (بضمنهم الحبشة وأرتيريا) والأرمن، بعدها انقسمت روما والقسطنطينية سنة 1054م لأسباب كثيرة منها سياسية ومنها عقائدية مثل إضافة كنيسة روما لقانون الإيمان (أن الروح القدس ينبثق من الآب والابن، ومع الآب والابن يُسجد له ويُمجد)، بينما الانبثاق حسب قانون الإيمان سابقاً والمطابق للإنجيل أن الانبثاق هو من الآب فقط، وبعد القرن السادس عشر انشق البروتستانت من الكاثوليك بسبب صكوك الغفران وغيرها، ثم انشق الإنكليكان من الكاثوليك، لأن ملك انكلترا هنري الثامن+1547م أراد تطليق زوجته لأنها لا تنجب، والزواج من أخرى على أمل أن تلد له وريثاً للعرش، فرفض ذلك البابا كلمنت السابع + 1534م، وانشقاقات أخرى كثيرة.

**_ السيد المسيح ولد في فلسطين التي هي ارض مقدسة وانتقل إلى مصر ثم عاد إلى فلسطين، بينما يقع الفاتيكان في روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية والآن عاصمة جمهورية إيطاليا، والسيد المسيح لم يسافر طول حياته إلى روما؟ فمن أين جاءت قدسية الفاتيكان، هل من قبر القديس بطرس الرسول، وإذا كانت القدسية تأتي من قبر قديس فهناك عشرات قبور لقديسين حول العالم ومنها على سبيل المثال قبور الملوك الثلاثة الذين بشروا بولادة السيد المسيح الموجودة في كاتدرائية مدينة كولون في ألمانيا والكاتدرائية، عادية ولا تحظى لا هي ولا مدينة كولون بأي قدسية؟
طبعاً لا يوجد سبب كتابي لقدسية روما، فالسيد المسيح ورسله لم يكونوا روماناً لاتيناً، بل سرياناً آراميين شرقيين، لكن لأن روما كانت إمبراطورية قوية سياسياً، فقد فرضت نفسها من البداية واعتبرت نفسها كرسياً رسولياً، وكل ما في الأمر أن بطرس الرسول أُعدم سنة 67 م ، بأمر نيرون في روما، ولمكانة بطرس في المسيحية حيث يعتبر هامة الرسل، وإيمانه صخرة المسيحية، ويمثل راعي الرعية الذي قال له المسيح: ارع َ خرافي، فقد اتخذت روما من استشهاده وقبره حجة أنها كنيسة بطرسية، وهو ليس صحيحاً، ولا يوجد دليل كتابي واحد يربط تبشير روما ببطرس، فالذي بَشَّر روما هو بولس، وليس بطرس، وبولس وصل روما قبل بطرس، وبولس هو الذي وجَّهَ رسالة إلى أهل روما (20:15) رافضاً يكون بطرس أو غيره قد بشَّر روما، قبله، قائلا: كنت حريصاً أن اُبُشّر لئلا أبني على أساس غيري، أي: لو كان غيري قد بَشَّر روما، لما بَشَّرتها أنا.
أمَّا بطرس وأخباره فهي مرتبطة بأنطاكية كتابياً، وهو الذي أسس كرسي أنطاكية وأصبح أول بطاركته، وكل التاريخ على الإطلاق يؤكد تأسيس بطرس لكرسي أنطاكية السرياني، ولا يختلف اثنان على ذلك، وباباوات روما في التاريخ يهنئون بطاركة أنطاكية بمكانة كنيستهم ومؤسسها بطرس، وتحتفل روما في 22 شباط من كل عام بتأسيس بطرس لكرسي أنطاكية حسب تقويمها الذي رتبَّه القديس جيروم (342-420م) ، وفي العهد الجديد دعي المؤمنون ببشارة المسيح لأول مرة مسيحيين في أنطاكية (أعمال الرسل 11: 26)، وتنفرد أنطاكية أنها المدينة الوحيدة المذكورة في العهد الجديد مقترنةً بالكنيسة، أي لم تُذكر كنيسة روما في العهد الجديد (انظر أع 11: 26، جاء به إلى أنطاكية واجتمعا في الكنيسة 13: 1، كان في كنيسة أنطاكية أنبياء ومعلمون، وإصحاحات 11-18)، ولكي أوضِّح فكرة روما الاستعمارية من الناحية الدينية، فلنفرض جدلاً أن بطرس مؤسس كرسي روما أيضاً، والسؤال: إذا كانت روما تعترف أن بطرس أسس كرسي أنطاكية قبل روما، فلماذا لا تعتبر روما أن أنطاكية مساوية لها، بل دائماً تتحدث عن أولية روما على بقية الكنائس.

**_ ماذا تعني كلمة ميسوبوتاميا؟، وما الفرق بين تسميتي بلاد الرافدين وبلاد ما بين النهرين وأيهما اصح كاسم للعراق؟
كلمة ميسوبوتاميا أو ميزوبوتامياMesopotamia مصطلح يوناني انتشر منذ الترجمة اليونانية السبعينية للكتاب المقدس في عهد بطليموس الثاني فيلادلفوس (285–247 ق.م.)، وهو مكون من مقطعين، (ميزو) ومعناها وسط، و(بوتاميا) ومعناها نهر، وبذلك يعني المصطلح، بلاد ما بين النهرين، وطبعاً ليس المقصود بالنهرين دجلة والفرات، بل الفرات والخابور شمال غرب العراق، فاليونان استعملوا المصطلح على إمارة آرام نهرين أو فدان آرام المذكورة في التوراة (التكوين 24: 10، 25: 20) وهي منطقة حاران-الرها، أي الجزيرة السورية المحصورة بين الفرات والخابور (طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ج1، ص7-12. وفيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ج1 ص176). لذلك تسمية العراق بلاد ما بين النهرين خطأ، والصحيح بلاد الرافدين أو النهرين، وليس بلاد ما بين النهرين أو ما بين الرافدين، فعدا أن مصطلح بين النهرين لا يعني تاريخياً العراق بل الجزيرة السورية شمالاً، لكن تسمية بلاد الرافدين أو النهرين أشمل لأن بين النهرين أو بين الرافدين تعني أن العراق هو المنطقة المحصورة بين نهري دجلة والفرات فقط.

**_ ما هي اللغات التي استعملها اليهود خلال تاريخهم؟، وهل اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل حديثاً تعلموا اللغة العبرية الحديثة، ومن أي اللغات تم تشكيل العبرية المستعلمة اليوم في إسرائيل؟
استعمل اليهود لغتهم العبرية المقدسة القديمة المنحدرة من الكنعانية، وسُمِّيت لاحقاً عبرية، ولم يرد في العهد القديم اسم اللغة العبرية، بل لغة كنعان: في ذلك اليوم يكون في أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان (إشعيا 19: 18)، أو اللغة اليهودية أو الأشدودية: في تلك الأيام أيضاً رأيت اليهود الذين ساكنوا نساء أشدوديات وعمونيات وموابيات، ونصف كلام بنيهم باللسان الأشدودي ولم يكونوا يحسنون التكلم باللسان اليهودي بل بلسان شعب وشعب (نحميا 13: 23-25، و2 ملوك 18: 26)، ووصلت العبرية أوج قوتها بحدود القرن السابع قبل الميلاد.
وكانت تقريباً خالصة من الآرامية، ومنذ سبي القبائل العشرة الإسرائيلية إلى العراق الحالي (أي الكلدان والآشوريين الحاليين الذين ينحدرون من الأسباط العشرة)، ضعفت العبرية أمام الآرامية حيث غزت الآرامية الشرق وأصبحت لغة دولية لسهولتها والانتشار الآرامي الكثيف، فبدأت تقصي جميع اللغات الأخرى كالأكدية لغة بلاد آشور وبابل، والعبرية، وكان انتشار اليهود المسببين الكثيف في العراق الحالي من الأسباب القوية التي أدت إلى انتشار الآرامية بينهم، حيث بدأت العبرية منذ القرن الثامن قبل الميلاد تضمحل، وتأرَّم أو تسرين اليهود واستعملوا اللغة الآرامية أو السريانية، وانحصرت العبرية في الكتاب المقدس العبري وبعض كاتب اليهود الدينية والمعابد، وقد شعر اليهود بخطر محدق على لغتهم القومية، ونشطوا إلى مقاومة الآرامية وبدؤوا بث الكراهية لها بين اليهود بكل الوسائل، ولهم مقولات في التلمود بذلك:"استعملوا العبرية أو اليونانية واحذروا من رطانة الآرامية" أو "لا يُحادث الإنسان أخاه بلغة آرام"، وأحد الأسباب الرئيسة التي دفعت اليهود إلى التقليل من مكانة النبي دانيال هو، لأنه كتب جزءاً من سفره بالآرامية، أي حتى العهد القديم العبري مثل أجزاء من نبوءة دانيال،وسفر عزرا، ونحميَّا وغيرها، كتبت بالآرامية، وقد أكد العهد القديم أن اليهود استعملوا الآرامية أي السريانية عزرا (7:4)، وطلبوا من ربشاقي قائد جيش سنحاريب الآشوري الذي جاء لغزهم وحاصرهم أن يكلمهم بالآرامية (2 ملوك 18: 26)، وهذا دليل آخر أن الدولة الآشورية القديمة أيضاً كانت قد تركت لغتها الأكدية واستعملت الآرامية أو السريانية.
ولم تستطع العبرية الصمود أمام الآرامية باستثناء كتاب يشوع بن سيراخ سنة 200 ق.م. تقريباً، الذي ظهر بلغة عبرية نقية إلى حد ما، ولأن الطبقة المتعلمة نسيت العبرية وأصبحت الآرامية لغة البحث والمجادلة في التوراة، اضطر أحبار اليهود إلى ترجمة التوراة وأدبهم العبري للآرامية، وأصبحت العبرية ذات مسحة آرامية. (ولفنسون، تاريخ اللغات السامية، ص97).
وقد ميَّز اليهود بين آرامية التوراة والآرامية التقليدية النقية التي اجتاحت الشرق كبلاد فارس، لذلك عندما كتب اليهود رسالة إلى أرتحششتا الفارسي، قالوا: الرسالة مكتوبة بالآرامية ومترجمة بالآرامية (عزرا 4: 7)، أي أنها تُرجمت من الآرامية التوراتية إلى الآرامية التقليدية، وكان اليهود يريدون تمييز لغتهم عن الآرامية التقليدية نتيجة احتقار اليهود للغة الآرامية، ولكي تتلاءم مع معظم أسفار العهد القديم التي كتبت إبان الدولة الكلدانية، وعند عودة اليهود إلى فلسطين كانت لغتهم هي الآرامية، وبقيت الآرامية لغة التحدث والكتابة في فلسطين أيام السيد المسيح وبعده، ولم يُهتم بالعبرية إلى سنة 219م عندما تأسست مدرسة سورا قرب الحلة في العراق، ولم يُعتن بالعبرية إلى منتصف القرن التاسع الميلادي، وفي بداية القرن السادس عشر حدث تغيير حاسم في الأدب العبري بعد مدة طويلة من الانحطاطـ، فتمت دراسة اللغة والأدب العبري اليهودي وأصبح منتظماً في الدوائر العلمية ومهتماً به بشكل جيد، ومع كل ذلك، وإلى اليوم، فإن اللغة العبرية الحالية ليست العبرية القديمة، بل هي لغة عبرية ذات مسحة آرامية، وتُسَمَّى العبرية الحديثة (دائرة المعارف اليهودية، ص581-585).

**_ ما معنى الكتاب المقدس، وما الفرق بين العهد القديم والتوراة، وما الفرق بين العهد الجديد والإنجيل؟
الكتاب المقدس يشمل العهد القديم والجديد.
العهد القديم 46 سفراً، 39 سفراً منها كُتب بالعبرية، والإسفار الخمسة الأولى فقط المنسوبة لموسى تُسمَّى التوراة أو أسفار الشريعة، وهي (تكوين، خروج، لاويين، عدد، تثنية) أمّا الباقي فليست توراة، بل تُسمَّى أسفار تاريخية مثل (يشوع، أخبار الأيام، صموئيل)، وأسفار شعرية أو حكمية مثل (المزامير، الأمثال، الجامعة)، وأسفار نبوية مثل (دانيال، يونان، إشعيا)، واليهود والمسيحيون البروتستانت الإنجيليون يعترفون ب 39 سفراً فقط التي كتبت بالعبرية، ولا يعترفون بالبقية مثل (يهودت، طوبيا، المكابين)، ويُسمُّونها أسفار أبو كريفة، أي المنحولة، وتُسمَّى أيضاً الأسفار القانونية الثانية.
أمَّا العهد الجديد فهو 27 سفراً، يضم الأناجيل أو الشهادات الأربعة (إنجيل كلمة يونانية معناها الخبر السار)، ويضم أيضاً: سفر أعمال الرسل التاريخي وهو أخبار الكنيسة الأولى، ورسائل الرسل مثل (بولس وبطرس ويعقوب)، ورؤيا يوحنا.

**_ ما هي لغة السيد المسيح؟، وما هي اللغات التي كتبت فيها الأناجيل؟
الآرامية أو السريانية، وقد وردت مقاطع من كلام السيد المسيح في الإنجيل بها، مثل طليثا قومي، ألوي ألوي لماذا شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني، ماران أثا، أي جاء الرب أو تعال أيها الرب، ربوني، أي ربي، أمَّا لغة الأناجيل، فإنجيل متى فقط كٌتب بالآرامية أو السريانية (هناك آراء ضعيفة غير علمية تقول إن معظم الأناجيل كُتبت بالسريانية)، وسبب كتابة متى إنجيله بالآرامية هو أن متى وجَّهَ إنجيله إلى اليهود المتنصرين حصراً الذين كانت لغتهم هي الآرامية أو السريانية، أمَّا الأناجيل الثلاثة الباقية فكتبت باليونانية، لأنها وجِّهت للأمم الأخرى الوثنية، وأغلب الظن أن الرسالة إلى العبرانيين في العهد الجديد قد كُتبت بالسريانية أيضاً لنفس السبب لأن لغة اليهود العبرانيين كانت السريانية أيام السيد المسيح.

**_ في العراق اللغة الرسمية لأغلب مسيحي العراق هي السريانية بمن فيهم الكلدان والآشوريين، ما هي اللغة السريانية وما فرقها عن الآرامية، وهل هناك لغة آشورية وكلدانية.
ذكرنا أن السريان هم الآراميون، فاللغة السريانية هي الآرامية، اسمان للغة واحدة مثلما نقول اللغة الهنكارية أو المجرية، الأثيوبية أو الحبشية، الإغريقية أو اليونانية، فاللغة السريانية هي اللغة الفصحى والوريث الوحيد والشرعي للهجة الرها الآرامية، فقد انتظمت السريانية في الرها وأصبحت هي لغة الأدب والكتاب المقدس الفصحى، مثلما العربية الفصحى اليوم هي لهجة قريش، وهذه اللغة السريانية هي لغة الآشوريين والكلدان الحاليين، لأن هؤلاء أصلاً سريان آراميون وليسوا سليلي الكلدان والآشوريين القدماء، وقد ذكرت ذلك سابقاً (سؤال رقم 4)، وأصلاً لا توجد لغة آشورية أو بابلية كلدانية لا الآن ولا سابقاً، فلغة دولة آشور وبابل القديمة هي الأكدية بلهجتين جغرافيتين، بابل وآشور، فعدا الكتاب المقدس الذي يُسمِّي اللغة آرامية أو سريانية، فيقول في النص العبري: كلم الكلدان الملك نبوخذ نصر بالآرامية)، (وفي النص اليوناني 280 ق.م. وكذلك نسخة الفولغا اللاتينية الرسمية لكنيسة روما من سنة 380م تقريباً (كلم الكلدان الملك نبوخذ نصر بالسريانية)، وأغلب قواميس اللغة السريانية في التاريخ وعددها حوالي 175، مؤلفة من آباء وأسلاف من يُسمُّون اليوم كلداناً وآشوريين، وأدرج ثلاث أمثلة من آلاف الأمثلة، ومن مصادر من يُسمُّون اليوم أنفسهم آشوريين وكلدان، يفتخرون أن لغتهم اسمها آرامية أو سريانية (لا آشورية ولا كلدانية)، 1: طيمثاوس الأول +823م أشهر بطرك للسريان النساطرة (أي الكلدان والآشوريين الحاليين)، 2: أيضاً مطرانهم الشهير إيليا بريشنايا +1046م، 3: بطرك الكلدان الحالي لويس ساكو، وللآسف منذ أن قام الغرب (روما والإنكليز) في القرن التاسع عشر الميلادي بسرقة اسمي كلدان وآشوريين من أسماء حضارة العراق القديم وأطلقوهما زوراً على السريان النساطرة الشرقيين لأغراض سياسية وطائفية عبرية، صدَّق هؤلاء البسطاء أنهم سليلي الآشوريين والكلدان القدماء، وبدء قسم من المتعصبين منهم يُسمي لغته آشورية أو كلدانية، خاصة بعد سنة 2003م، وكلا التسميتين مزورتين (للمزيد من المعلومات يرجى مراجعة كتابي: اسمهم سريان لا آشوريون ولا كلدان، أو كيف سَمَّى الغرب السريان الشرقيين، كلداناً وآشوريين).

https://www10.0zz0.com/2023/08/26/14/516397524.png


https://www10.0zz0.com/2023/08/26/14/906900419.png

 

https://www10.0zz0.com/2023/08/26/14/823154323.png

**_ تسمية الساميين ومعاداة السامية أثارت الكثير من الجدل، من أين جاءت تسمية الساميين وهل صحيح أن المقصود بها هم اليهود فقط؟، وهل كل اليهود آراميين أو ساميين؟

السامية هو مصطلح حديث أطلقه الألماني شلوتسر سنة 1781م، على اللغات السامية، معتمداً على التوراة، ورغم أن المصطلح أصبح مقبولاً ومتداولاً، إلاَّ أنه ليس مصطلحاً لغوياً علمياً بحتاً، والمصطلح العلمي الصحيح اليوم للساميين واللغات السامية هو، الجزريين واللغات الجزرية، نسبةً إلى الجزيرة العربية- السورية التي تقع غرب نهر الفرات من اليمن إلى غرب الفرات شمالاً في سوريا، وهي الموطن الأصلي للساميين ولغاتهم، فقد اعتمد شلوتسر في تقسيمه لغات أبناء سام على (سفر التكوين إصحاح 10: بنو سام: عيلام وأشور وأرفكشاد ولود وآرام)، لكنه استثنى العيلامين والليديين رغم أن عيلام ولود هما ابنا سام أيضاً، وفي نفس الوقت عَدَّ الكنعانية والحبشية لغات سامية رغم أن الكنعانيين والأحباش أي الكوشيين ليسوا أبناء سام في التوراة، بل من أبناء حام.
وهناك من يرى أن سفر التكوين هدفه سياسي يهودي، فجعل كنعان ملعوناً وعبداً لإخوته ليستولوا على فلسطين أرضهِ، وقد ألمح بعض المؤرخين السريان والعرب واليونان إلى التسمية السامية لعوائل اللغات والشعوب أو علاقة اللغات ببعضها مستندين إلى العهد القديم قبل الاكتشافات الأثرية العلمية، مثل يعقوب الرهَّاوي وابن العبري وابن حزم والمسعودي وأوسابيوس القيصري وغيرهم، ويرتئي عدد من الباحثين اللغويين العراقيين اليوم أن يكون اسم اللغات السامية هو، اللغات العاربة أو العربية القديمة.
وإني أرى أن مصطلح اللغات الجزرية أكثر توفيقاً كيلا يختلط مع اللغة العربية أولاً، ولأن الأقوام التي سكنت الجزيرة العربية- السورية أو نزحت منها، كان لها لغات أخرى خاصة بها أيضاً كالآراميين والكنعانيين والحبشيين والعبريين ثانياً، وكيلا يؤول الموضوع سياسياً فيخلق مشاكل ثالثاً، والمهم أن اليهود هم فعلاً ساميون سواء عندما كانوا عبرانيين كنعانيين، أو بعدما تأرموا وأصبحوا آراميين، لكن مصطلح الساميين لا يشمل اليهود فقط الذين استغلوا أسم الساميين سياسياً لوحدهم، بل عملياً اسم الساميين يشمل تسميات: الأكديين، الأموريين، الآراميين أو السريان، الأكديين، الكنعانيين، الفينييقين، العبرانيين، الأحباش.
وكذلك العرب الذين في نفس إصحاح التوراة 10، هم من نسل آرام وأرفكشاد، لكن اليهود، علماً أنه ووفق كل العلماء فإن سامية العرب ولغتهم هي أنقى من كل الأقوام السامية ولغاتهم، والسبب أنهم عاشوا منعزلين في الصحراء ولم يختلطوا ويتهجَّنوا كثيراً مع الأقوام الأخرى ثقافياً واجتماعياً.

**- مرحلة الانتقال من الوثنية إلى المسيحية في مصر قد تم توثيقها، لكن في العراق لم يتم كتابة أي بحث عنها، وهي مرحلة غامضة وهل يعرف المسيحيون العراقيون مرحلة تحول قسم منهم إلى الإسلام في الفتح الإسلامي؟
نعم كان تاريخ بداية المسيحية التفصيلي في العراق يكتنفه الغموض وتتخلله أساطير كثيرة، إلى أن اكتُشف تاريخ أربيل أو مشيحا زخا سنة 1907م، الذي كشف كثير من غموض البداية، يضاف إليه اكتشاف وفهرست وطبع بعض الشذرات التي جُمع بعضها أيام الجاثليق النسطوري طيمثاوس الأول +823م ككتاب المجامع الذي تم تجميع قسم منه في عهد طيمثاوس، ثم جُمع كاملاً في عهد الجاثليق إيليا الأول +1049م، وطبع سنة 1902م، واكتشاف كتاب التاريخ السعردي، وغيرها، كما تم حديثاً طبع وتأليف كتب كثيرة عن كنيسة العراق، مثل: ذخيرة الأذهان في تواريخ المغاربة والمشارقة السريان، للقس نصري بطرس الكلداني، تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية للأب لألبير أبونا، تاريخ الكنيسة السريانية لأسحق أرملة، تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية للبطريرك يعقوب الثالث، وكتابي أنا: اسمهم سريان، لا آشوريون ولا كلدان، الذي وضَّحت فيه تاريخ دخول المسيحية في العراق لأول مرة بشكل مفصل وبالوثائق التاريخية ومن مصدر السريان المشارقة أنفسهم والتي قسم منها عرضت لأول مرة.
كما قمتُ بنقد وتفنيد وغربلة الخرافات والأساطير التي لا يزال بعض رجال دين وكُتَّاب السريان الشرقيين (الآشوريين والكلدان الحاليين) يتغنى بها لأغراض سياسية طائفية، وقد كتب كثير من المستشرقين أيضاً عن بداية المسيحية في العراق، وأثبت الجميع أن المسيحية دخلت العراق من أنطاكية-الرها إلى مدينة أربيل أولاً التي كانت مملكة آرامية يهودية، وأول أسقف في تاريخ العراق هو فقيدا سنة 104م، ثم تشكلت كنيسة العراق في عاصمة الفرس المدائن، ساليق، قطسيفون، سنة 310م، وكانت تتبع كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية عقائدياً وإدارياً إلى أن اعتنقت مذهب نسطور بعد سنة 428م، بتأثير الفرس، ثم انفصلت عقائدياً وإدارياً عن أنطاكية سنة 497م، لكنها بقيت سريانية الهوية والثقافة واللغة، وبعد القرن الخامس فالتاريخ واضح، ومنه مرحلة اعتناق بعض المسيحيين للإسلام.

**_ السريان من أقدم الأقوام التي سكنت الشرق كالعرب وغيرهم حدثنا عن تاريخ السريان
السريان هم الآراميون، فسرياني وآرامي هما اسمان لشعب واحد مثل هنكاريا والمجر، اليونان وإغريق، أثيوبيا والحبشة. إلخ، كل ما في الأمر أن اسم الآراميين استعمل قبل الميلاد بكثرة، علماً أن اسم السريان استعمل أيضاً قبل الميلاد أحياناً، وبعد الميلاد استعمل اسم السريان بكثرة حيث ترك الآراميون الذين اعتنقوا المسيحية شيئا فشيئاً اسم آرامي الذي أصبح يمثل عندهم عصر الجاهلية ومعنى الوثنية، واستعملوا سرياني، علماً أنهم استعملوا اسم آرامي أيضاً بعد الميلاد أحياناً بصورة ملحوظة، وقد اشتهر الآراميون السريان في التاريخ بثقافتهم ولغتهم التي سادت الشرق قبل الميلاد وكانت مثل الإنكليزية حالياً، ويُسمَّى الألف الأول قبل الميلاد، إمبراطورية اللغة الآرامية، أما بعد الميلاد، وبعد الإسلام فحدث ولا حرج، فقد لعب الآراميون السريان دوراً مهماً في الشرق دينياً وثقافياً ولغوياً وعلمياً
إن الآراميين أو السريان هم شعب سام استوطن الهلال الخصيب (بلاد الشلم والعراق)، وسكنهم الأصلي كان غرب نهر الفرات أي البادية العربية السورية وبلاد الشام، وهناك عدة آراء لتسمية آرام، والشائع هو نسبة إلى آرام الابن الخامس لسام بن نوح، أو معناه العالي، عالي المنزلة أو السمو، الأرض المرتفعة أو العالية، أمَّا كلمة إرم ذات العماد الواردة في القرآن الكريم، صورة الفجر، فاختلف الكُتَّاب فيها، ويقول طه باقر: لعل إرم لها صلة بالآراميين، ومعناها: نجد، هضبة، أرض، وشاطره الرأي الأب أنستاس الكرملي وغيره، ورفض الصلة آخرون، وأقدم ذكر للآراميين هو باسم قبائلهم: سوتو، ومعناها البدو، وأحلامو، ومعناها الشباب أو الرفاق أو الأحلاف، وأول إشارة لقبيلة سوتو وردت من مصر نحو سنة 3100 ق.م.، وذكرت الوثائق الأكدية قبائل سوتو سنة 2700 ق.م.، وأقدم ذكر لاسم آرام هو في العراق في عهد الملك الأكدي نرام سين (2254–2218 ق.م.) بصيغة أكدية بابلية (Am–Ara ،ki-A-ra-ame)، تتحدث انتصار نارام سين على شيخ آرامي اسمه، خرشا متكي، وفي وثيقة أخرى في مدينة خفاجة يسار نهر ديالى مقابل بغداد، ومنذ القرن 14 ق.م. ظهر الآراميون بوضوح جنوب وشمال الهلال الخصيب، أي بلاد سوريا وبلاد الشام والعراق وثبت أن بطوناً منهم استوطنوا جنوب الفرات قرب الخليج، ووصلوا حدود البحرين حيث اشتكى حاكم دلمون (البحرين) إلى والي نفر (عفك قرب الديوانية) أن قبائل أحلامو الآرامية نهبوا تمور بلاده. ومنذ عهد الملك الآشوري تغلات فلاصر الأول +1077 ق.م. بدأ الآراميون يشكَّلون كيانات سياسية قوية في سوريا والعراق وأصبحوا يشكلون خطراً على الآشوريين الذين يُعدُّون ألد أعدائهم في التاريخ، بل عداوتهم للآشوريين هي الصفة التي تميزهم، حيث تعرض الآراميون إلى غزوات قاسية من الآشوريين.

شكَّل الآراميون عدة ممالك في سوريا والعراق أشهرها، مملكة آرام دمشق، ودولة بابل الحادية عشر والأخيرة في التي سمَّاها اليهود وبالذات النبي دانيال كلدانية، وأشهر ملوكها نبوخذ نصر، ومن إمارات الآراميين: دويلة آرام التي ووردت في عهد نارام سين +2218 ق.م.، وسلالة بابل الرابعة وملكها الثامن أدد أبال أدن الآرامي +1046 ق.م. ، وتُسَمِّيه المصادر الآشورية، المغتصب الآرامي، وسلالة بابل العاشرة ومؤسسها أوكن- زير الآرامي +730ق.م.، وبيث ياكيني مقر عائلة نبوخذ نصر، مؤسسها ياكين، موقعها بين الناصرية والبصرة، عاصمتها دور– اكين (تل اللحم حالياً)، وإمارات أخرى مثل: كمبولو، بيت عديني، بيث دكوري، الحضر، سنجار، أربيل، وغيرها، أمَّا في سوريا فإمارات مثل: حماة، فدان آرام، آرام صوبا، شمأل، لعش، كركم، بيث حياني، بيث أغوشي، سوحي، بيث عيدين، بيث لاقي، وعشرات الممالك في سوريا، وآخر كيان سياسي للآراميين هو مملكة آرام دمشق وملكها رصين التي سقطت على يد الآشوريين سنة 732 ق.م.
اعتنق معظم الآراميون المسيحية وشاع اسمهم السرياني، فالسيد المسيح ورسله وأمه العذراء كانوا سرياناً، مثلما كان موسى عبرانياً، ورسول الإسلام محمد عربياً، وقد شكَّل السريان عدة مراكز حضارية، أهمها أنطاكية عاصمة سوريا والشرق قديماً، ثم الرها، ودير متى شمال الموصل، وتكريت التي أصبحت حاضرة السريان ومقراً لمفريان الشرق منذ سنة 628م، فمنهما انطلق المرسلون والمبشِّرون إلى بلاد فارس وغيرها، وامتدوا أيضاً إلى القبائل العربية الساكنة على هامش الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، وتملأ متاحف ومكتبات وكنائس وجامعات العالم وأمهات كتب مؤرخي العالم، ومنهم المسلمين بوثائق وأخبار السريان الذين اشتهروا بالطب والفلسفة والعلم والترجمة وغيرها.
فهم الذين نقلوا معظم المعارف من اليونانية إلى السريانية ثم العربية، وسَمَّى العرب المسلمون الشعب، سريانياً، وبلادهم بلاد السريان، وسنين وشهور وأعياد السريان، والموسيقا والأنغام، سريانية، ولشهرة السريان، فجميع أهل العلم كالأطباء والفلاسفة والمترجمين عند العرب هم، سريان، أمَّا لغوياً ولأنّ السريان والعرب شعبان ساميان شقيقان، فقد اقتبست العرب ألفاظ سريانية كثيرة، والخط العربي قِيس على هجاء السريانية (عبد السلام هارون، نوادر المخطوطات، 1954م، مجموعة 5، ص65)، والقلم الذي كُتب به القران الكريم هو نظير القلم السرياني (ابن النديم، الفهرست، الكلام عن القلم السرياني)، وأبو الأسود الدؤلي وتلاميذه وضعوا حركات ونقاط الإعجام في المصحف الإسلامي على غرار السريان (مقدمة أبو عمر الداني، المحكم في نقط المصحف، ص28– 29)، وفي الحديث أن الرسول أمر زيد بن ثابت تعلم السريانية قائلاً:‏ أتحسن السريانية؟ فإنه يأتيني كتب بها‏، فتعلَّمتُها في سبعة عشر يوماً، فكنت أقرأ لرسول الله كتبهم إذا كتبوا إليه، وأُجيب إذا كَتَبْ (القلشقندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، ج1 ص202، وسنن الترمذي، كتاب الاستئذان والآداب، باب ما جاء في تعليم السريانية، ص730)..إلخ، وللمزيد راجع مقالي: السريان في تواريخ العرب والمسلمين.
https://www.algardenia.com/maqalat/56220-2022-11-05-05-01-40.html

**_السريان كقومية، ما هي الكنائس التي ينتسبون إليها؟، والأرثوذكس هي كنيسة مسيحية فيها السريان الأرثوذكس والروم الأرثوذكس، لماذا سُمَّي العرب الأرثوذكس بتسمية الروم الأرثوذكس؟

كنائس السريان تقسم إلى قسمين، السريان الشرقيون، أي شرق نهر الفرات، وهم الكلدان والآشوريون الحاليون، والسريان الغربيون أي غرب نهر الفرات، وهم 1: السريان الأرثوذكس 2: السريان الكاثوليك، 3: الموارنة، 4: الروم الأرثوذكس 5: الروم الكاثوليك، وجميع بطاركة السريان (السريان الأرثوذكس، السريان الكاثوليك، السريان الموارنة، السريان الملكيين (أي الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك)، إلى اليوم تحمل كنيستهم اسم أنطاكية، ويحمل بطاركتهم لقب (إغناطيوس بطريرك أنطاكية)، تيمناً باغناطيوس النوراني +107م، ثالث وأشهر بطاركة أنطاكية السريانية في التاريخ الذي رسمه بطرس الرسول.
ملاحظة:
1: الموارنة: نسبة لشفيعهم القديس مارون السرياني (350-410م تقريباً) السوري، واسمهم كنيستهم إلى اليوم رسمياً هو (كنيسة أنطاكية السريانية المارونية)، وفي لبنان آثار ونقوش سريانية كثيرة، ويفتخر الموارنة في كل تاريخهم أنهم سريان، ومعروف أن ثمانية بابوات روما، هم سريان، واثنان منهما كانا من سريان لبنان، وهما البابا سيشينوس الصوري (15 يناير 708- 4 شباط 708م) الذي يحمل رقم 87، وقسطنطين الصوري (25 آذار 708-9 أيار715م) رقم 88، وأكثر من 570 قرية لبنانية اسمها سرياني، وكانت السريانية هي اللغة المحكية في أغلب مناطق لبنان إلى نهاية القرن الثامن عشر، وكثير من الكلمات المحكية اليوم في لهجة لبنان، هي سريانية، وعندما زار الراهب الفرنسيسكاني غريفون لبنان في القرن 15الميلادي، سمع الموارنة يتكلمون بالسريانية، وسنة 1515م ذهب الخوري الماروني يوسف مع راهبين لتدريس اللغة السريانية في روما، ولما زار شاتايل لبنان سنة 1632م سمع أهالي حصرون يتكلمون بالسريانية، وعندما قام العلاَّمة سمعان يوسف السمعاني بزيارة لبنان سنة 1736م بصفته موفداً بابوياً، زار والدته في جبة بشري، وتكلم معها بالسريانية، ولغة الكنيسة المارونية هي السريانية (لهجة غربية)، والكتاب المقدس وكتب الطقوس المسموح استعمالها كنسياً كانت تصدر بالسريانية فقط حتى مطلع القرن العشرين، وكثير من كتب الموارنة مؤلَّفة بالاسم السرياني، وألَّف الموارنة قواميس سريانية عديدة، وفي العقود الأخيرة حصلت نهضة سريانية واضحة للموارنة كنيسةً، لغةً، تراثاً وطقوساً، خاصة الرهبانية الأنطوانية.
2: السريان الغربيون، الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك: الروم هم آراميون سريان (سوريون)، وسُمِّيوا (روم)، ليس لأنهم روم يونان، بل لأنهم قبلوا بمجمع خلقيدونية سنة 451م، الذي عُقد بأمر مرقيان ملك الروم، ولهذا اسمهم في التاريخ السريان الملكيين أيضاً أي جماعة أو تابعي ملك الروم، ومعروف أن سكان سوريا هم الآراميون السريان، وأن اليونانية كانت لغة الثقافة في القرون المسيحية الأولى في المدن الرئيسية إلى جانب اللغة الوطنية السريانية في الأرياف، ولاعتناق هذه الكنيسة مجمع خلقيدون الذي عُقد بأمر ملك الروم، فقد أصبح التأثير اليوناني في الكنيسة قوياً، فاستعملت الطقوس البيزنطية واللغة اليونانية إلى جانب الطقوس واللغة السريانية خاصة في شرق سوريا والأرياف، وأولت الترجمة السريانية البسيطة أهمية، وسمح البطريرك بلسمون +1195م استعمال اللغة السريانية الوطنية، وعندما انتُخب البطريرك فاخوم الأول 1359م، وقَّعَ المطارنة انتخابه بالسريانية فقط، وبقي استعمال السريانية في كنيسة الروم إلى أن بدأ تعريب الطقوس اليونانية والسريانية من عهد البطريرك أفتيموس 1637م، ومع ذلك قال خَلفهُ البطريرك مقار الثالث +1672م: ما زلنا نستعمل اليونانية والسريانية في كنائسنا ومنازلنا، وأثبت الأب مارتن اليسوعي أن رهبان الروم الكاثوليك كانوا يقيمون طقوسهم بالسريانية إلى أوائل القرن الثامن عشر، واليوم حتى التأثير اليوناني كطقس ولغة قَلَّ جداً وأصبح شبه معدوم حيث حلَّت اللغة العربية تقريباً بالكامل في الكنيسة، لذلك فالعرب الأرثوذكس هم هؤلاء السريان الملكيين الذين سُمِّيوا روماً بسبب مجمع خلقيدونية 451م،، والذين تعربوا شعباً وكنيسة بالكامل بعد القرن السابع عشر وسُمُّيوا عرباً، أي تسمية الروم تسبق العرب وليس العكس،،علماً أنه في العقود القليلة الماضية بدأت عند الروم نهضة من أوساط دينية وعلمانية للاعتزاز بالاسم السرياني والرجوع إلى اللغة والطقوس السريانية، وصرح مطران الروم الكاثوليك أسدور بطيخة قائلا: نحن السريان الأقحاح.
3: السريان الشرقيون (الكلدان والآشوريون الحاليون)، لم يكونوا في التاريخ كنيسة مستقلة، بل كان لهم جاثليقاً، وهو رتبة أعلى من مطرن، وأقل من بطريرك، معناها مطران عام، وكان مقر جاثليقهم في المدائن أو ساليق، قطسيفون في العراق، لكنه يتبع كنيسة أنطاكية السريانية إلى سنة 497م، وكان يُهتف باسم بطريرك أنطاكية في قداسهم قبل جاثليقهم، ثم اعتقوا المذهب النسطوري وانفصلوا عن أنطاكية سنة 497م، وسَمَّوا جاثليقهم لاحقاً وأحياناً بطريركاً، لكن إلى اليوم يُسمونه أحياناً جاثليقاً أيضاً، ويقول مطرانهم كوركيس الأربيلي سنة945م: كان جاثليق ساليق يخضع لبطريرك أنطاكية، وكان اسم البطريرك الأنطاكي يُكرز به (يُهتف، يُقرأ) قبل اسم الجاثليق إلى سنة 456م في زمن الجاثليق داديشوع الآرامي حيث في أيامه حَرمَ البطريك يوحنا الأنطاكي وكيرلس الإسكندري نسطور، فانفصل كرسي المشرق عن بطريرك أنطاكية وحرمه، ولكي لا يبقى المشرق بدون بطريرك والديانة بلا رئيس كبير، فكَّرَ الآباء أن يجعلوا من الجاثليق بطريركاً، لكنهم أبقوا لقبهُ، جاثليقاً (الأربيلي، شرح الخدم (R. H. Connolly, Corpus Scriptorum Christianorum Orientalium, Scriptores Syri مخطوطات مسيحيي الشرق، الكُتَّاب أو المؤلفين السريان)، كونللي، روما 1913م، ج1، ص144-145، 148-149سرياني، ص114وبعدها لاتيني. ولاحظ كيف أن الاربيلي سَمَّي الجاثليق داديشوع الآرامي (لا آشوري ولا كلداني)، وانظر السمعاني، المكتبة الشرقية، ج4، 1728م، ص372 ترقيم روماني. وانظر ألبير أبونا، مجلة بين النهرين 1999م، جاثليق أم بطريرك؟.

**_ هل اسم سوريا مشتق من سريان، وما هي التفسيرات المعروفة لأصل الاسم؟
اسم سوريا وسريان متطابقان، وهناك مقالة جميلة لبطرك السريان زكا عيواص عن سوريا والسريان عنوانها: (هي أخذت منا اسمها، ونحن أخذنا منها اسمنا)، فكلمة سوري وسرياني هما كلمة واحدة تاريخياً باللغة السريانية واليونانية واللاتينية والإنكليزية والفرنسية وغيرها، والسبب أن اللغة السريانية هي لغة سوريا القديمة، ويرد اسمها في التاريخ، اللغة السورية أيضاً (أنظر المسعودي، التنبيه والإشراف، ص166، 172)، وتنفرد سوريا عن كل الوطن العربي أن لها لغة عالمية تطابق اسمها، مثل فرنسا، ألمانيا، وهذه اللغة هي عالمية وخارج حدود سوريا الجغرافية السياسية المعروفة اليوم، مثلما اللغة العربية هي عالمية وخارج جزيرة العرب الجغرافية.
لهذا استناداً للغة السريانية أو السورية وثقافتها وطقوسها، فكل من تكلم اللغة السريانية، هو سرياني أو سوري، لكن ذلك لا يعني أن كل من تكلم اللغة السريانية هو سوري مواطن دولة سوريا، مثلما ليس كل من تكلم العربية بها كالعراقي والمصري والجزائري، هو مواطن من الجزيرة العربية كالسعودية أو الإمارات أو الكويت.

- في اللغة العربية تُعرف صيغتان للانتساب، ياء النسبة، وياء ونون النسبة، رومي روماني، اسكندري اسكندراني، أمريكي أمريكاني، سوري سرياني، وقبل الإسلام وبسبب انتشارا للغة السريانية أو السورية خارج حدود سوريا الحالية، انتشر اسم سوريا أيضاً، مثلما انتشر اسم البلاد العربية خارج جزيرة العرب، وفي قواميس السريان الشرقيين أي الكلدان والآشوريين الحاليين تأتي كلمة سوريا (ܣܘܪܝܐ ܓܘܝܬܐ سوريا الداخلية أو الحقيقية غرب الفرات، أي سوريا الحالية) و (ܣܘܪܝܐ ܒܪܝܬܐ سوريا الخارجية المجازية شرق الفرات)، التي هي جزء من شمال العراق ومنه بلاد أشور القديمة، لذلك بعد الإسلام ونتيجة انتشار المسلمين والعرب ولغتهم بكثرة، ولكي لا يختلط الأمر ويُحسب السريان أنهم موطني دولة سوريا، استعملت باللغة العربية كلمة سوري بياء النسبة فقط، مثل، رومي، اسكندري، للدلالة على مواطني دولة سوريا من غير السريان، بينما استعملت صيغة سرياني بنون وياء النسبة مثل روماني، اسكندراني، لتدل على الشعب السرياني المتكلم بالسريانية أينما وجد بغض النظر عن وطنهم الجغرافي، مثلما كلمة عربي تعني، عربي بغض النضر عن وطنهم.
- في اللغة السريانية والتي يتطابق فيها اسم سوري وسرياني، فكلمة سوريا هي (ܣܘܪܝܐ)، وكلمة سرياني هي (ܣܘܪܝܝܐ سوريَيَا) بإضافة ياء النسبة إلى سوريا مثل العربية، وتعني سوري أو سرياني، ولكيلا يختلط اسم السريان غير السوريين، مع موطني دولة سوريا، تُستعمل للسرياني صيغة: (فلان سرياني ܣܘܪܝܝܐ سوريَيَا)، أمَّا للمواطن السوري المسلم مثلاً، فستعمل: (فلان من سوريا ܡܢ ܣܘܪܝܐ)، وإذا كان الشخص سريانياً من سوريا، فتستعمل: (سرياني من سوريا ܣܘܪܝܝܐ ܡܢ ܣܘܪܝܐ).

- في اللغات الأجنبية بقي اسم (Syrian) يُستعمل من الغرب كتسمية عرقية حتى نهاية الدولة العثمانية سنة 1920م (فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ص63. ورمضان عبده، تاريخ الشرق الأدنى القديم وحضاراته، ص235)، لذلك على الباحث إن أراد البحث عن السريان وتاريخهم القديم ولغتهم باللغات والمصادر الأجنبية، يجب أن يبحث عن كلمة Syrian، التي لا تعني بالضرورة السوريين أو دولة سوريا الحالية فقط، مثلما لا تعني كلمة عربي سكان جزيرة العرب فقط، ونتيجة اختلاط اسمي سريان وسوريين، وقد أصبح التفريق بين Syrian سوري، وSyriac سرياني، كما ترد في القواميس الأجنبية، وهي على وزن Arabic المستعملة لتدل على اللغة العربية أو العرب.
أمَّا عن أصل كلمة سوريا وسريان فإن السريان بغض النظر عن مصدر اسمهم، هم الآراميون، وفي مصدر اسم سوريا شأنها شأن أغلب دول وأمم العالم هناك أكثر من 15 رأياً منها: أنه سنسكريتي يعود 4000 سنة ق.م. معناه الشمس أطلقه الهندو أوربيين لإعجابهم بخصوبة الأرض وشمسها وكان اسم سوريا يسبق أسماء ملوكهم، وفي قاموس سنسكريتي- عربي ترد سوريا بالألف الطويلة، أو أنه صيغة أكدية لكلمة سوبارتو وهو اسم بلاد آشور قبل الآشوريين، أو من (Siryon سريون، الواردة في سفر التثنية 9:3، ومزمور 29: 6)، وهي منطقة جبل حمرون وحوله، أو من Shryn التي وردت في آثار أوغاريت، أو نسبةً لآسوريم، آشوريم بن دادان الوارد في تكوين 25: 3، أو من جبال سرت في جزيرة العرب، أو من سيري وتعني السيدة أي الشامخة، أو من كلمة شوريا السريانية وتعني البداية، أو من كلمة حور المصرية، وحديثاً في القرن 18 ظهر رأي غربي سياسي أنه مشتق من آشور، وباللغة الإنكليزية، لكن أهم رأي والمرجح هو أن مصدر اسم سوريا من مدينة صور اللبنانية التي كانت آخر بلاد السريان، ومنذ ملك صور الشهير أحيرام (أخو آرام) بحدود 969 ق.م المذكور في التوراة (2 صموئيل 5 :11)، وغيرها، أصبحت صور المدينة الأولى في المنطقة، واسمها بالعبرية الأصلية في الآيات المذكورة، هو بالسين (ṣōr سور)، وأبو أحيرام الصوري النحَّاس الذي ساهم في بناء قصر الملك سليمان، بالعبرية هو (السوري أو السرياني צֹרִי֮، ṣō-rî ،1 ملوك 7: 14)، وبدأ اسم السريان (السوريون أو الصوريون) يتردد ويحل محل اسم الآراميين ليشمل لبنان ومناطق سوريا القريبة، ثم عَمَّ الاسم جميع بلاد آرام ومنها أكبرهم وهي آرام ودمشق، لتتسَمَّى، سوريا.

ملاحظة: لقد روَّج الإنكليز الذين سَمَّوا السريان النساطرة آشوريين سنة 1876م أن اسم سوريا مشتق من آشور، لغرض سياسي عبري، والطريف أن النساطرة اعتبروا أنفسهم آشوريين معتمدين على الإنكليزية وهي لغة حديثة، وصيغة آشور وسوريا تختلفان في اليونانية القديمة، صيغةً وحروفاً ونطقاً، أو أنهم يقولون إن اليونان القدماء أطلقوا كلمة سريان التي اشتقوها من آشور، لكنهم لا يهربون من ذكر أو الإجابة:
على من أطلق اليونان كلمة سريان؟، وماذا كان اسم وهوية الشعب قبل أن يُطلق اليونان عليهم اسم السريان؟،هل كانوا آشوريين أم لهم اسماً آخر؟،
والأهم أن أصل اسم الشعب هو كيف يُسمُّون أنفسهم بلغتهم، وليس كما يُسميهم الآخرون بلغاتهم، وهم في كل تاريخهم يفتخرون أنهم سريان، والأطرف ، وأخيراً: لا علاقة لمصدر الاسم بهوية الشعب، أي إذا فترضنا جدلاً أن اسم سوريا مشتق من آشور، فهذا لا يعني أن السريان آشوريين، فلا علاقة لتقارب أو اشتقاق اسم من آخر، بهوية وقومية الشعب، فالراجح لدى المؤرخين أن اسمي العراق وإيران من كلمة واحدة (إيراك) الفارسية، لكن العراقيين ليسوا فرساً (ابن منظور، لسان العرب، ج9 ص164-165، مادة عرق)، واسم كوردستان كلمة أرمنية (Korduth)، لكن الكورد ليسوا أرمناً (محمد أمين زكي، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، ص15-16، 52، وبعدها)، واسم أرمينيا من الملك الأرمني، آرام حارم، لذلك بعض الشعوب سَمَّت الأرمن، آراميين، لكن الأرمن ليسو آراميين، واسم الحبشة من قبيلة حبشت العربية، لكن الأحباش ليسوا عرباً، واسم آشور ليس سامياً وهو أرمني معناه الجبل، لكن الآشوريين ليسوا أرمناً، وفي اللغة السومرية والأكدية آشور يعني بالوعة المياه القذرة، واسم الإفرنج يشمل جميع الغربيين (أوربا)، لكنه حرفياً يعني فرنسا، وسكان مدينة الإسكندرية ليسوا يوناناً، وخالد الكردي ليس من نسل خالد بن الوليد العربي، بل حتى لو تطابق اسمان 100/100 وأحدهما مُشتق من الآخر، فذاك لا يعني أن الشعبان واحد، فاسم الروم مشتق من روما ومطابق له، ويُطلق على اللآتين واليونان منذ أن نقل الملك قسطنطين الكبير +337م، مقره من روما إلى القسطنطينية، لكن اللآتين واليونان شعبان مختلفان بل عدوان تقليديان.
الخلاصة: السريان هم الآراميون، ويختلفون عن الآشوريين القدماء المنقرضين، لغةً وثقافةً، حسباً ونسباً، ملوكاً ونسلاً، جغرافيةً وتاريخاً، مثل اختلاف العرب عن الفرس، والأهم أنهما ليسا شعبين مختلفين في كل شيء فحسب، بل هما شعبان عدوَّان في كل التاريخ المدني وفي الكتاب المقدس أيضاً (انظر كتابي اسمهم سريان لا آشوريين ولا كلدان، لا علاقة بين اسم السريان وآشور)، أو الرابط أدناه:
https://niskocom.wordpress.com/2022/03/02/

**_ للسريان تاريخ في بلاد فارس والاحواز العربية لكنه مازال غامضاً بسبب سياسات إيران خلال فترات الحكم الصفوي والشاهنشاهي والنظام الديني الحالي بعدم الاعتراف بالأقوام الغير فارسية التي تسكن إيران، حدثنا عن تراث وتاريخ السريان في فارس والاحواز.

دخلت المسيحية الأهواز بصورة ملحوظة بعد منذ القرن الثاني الميلادي، فقد جلب الفرس من خلال حروبهم مع الروم الآلاف الأسرى السريان من سوريا والشام، فجلب شابور الأول +272م أسرى سريان من أنطاكية ومناطق سوريا وأسكنهم جنوب بلاد فارس في منطقة الأهواز وشيَّد لهم مدينة خاصة بهم سمَّاها باسمه جنديسابور، ومعناها زينة شابور، وسمَّاها السريان بيث لافط أي بيت الأسر، وكان من بين المسبيين البطريرك الأنطاكي السرياني ديمتريانس (254-260م) الذي شَكَّل أبرشية للأسرى وأصبح اسقفاً عليها، أمَّا شابور الثاني فجلب سنة 362م أسرى سريان من بيث زبدى، يُقدّر عددهم 9000 سريانياً وأسكنهم في مناطق فارس السفلى، ناهيك عن الكثير من السريان الذين هربوا من اضطهاد الأباطرة الروم المعادين للمسيحية مثل مثل مكسيمانوس ودقليانوس (286-305م)، ويوليانوس الجاحد +363م، وغيرهم، كما هرب كثير من السريان إلى جبلاد فارس والأهواز نتيجة التناحر حول الخلافات العقائدية بين المسيحيين أنفسهم، وقد ساهم هؤلاء في نشر المسيحية هناك وشيدوا كنائس لهم ولسكان كرمان الفرس، وكانوا يستعملون اللغة السريانية، وازداد عددهم ونفوذهم وكانت لهم علاقات قوية مع شمعون الأرشيمي أسقف الحيرة السرياني الأرثوذكسي +540م، الذي بدوره هدى خلقاً كثيرين من المجوس والوثنيين إلى المسيحية من بينهم ثلاثة كهنة زرادشتيين قُتلوا بسبب ذلك سنة 509م، وقد تفقَّد يعقوب البرادعي (500-578م)، هؤلاء السريان والتقى بكسرى الأول انوشيروان الذي أكرم مثواه، فقام البرادعي برسم آحوادمة مفرياناً لكنيسة المشرق السريانية الأرثوذكسية ومقره المدائن، الذي استطاع إهداء عدد من الفرس إلى المسيحية من ضمنهم أحد أبناء الملك كسرى فعمَّده وسَمَّاه جرجيس.
وبسببه أمر كسرى بقطع رأس آحوادمة في 2 آب 575م، وكان كسرى الأول أيضاً قد جلب أسرى سريان في حروبه مع الروم بين عامي540-573م، حيث هجم على أنطاكية وساق منهم أسرى بلغ عددهم عشرات الآلاف لدرجة وصفتهم مصادر التاريخ أنهم عمَّروا أنطاكية أخرى في بلاد فارس، وفعلاً ونظراً لاعتزاز هؤلاء السريان بكنيستهم الأنطاكية السريانية، شَيَّد لهم كسرى الأول مدينة قرب المدائن سَمَّاها أنطيا خسرو أو كسرو، أي أنطاكية كسرى، وتعزَّز موقف السريان في بداية عهد كسرى الثاني ابرويز 590م، الذي ساندهم في البداية بتشجيع من زوجتيه السريانيتان، الملكة شيرين السريانية (الآرامية)، ومريم الرومية، إلاَّ أنَّه انقلب عليهم في النهاية وقام بحملة كاسحة على الرها أهم معاقل السريان الأرثوذكس سنة 609م، وأجلى قسماً كبيراً من سكانها إلى مقاطعة سجستان وخوزستان (الأهواز)، ويقول الأب ألبير أبونا: إنَّ السبايا السريان من بلاد الروم انتشروا في البلاد الفارسية خاصة في المناطق الجنوبية.
وكانت العقيدة الأرثوذكسية تلاقي كل الترحاب بين المسببين، وقد اشتهر من مبشري السريان في الأهواز القديس السرياني يوحنا الدَّيلمي المُلقب بطبيب الحجاج الثقفي، وهو من قرية حدْيثة قرب القيارة في الموصل، وله دير قديم في الحمدانية قرقوش باسم دير السريان، وشيَّد الدَّيلمي جنوب بلاد فارس ديراً باسم السريان أيضاً، وتذكر مصادر تاريخية أبنية تنسب للدَّيلمي في مدينة أرجان أو الريجان قرب نهر طاب في الأهواز، وتقول: على باب الرجان مما يلي خوزستان قنطرة على نهر طاب تُنسب للدَّيلمي طبيب الحجَّاج وهي طاق واحد سعة ما بين عموديه على الأرض ثمانون خطوة، وارتفاعه مقدار يجوز لراكب جمل وبيده علم من أطول الأعلام (ابن حوقل، صورة الأرض، ص298.
القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، ص141. الأصطخري، المسالك والممالك، ص91. الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ج1 ص412). ويؤكد ابن حوقل وجود مسيحيين في بلاد فارس ويقول: بفارس اليهود والنصارى والمجوس وليس فيهم صابئ ولا سامري (صورة الأرض، ج2 ص292)، وفي الأهواز كان يوجد أديرة للسريان المشارقة مثل دير شابور حيث انتشرت المسيحية في بلاد فارس وجنوبها بمذهبها الأرثوذكسي، ثم انتشرت النسطورية كثيراً لأنها مدعومة من الفرس وتمثل دولتهم.
وكانت مطرانية بيث هوزاي أي الأهواز تتمتع بمركز متقدم، وفي سنة 544م تفقَّد الجاثليق النسطوري الأهواز وجلس مع مطارنته وعزل آقاق أسقف ريوردشير ورسم آخر مكانه آخر، ولنا أسماء قديسين ومطارنة ورسائل ومؤرخين من جنوب فارس والأهواز مثل : الربان هرمز الفارسي وهو أهوازي ويعتبر أشهر قديس سرياني شرقي، وله دير في ألقوش إلى اليوم، اسحق النينوي الشهير الذي ترك أبرشية نينوى وذهب وسكن في الأهواز، الربان ملكيشوع من الأهواز، سرجيس مطران بيت شابور، يزيداد مطران الأهواز، ميليس الذي استشهد في الأهواز سنة 424م، مؤلف كتاب التاريخ الصغير المعاصر للإسلام 670-680م، ويعتبر أقدم مصدر سرياني ذَكَر رسول الإسلام الكريم محمد، واسم الموصل وليس نينوى أو غيرها، ورسالة إلى الطبيب الأهوازي ماروية وأسقف اردشير، وغيرهم،
وأخيراً يقول المؤرخ روبنس دوفال (1829–1911م): إن الآراميين شكلوا غالبية سكان بلاد ما بين النهرين وبابل وأربيل وكركوك أورميا وبلاد الأهواز وأطرافها (روبنس دوفال، تاريخ الأدب السرياني، ترجمة الأب لويس قصاب، ص22). وللمزيد عن المسيحية السريانية في بلاد فارس والأهواز، انظر: ألفونس منكانا، فاتحة انتشار المسيحية في أواسط أسيا والشرق، ستوكهولم 1998م، اسموسن، فاتحة انتشار المسيحية في إمبراطورية الإيرانيين، سودرتاليا 1997م، وكتابيَّ، اسمهم سريان لا آشوريين ولا كلدان، والقديس يوحنا الدَّيلمي السرياني.

** من هم الآشوريين والكلدان القدماء، وهل كلدان وآشوري اليوم ينحدرون منهم؟
الآشوريون القدماء هم أقوام أكدية هاجرت من مستنقعات بلاد أكد جنوب بابل حوالي سنة 2500 ق.م.، وسكنت شمال العراق الحالي الذي كان اسمه بلاد سوبارتو، علماً أن الأكديين هم أقوام سامية هاجرت من غرب الفرات في البادية العربية- السورية، وفي البداية سَمَّوا أنفسهم سوبارتيين، ولأن كلمة سوبارتو بالأكدية تعني عبد، حيث عمل كثير من السوبارتيين عبيداً عند البابليين، لذلك تحاشى الآشوريين تسمية سوبارتو واتخذوا اسم الآشوريين من إلههم آشور، علماً أنه إلى سقوط دولتهم سنة 612 ق.م.
كانوا يُسَمُّون أنفسهم سوربارتو أحياناً، وكانت لغة دولة آشور القديمة هي الأكدية حيث كانت بلهجتين جغرافيتين، بابل وآشور، ومنذ القرن الثامن قبل الميلاد اضمحلت الأكدية، بلهجتيها، ثم انتهت من التداول في بلاد الرافدين وأصبحت لغة عسكرية ولغة بعض المدونات الكهنوتية والتراثية ولفترة قصيرة، وحلَّت الآرامية في معظم بلاد الرافدين ومنها بلاد آشور، والتاريخ الحقيقي للآشوريين والغالبية الساحقة من آثارهم هو من 911-612 ق.م.، وكانت دولة آشور فيها عدة أقوام، بابليون، سومريون، آراميون سريان، حثيون، ميديون..إلخ، ويُقسَّم تاريخ الآشوريين إلى:
1: العصر الآشوري القديم (2500 تقريباً–1500 ق. م.): وهو آشوري بالاسم فقط حيث كان عصراً مضطرباً لم يكن للآشوريين فيه كيان سياسي ثابت لأنهم خضعوا للسومريين والأكديين والبابليين.
2: العصر الآشوري الوسيط: هو بداية تاريخ الآشوريين السياسي الحقيقي وتحديداً من عهد الملك آشور أوبالط الأول (1365–1330 ق.م)
3: : العصر الآشوري الحديث (911–612 ق.م.)، ويُعدُّ أهم وأشهر أدوار دولة آشور، وبالذات السلالة السرجونية الأخيرة (744–612 ق.م.)، وهذا العصر هو الذي أعطى لدولة آشور اسماً ومكانة وقوة وشهرة في المنطقة والتاريخ حيث بلغت أوج قوتها، ويقسِّم المؤرخون العصر الآشوري الحديث إلى: آ– الإمبراطورية الآشورية الأولى (911–744 ق.م.). ب – الإمبراطورية الآشورية الثانية (744–612 ق.م.): تُسَمِّيها المصادر التاريخية، الإمبراطورية السرجونية، نسبة إلى الملك سرجون (721–705 ق.م.) الذي ازدهرت الدولة الآشورية في عهده وأولاده من بعده، والحقيقة إن هذه السلالة هي التي أعطت شهرة للآشوريين لورود أخبارها بكثرة في العهد القديم من الكتاب المقدس الذي انتشر في جميع أنحاء العالم وبكل اللغات،1 وأقام الآشوريون في أربعة عواصم: آشور (قلعة الشرقاط)، يعود تاريخها إلى 3500 ق.م. تقريباً، سكانها الأولون سومريون وربما سكنها الحثيون، أعاد بناءها الملك الآشوري أوبالط الأول +1330ق.م، 2: كالح أو نمرود: شيدها شلمنصر الأول +1245 ق.م. ، 3: خورسباد، دور شوركين، أي مدينة سرجون، شيَّدها سرجون الثاني +705 ق.م.، 4: نينوى (الأخيرة)، اتخذها سنحاريب +681ق.م. عاصمة له.
وقد اشتهرت الدولة الآشورية بحروبها الكثيرة ووصلت غزواتها إلى الشام ومصر، ثم سقطت على يد نابو بلاصر أبو نبوخذ نصر وحلفائه الميديين سنة 612 ق.م. وانقرضت، ونتيجة لدمار نينوى الشامل والرهيب يقول المؤرخ أرلوند توينبي: بعد حوالي 200 سنة مر عشرة آلاف جندي من جنود كورش الصغير على مدينتي الشرقاط ونينوى، فأصابهم ذهول بسبب عدم عثورهم على شيء يدل على تلك الإمبراطورية الكبيرة، ويزداد المرء تعجباً أن زينفون في حملته العسكرية سنة 400 ق.م. تقريباً لم يكن اسم آشور معروفاً لديه، فقد سار في الجانب الشرقي لنهر دجلة على أنقاض نينوى، لكن لم يعرف أنه على أرض عاصمة تلك الإمبراطورية العظيمة التي أرهبت العالم وأخضعت أجزاء كبيرة من قارة آسيا ومصر. ويقول المؤرخ ول ديورانت: اختفت آشور من التاريخ بعد سقوطها، وخُرِّبت نينوى تخريباً لا يقل قسوة عما فعله ملوكها بالآخرين، فأشعلت النار في المدينة وذبحوا أهلها وسيقوا كأسرى، وظل الشرق بعض الوقت يذكر قسوتها، ووصفها اليهود أنها المدينة الدموية التي تفيض باللصوصية والكذب (يقصد سفر ناحوم 3: 1)، وما هي إلّا مدة قصيرة حتى نسي الناس أسماء ملوكها العظام عدا أشدهم بطشاً،
وأصبحت قصورهم خرابات تحت الرمال، وبعد مئتي عام وطئت أقدام جيش زينفون التي تبلغ عشرة آلاف مقاتل أكواماً بقايا التي كانت سابقاً نينوى، ولم يدر بخلده قط أن هذه الأكوام بعينها هي موضع الحاضرة القديمة التي كانت تحكم نصف العالم، ولم تقع أعين هذا الجيش على حجر واحد من حجارة الهياكل التي حاول جنود آشور الأتقياء أن يجملوا بها أعظم عواصمهم، وحتى آشور إلهها الخالد أمسى في عداد الموتى (قصة الحضارة، ج2 ص299).

الكلدان: لم تكن هناك دولة اسمها كلدانية وشعب كلداني مثل دولة آشور والآشوريين، فالدولة الكلدانية التي أسسها نابو بلاصر وابنه نبوخذ نصر كان عمرها 73 سنة فقط (612-539ق.م.)، وما قبلها هو بابلي وليس كلدانياً، ويقول المؤرخ طه باقر إن عمر الدولة الكلدانية الحقيقي هو 43 سنة فقط أي عصر نبوخذ نصر فقط، وحكمها ستة ملوك، وهذه الدولة اسمها، إمَّا الدولة البابلية الأخيرة أو الحديثة، أو السلالة البابلية الحادية عشرة، وتُسمَّى في كثير من المصادر (الدولة الكلدانية الآرامية) لأن عائلة نبوخذ نصر الحاكمة فقط كانوا آراميين سريان ينحدرون من إمارة بيث ياكيني قرب الناصرية التي سكنوها سنة 700م تقريباً، وقبلها كانوا قد نزحوا من سوريا غرب الفرات حوالي سنة 1500م، أمَّا شعب الدولة فكان أكدياً ولغته أكدية بلهجة بابل، وفي كل الآثار التي وصلت لنا كصلاة ومسلة وملاحم وكتابات ملوك دولة الكلدان الستة، لا يوجد نص واحد يقول: نحن كلدان أو أنا ملك الكلدان، بل أنا ملك أكد أو بابل، ويدافعون ويثأرون لبلاد أكد، لا لبلاد الكلدان، ويقودون معارك الأكديين، ونبلاؤهم، هم نبلاء أكد، واسم نابو بلاصر، أكدي (Nabu-Apla-Usur) معناه، أيها الإله نابو أحمِ الابن، واسم ابنه نبوخذ نصر، أكدي (نبو Nabo)، (حد Hud) يعنى حدود، (Nasarum) يعني الحامي، واسم بلشاصر آخر ملوك الكلدان، أكدي (Belum-Sarum-Usur) يعني ليُحْمَ الملك، لذلك اليهود الذين سباهم نبوخذ نصر وبالذات النبي دانيال هم من أطلقوا على هذه الدولة في العهد القديم من الكتاب المقدس اسم الكسدانية وليس الكلدانية، وفي الترجمة السبعينية للعهد القديم العبري إلى اليونانية سنة 280 ق.م. تُرجمت كلمة كسداني إلى كلداني، ومن يومها انتشرت كلمة كلداني بسبب العهد القديم، ومعناها: منجم، ساحر، مشعوذ، فتاح فال، وثني، هرطوقي، دجال..إلخ، وهكذا يرد معناها في كل التاريخ والقواميس السريانية التي كتبها أجداد من يُسمُّون أنفسهم اليوم كلداناً.
أقدم ذكر لكلمة كلدان وردت في مدونات الملك الآشوري آشور ناصر بال الثاني (883–859 ق.م.) وأُطلقت على إحدى قبائل إمارة بيث ياكين الآرامية التي تُسَمَّى إمارة القطر البحري أو سلالة أمراء الخليج، وتقيم جنوب العراق قرب الخليج إلى جانب قبائل آرامية مثل أموكاني، دكوري، شيلاني، أمَّا في الكتاب المقدس فلم ترد كلمة كلدان في النص العبري مطلقاً، بل (كسديم)، وأقدم ذكر لها هو في سفر أيوب (1: 17)، لكن لا علاقة لمعنى كلدان هنا بمفهوم دولة كلدان نبوخذ نصر، فهي لم تدل على قوم معين بالذات، بل جاءت صفة بمعنى: إمَّا منجمين وسحرة وكهنة الطالع، أو بمعنى قطَّاع طرق، لصوص، غزاة، وفي سفر أيوب جاءت مقترنة بالسبئيين العرب، ومعلوم أن سفر أيوب كُتب في أرض عوص في الصحراء العربية- السورية، وسقطت دولة الكلدان سنة 539 ق.م. على يد الفرس، أما بالنسبة لعبارة خروج إبراهيم من أور الكلدان في العهد القديم التي يتغنى بها من يُسمُّون أنفسهم اليوم كلداناً أنها تعني أور العراق منذ القرن بداية القرن العشرين عندما قام لأغراض سياسية خبيثة بعض الآثاريين والغربيين الذين كان مساعد ومترجم أغلبهم هو، هرمز رسام الكلداني النسطوري الأصل، وبتأثير يهودي أيضاً، حيث قام الأثاري والسياسي الإنكليزي (Sir Leonard Woolley ليونارد وولي 1880-1960م) مُكتشف أور السومرية جنوب العراق بتفسير أنها موطن إبراهيم وحاول ربطها بالعهد القديم، وقد تراجع بعد ذلك، لكن الغربيون ومعهم الفاتيكان ظلوا يرددون هذا التزوير والخدعة، مخالفين التاريخ والكتاب المقدس أيضاً، والحقيقة ليس المقصود بأور الكلدان أنها أور العراق قرب الناصرية، لأن أور العراق سومرية، ولا توجد كلمة كلدان في زمن إبراهيم حوالي 1800 ق.م.، ومعنى أور بالسومرية: مدينة، ومعنى كسدان أو كلدان: منجمين، سحرة، مشعوذين، لذلك أور الكلدان هي مدينة المنجمين أو السحرة، مثلما أورشليم: مدينة السلام، أورنمو: مدينة الملك، أورميا: مدينة المياه، وعشرات المدن اسمها أور، وأور الكلدان هي الرها- حاران في تركيا الحالية التي عرفت في كل التاريخ أنها مدينة الكلدان والسحرة والمنجمين وعبدة الكواكب والصابئة، وإبراهيم يقول بنفسه في التوراة إن ميلاده ومسقط رأسه هي في أرض حاران (تكوين 24: 1-10)، وعندما رَحلَ إبراهيم إلى كنعان، يؤكد التكوين أنه خرج من حاران، وهي أرض أبيه وعشيرته (تك 12: 1-5)، وأخيراً لا علاقة للآشوريين والكلدان الحاليين بالآشوريين والكلدان القدماء، وللتفصيل راجع جواب السؤال رقم 4.

**_ الاثوريون أقوام سكنوا جنوب تركيا وانتقلوا للعراق نهاية الحرب العالمية الأولى هرباً من الجيش العثماني وقد ورطتهم بريطانيا في تحالفهم معها ضد العثمانيين ووعدتهم بإعطائهم جنوب تركيا إذا خسر العثمانيين الحرب، وبعد انتهاء الحرب خذلتهم بريطانيا ونكثت بوعدها، فدخلوا العراق وسوريا ولبنان وإيران، وفي العراق تم منحهم الجنسية العراقية في منتصف الأربعينات كما هو معروف، كيف تحولت تسميتهم من أثوريين إلى آشوريين خلال سنوات السبعينات؟ وما هو أصلهم العرقي والديني؟
الآشوريون الحاليون، آراميون سريان من أصول إسرائيلية، اعتنقوا المسيحية عند قدومها، ثم اعتنقوا المذهب النسطوري، وكانوا محرومين من كل كنائس العالم (للتفصيل راجع إجابتي على سؤال 4)، وعاش هؤلاء الناس البسطاء في عزلة في الجبال المنيعة وكان الجهل والفقر منتشر بينهم، لدرجة أن أساقفتهم لم يكونوا يجيدون القراءة والكتابة، بحيث قال عنهم أحد مبعوثي الإنكليز: إن رجال دينهم أعرَف بأقسام البندقية من أقسام الكتاب المقدس، ولما كان أشقائهم انفصلوا عنهم سنة 1553م رافضين النسطرة معتنقين الكثلكة ومتحدين بروما القوية التي أصبحت تساعدهم في مجلات كثيرة،
وسَمَّتهم كلداناً بدل اسم نساطرة المرتبط بالحرام والهرطقة، وثبت اسمهم كلداناً في 5 تموز 1830م، لذلك قام النساطرة بعد سنة 1840م بتكوين علاقة قوية مع الإنكليز، وتوجيه رسائل عديدة لرئيس أساقفة كانتربري لمساعدتهم مادياً واجتماعياً لفتح مداس ومستشفيات وطبع كتبهم الدينية وغيرها، فاستغلهم الإنكليز وضحكوا عليهم، ولأغراض سياسية عبرية سمَّوهم آشوريين بدل نساطرة، على غرار أخوتهم الكلدان، ففي سنة 1868م وصلت رسالة نداء استغاثة موقَّع من بطرك النساطرة روئيل بنيامين (1861-1903م)، وأحد عشر أسقفاً، إلى رئيس أساقفة كانتربري وأسقف لندن، وفي 7 يناير 1870م، نقل رئيس أساقفة كانتربري Tait Campbell كامبل تايت )1868-1882م( نداء استغاثة النساطرة إلى مؤمني الكنيسة الأنكليكانية، وفي كلامه سَمَّاهم النساطرة، لكنه ذكر مرة واحدة اسم آشور بصيغة جغرافية: (Christians of Assyria المسيحيون في بلاد آشور، أو مسيحيو بلاد آشور)، ومنذ سنة 1870م بدأت الدوائر الرسمية والكنسية في إنكلترا بتبديل كل كلمة سرياني أو نسطوري في السجلات إلى آشوري، وحذف حرف (of) من عبارة (Christians of Assyria مسيحيو بلاد آشور) الجغرافية، لتصبح (Assyrian Christian المسيحيون الآشوريون)، ثم أرسل كامبل تايت سنة 1876م بعثة ثابتة إلى مناطق السريان النساطرة اسمها (بعثة رئيس أساقفة كانتربري إلى الآشوريين The Archbishop of Canterbury's mission to Assyrian)، فتلقَّفَ السريان النساطرة الاسم الآشوري وأعجبوا به مصدقين أنهم فعلاً أحفاد آشور بانيبال وسنحاريب خاصة البطرك شمعون بنيامين +1918 الذي كانت له تطلعات قومية وسياسية، وأهم مروّجي الاسم الآشوري هو عضو بعثة الأنكليكان الدكتور وليم ويكرام. للمزيد وبالتفصيل الموثَّق، راج كتاب: اسمهم سريان لا آشوريين ولا كلدان.

**_ من المدن القديمة في الشرق كانت الحضر والبتراء وتدمر، وهي تمثل مثلث حضارة مازالت معظمها غامضة حدثنا عن سكان تلك المدن ودياناتها، ومن هي زنوبيا ملكة تدمر التي أثارت الكثير من الآراء فهي تقول إن أصلها بطلمي وقومها يقولون إن أصلها آرامي والعرب يقولون أصلها من عرب العماليق، فمن هي زنوبيا؟
فعلاً تاريخ هذه المدن الثلاثة يشوبه الغموض واللغط بين الكتاب، بين عروبة وآرامية هذه المدن، وأحياناً يونانيتها، وأرى أن مستوى اللغط يختلف بين المدن الثلاثة، فالبتراء والحضر حضارتان ذو طابع مركَّب هجيني عربي-آرامي، مع وجود ملامح يونانية قليلة، والطابع العربي للبتراء أقوى من الحضر، أمَّا تدمر فدولة مركَّبة هجينة يونانية رومانية-آرامية، وطابع العروبة فيها ضعيف، ومع أن الآراميين أي السريان والعرب هم شعب سامي واحد، لكن لكل شعب خصائصه، وسبب هذا اللغط بين الكُتَّاب، هو إمَّا اللغة، أو سبب طائفي وقومي، فكتَّاب العرب المتشددون يريدون جعل المدن الثلاثة عربية صرفة (أقحاح)، وهم يَبنون عروبتها إمَّا نسبةً إلى العائلة الحاكمة فقط، أو إلى ورود كلمة عربي في مصادر التاريخ بمعنى بدو، أو إلى ترجمة الأسماء الواردة بلغات أجنبية كاليونانية واللاتينية والآرامية إلى صيغ عربية بحتة، فمثلاً اسم الحضر الوارد في آثارها هو آرامي حطرا معناه العصا، وبدورهم الكُتَّاب السريان المتشددون يعتبرون الإمارات الثلاثة آرامية سريانية، والسبب أن لغتها أو خطها كان آرامياً فقط، لأن اللغة هي أهم عامل في تحديد هوية القوم، فمثلاً المستشرقون اللغويين يعتبرون الأنباط آراميين أو سريان، أنظر:
Mémoire sur les Nabatéens Quatremère مذكرات حول الأنباط، باريس 1835م
Mélanges d'histoire et de philologie orientale, Quatremère Etienne، كاترومير، مزيج من تاريخ اللغات الشرقية، باريس 1861م
وبعض الكتَّاب العرب يتوقفون عند كلمة أنباط، ولا يشيرون لمعنى الكلمة وعلى من أُطلقت، وهل هناك فرق بين الأنباط والعرب؟، والمهم إني أرى أن وجود العرب وطابع العروبة واضح في البتراء حتى لو كانت حروفها أو لغتها آرامية، فقد وردت أخبار عن وجود قبائل عربية معروفة فيها، مثل ثمود ولحيان، وكذلك وجود آثار تدل على العرب، وكلمات عربية، وهي قريبة من الجزيرة العربية جغرافياً، لكن عرب البتراء لم يكونوا عرباً أقحاحاً كعرب الجزيرة العربية واليمن والمناذرة والغساسنة، بل كانوا هجيناً من عرب أصلهم أنباطاً آراميين، أو عرب امتزجوا مع الآراميين، فكلمة أنباط وكلدان وصابئة حرانيين، أُطلقت بشكل مترادف على الآراميين الوثنيين الساكنين مع العرب، يقابلها كلمة جرامقة، وهم الآراميون الساكنون مع العجم كالفرس، وقد ذكر المسعودي في كتابه مروج الذهب باب: ملوك بابل النبط المعرفين بالكلدان ، والأنباط كانوا قبائل من آدوم و مؤاب وعمون وجلعاد ، وكلها كانت كنعانية أو آرامية، وهناك أنباط إسرائيليون مثل عمري مؤسس السامرة 874 ق.م.
وجشمو مُعارض بناء سور القدس كان من أنباط ثمود، وكلمة البتراء هي ترجمة يونانية لكلمة سلع العبرية، وتعني صخرة، واكتشف حديثاً جنوب البتراء حوالي 100كم، إرم (Iram) ذات العماد الواردة في القرآن الكريم التي يعتقد البعض أن لها صلة بالآراميين كطه باقر، وقد فرَّق سفر المكابين الأول في القرن الثاني ق.م. بين العرب والنبط، وذكر الجاحظ في كتابه البيان والتبيين أن خالد بن الوليد سأل عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة، أعرب أنتم أم نبط؟، فقال عرب استنبطنا ونبط استعربنا، علماً أن كتَّاب العرب اعتبروا أن السريان هم أبناء نبيط بن ماش بن آرام بن سام (القلشقندي، قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب، ص29، وتاريخ ابن خلدون، ج2 ص78). والخلاصة أن البتراء حضارة مركبَّة وأغلب أهلها عرب من أصل نبطي، يستعملون اللغة والكتابة الآرامية، وأغلب تجارهم يجيدون الآرامية والعربية إلى جانب الرومانية واليونانية أحياناً، سامية في ديانتها حيث ألهتها مزيج من آلهة عربية وآرامية وغيرها.، يونانية رومانية في فنها وهندستها.
أمَّا الحضر فهي حضارة مركبة هجينة آرامية- عربية أيضاً، لكنها تتميز عن البتراء أن طابع وتأثير الآرامية فيها أقوى وأوضح منه في البتراء، فقد بلغت نصوص الآثار المكتشفة فيها أكثر من 300، كلها آرامية، مع نص واحد يوناني وثلاثة لاتينية، لذلك لا بدَّ أن الآراميين كانوا عنصراً مهماً وذو نفوذ قوي أدبياً وثقافياً استطاعوا أن يؤثروا في اللغة والكتابة والفنون، وغيرها، وكثير من اللغويين يُطلقون على لهجة الحضر الآرامية، آرامية الحضر.
أمَّا تدمر، فهي إمارة طابعها يوناني-آرامي، مع وجود عرب بتأثير محدود، وكانوا إمَّا سكان المنطقة من الذين هاجروا إليها من البتراء بعد أن أفل نجمها، أو من مناطق العرب الأخرى، أو بدو رُحَّل، وازداد حضور العرب وتأثيرهم بعد عصر زنوبيا بحولي قرنين، وتدمر وزنوبيا وزوجها أذينة كان ارتباطهم وثيقاً باليونان والرومان مدنياً وعسكرياً، فزنوبيا ادعت ارتباطها بالبطالسة وأنها من نسل كليوباترا، ويُقال أنها ألَّفت تاريخاً للإسكندر، وكانت مولعة بالفلاسفة اليونان، وكان في تدمر حامية عسكرية رومانية، أمّا دينياً، فكان لها علاقة مع بطريرك السريان بولس السميساطي +268م، وجادلته لآهوتياً، ولتدمر أساقفة معروفين، والقديس العالمي الشهير بأسمائه: سرجيوس، جرجيس، كوركيس، جورج +297م، المعاصر لزنوبيا، كان من الرصافة التابعة لتدمر، وتخليداً لزنوبيا أقيمت لاحقاً أبرشية كنسية باسمها، زينوفياذا أي زنوبيا، والسجلات الأنطاكية لبطريرك السريان الشهير سويريوس الأنطاكي +518م تُسمِّي زنوبيا (الطيبة)، ونقوش تدمر هي باللغتين اليونانية والآرامية، ولارتباط تدمر بالآرامية تُسمَّى لهجتها، الآرامية التدمرية، ويُشير التاريخ إلى محاولة ارتباط زنوبيا سياسياً وعسكرياً ودينياً شمالاً وغرباً وشرقاً مع كثير من الأطراف كاليونان وروما وأنطاكية والأناضول ومصر والفرس، باستثناء العرب الذين استُعملوا كمقاتلين ضمن الجيش فقط، وقد اكتُشفت نقود في الإسكندرية عليها صورة الإمبراطور الروماني أورليان +275م، وابن زنوبيا.

**_ إن التطور الإنساني وظهور الديانات قد أدى إلى انتقال البشر من الوثنية إلى ديانة سماوية ومن ديانة سماوية إلى أخرى ومن بقي منهم على دينه بقي يستعمل نفس لغته، فالسريان الوثنيين عندما أصبحوا مسيحيين بقيت لغتهم، والعرب الوثنيين تحولوا للمسيحية وبعدها إلى الإسلام بقيت لغتهم معهم، هل الدين من يحدد الهوية أم القومية؟
الدين يحدد الهوية الدينية فقط، أمَّا الهوية القومية فاللغة وحدها وفقط هي من يحدد الهوية القومية، فهوم القومية عند الشرقيين كالعرب والكرد والأرمن والفرس والسريان، يعني اللغة، فاللغة فقط هي التي تحدد اسم القوم، فالذي لغته الأم هي العربية، هو عربي، والكردي، كردي، والفارسي فارسي، والتركماني تركماني، والسرياني سرياني، والأرمني أرمني، والشبكي شبكي، والأمازيغي أمازيغي وهكذا (المقصود اللغة الأم وليس لغة المستعمر أو اللغة المكتسبة)، فلا فرق عندي (أنا موفق نيسكو) إن قال أحد إني أتكلم اللغة العربية أو إني أتكلم بالقومية العربية، فكلمة لغة = قومية، في فكر الشرقي، صحيح أن هناك عوامل تساعد في تقوية مفهوم الهوية القومية لكن بوجود مئة عنصر كالتاريخ والدين والجغرافية والاقتصاد والمصالح والعادات والتكوين النفسي والعيش المشترك..إلخ، وبدون وجود اللغة، لا توجد هوية قومية، لكن بوجود اللغة لوحدها، يوجد هوية قومية، فقوميتي وهويتي هي لغتي، وفي الحديث الإسلامي: (ليست العربية بأحدكم من أب أو أم ولكنها اللسان فمن نطقها (أو تحدث بها) فهو عربي، ويعتبر المؤرخ البطريرك السرياني ميخائيل الكبير +1199م، أول مؤرخ انتبه أن قومية الأمم تُنسب استناداً إلى لغتها فقط، فقسَّم قومية الشعوب على أساس اللغة، وقال: استناداً إلى لغتنا السريانية (الآرامية)، كل من تكلم لغتنا من دول الكلدان والآشوريين القدماء وغيرهم، هو سرياني (آرامي)، (تاريخه ج3 ص283-386)، وحديثاً أكَّد شيخ المؤرخين العراقيين طه باقر على ذلك بقوله: إن التسميات القديمة للشعوب كالسومريين والأكديين والبابليين وغيرهم، لم تكن تحمل مدلول قومي بل كانت تُنسب وتُشتق من المواضع الجغرافية أو الآلِهة، وقائمة إثبات الملوك الآشوريين هي بالأسماء الجغرافية، وفي العصر الحديث اتجه البحث عن الأقوام على أساس لغوي وليس عرقي (مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ص65)، وكل الدول الحديثة تُعرف قوميتها بلغتها فقط، إيران دولة فارسية، قبرص اليونانية، وقبرص التركية (حسب اللغة)، وشعب 22 بلداً بأسماء جغرافية مختلفة أو باسم عائلة كالسعودية، هو شعب عربي، وأكثر من خمسين دولة في أمريكا الجنوبية، لاتينية (أمريكا اللاتينية)، والنمسا ألمانية، وبلجيكا فرنسية، وسويسرا ثلاث قوميات رئيسة، الألمانية والفرنسية والإيطالية، أي بحسب اللغة، وجورج راولنصون وهو أشهر عالم في علم الآشوريات سنة 1862م أن الآشوريين القدماء أكديين لأن لغتهم أكدية، فيقول: قبل اكتشاف الآثار، كان الطابع العرقي للآشوريين والكلدان القدماء مثار جدل حيث لم نكن نعرف شيء عن لغتهم الأصلية، لكن بعد اكتشاف لغتهم (الأكدية) التي هي دليل على أثنيتهم، توَّضحت الأمور، وهو يقارن ذلك لغوياً بالعرب والعبريين، ويقول: الآشوريون يختلفون عن الآراميين:
)Five great monarchies on the ancient eastern world history geography and antiquities of Chald, Assyria, Babylon, Media, and Persia(ص295-296

للمزيد راجع مقالي: القومية هي اللغة فقط، ولا وجود لقومية بدون لغة
https://www.algardenia.com/maqalat/36421-2018-08-05-06-57-21.html

**_ في بغداد جامع اسمه جامع براثا وكلمة براثا كلمة سريانية، ماذا تعني الكلمة ولماذا سمي الجامع بذلك الاسم؟

كلمة براثا تعني (_بنت ) بالضبط، أو ربما تعني البرية، براثا، بمعنى الخارجية أو البعيدة عن النهر في البرية، ولا أعلم من أين جاء البعض بمعنى براثا لتعني (ابن العجائب)، فالكلمة مؤنثة، وبراثا كانت قرية في جانب الكرخ من بغداد جنوب باب المحول، لم يبقى لها أثر اليوم، وموقعها اليوم هو تل مناثر، فربما اسم الجامع، براثا، هو نسبة لموقعه الجغرافي الخارجي أو البعيد نسبياً عن نهر دجلة آنذاك.

**_ في الآثار الفرعونية، للفراعنة أزياء قامت مصر الحديثة بإظهارها للعالم وتعرف العالم على ملابس الفراعنة الرجالية والنسائية وأحذيتهم وطريقة تسريحة شعوره، لكن العراقيين لم يهتموا بأزياء أجدادهم ولا يعرف العالم الخارجي شيئا عنها برأيك ما هو السبب؟
اعتقد أن هناك معلومات لا باس بها عن أزياء العراقيين القديمة، وأنه ليس من الصعب على أحد الكُتَّاب تناول هذا الموضوع إذا أراد ذلك، فللعراق من الآثار ما يكفي لمعرفة ذلك، عدا كتب التاريخ التي تُلمح أو تذكر هذا الأمر، وكثير من الرحالة إلى العراق خاصة بعد القرن السادس عشر لمَّحوا وأشاروا إلى الأزياء والشكل وغيرها، بل رسموها أحياناً، علماً إني ذكرت بعض هذه الأمور مع صور تخطيطية وحقيقية لأزياء السريان في كتابي: اسمهم سريان لا آشوريين ولا كلدان.

**_ الدكتور المصري يوسف زيدان كتب قصة عزازيل الشهيرة التي أخذها من مذكرات راهب مسيحي عاش في شمال حلب كانت مكتوبة على ألواح مدفونة في دير قديم وقد كتب أحداث تاريخية مهمة بأسلوب قصصي في تلك القصة ومما كتبه، الأحداث التي مرت بمصر خلال الانتقال من الوثنية إلى المسيحية وقصة مقتل الفيلسوفة الوثنية هيباتيا وأول انشقاق في الكنيسة في المسيحية وغيرها من الأحداث، برأيك لماذا لم يتمكن قاص عراقي واحد لغاية الآن من كتابة تاريخ العراق القديم بطريقة الدكتور يوسف زيدان؟، علما أن الدكتور يوسف هو المدير السابق لمكتبة الإسكندرية وله أبحاث في الآثار القديمة وعلم المصريات؟
بالنسبة لقصة عزازيل التي كتبها الدكتور يوسف زيدان، فلا أنكر أنه كقاص أو راوي كتبها ووظف معلوماتها بأسلوب جيد، أمَّا من الناحية التاريخية، فليس لها أية قيمة، فهي لا تتحدث عن المسيحية الأولى وانتقال مصر من الوثنية للمسيحية، بل عن أعمال مجمع إفسس سنة 431م الذي حرم نسطور، ومعلومات القصة متناثرة، وفيها تناقضات، ولأني قرأتها بعجالة وهي تحتاج لتحقيق مُفصَّل لأعطي رائي النهائي، لذلك أعتقد (وأكرر أعتقد) أن الرواية المنسوبة لهيبا الذي يجهله الأستاذ زيدان، هو هيبا السرياني مطران الرها النسطوري سنة 435-457م، وهو أشهر أصدقاء نسطور،
والرواية هي مختطفات لأقول هيبا الرهاوي بالسريانية، وهي منسوخة بعد الإسلام وربما في القرن العاشر، ومن راهب نسطوري وليس قبطياً، وأمَّا كون الراهب النسطوري في الرواية يعيش في أحد أديرة مصر سواءً كان ذلك من أصل الرواية، أو أن الأستاذ يوسف جعله في الرواية يعيش في مصر، فإن ذلك مستحيل، فوجود بوذي اليوم يصلي في الكعبة مع المسلمين في عيد الأضحى، أيسر من وجود راهب نسطوري يعيش دير مصري آنذاك، وأن الأستاذ زيدان لا يعرف التاريخ السرياني جيداً.
وحتى الأقباط الذين هم والسريان كنيسة واحدة منذ سنة 451م، وهم حجة ومتعمقون بمسألة نسطور بصورة جيدة ، خاصة المسائل العقائدية، لكنهم غير متعمقين بتاريخ أنصار نسطور الآخرين من السريان في الشرق مثل هيبا وماري وبرصوم وغيرهم، وكان على الأستاذ زيدان دراسة من هو هيبا عند السريان المعروف عندهم بوضوح.
أما لماذا لم يقم قاص عراقي بكتابة رواية تاريخ العراق القديم وبالذات كيفية دخول المسيحية للعراق، فأتمنى ذلك، مع إني اعتقد أن الأمر أصعب من مصر نوعاً ما، بسبب وجود طوائف وأعراق وأديان كثيرة في العراق، وعلى الكاتب أن يكون حذراً، لكن مع ذلك ممكن لقاص متمكن غربلة ما هو متفق عليه، وهو كثير.

**_ الأنظمة العراقية الحديثة لم تتمكن حتى الآن من إنتاج فلم أو مسلسل يوثق تاريخ العراق القديم، برأيك هل السبب هو انشغال تلك الحكومات؟ أو عدم الاتفاق على تاريخ العراق القديم؟ أو عدم اهتمام؟
شكرا لهذا السؤال المهم، نعم يبدو أن تلك الحكومات غير مهتمة بتاريخ وتراث العراق، ومشغولة عنه فعليا ً، لكن ليس بما يخص التاريخ والتراث العراقي، بل بأمور أخرى، كما أن عدم الاعتراف (وليس الاتفاق) على بعض محطات التاريخ من جماعات وأطياف عراقية كثيرة لأسباب طائفية ومذهبية وعرقية وسياسية، له سببه أيضاً، وهذا الأمر لا ينفرد به العراق فقط، بل كثير من الدول، فالعراق بكل سلبياته في هذا المجال، ربما هو أفضل من غيره، حيث نرى الكتابة المسمارية داخل قبة البرلمان، ووجود مؤسسات وشركات وفنادق ونواد بأسماء تاريخية قديمة، واهتمام نوعا ما باللغة السومرية والاكدية والسريانية، وترى اللغة السريانية على واجهات المؤسسات والمحلات في القصبات التي يسكنها السريان مثل عينكاوا وقرقوش،
بينما سوريا التي تنفرد عن كل الوطن العربي أن لها لغة عالمية مرتبطة ومطابقة لاسمها وهي اللغة السريانية التي كانت يوماً ما تضاهي الإنكليزية حالياً، والى اليوم هناك أكثر من 25 مليون مسيحي، 8 مليون منهم في الهند مروراً بإيران والعراق وسوريا وتركيا، وصولاً إلى موارنة لبنان السريان، كل هؤلاء يتخذون السريانية لغة طقسية ويتسمُّون سرياناً نسبة لسوريا، لذلك من المفروض أن تفتخر سوريا وتدعم هذه اللغة والتوجهات الثقافية السريانية، وليعلم القارئ عن مدى اهتمام الحكومات العربية بتراثها، اختم قولي بطرفة هي: سنة 2006م التقى الباحث والأديب السرياني جوزيف اسمر ملكي أستاذ اللغتين السريانية والعربية بالسيدة مها قنوت نائبة رئيس الجمهورية العربية السورية للشؤون الثقافية، ليدعوها لحضور مؤتمر التراث السرياني الذي سيقام في مكتبة الأسد بدمشق، وقدَّم لها بعض الكتب السريانية كهدية بالمناسبة، فقالت له: ما هي السريانية؟؟؟.
وليتصور القارئ الكريم أن شخصاً بهذا المنصب العالي لا يعلم أن اللغة السريانية هي لغة بلده سوريا، وفي كثير من المصادر يرد اسمها، اللغة السورية (انظر المسعودي التنبيه والأشراف، ومقدمة قاموس تاج العروس: اللغة السريانية هي نسبةً لسوريا)، وأن السريانية لغة مقدسة ومحترمة ليس عند السريان فحسب، بل في تراث الإسلام أيضاً، كطلب الرسول الكريم محمد (ص) من كاتبه زيد بن ثابت أن يتعلم السريانية، وفي كتب الحديث باب اسمه: ما جاء في تعلم السريانية (سنن الترمذي، كتاب الاستئذان والآداب، باب ما جاء في تعليم السريانية)، ويقول الإمام ابن حزم: إن السريانية هي أصل العربية والعبرانية معاً، وأول من تكلم بالعربية إسمعيل (ع)، والعبرانية لغة اسحق، والسريانية كانت بلا شك لغة نبينا إبراهيم (ص)، وبنقل الاستفاضة الموجبة بصحة العلم، فالسريانية أصل لهما (ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام ج1 ص31–32).

**استاذ موفق رايك كمؤرخ وكاتب معروف بمجلة الگاردينيا الثقافية؟

وفي نهاية اللقاء لا يسعني الا ان أتقدم بالشكر الجزيل للصحفيةالسيدة رنا خالد و الباحث القدير بسام شكري على جهودهما لاعداد ونشر هذا اللقاء الجميل في مجلتنا الجميلة الرائعة الگاردينيا التي أصبحت الصوت الحر في العراق والعالم، وغدت ارشيفاً ومكتبة تاريخية وتراثية من خلال المعلومات والوثائق والمقالات التي تُنشر فيها، هذه المجلة التي يشرف عليها نخبة من الأدباء والمثقفين على راسهم الاستاذ جلال چرمگا والتي يتواجد فيها باقة من الكتاب العراقيين المبدعين بمختلف الاختصاصات، متمنياً للمجلة ولهئيتها وكادرها مزيد من التقدم والازدهار.

نظرا لكثافة المعلومات وتشعبها يمكن للقراء التواصل مع الأستاذ الباحث موفق نيسكو والاستزادة منها على الايميل التالي:
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3238 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع