فنجان قهوة مع الدكتور عمر الكبيسي طبيب قلوب العراقيين
إيمان البستاني
ضيفنا ياسادة ياكرام ....طبيباً يداوي ألناس وهو عليل ....عليل بحب ألوطن وألناس ....أفنى حياته بمداواة مرضاهم.... فقيرهم قبل غنيهم ...يجود بعلمه وبماله لاأسعاد وطنه ... كان طبيب قلوب ألعراقيين .......وقلبهِ ألكبير أحتواهم جميعاً ...برع في علمه لدرجة أن أصبح عالم في طب ألقلب ...أخلاقه وطيبته تسوقك ألى قلبه ... يذكره كل ألفقراء ....أنه طبيب ألفقراء فهو لايرضى أن يأخذ أجرة عمله منهم ويمنحهم حياة بعد أن ظنوا أن لا حياة
كيف سنداوي طبيب ولا نملك من ألعلم شئ ألا ألأمتنان وألتقدير لمسيرة عالم من علماء ألعراق ... أنه ألاسم ألذي أذا ذُكر ....ذُكرت قلوب ألعراقيين .... فمن لا يعرف ألدكتور عمر ألكبيسي
ألبطاقة ألشخصية
تأريخ الولادة : مدينة كبيسة ١٩٤٣
الحالة الاجتماعية : متزوج و له ثلاثة اولاد و بنت
التحصيل الدراسي
مدرسة كبيسة الابتدائية : اكمل الابتدائية عام ١٩٥٨
ثانوية الكرخ للبنين : اكمل الثانوية عام ١٩٦٣
جامعة بغداد – الكلية الطبية العراقية- بكالوريوس طب و جراحة عامة بدرجة جيد ١٩٦٩
جامعة بغداد دبلوم الطب الباطني ١٩٧٣
المملكة المتحدة- جامعة ليفربول- دبلوم امراض المناطق الحارة ١٩٧٥
المملكة المتحدة- جامعة ليفربول- دبلوم الامراض الزهرية ١٩٧٥
المملكة المتحدة – عضو كلية الاطباء الملكية ١٩٧٦
المملكة المتحدة – جامعةبرمنكهامز ( مناعة ) ماجستير علوم طبية ١٩٧٧
المملكة المتحدة – لندن زميل كلية الاطباء الملكية ١٩٩٠
المملكة المتحدة – ادنبرة زميل كلية الاطباء الملكية ١٩٩١
المبادرات العلمية
رتب وساهم وشارك بأعداد أول فريق متكامل لجراحة الشرايين التاجية في الطبابة العسكرية أجريت أول عملية لترقيع الشرايين التاجية بتاريخ ( ١٩٨٩) في مستشفى الرشيد العسكري
أعد ندوة الرشيد الاولى لأمراض القلب ( ١٩٨٩) مستشفى الرشيد العسكري
أول من أجرى أخذ عينات الفحص النسيجي من القلب بالقسطرة مستشفى الرشيد العسكري
أول من أجرى توسيع الصمامات ألقلبية في البالون في مختبر قسطرة القلب (مستشفى الرشيد العسكري)
أول من أجرى توسيع الصمام الأكليلي و الأبهر قسطاريا وبكادر عراقي ( مستشفى ابن البيطار لجراحة القلب )
أول من أجرى توسيع تضيقات الشرايين التاجية بالبالون بكادر عراقي ( مستشفى ابن البيطار لجراحة القلب )
إنشاء دراسة البورد العراقي لأمراض القلب في العراق
تأسيس الجمعية العراقية لأطباء وجراحي الصدر والقلب والأوعية الدموية العراقية
تتشرف ألمجلة ألثقافية ألگاردينيا بأستضافتكم في فقرة فنجان قهوة لتسليط ألضوء للقراء ألاعزاء عن أشهر أطباء ألقلب في ألعراق فأهلاً وسهلاً بسيادتكم ونأمل أن لاتكون ضيافتنا ثقيلة
مدينة كبيسة
نبدأ بمرحلة ألطفولة بمدينة كبيسة غرب ألعراق وكيف كانت مراتع ألصبا وذكرياتها؟؟؟
ذكريات القرية والواحة جميلة أذكر شتاء البرد القارص والصيف اللاهب ذكريات السبح في عين كبيسة وقنوات السقي وبرك الماء لنخيل القرية وتسمى النهر والزنج واتذكر واعرف انواع الحمير التي كنا نجلب عليها ماء العذي الى البيوت حينها كان حمارنا بطيى وعنيد مقارنة بالحمير الشهر خوفا من ان لا نستخدمه للركض والسباق واذكر بيادر الشعير بعد الحصاد كنت أجلس وسطها احتمي فيها من البرد للقراءة قبل شروق الشمس وأذكر وقت رشن وسقي البستان العائد لوالدتي إرثا حينها نكون بالإنذار ونستخدم شتى وسائل التلهية لمتعهد السقي كي نحصل على دقائق اكثر ليروي البستان كل اسبوعين أذكر الدشداشة البيضاء كل جمعة بمكوى الحديد الفحمي للصلاة في الجامع الكبير او الجامع الشرقي .
لا زلت اعرف تسميات انواع التمور كالحمرايه والبربن والكذابي والفلاح والقسب والنبت والمكتوم والخستاوي والزهدي والخياره والمأموري والساعي وأذكر أكلة المصل (اللبن الجاف منقوعا بالماء) مع تمر البربرن واكلة القلام والمج وهما نباتات طبيعية مع البصل والطمامة والخبز وأذكر سلق الخرنوب وجذور نبات طويله تستخرج من الأرض حمراء تسمى( التراتيث) اكبر من التيته السكريه . أذكر الصف الاول في مدرسة كبيسة وبسبب عدم كفاية الصفوف كيف اضيف صف من السعف والتنك بقرار مدير المدرسة بيوم واحد حيث يجلب كل طالب مسجل اربع سعفات وتنكه فارغه للجلوس قبلها اذكر الملا شهاب والفلقة لتعليم القرآن وحفلة التخرج بجولة في درابين القرية .
اذكر العب وهو حيز ينتج من لبس الحزام على الدشداشه يجمع فيه الخلال والتمر ولكن الحزام مصنوع من الخوص المبروم وكيف كنا نتباري بجمع اكبر كمية من الخلال فيه خصوصا اذا كان الخلال من النوعية الجيدة وكيف كنا نتمشى مفتخرين عند العودة الى بيوتنا متعبين ، وأذكر سفرات وغبشات جلب الملح وطين غسيل الرؤوس من البرك الكبريتيه..
أذكر مجيئ السينما الجولة وتعرض الافلام على شاشة كبيرة في مركز القرية .
وأذكر التموين وقبان الحنطة وعملية توزيع الدق الاسود والجاي الفل والسكر على شكل كلات توزع شهريا على عدد جناسي العائلة . أذكر جني موجات الجراد النجدي ايام الشتاء وشاركت في جنيه ليلا في الظلام بالكواني وكيف يسلق في دست النحاس الكبير على النار ويتم تجفيفه على السطوح ويتم أكله على صيغة الكرزات من الجيوب ومن المشاهد الثابتة التي لا انساها ان احد القدور سلقت فيه حية ( ثعبان ) مع الجراد . اتذكر كلمات كنا نستعملها غير عربية الاصل كالسلبجة والطنجريه والجاون واللكن والجفجير . أذكر دواووين شيوخ العشائر وتحميص القهوة وطحنها واذكر رفعة العلم يوم الخميس وجولة الطيار عارف عبد الرزاق على ساحة المدرسة التي كانت مدرسته بطائرته صباحا الخميس واتذكر كيف كان مدير المدرسة يعاقب الطلاب المقصرين والمشاغبين بالعصا امام الطلاب بعد ان ينزع ساعته وكانت من نوع ( أولما) خوفا عليها . العذي وزعزوع والمفكر والفيضة والشيخ خضر والكرايه واحات حول القريه كانت تعد لها سفراتنا المدرسية ، صيد الكطا والغزال كان هواية الصيادين وتربية الحمام القلاب هواية الشباب واستخدام المقاليع في مواجهات الصبيان بين حارة وأخرى على شكل مواجهات ومعارك كما أذكر روتين توديع الغنم والماعز صباحا مع الراعي وحفلة استقبالها قبل الغروب وكيف تتجه بشكل تلقائي هذه الاغنام الى بيوت اصحابها متسربة قطعانا ،
ولا أنسي حامل السلّم والنفط قبل الغروب يملئ الفوانيس النفطية ويعلقها في الدرابين كل يوم ، ولا أنسى صيحات النساء صباحا توقضني بنداء ( من عنده بيض ) لشراء البيض الطازج ممن يقتني دجاج بياض ، مما تعني وصول عزيز للعائلة يعملوا له بيض مقلي يفطر عليه ، كما اتذكر كيف يصيح صباح المنادي في درابين القرية بعد ان يصلي على النبي بصوته ليعلن عن فقدان حاجة او نقودا ومن يعثر عليها له مكافئة .
بعد ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ التحقت بالدراسة المتوسطة منتقلا من أجواء القرية في كبيسة الى العاصمة بغداد وكانت منطقة كراج الأمانة القديم (شارع الصناعة حاليا ) حيث كان يسكن أخوتك الأكبر منك سنا لإكمال دراستهم هي أول منطقة سكنت فيها في بغداد ثم انتقلت بعدها مع أخوتك إلى منطقة جديد حسن باشا بعد انقضاء العام الدراسي ثم بعدها إلى الكرخ في منطقة جامع عطا نهاية عام ١٩٥٩ والتكارته في الستينات حتى تخرجك من كلية الطب ....كيف وجدت بغداد يومها ولماذا أخترت هذه ألمهنة؟؟؟.
بغداد كانت نقله ومفاجئه كبيره مقارنة بالقرية وهيت وحديثه والرمادي وهي المدن التي كنت رايتها قبل سفري الى بغداد . منطقة كراج الامانه القديم اكثر اختلاطي كان مع عوائل مسيحيه وفي متوسطة القدوة كنا مقابل النادي الاثوري تفاجئت بالتلفاز في المقاهي والسيفون والبيبسي وبالقطار الذي كان يمر قرب السكن
واعجبني حمام تل محمد الشعبي وكان سعر الدخول فيه بلا تحديد للوقت عانه (اربع فلوس ) ونظام التنقل والجباية في باصات نقل الركاب وكثرة الجباة والمفتشين وزيهم بحيث كانوا اكثر من منتسبي الشرطة في الشارع. وهناك تعرفت على اصدقاء فلسطينين يسكنون في بيوت الفلسطينين في تل محمد واستمعت لقصص معاناة الفلسطينين وهجرتهم و وجدت نفسي متفوقا في اللغة والتعبير عن بقية طلاب بغداد ودخلت في مسابقة ادبية فزت بها كانت منافسة خطابية بين الراديو والصحافة
وكنت معجبا بشخوص ثورة تموز في أشهرها الاولى ومحاكمات رجال الحكم الملكي الى أن بدا الصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام وكان معظم سكان المنطقة ينتصرون لعبد الكريم قاسم وبدا الصراع عنفيا وبدت ظواهر الصراع القومي واليساري تنعكس على اجواء الطلبة وبيوتات المنطقة .
في بغداد يستعمل الكيلو كوحدة وزن وكنت قبلها اشتري حاجاتنا وزنا بالقريه بحكة الاستنبول . واعجبتني الدفلة الجميلة في شوارع وفلك بغداد واستخدام الياس والثيل في الحدائق واعجبت بزي الطالبات المدرسي وبأحزمة التنوره وقرديلة القميص كما اعجبتني معارض باتا للأحذية وتعلقت بدراجة رويالتي الهوائية (بايسكل) ينافس هركلس بالسرعة ،
كما اعجبت وعشقت سوق السراي والمتنبي ولم انقطع عنه كل جمعة وعندما انتقلنا الى منطقة جديد حسن باشا كانت فرحتي كبيره للقرب من الكتاب كما اعجبت بسوق الهرج ومطعم تاجران ونتاجات المطابع والموبيليات وسوق الهرج وكبة القبلانية وسوق الساعة والمستنصرية والأيس كريم والأزبري ولفة العنبة وماعون الشلغم من عربانة الميدان وعرفت القنداغ الصباحي عند مروري لشراء الخبز من فرن مجاور كان يقدمه لي صاحب دكان جاي كل صباح . انتقالنا الى الكرخ كان في فترة صراع سياسي حاد وكانت منطقة الكرخ ابتداء من ساحة الشهداء وانتهاء بالرحمانية منطقة قومية مقفلة تقريبا لتيار البعث والقوميين العرب والاخوان المسلمين وكانت الحلة منعكسة بشكل واضح في الشارع والمنطقة والمدرسة
وبدات اضرابات البانزين وتكسير باصات المصلحة ومظاهرات الطلبة وتكسيرهم زجاج النوافذ والأبواب للخروج بمظاهرات احتجاج اعدام المرحوم الطبقجلي ورفعت وزملائهم بعد احداث ثورة الشواف . كان تلهفي واهتمامي في التفوق المدرسي ينطلق من حقيقة انني جئت من القرية الى العاصمة لأدرس وباستثناء كراهيتي للشيوعين في حينها بسبب تربية عائلتي الدينية لم تستقطبني الاحزاب والتنظيمات مع اني كنت أقرب الى الاسلاميين بسبب تمسكهم بالفرائض وتدينهم وبعدهم عن عادات متابعة الفتيات ومشاكستهم وكنت أحسب وبقيت احسب لهم هذا الفضل بالحفاظ على تديني وصيانتي من عادات كانت تحسب على المدينة وليست من أخلاق القرية كتناول الخمر ولعب القمار والمراهقة والتحرش .
في ثانوية الكرخ كنت معروفا بتفوقي مع ان ثانوية الكرخ لم تكن بمستوى الاعدادية المركزية او كلية بغداد وانعكست الاضطرابات السياسية على مستوى الثانوية بسبب نشاط الكرخ السياسي حالها كحال ثانوية الاعظمية والحال يشمل ثانويات الذكور والبنات ، وقد حاولت التعويض عن الظاهرة بالمزيد من الدراسة واستعارة مناهج طلبة الاعدادية المركزية والاستعانة بكتب وملخصات اساتذة مشهورين قبل خوض امتحان البكلوريا والذي صادف وقته مع احداث إضراب الطلبة عام 1963 وكنت ادخل الصف بالرغم من الإضراب حرصا على تحقيق نجاح بدرجة جيدة وهذا ما حصل . في ثانوية الكرخ وفي مقاهيها وجوامعها ومناطقها تعرفت على معظم الاصدقاء الذين اصبحوا بعدئذ قادة سياسيين وقياديين عسكريين منهم القومي والبعثي والإسلامي واصبحت قريب من الجميع جمعتنا في حينها ايام الدراسة واستعانة الكثير منهم بي للمساعدة من خلال الشرح او استعارة ملاحظاتي ودفاتري المدرسية ولهذا كانت مقاهي الكرخ الكثيرة هي محل تجمعاتنا الدراسية ايام الامتحانات والدراسة ولا أذكر ان فسحة تصلح للقراءة حديقة كانت او رصيف او شاطئ او فلكه او جرداغ او كورنيش في جانب الكرخ ليس لي معها خاطرة او طريفه.
الكرخ اصبحت بكل معالمها عالقة بتكويني حتى بعد تخرجي ولغاية نزوحي قبل الاحتلال ، حلاقي وخياط ملابسي والمقاول والنجار والبناء والكهربي والفيتر والصباغ والنداف كرخيون معارف او اصدقاء ، أحب الشيخ معروف ومقبرته ومسجد حبيب العجمي ومرقده وجامع حنان والقمريه واحب شاطئ الكرخ ومقاهيه وأحن لساحة الشهداء وباجة ابن طوبان وطرشي حنانش وكباب جليل في سوق حمادة ، شريعة الكرخ وابلامها ، أزور وانا برتبة لواء طبيب حمام الشيخ معروف القديم بلا انقطاع , واتناول الجرِّي في محلاته على كراسي الحديد مع الأصدقاء ، واعشق كسر الركيه على صخره وتناول لبتها وانا بجانب مالك الركي في بستانه او بائعه في خيمته على الطريق ، أحن لركوب مهرتي (روضة مهدي) وابكي احيانا كلبي الذي قضى في غربتي (روكي) واعجب وابكي لمن يقطع اليوم رقاب الناس بالسكاكين ويزهق ارواحهم بالكواتم ، واتقطع إربا لمظهر الاطفال وهم يلتحفون الأرض بلا مأوى او يقطنون المزابل !ّ.
بعد حصولي على معدل يؤهلني للدخول في كلية الطب كنت فعلا قد حققت طموحي ، كانت مشاهد المرضى في القرية تفزعني وعملية نقلهم الى هيت ليفحصهم المرحوم الدكتور محمد علي فاضل طبيب هيت الشهير قبل ان يشتهر في بغداد باختصاصه لم تكن سهلة ، في الكرخ تعلقت بثلاثة أطباء كانوا في غاية الزهد والإخلاص والحرص على المريض اشتهروا بشعبيتهم وضرب المثل بهم وهم الدكتور المرحوم احمد صميم الصفار والمرحوم الدكتور عبد الستار فاضل والمرحوم الدكتور بهجت الناصري ، أطباء شعبيون لكن بصماتهم الاجتماعية وسمعتهم الطبية كانت تثير حسدي وتطلعاتي .
ذهبت الى كلية الطب بشوق وذهبت الى نفقة وزارة الدفاع للتخرج كطبيب عسكري بشوق أكبر ، كيف لا وفلسطين كانت بحق قضية العرب الاولى في ذهن شباب الجيل الذي كنت منه .
بمن تأثرت خلال سنوات دراستك في كلية ألطب جامعة بغداد وكان له تأثير على مسيرة حياتك ألطبية ؟؟
مراحل الدراسة متعددة وربما يكون لكل مرحلة شخوصها على ضوء تقييم أداء المدرسين . في المرحلة الاولى تاثرت بقابلية الاستاذ روزبك الهولندي وكان مسجل الكلية إضافة الى تدريسيه لمادة الكيمياء بكفاءة بسبب قابليته لحفظ اسماء الطلبة ومستوياتهم بالرغم من عدد طلاب الدورة كان اكثر من 300 طالب ، في المراحل الأخرى علميا كنت متأثر بجدية وأخلاق الدكتور طارق حمدي وببساطة و وضوح محاضرات الدكتور محمود ثامر ، اما من تأثرث بهم وتوثقت بهم علاقتي بعد التخرج حتى وفاتهم وكانوا مشجعين ومرشدين ولهم دور في تخصصي فهم الاستاذ المرحوم الدكتور بديع صبحية اعجبت بأخلاقه وموسوعية علمه و وسامته وحدة القوة التشخيصية لديه فهو حقيقة اكبر من أن يعد متخصصا بفرع دقيق واعجبت بعلمية وموسوعية وجدية المرحوم الأستاذ الدكتور محمود الجليلي وخصوصا في تخصص أمراض القلب ، وفي جراحة القلب تأثرت بشخصية المرحوم الأستاذ الدكتور يوسف النعمان وشجاعته وإقدامه على التداخل الجراحي مهما كانت الحالة صعبة او متقدمة .
هذا الاعجاب بالتأكيد لا ينفي تأثير العديد من اساتذة الطب في حياتي وتكويني لأسباب عديدة منهم الاستاذه الدكتورة لمعان أمين زكي والاستاذ الدكتور المرحوم سالم الدملوجي والاستاذ د. محمد علي خليل والاستاذ د فرحان باقر و الاستاذ المرحوم د كمال السامرائي والمرحوم أ د مؤيد العمري وغيرهم .
معظم هولاء الاساتذة الافاضل درسوني ووربما عنفوني ورسبوني عندما كنت طالب طب او مقيم او زميل دون ان تترك نقوش قوية في الذاكرة فتلك هي طبيعة التعليم والتدريب ، لكن ما نقش في ذاكرتي بعمق كانت تلك الساعات والايام الرهيبة التي كنت امتحن فيها وانا اعالج وارعى قسم كبير منهم بعد تقدم العمر بهم ورقودهم على سرير المريض ..
الدكتورة/ لميعة البدري
حدث مرة انني كنت اقوم بجولة سريرية صباحية في ردهة امراض القلب وكان بالصدفة مرضاي هم :
الاستاذ الدكتور المرحوم خالد ناجي والاستاذ الدكتور قيس كبه والاستاذ الدكتور المرحوم عزيز محمود شكري والاستاذة الدكتورة لميعة البدري .
الدكتور/ عبدالكريم هاني
ومن الذين امتحنوني على انفسهم واشرفت على علاجهم اللواء الطبيب وليد الخيال واللواء ناجي احمد حمدي والمرحوم اللواء ابراهيم طه والمرحوم اللواء كمال حسين والاستاذ المرحوم كمال السامرائي والاستاذ حسني الالوسي والاستاذ الدكتور عبد اللطيف البدري والدكتور شامل السامرائي والدكتور عبد الكريم هاني والدكتور صادق علوش والمرحوم الأستاذ الدكتور يوسف النعمان وزميلي المرحوم جعفر الكويتي .
عشت ألاحداث ألمتقلبة ألدموية من فشل حركة ألشواف في ٧ آذار عام ١٩٥٩ ومسيرات ألشيوعيين وقلت يومها أن العراق قد انمحى تاريخيا من كونه قطراً عربيً وإسلامياً ولم تكن تستبعد أن نصبح يوما على إعلان العراق جزء من دولة السوفييت الشيوعية ...ماهي تجربتك تلك ألفترة من ألاحداث؟؟
الحقيقة ان انطباعاتي عن تلك الاحداث في حينها قد لا تكون صحيحة ، إذ لم أكن في حينها بمرحلة نضوج سياسي او تحليلي لهضم الأحداث بسبب انشغالي وتفرغي لدراسة الطب وكانت ردود الفعل للأحداث تتحكم فيها الوطنية الفطرية التي تحكمت فيها بيئتي العائلية وتربيتي والتي كانت ترى ان العروبة والاسلام هما سبيلا تقدم الامة و وحدتها وكنت ولا زلت واثقا برسوخ ان الاسلام والعروبة هما وجهان لعملة المجتمع العراقي وشعوب المنطقة . ولذلك حقيقة فوجئت وتعجبت لهشاشة فهم العراقيين وسرعة انقلابهم على ما اعتبره اساسيات نهوض الامة وتقدمها والذي ينبغي ان لا يمس مقدسات الامة وإرثيتها واعجبني في حينها فتاوى مراجع العلماء والمراجع الدينية وعلى رأسهم السيد محسن الحكيم والشيخ أمجد الزهاوي..
بوجه تلك الفوضى العارمة ومجازر الدم التي حدثت وكنت اتابع في حينها ماكتبه المرحوم الآديب العقاد ( مذهب ذوي العاهات ) وكتب السيد محمد باقر الصدر (فلسفتنا وإقتصادنا ) والكتب الاسلامية والقومية التي كانت تصدر لتحديث الفكر الاسلامي والقومي ،
كما تأثرت بمذكرات جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح والشاعر إقبال والتصوير الفني وتفسيره لسيد قطب وكتابات علي الطنطاوي والغزالي وادبيات المنفلوطي والرافعي وشعر المتنبي والجواهري .وكانت هذه الكتب بدايات لنواة مكتبتي الكبيرة والواسعة والأسيرة في داري في بغداد التي شكلت محور ثقافتي الوطنية في مسيرة حياتي . اليوم وبعد احتلال العراق وما اعقبه من معاناة الهجرة والحرمان أصبح العراق همي وكل حياتي ، وبدون ان اكون في العراق ملبيا حاجته لوجودي كطبيب للقلب كما هو محتاج لكل الكفاءات العراقية الاخرى التي نمت وتكونت بمال العراق وفضله وخبرته ، لا لذة ولا هدف ولا قيمة لكل ما نحمل من طاقات وخبرات لا توظف لمن اهم الأجدر بالاستفادة منها وهم المرضى العراقيون الذين تعصف بهم الأمراض والأوبئة والآهات .
بعد تخرجك كطبيب بدرجة جيد ...كان أول منصب تتسلمه هو طبيب مقيم دوري في مستشفى الرشيد العسكري ببغداد ١٩٦٩- ١٩٧٠ ثم طبيب وحدة الميدان الطبية السابقة و طبابة القوة الجوية ١٩٧٠- ١٩٧١ بعدها بعام كنت طبيب مقيم أقدم وحدة الميدان الطبية السابقه هل كنت طبيباً عسكرياً وماهي ذكرياتك عن تلك ألفترة؟؟
نعم انا تطوعت بعد قبولي بكلية الطب عام 1963 على نفقة الجيش لأكون طبيبا عسكريا وتدرجت الى ان وصلت الى رتبة لواء طبيب وبقيت بها الى ان انحل الجيش العراق .
أحمل عن الجيش العراقي وخدمتي فيه لعقود من الزمن ذكريات هائلة ممزوجة بالفخر والإعتزاز عرفانا بروح الإنضباط والطاعة والاحترام والسرعة بالتنفيذ والجمع بين النظرية والتطبيق في مجالات العمل النظامي المنضبط . العسكرية شرف كبير وعندما كنت اتعامل من من هو اكبر مني رتبة كنت اتحسس كم كان للطب كمهنة قيمة معنوية وانسانية لدى هولاء القادة الكبار الذين كنا نقيم بطولتهم وانجازاتهم وهم يحفونك بالاحترام والتقدير في حين كان تعاملي مع من هم دوني رتبة من ضباط وجنود كحنان الاب وهو يرعى ابناءه بكل وسيلة من أجل رعاية صحتهم ولياقتهم .
للطبيب في الجيش منزلته بما يحفظ له الاحترام والتقدير بالأخص عندما يكون الطبيب رصينا يفرض احترامه ،كثيرا ما حدث معي عند مقابلة وزير الدفاع او رئيس اركان الجيش او قادة كبار حرصهم ان يقدموا لي فنجان القهوة بايديهم والله العظيم ، من المؤكد ان ذلك لا يحدث مع بقية الضباط العسكر فقط .
بتخصص زملائي من الخريجين قبلي وبعدي عشنا في مستشفى الرشيد وبرعاية معلمينا السابقين وحققنا أروع انجازات الطب العراقي في القوات المسلحة بشكل متميز داخل وخارج العراق توجهيات وادارة الخيال وابراهيم طه وراجي التكريتي وسالم خطاب عمر وكمال حسين ومظفر حبوش وفلاح عريم وسالم الشماع وغيرهم ترعرعنا اخوة وعملنا بجد وانجزنا كل ما كان تمتع فيه الطبابة العسكرية من نهوض وابداع . تمكنت من الحصول على التخصص مبكرا برتبة نقيب وتخصص خارج العراق برتبة رائد وتخصص دقيق برتبة مقدم .
عشت مشاهد انتصار وتفوق الجيش بنشعة واعتزاز وشاهدت لحضات انكسار وتقهقر محزنة وأليمة . بشكل عام كنت ولا زلت فخورا بخدمتي في هذا الجيش والذي هيئ لي كل فرص التحصيل العلمي والخبرة المهنية ، كان أسوء ما كنت اتمنى ان لا اشاهده هو ان يتم حل الجيش والتفريط به بالطريقة التي خطط الاحتلال والصهاينة والغزاة ونفذوها للقضاء عليه وتفتيته . ذكريات الانجازات الطبية لا تعد ولا تحصى وذكريات العسكرية ومفاجئاتها لا تنسى وفي كل الاحوال تغمر الانسان راحة وطمانينة كبيرة عندما يكون عنده يقين وثبات ان ما قدمه للوطن وللجيش وللمريض العراقي هو واجب انساني و وطني لا تلوثه الاطماع ولا يعتريه الفساد او الامتياز الشخصي أو استغلال المال العام .
خلال عامي ١٩٧٣- ١٩٧٤ كنت إختصاصي الأمراض الباطنية في مستشفى البصرة العسكري بعدها قضيت ٣ أعوام في مستشفيات أدنبرة - ألمملكة ألمتحدة متفرغاً للدراسات ألعليا لتعود للعمل ٣ أعوام حتى ١٩٨١ كمدير شعبة الأمراض الباطنية في مستشفى البصرة العسكري ....كيف تروي لنا أبرز أحداثها ؟؟
اخترت البصرة للعمل بعد عودتي من دراسة الاختصاص تعلقا بروعة المدينة وطيبة ودماثة مجتمعها وانفتاحهم من خلال عملي بها عام 1973. ونشبت الحرب العراقية الايرانية وانا فيها وشهدت ويلات ومآثر المعارك العسكرية الطاحنة وكنت في نقاشات مستمرة مع قادة هذه المعارك وادارتها ولم اكن راغبا في العودة الى مستشفى الرشيد لولا اصرار مدير الخدمات الطبية على انتقالي وخلال فترة وجودي في البصرة كنت ادرس في كلية الطب في البصرة واعتبرت اطباء البصرة مدرسة طبية خاصة لها ميزاتها عن بغداد والموصل وتعرفت هناك على العديد من الرموز منهم مصطفى النعمة ومصطفى الخضار ومحمد حسين السعدي ومنير الناصري وفاروق شينا ومصطفى السلمان والحمداني وكلبرت فرج وشوارش وفريد وسامي بني وفاضل زيا وتوما هندو وباقر الموسوي والشمخاني وفائق حداد وغيرهم ، مدرسة تستند على خبرة عملية طويلة بامراض المنطقة وطبيعة اجوائها يسودها طابع الألفة والعلاقات الوثيقة والساطة والتواضع تمتاز بالتنظيم والسجلات الطبية والمتابع السريرية لقد شاهدت اروع سجل متابعة المرضى بخط وتنظيم جميل لم ارى مثيله في عيادة الدكتور مصطفى النعمة والدكتور جوزيف مارو وكنت مع مجموعة من الزملاء الباطنيين نعقد ندوة سريرية للحالات النادرة والمعقدة . وكان صباح يوم الجمعة أكثر يوما تكون فيه العيادات مزدحمة بسبب المرضى الوافدين من المحافظات الأخرى حيث تمتد العيادات بالعمل حتى المساء وهي ظاهرة لا توجد بمحافظات أخرى . تقدمنا في مستشفى البصرة العسكري والمستشفيات الاخرى في وسائل اخلاء الجرحى واسبقيات الاخلاء وسلسلة المتابعة السريرية وكانت اصابات الافاعي والثعابين مميته للجنود كما انتشرت حالات حبة بغداد واللشمانيا . وقمت بتدريس علم المناعة في الفوف المتأخرة من كلية الطب وكانت المناعة في حينها علما حديثا درسته ايضا في بريطانيا وحصلت فيه على شهادة الماجستير من برمنكهام ولولا الحرب كان من المفترض ان نطور البحوث في موضوع مناعة الطفيليات والملاريا لكن احداث الحرب غيرت كثير من مما كا يجب ان ينجز .
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
ثم عدت لبغداد قضيت ٣ أعوام ١٩٨١- ١٩٨٤كأختصاصي الأمراض الباطنية في مستشفى الرشيد العسكري بعدها منذ عام ١٩٨٤ وكمديرلشعبة أمراض القلب في مستشفى الرشيد العسكري بدأت رحلتك مع قلوب ألعراقيين ...قل لي يادكتور لماذا ألعراقي يقتله قلبه ؟؟
كي يموت الانسان لا بد من أن يتوقف قلبه ولا يمكن ان تكتب شهادة وفاة وهناك نبضة واحدة من القلب يمكن جسها او سمعها او توثيقها بجهاز التخطيط وهكذا يموت كل البشر اذا ما توقف القلب عن الضخ واختفى وغاب النبض سمع وجسا وتوثيقا وبهذه الحال يقتل القلب كل البشر بلا استئذان . القلب في القرآن الكريم أين ما ورد يعني العقل والفكر الذي يحتويه حتى (القلوب التي هي في الصدور كما ورد في القرآن يفسرها محمد شحرور القلوب التي الرؤوس لأن صدر الشيئ جبهته ! . القلب عظلة ميكانيكية ومضخة عضلية ليس فيها حب ولا عواطف ولا افكار او كره ) مع ان هذه العظلة قد تتأثر نسق كهربته ونسقية النبض ومعدل الضغط في الشرايين وتوترها وانبساطها بسبب تحفييز عصبي مركزي وسمبثاوي هرموني وإنزيمي محفز او مثبط . قد يتمكن العلم من تقليص حدة الاعراض والمعاناة ونوبات القلب غير المميتة من أمراض القلب بوسائل علاجية و وقائية وفي بعض الاحيان قد توجد دلائل على إطالة العمر ، لكن بشكل عام لا يزال الطب يقف خاملا مكبلا بالرغم من تقدمه امام تقليص حالات الموت المفاجئ أو أطالة العمر بشكل ملحوظ الا من خلال الاسعاف الاولي عند حدوث التوقف قريبا من المسعفين . انا اعتقد ان العراقيين تقتلهم همومهم وتقتلهم محنهم وشدائدهم وتوترهم وتدخينهم وسوء تغذيتهم وجهلهم وفقرهم وبطالتهم كما تقتلهم المفخخات والمتفجرات والسكاكين والكواتم والسجون والتعذيب هذه هي أمراض من طبيعة أخرى او وسائل مكتسبة جديدة لم تعد تعتادها الشعوب المتقدمة والتي لها امراضها الخاصة كالموت بالانتحار والادمان الكحولي والدوائي ونقص المناعة وحوادث الطرق واستخدامات التكنولوجيا الخ. على كل حال الاية تقول ( اين ماتكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ، وكل نفس ذائقة الموت ) . إذا الموت هي الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذه الحياة .والامم والدول تفتخر بانجازاتها وفقا لإرتفاع معدل عمر الإنسان والذي يحدث اليوم في العراق ان معدل عمر الانسان في تناقص على النقيض مما يحدث في شعوب الأرض الأخرى.
من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد
عش عزيزا أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود
القلب العراقي السليم لا يختلف عن غيره من قلوب البشر ، إلا بما يتم الحديث عنه اليوم باحصائيات ودراسات علمية تثبت زيادات ملحوظة في تشوهات القلب الخلقية لدى المواليد الحديثة بعد الاحتلال والتلوث البيئي بعد الاحتلال منها ماهو مميت خلال فترة الرحم ومنها مما يؤدي الى خلل عضوي لأطفال يولدون احياء .
يهون علينا ان تصاب جسومنا وتسلم أعراض لنا وعقول
منذ عام ١٩٩٣ كنت رئيس شعبة أمراض القلب في مستشفى ابن البيطار لجراحة القلب ثم أصبحت مديرها ألعام ....كيف تقييم تجربة هذه ألمستشفى وهل كانت لكم تنسيقات مع أطباء ألعالم في مجال ألبحوث ؟؟
كان تنسيبي الى مركز صدام لجراحة القلب كما كانت تسميته ليست برغبة مني وقد ابديت رايي هذا امام اللجنة المكلفة من الرئيس لإنشاءه بحيث يجمع كل الكفاءات بالاختصاص في مركز واحد وتجمع فيه كل الاجهزة المتفرقة في مراكز مدينة الطب والكاظمية وابن النفيس والرشيد العسكري كخطوة للحفاظ على استمرا العمل بالرغم من الحصار وسد النواقص في الاجهزة والمعدات اللازمة التي استهلكت او استنفذت بسبب الحصار وكان هذا بعد أزمة الكويت .
صالة لأجراء عمليات القلب
كنا في حينها قد بدأنا العمل في مركز الرشيد العسكري انا والاخ الجراح ناجح الاسدي والمرحوم المخدر د فاضل ايوب واجرينا عمليات القلب المفتوح بنجاح ولذلك كان اعتراضي يستند الى قاعدة ان أنشاء المركز النوعي والمتطور لجراحة القلب كانجاز نوعي متقدم لا ينبغي ان ينشأ على حساب البنى او المراكز العاملة التحتية بل يجب ان ينشأ مركز متطور ومتقدم لفرد المراكز الاخرى لا لغلقها . وقلت انا أفضل ان ابقى في مركز القلب في الرشيد واستمرار عمله وسأكون بنفس الوقت بكل ما عندي من وقت وجهد وخبرة في خدمة المركز الجديد ، لم توافق اللجنة المكلفة على المقترح وقالوا ستجد نفسك مرغما على التنسيب الى المركز وهذا ما تم فعلا بعد 3 أشهر حين صدر أمر بالانتقال الكلي الى المركز الجديد والالتحاق فورا وهذا ما حصل اذ أصبحت مديرا لشعبة أمراض القلب فيه والأستاذ د. حميد العاني مديرا لشعبة الجراحة وكان زميلي الدكتور رياض صالح مديرا للمركز .
لم تكن التجربة للعمل المشترك من منابع مهنية جامعية ومدنية وعسكرية سهلة في بدايات العمل بالأخص عندما تكون الإدارة وقسم كبير من العسكريين كما كان الارتباط بديوان الرئاسة حالة شاذة لكون المركز طبي كان ممكن ربطه بوزارة الصحة او جامعة صدام لكن الرأي كان ان هذا الارتباط سيعطي المركز زخما وإسنادا مباشرا في فترة الحصار وفعلا كان ذلك لكن على حساب قضايا وإشكالات كانت تحدث في حينها تشكل تدخلا بالعمل وتنعكس عليه .
مبدا العمل اتفقنا ان يكون جماعي كفريق واحد وبمجلس ادارة وعندما ثبتت اساسيات العمل مضت التجربة بنجاح وفعلا استطاع المركز ان يحقق انجازات كبيرة ورائعة في تلك الفترة حيث استقر ملاك المركز وثبت من كوادره من تأهل وتأقلم للعمل الجماعي بعد ذلك .
استطيع ان اوجز استنتاجات التجربة برؤوس عناوين مقتضبة :
1. الارتباط بجهة غير مهنية (الصحة او الجامعة) يفتح الابواب امام كم هائل من الجهات الأمنية والإدارية للتدخل في شؤون المستشفى .
2. عندما يعمل الجميع بصفة فريق متكامل ومتجانس تتقلص مشاكل العمل وتكون انسيابيته سليمه ، بمعنى ان المريض يمر بسلسلة الفحص والتشخيص والعلاج والمتابعة وفق سياقات ثابتة.
3. التدريب الجيد على أساسيات السلامة والنظافة والتعقيم والتوصيف الوظيفي لكل منتسب ، ولذلك تم التركيز والتدريب على معاني الخفارة ومتطلباتها ونقل المريض واستقباله وتوديعه وغسل اليدين وتنظف وتعقيم المعدات والصالات وااللوازم وصالات الجراحية بأحدث الوسائل والطرق وكذا الحال فيما يخص غسل المريض وعقامته وحتى اسلوب الدخول الى داخل المستشفى . لقد تم التوصل الى حقيقة ان يخضع الجميع الى بروتوكولات ثابتة في عمله وان أي خلل بسيط في السياقات التي قد تتعلق بعمل منظفه او ممرض ممكن ان يؤدي الى كارثة وعرفنا هذا حين كاد المستشفى ان يوقف العمل بسبب انتشار جرثومة غير اعتيادية ومعنده تدخل جسم المريض لتقتله بعد انتهاء عمليات ناجحة بأشهر وحتى نكتشف الخلل ونوع البكتريا ومن اين انتشرت بقينا ثلاثة اشهر بحالة انذار وتوقف وكشفنا المياه والأرضيات والتبريد والمجاري لنجد بعد ذلك ان مشمعا يوضع فوق سرير العملية مباشرة قبل ان يوضع الفراش المعقم ومن ثم المريض كان غير قابل للتعقيم كونه مشمع ابيض فكانت العامله تغسله وتنشه لينشف في الفضاء وترجعه بعد ذلك مشمع ابيض وهاج البياض يبدو انه نظيف لكنه ملوث بملايين البكتريا التي كان مصدرها طلع نخله في حديقة العمليات وكان هو سبب الكارثة ،وقد صرفنا مبالغ وجهد وسفر وإجراءات شامله والأهم والأكبر من كل ذلك أكثر من 50 مريضا خلال فترة عامين قبل ان نكتشف مصدر الخلل !. لقد قال لنا الخبراء بالتعقيم في الخارج بعد معرفة طبيعة الجرثومة انكم لم تستطيعوا العمل بهذه البناية وانتقلوا الى مكان آخر وفقا لسوابق حدثت عندهم ، وبمجرد استخدام غطاء نبيذ وتغيير سياق عمل منظفه تم القضاء على التلوث ولم تحدث أي حالة تلوث بعدها ، كان هذا الدرس الغالي الثمن والكارثي نقطة تحول جذرية في قضية تاهيل الكوادر واتباع سياقات من قبل الجميع كانت تبدو لهم شاقة في البداية لكنها بعدئذ اصبحت جزء من الروتين والسياق الثابت . لقد كتبت تفاصيل هذا الحادث و وثقت تفاصيل كل الاجراءات بفلم شارك في إخراجه الاستاذ محمد شكري جميل كي يعرض على كوادر كل المستشفيات ويستفاد منه كدرس وقائي ، ولا ادري اذا كان الدكتور جاسم الهاشمي مستمر بعمله بالقيام بحملات التثقيف في التعقيم والتلوث في مستشفيات العراق .
4. تجربة نقل المعرفة وزيارة كليات الطب والمستشفيات التعليمية ونقل صورة عن عمل المركز وعن اخر التطورات في الاختصاص ودعوة الاطباء الراغبين للتخصص لغرض تعميم فتح المراكز في المحافظات الاخرى كانت ناجحة واثمرت ولدينا الان مراكز في الموصل والبصره والعمارة تعمل بجهود الشباب الذين تدربوا وتخرجوا في المركز.
5. فتح الدراسات التخصصية جراحة القلب وطب القلب للبالغين والأطفال كان بمبادرة من المركز واثبتت نجاحها وفائدتها .
6. المشاركة المكثفة لحضور المؤتمرات العربية والدولية والندوات وعقد المؤتمرات السنوية العلمية ساعد في الانفتاح على مراكز متخصصة عربيه واوربيه واستقطب كفاءات اجنبيه وعربيه وعراقية من كل صوب وحدب مثل مصر والاردن وسوريا ولبنان وكندا واميركا وفرنسا وايطاليا واسبانيا وسويسرا وانكلترا والسودان للعمل بفرق طبيه واقامت علاقات للتدريب والتبادل واجراء البحوث ومنح الاختصاصات في مراكز علميه كهولندا وايطاليا وفرنسا وحتى جنوب افريقيا والحصول على الكتب الحديثة والنشريات والمجلات اللازمة للتدريس والبحث ، كل ذلك حدث وجري في اصعب واقسى واطول فترة حصار على العراق . لقد ساهمت العملية التدريبية والتخصصية في المركز في تطويره حتى اصبج عدد العمليات للقلب المفتوح يوميا ثمانية عمليات في ثمان صالات بلغ عدد كوادرها الكثر من 120 عنصرا وكان عدد اجراءات القسطرة بحدود 20 حاله وبلغ القبول السنوي للتخصص اكثر من 15 طبيب سنويا .
7. اما عن تجربتي بعد تسلم ادارة المركز ، فقدت خرجت منها بحقيقة ان الادارة ومسؤولية الموقع ثمنها كبير جدا ومحفوف بالمخاطر لكن قوة الإرادة والصراحة والوضوح في الهدف والقدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب وتحمل تبعياته وتقييم العمل المتكرر للتحقق بمسيرة انجاز الهدف المنشود مكنتي من الاستمرار مهما كانت المخاطر طالما ان النتائج المتحققة ملموسة وايجابية . كانت أزمة التلوث التي ورثتها والنجاح الكبير الذي تحقق بالقضاء عليها بالرغم من كارثيتها درسا بليغا في اهمية العمل الجماعي صدق فيها القول بان الأزمة والغمة يجب ان تثير اليقظة والهمة ورب ضارة نافعة .
الحقيقة التاريخية والمهمة التي منحتني اياها تجربة الادارة والمسؤولية والعمل بالقرب من او بتبعية المسؤول الأول في الدولة من خلال ارتباط المركز بديوان الرئاسة وقبلها بمكتب الرئيس هي حقيقة ان الرئيس لم يكن هو المشكلة في إثارة المثبطات والعوائق واقع الحال كان الرئيس هو الحل لهذه المشاكل إذا حصلت واطلع عليها ، لكن المشكلة كانت في البطانة السيئة التي كانت تحاول ان تحشر نفسها في كل كبيرة وصغيرة وهي بطانة كبيرة ومتعددة الارتباط يتنافس المنافقون فيها والباحثين عن الجاه بالوشاية والتضليل لكسب رضى المسؤول والصعود على أكتاف الآخرين بأي ثمن. وهذا ما لمسته من تجربة إدارة المركز عندما وجدت نفسي أمام كم هائل من التساؤلات ولجان التحقيق بسبب الوشايات والتقارير ونقل المعلومات الكاذبة حتى من اقرب العاملين والزملاء حولي ممن صنعتهم وساعدتهم بنفسي عندما كنت مديرا ، هكذا تقارير لم يكتب واحدا منها في المركز قبل تسلمي الإدارة او خلال خدمتي الطويلة في الجيش بموقع فني مهني بحت لكن وبعد مرور سنين الاحتلال ومتابعتي لما تصرف به بعض من هؤلاء البطانة السابقة بالتعامل مع من بيدهم المسؤولية والسلطة الجديدة وبنفس الصيغة من اجل التسلق والتشبث من جديد ، كشف لي حقيقة ضعف الإنسان أمام مغريات الحياة ومفاسدها وهو الذي حمله الله الأمانة بعد أن أعرضت عنها السموات والأرض والجبال لينحدر بمغريات العيش الى أسفل السافلين ، لست ولن اكشف او اتكلم عن هذه التجربة القاسية او شخوصها لو كلفني ذلك عنقي ولست معاتبا في كلامي احد ولست نادما على شيئ فعلته لهم وما زلت اقول واكرر المثل الشعبي العراقي الشائع ( افعل خير وذب بالشط ) .
إن الحياة معاناة وتضحية حب السلامة فيها ارذل السبل
جهاز قسطرة
8. عندما تم توسيع المركز وتوسيع صالات العمليات والعناية المركزة واضافة جهاز قسطرة جديد وبناء مطبخ حديث وكافتيريا راقية للمنتسبين واعادة النظر بكل متطلبات العقامة ونصب اجهزة تعقيم متقدم وتم رفع سقف العمليات الجراحية الى ثمانية عمليات يوميا بعد ان تم اجتثاث التلوث وتحسنت نتائج التداخلات القسطارية العلاجية والعمليات الجراحية وتحقيق مخصصات وامتيازات جيدة للمنتسبين وتم ربط المركز فنيا واداريا بوزارة الصحة وتم ترصين مستوى الدراسات العليا وقبول اعداد جيده للتدريب وتحقيق ما كنت اصبو اليه وبسبب حجم المتاعب والمسؤلية وما ترتب عليها ، ولغرض تهيئة من هو كفوء لإدارة المركز وبمناسبة يوم القلب العالمي الذي اقيمت فيه فعالية مارثون للمنتسبين شارك فيها اعداد من المرضى و وجوه اجتماعيه وطبيه وفرق رياضية ، كما اقيم معرض للغذاء السليم للقلب وكان هذا في رأيي جزء من نشر الثقافة الصحية والوقائية للتخلص من السمنة والغذاء المضر والتدخين ومزاولة الرياضة وقد بدأت الفعالية من وزارة الصحة عبر جسر مدينة الطب وصولا الى المركز .
وفي قاعة المركز تحدثت بكلمة مع المنتسبين في نهاية الفعالية وقلت :
أنا حقيقة في قمة السعادة لما حققناه جميعا في المركز،ولم يعد لي من طموح احققه بعد مسيرة الاعوام التي قضيتها كمدير فيه واعتقد ان الوقت قد حان لتهيئة من سيخلفني في هذا الموقع..
وكنت اعتقد حقيقة ان تهيئة البديل وانتقاء الأكفأ واحد من اساسيات استمرار تقدم المركز واستثمار عطاءه وسيكون كلامي محفز لمن يطمح بذلك ، لكني بعد اسبوع وعلى ضوء ما وصل من معلومة ، فوجئت باستدعائي ومناقشتي بجدلية كيف تعلن امام المنتسبين ذلك ، وأنت تعرف ان الطموح لا ينتهي لمن عنده عطاء ؟ فما كان عندي من جواب الا انني بدأت اشعر ان كثير من الكوادر الموجوده اكثر نشاطا وطموحا واندفاعا مما اصبحت انا عليه بعد ان استنفذت كل ماعندي من خلال الإدارة واصبحت راغبا للتفرغ للتدريس والتدريب بعد ان توسعت مهام الدراسات العليا ، وهكذا استطعت الإفلات في حينها مما كا يمكن ان يعرضني لتحقيقات قد تنتهي بعقوبة . لكن الامور بعدها انتهت بعقوبة اكبر واحباط قاتل في 8 نيسان اليوم الذي شهد احتلال بغداد ونهب المركز بتشجيع القوات الغازية ثم حرق اكثر من 60 % من بنايته واقسامه بمكيدة ونحاسة وانتقام ، يوم اصبح من أسوء الايام في حياتي نكدا ويأسا وقنوطا تمنيت اني كنت لم اشهد احداثه .
هل بامكانك يا دكتور ان تستعرض لنا اسماء لامعة في اختصاص جراحة وطب امراض القلب ساهمت في انجاز ما تحقق بهذا الاختصاص في العراق
لقد اقترحت ان اغير السؤال الخاص بانجازات شخصية والذهاب الى سؤال اخر يستذكر شخوص واطباء الاختصاص وفي رايي هذا السؤال هو اكثر فائدة للقراء وفيه رد جميل لمن يستحق ان نذكر اسمه والانجازات الشخصية وردت في سيرة الحياة النشوره لا مبرر لذكرها؟؟
الدكتور شوكت الدهان كان اول من يشار له بتبني هذا التخصص سريريا وتدريسيا واستخدام اول جهاز لتخطيط القلب ومنهم من يقول ان الدكتور الشريف عبد الحميد و الذي جلب اول جهاز للتخطيط ، عودة الاستاذ محمود الجليلي في الاربعينيات وتدريسه في الكلية مع شوكت الدهان شكل نواة التاسيس وقد نشر الدكتور الجليلي بحثا يعد اول البحوث في الخمسينات عن الذبحة الصدرية في مؤتمر للقلب باميركا كما نشر الدكتور شوكت الدهان معظم خلاصات البحوث التي القيت في مؤتمرا جمعيات القلب في مجلة الكلية الطبية تم الدكتور حبيب صادق وعبد الرزاق القزاز والدكتور فرحان باقر ومهدي مرتضى واحسان البحراني ويوسف النعمان وعدنان سرسم ومؤيد العمري وخلدون ابراهيم حلمي وعبد الحميد العباسي ومجيد الشماع وجعفر الكويتي وصادق علوش وابراهيم طه في بغداد، والدكتور مصطفى رجب النعمة وفريد بني وجوزيف مارو وعبد السلام العطار وفاروق شينا وفائق حداد( البصرة) فيما يحسب عبد الاله الجوادي وطاهر الدباغ وصديق الخشاب ( الموصل ) الدكتور عبد الحميد العاني وعوف السامرائي وفلاح داود وفاروق شينا وطاهر الدباغ وحكمت الشعرباف وعادل سليم ومصطفى سليم القامجي و مصطفى الورد و فيصل حبه ونزار المفتي وسامي وصفي ثم فاروق العبدلي وصباح ميخائيل وسالم باكوس وعمار طالب وعلي فرج وسعد شكري وقيس الزبيري وسطم الجميلي وازهر كساب وعماد المشاط ونجم هرمز وناجح الاسدي ونجم داود ورياض صالح والنجار وجلال مسه وحسان كيسو ونبيل حسو ومحمد الغبان وجمال احمد ورسمي الركابي وابراهيم حسافه وكامل نامق و طالب مجول وحامد الدليمي و حسن النجار.
وتم اعداد كادر من الشباب المتخصصين من حملة البورد وقسم كبير نال زمالات علمية مثل قاسم الدوري وهلال الصفار وعامر زيني وتحسين الكناني وزهير الناصري وايمان العبيدي وامال المراياتي وخلود غازي وميسون عبد العزيز وكامل نامق وعلي عبد الامير واثير الانصاري وصادق الهماش وحسين عبد الوهاب وفارس شاشا وفارس حراق واعداد من الجيل الجديد ممن لا تحضرني اسمائهم اليوم ممن سيحملون مهمة هذا التخصص الدقيق بل في الحقيقة يحملوه اليوم في مراكز عديدة في انحاء العراق والذي امتاز بتحقيق طفرات علمية سريعة في مجال التشخيص والعلاج الدوائي والقسطاري والجراحي والبحثي في دول العالم المتقدمة بسبب خطورة هذه الامراض وانتشارها الواسع ..
معروف عنك بأنك طبيب ألفقراء ترفض أن تأخذ أجرة عملك منهم ..هل لديك مواقف طريفة مع مرضاك؟؟
لا ،حقيقة انا لا أدعي اني على هذه الصيغة من الزهد أو أعالج مرضاي بلا أجور،وليس هذا هو المطلوب من الطبيب الانساني الرصين . الأطباء بشر اعتياديون ينبغي ان تكون حالتهم المعاشية والاقتصادية جيدة كي يعيشوا عيش الهناء والعطاء سواء كان في السكن او الغذاء او المظهر والاحتياجات ، انا منحدر من عائلة ذات دخل متوسط وبعد تخرجي وتدرجي كطبيب كان ما اكسبه من المال الحلال من مزاولة المهنة يكفيني للعيش بشكل جيد ومقنع بسبب امتهاني للطب الذي كان له الفضل الكبير في عيشي وهنائي وتربية وتعليم ورعاية عائلتي بشكل سليم . طبيب الفقراء هو الطبيب الذي لا يتقاضى اجور ممن لا يستطيع دفع اجور رعايته طبيا ، هو الطبيب الذي يتقاضى أجرا محددا مقننا عرفا او قانونا ، هو الطبيب الذي يرعى المريض على حجم علته ومعاناته وليس على حجم الاجور ، هو الطبيب الذي ينصح ويحيل المريض الى المختبر الجيد ويعطيه الفرصة لنيل رعاية افضل الاطباء وانصحهم وابرعهم لو احتاج المريض طبيبا آخر أو اختصاصيا آخر ، الطبيب الإنساني هو الطبيب الذي يفحص المريض بشكل جيد وبوقت كاف كي تكون اجور فحصه استحقاق ، الطبيب الجيد هو الطبيب الذي لا يجري ولا يعطي علاجا ولا يحدث اجراء او عملية او جرحا فيه ضرر او تكلفة بلا دوافع علمية مفيدة للمريض وليس بمبرر المال او الكسب الغير مشروع . ضمن هذه المواصفات برزت في العائلة الطبية العراقية نماذج رائعة تفي بمعايير الطبيب الإنساني بمواصفات القسم الطبي ، كالاستاذ المرحوم الدكتور احمد صميم الصفار والاستاذ الدكتور عبد اللطيف البدري كانوا قمم في السلوك المهني الرفيع ومثلهم كثيرون وعلى النقيض منهم أيضا في عصرنا اليوم حيث تمتحن القيم والمثل كثيرون و وصفي بهذا الوصف (طبيب الفقراء ) قد لا يتفق عليه الجميع وربما يطلق على أمثالي مقارنة بسواد كبير في هذا الزمن من الاطباء ممن يتقاضى اجور عالية او يفحص ويدخل في غرفته اعداد تفحص بالجملة او يكتب ادوية كثيرة ويطلب فحوص فائضة ويجري عمليات وجراحات بلا دوافع أو يفحص اعداد هائلة او بالجملة .
والذي نفسه بغير جميل لا يرى في الوجود شيئا جميلا
أما طرائف المرضى فهي لا تعد ولا تحصى ويكاد يكون كافة ما نقرأه او نسمعه من طرائف يشكل واقع متكرر في المزاولة الطبية اليومية .
من الطرائف الطبية التي كنت طرفا في حدوثها بالصدفة ، هو ان احد المحامين الكبيسين تخرج ابن من كلية الطب وكلفني ان يرافقني ابنه خلال فحصي لتدريبه عن كيفية استقبال المريض وفحصه والتعامل معه و وافقت على ذلك وهو امر اعتيادي كثيرا ما اكلف به وكان جناح عيادتي الخاصة في حينها في مستشفى الجادرية . وفي احد الايام دخلت مريضة معها طفل صغير وهي مرعوبة بسبب اصابة ابنها بفتحة ولاديه بالقلب وبعد فحص الطفل واجراء الفحوص تأكدت من أن الطفل سليم ولا توجد في قلبه اي علة او فتحة ، وعندما اخبرتها برأيي وان الطفل سليم فقدت عواطفها وانهالت بالحديث والدموع تنهمر من عيونها وتوجهت نحوي تريد تقبيلي فاحنيت انا رأسي وصارت تقبله وتدعو لي ، فإذا بهذا الشاب الطبيب المتدين المتخرج والمراقب لغرض التدريب والذي اصبح اليوم اختصاصيا بالقلب وبدون توقع ينهال بالضرب المتكرر على راس الام ويصرخ حرام حرام ابتعدي ما يصير ! وبالصدفة يبدو ان الشيخ الدكتور احمد الكبيسي كان في غرفة الانتظار سمع ما يحدث وفتح الباب فأخبرته بما حدث والمراة وطفلها والطبيب موجودين ، فإذا به يصرخ بوجه الطبيب المتدرب قائلا : حرام عليك وكفخه قائلا كيف بك تشك بنية هذه الأم والتفت الى الأم قائلا : (لو انا دكتور عمر لاعطيتك خدودي تقبليها وانا ابن عم الدكتور اذا تريدين تقبليني لانه بشركي بسلامة ابنك تفضلي )!!.غيرت هذه الكلمات الأجواء وضحكنا جميعا .
ألدكتور صائب شوكت أواخر أيامه
أصطحبني والدي ألى عيادة ألدكتور صائب شوكت في شارع ألمتنبي ...يومها كنت لم أتجاوز ألعاشرة من ألعمر وأشكو مغص كلوي ...رأيته ممشوق ألقوام في عقده ألسبعين أرستقراطي ألملامح هادئ وكأنه ينقل لك فجأة شريط أحداث ورجالات ألعراق ألعظام ...مد يده لفحصي ...ياترى هل هي تلك أليد ألتي لامست ألملك ألمغفور له فيصل ألاول ...لم أنسى تلك أللحظة ماحييت ....هل ألتقيت يادكتور بمن يلقب برائد ألجراحة؟؟
لم يسعفني الحظ ولم تتاح لي الفرصة للقاء بمهندس الجراحة ورائدها في العراق وهو واحد من ستة اطباء عراقيين ساهموا في تاسيس كلية الطب والاستاذ الوحيد بها بعد تدريبه في المانيا وبريطانيا . ودرس فيها التشريح والجراحة وتوفي رحمه الله في 12 شباط 1984 عن عمر تجاوز ال 86 عاما كون ان المصادر تذكر انه من مواليد 1898 .
أكبر وأقدم الجراحين الذين التقيتهم وكان احد الممتحنين لي في امتحان الجراحة العامة عام 1969 كان الدكتور سلمان فائق رحمه الله .وأقدم الجراحين الذين درسوني وكان عميدا لكلية الطب و وزيرا أطال الله عمره هو الاستاذ الدكتور عبد اللطيف البدري الذي يعاج تحت إشرافي الان في عمان .
مستشفى أبن ألنفيس
في صيف ١٩٨١ توجب علينا كطلبة هندسة أن نقضيها في ألتدريب وكان حظنا ألعاثر أن ساقنا ألى مستشفى أبن ألنفيس ولحد ألان لاأجد رابط مشترك بين مهندسين كهرباء وردهات ألقلب ألمفتوح ..أو ثلاجة ألموتى ألتي لاندخلها ألا عصبة ...كنا نلعن حظنا كل يوم طيلة ذلك ألشهر ....وحمدنا ربنا شاكرين أننا لم نختار ألطب كمهنة ...هناك كلفني والدي أن أوصل سلامه لأبن محلته وصديق طفولته ألدكتور صديق ألخشاب ... بحثت عنه في أروقة ألمستشفى حتى وجدت غرفته ...كان يقف بصدريته ألبيضاء تعتمر ياقتها وردة رازقي ...ماهي تجربتك معه وخاصة كنت من يتبرع براتبه لموظفي ألمستشفى؟؟
أجيب أولا على أخر السؤال كنت اضع راتبي بمعية مدير مكتبي طيلة فترة ادارتي للمستشفى وكنت اصرف منه ما احتاجه لتغطية بعض اجور العمليات لمرضى ومراجعين لا يملكون سداد اجور العمليات او سعر الدواء ، واستخدم منه مكافئات للمنتسبين كانت خارج حجم صلاحياتي المالية تشجيعا لأداء متميز أو مبادرة جيدة .
أما فيما يخص مستشفى ابن النفيس فهو واحد من مستشفيات العراق المتخصصة بجراحة القلب والصدر العريقة ومركز من مراكز تدريب طلبة الدراسات العليا في الإختصاص ومستشفى بن النفيس تاريخيا مرتبط باسماء وجهود أطباء وجراحين مشهود لهم بالكفاءة مثل الدكتور عدنان سرسم والدكتور يوسف كالوتي والدكتور صديق الخشاب وهم أحياء أطال الله بعمرهم . اكثر أطباء القلب شهرة في مستشفى بن النفيس كان المرحوم الدكتور جعفر الكويتي والدكتور علي فرج الصالح ورسمي الركابي . الدكتور صديق الخشاب الذي ذكر اسمه في صدر السؤال لا يعرف عنه تعليق الورد والرازقي وهو كان قد تفرغ لمهنته ولم يتزوج أطال الله في عمره ، فيما كان المرحوم جعفر الكويتي هو صاحب الورد والرازقي على ياقة السترة والصدرية البيضاء وهو الخبير بالسجاد اليدوي وانواعه والمولع بالشعر والشعر الشعبي وكان بيته رحمه الله نسخة من متحف تراثي عراقي يجمع فيه اعتق السجاد الايراني والحياكات اليدوية العراقية وانواع المجوهرات والسبح والمحابس والصياغات الفضية والنحاسية القديمة . علاقتي بالدكتور صديق الخشاب وثيقة وعلاقة عمل وكان مهتما بجراحة القلب و وسائل تقدمها في العراق وكان من أقدم جراحي العراق في المركز ورافقني بالسفر الى مؤتمرات عديدة وكذلك لعلاجه في فرنسا حيث كان مهتما وعارفا باهمية البصر في اختصاصه وكان يعاني منها . ولي معه صولات وجولات ونقاشات علمية وليس لديه أي اهتمامات اخرى غير جراحة القلب ما يؤخذ عليه انه لم يكن على وفاق مع المرحوم يوسف النعمان لاسباب تتعلق بالعمل الجراحي وبقيا كذلك لحين وفاة الاستاذ يوسف النعمان . أما ذكرياتنا في ابن النفيس فتعود الى الاجتماع الاسبوعي الذي كنت مع د جعفر الكويتي وعلي فرج وصديق ومصطفى الورد وفيصل حبه ننظمه كل يوم خميس اسبوعيا نعرض فيه الحالات الصعبة وافلام القسطرة في الثمانينات قبل انشاء مركز بن البيطار بفترة طويلة، ذكريات مليئة بالحماس العلمي والانجازات القسطارية العلاجية الرائعة منها توسيع الصمامات بالقسطرة برع فيها الدكتور محمد الغبان والدكتور نبيل حسو في هذا المستشفى.
هل تذكر تلك ألحادثة عندما طلبت من ألرئيس ألسابق صدام حسين زيادة رواتب ألاطباء ....غضب وخاف زملائك من أن تنالكم عقوبة بدل ألزيادة ...هل ترويها لنا ؟؟
لا الحادثة تفصيليا ليست كذلك ، انا لا يمكن ان اطالب الرئيس بمردود مادي او زيادة رواتب ؟ ما حدث هو اني استدعيت فجأة من اجتماع الهيئة الوطنية لإنتقاء الدواء للتوجه الى مكان ما وكنت في حينها مديرا لأمراض القلب والتحقت مع مجموعة اطباء المركز الى قاعة اجتماعات التقينا فيها مع مدير المركز و وزير الصحة ورئيس الديوان بالرئيس المرحوم صدام حسين . وبعد ان استمعنا لحديثه حول المقابلة واوضاع المركز تحدث مدير المركز وكان الرئيس في حينه متشنجا لمطالبة المدير باستيفاء اجور علاج المرضى العرب ورد بقوله لسنا جباة مال من مرضى اليمن نحن كنا نرسل لهم حقائب المال بلا مقابل ، جاء دوري في الحديث وطالبت بتوفير معدات واجهزة طبية للقلب متقدمة ومعدات تدريس لطلبة الدراسات العليا وكنت في كل مرة ادافع عن وجهة النظر بضرورة توفيرها وكان هو يسجل ويسال واحيانا يناقش حول مصادر المنشا لماذا ليست فرنسية او شرقية . وانتقلت بعد ذلك حول الخدمة التعليمية لأساتذة الدراسات العليا في القلب وقلت ان المركز هو الجهة الوحيدة التي تمنح شهادات عليا في الاختصاص كالبورد العراقي والاساتذة غير مشمولين بقرار اعتبار الخدمة في ديوان الرئاسة خدمة جامعية لحملة الشهادات العليا علما بانا مرتبطين بديوان الرئاسة وليس من المعقول ان طبيبا مثل جعفر الكويتي اللذي يقوم بتدريس طلبة البورد وهو من اطباء المركز ان لا تحسب له هذه الخدمة جامعية . امتعض الرئيس( رحمه الله) وقال لقد وصلني طلبك هذا ورفضته متقصدا وكافي تلغف ! انا شخصيا تفاجئت واجبته لم اكن اتوقع يا سيدي ان كلمة ألغف في قاموسك لانني اعمل مرتبطا بديوان الرئاسة و بك ، فكيف لغف ؟ نهض الرئيس مع اثار الانزعاج من الجلسة وتركنا جالسين لأكثر من ربع ساعة بصمت ونظرات الجميع تتجه نحوي بنظرات عاتبه ، بعد ذلك رجع الرئيس وهو يحمل منديل يمسح به وجه وخاطبنا : لقد نسيت كان يجب ان نأخذ صورة جماعية لهذا اللقاء ، فنهضنا جميعا و وقفت انا في آخر الصف بدلا من ان اكون قريبا وشاهد هو حالة الوجوم السائدة على وجهي و وجوه الحاضرين فبادر يخاطب المصور هذه ليست صورة لقاء بل هي صورة من المعركة ! فضحك الجميع وخرجنا ، المهم اننا حال وصولنا المركز فاجئنا مدير المركز بتنفيذ كافة الطلبات بضمنها تلك التي اقترحتها وخلال 48 ساعة وكلف جميع الدوائر المختصة وذات العلاقة بالتنفيذ . فيما هاتفني رئيس الديوان في وقتها يؤكد لي ان الرئيس كان يقصد بكلمته كثرة الطلبات التي قدمتها وليس غير ذلك . وتقدمت في حينها بطلب الاحالة على التقاعد او عودتي الى مستشفى الرشيد وجاء الرد (تنسب ان يبقى الامر كما هو عليه الحال وعلى الأطباء الاستفادة من خبرته بسرعة ! ) طبعا اثارث كلمة السرعة هذه شكوكي . وعلى ذكر مطالبتي بزيادة الرواتب في السؤال اود ان اذكر حقيقة ان يوم المقابلة كان في 13 تموز أي قبل ترفيع ضباط الجيش وكنت في حينها عميد متأخر 12 جدول ترقية أي ست سنوات وهذا غير معتاد لكني أساسا كنت ارتدي الملابس المدنية طيلة تنسيبي الى المركز وكان زملائي الاطباء العسكريون من دورتي أكثر مني حاجة للرتبة لأن الترقية الى لواء كانت محدودة بحجم الملاك ولهذا ترفع الكثير من الآطباء المتخرجون بعدي الى لواء قبلي على وفق الملاك الذي يشغلوه . وكان بإمكاني ان أطالب بترقيتي لكنني لم افعل ولا يمكن أن اتقدم بطلب خاص بي ، لكن الذي حدث بعد ذلك هو تعيني من بين اكثر من ثلاثين طبيبا مقترحا لمنصب المدير عند تغييره وكان اسمي وسط القائمة ورأيت بعيني كيف ان الرئيس انتقى اسمي بخط قلمه وأصدر مرسوما جمهوريا بتعيني مديرا عاما للمركز وقبلها بترقيتي في عيد الجيش اللاحق الى رتبة لواء . لم يقابلني الرئيس صدام حسين عند تعيني ولم التقيه بعد ذلك ، ولم أكن ضمن الكادر الطبي الذي يتابع حالته الصحية ، وقد زار المركز لمرات عديدة اثناء ادارتي له باوقات بعد الدوام الرسمي او قبل الدوام الصباحي فجرا ولم اكن موجودا ولم يطلب حضوري وكان في كل مرة يطلع على اقسام المركز ويتحدث مع الاطباء والخافرين ويكرمهم ويثني على نظافته وسير العمل فيه ولم يعاتبني يوما عن عدم وجودي خلال زياراته .
إنصافاً لقد اهتم الرئيس الراحل صدام (رحمه الله) بموضوع تطوير الخدمات الطبية في فروع التخصص الدقيق كما اهتم بالتعليم الطبي ، وفيما يخص امراض القلب ، كان له الدور الكبير في اقتراح انشاء مركز صدام لجراحة القلب والمركز العراقي لامراض القلب الذي أسسه الزميل طالب مجول خيرالله بعدئذ وكان يتابع أداء المركزين وتنافسهما في الأداء .أذكر من قبيل اهتماماته اننا كنا نفكر بمكان بديل للمركز في موقع غير منطقة علاوي الحلة وفعلا تم تخصيص قطعة في منطقة العطيفية على نهر دجله ، وفي زيارة تفقدية له لمشروع جزيرة بغداد ومنتزهها على دجلة خلف جامعة بغداد في الرصافة بعد اكتمال انشائها مع وزير الري وأمين بغداد وجد قطعة ارض شاغرة بين البحيرة والجامعة تصلح لتشييد منتجع او قصر الخ ، وبانتظار ما كان يريد اقتراحه على هذه القطعة ، قال : إن افضل من يستفيد ويتشافى في هذا الموقع الجميل هم مرضى القلب ، وفعلا تم استدعائي وكان وزير الري وأمين العاصمة موجودان في الموقع وتناقشنا في متطلبات المركز وتم بعدها تسجيل القطعة باسم مركز جراحة القلب وكنا بصدد اكمال التصميم النهائي للمركز قبل حدوث الغزو ، ولا أدري الان ما تم بصدد هذا المشروع وفيما إذا كانت قطعة الأرض موجودة لغاية اليوم أو نهبت واستغلت !!.
بعد ٢٠٠٣ بأشهر وكان شهر رمضان تعرض دارك لمداهمة ألقوات ألامريكية وأعُتقل نجلك ألطبيب أيمن ....كيف كانت فديته قنينة ويسكي : سأكمل نص ما حدث وتفاصيل الذاكرة؟؟
في احد أيام رمضان عام 2003 حيث كان احتلال العراق قد وقع قبل سبعة أشهر في نيسان من نفس العام كنت عائدا من مستشفى الجادرية الى البيت مساء فوجئت بوجود أفراد من جيراني في الشارع أمام داري عند وصولي يخبروني أن مجموعة من أفراد القوات الأمريكية وهمراتهم قد داهمت المنطقة واعتقلت مجموعة من شباب الشارع بظمنهم ولدي الأكبر الطبيب المتخرج حديثا واتجهت بهم الى احد المعسكرات التي يشغلوها ، جاءت هذه الحادثة لتكمل أحداث سبقتها كانت جميعها تنذر بالتصفية والتهجير منها مداهمة داري وإطلاق النار على سائقي وسيارتي والأبواب ، هالني الحدث وعرفت في حينها إن البحث عنه قد يفلح بإنقاذه قبل فوات الأوان ، كان ابن أخي وصهري طبيبا شابا يعمل في وزارة الصحة في حينها جاهدا مع مجموعة من الشباب الأطباء لإعادة تفعيل الخدمات الطبية في بغداد ، تعرَّف خلالها على احد الضباط الأمريكان برتبة عقيد احتياط مهتما بالأشغال الهندسية في وزارة الصحة وسبق أن زار مركز جراحة القلب و وعد خيرا بإعادة تأهيله تعرف خلالها على موقعي واهتمامي بتشغيل المستشفى ، أبلغ صهري هذا الضابط عن حادث المداهمة واعتقال ابني الطبيب و وعده بانه سيقوم بالتحري عنه ، وفعلا قام الرجل بتحديد موقع اعتقاله في احد مواقع التعسكر الأمريكية وأخبر صهري بانه قدم لأيمن احتياجات الطعام والمنام وقام بنزع رقم التوقيف الذي عرف فيه تمهيدا للتحقيق معه كمحاولة لإطلاق سراحه خلال ساعات قبل إخلاءه الى احد مراكز التوقيف كما أشار بأن توقيفه مع مجموعة من شباب المنطقة قد جاء بناء على وشاية أحد المخبرين السريين من سكنة المنطقة ! ، في اليوم التالي اتصل بي صهري وأخبرني بان الضابط الأمريكي اخبره بان أيمن سيطلق سراحه ولكن بشرط صعب فهو يعرف أننا في رمضان ولا يستطيع الحصول على قنينة ويسكي ولا يطلب إلا الويسكي بعد إطلاق سراحه، عرفت المغزى من طلبه جيدا ! وتعوذت بالله من المغزى ، لكن صهري أسرع قائلا لقد تبرع أحد أصدقائك من الأطباء الين يعرفون عنادك بتسليمه قنينة ويسكي أحضرها على الفور ، تم إطلاق أيمن في تلك الليلة
أخر ليلة رمضانية تقضيها في بغداد بعد ان توجهت بالعائلة الى عمان ، بل أخر عهدك بعائلة افترق شملها ولم يلتَّم جمعها وها هي السنة التاسعة التي تصوم فيها رمضان خارج العراق والعائلة مفترقة ومنتشرة بين عمان وكندا وانكلترا واميركا والسويد.... هل ندمت لتركك ألعراق؟؟؟
أنا لم أترك العراق بخياري ،وبقيت بعد الاحتلال عامين أخرج منه وأعود اليه واستمريت بالبقاء والعمل بعد الاحتلال كاستشاري وتدريسي بعد ان تم إقصاء المدراء العامين وانتخاب مدراء جدد أيام مجلس الحكم وبذلت جهد كبير مع المنتسبين لإعادة بناء وتأهيل المستشفى ويشهد على ذلك الزملاء العاملون في المستشفى لغاية اليوم ، لكن مع تفاقم حملة اغتيالات الاطباء وارتهانهم وارغامهم على دفع مبالغ طائلة او قتلهم وتعذيبهم وبوصول رسالة التهديد وقبلها مهاجمة داري وسائقي وخطف سيارة المركز المخصصة لنقلي ومن ثم اعتقال ولدي وفديته بقنينة ويسكي كما ذكرتم وبعد الحاح من الأصدقاء وبالذات المرحومين الاستاذ صبحي عبد الحميد والاستاذ ناجي طالب رحمهما الله والزملاء الدكتور كريم هاني والدكتور عبد اللطيف البدري حيث كنا نلتقي اسبوعيا غادرت العراق مع العائلة على مضض ، لا اقول نادم اذ ربما كان يكلفني البقاء حياتي او حياة اهلي والله اعلم لكني فارقت العراق الذي لا اطيق فراقه بحزن وألم ودموع وبشعور المكسور والخائر الذ لا حول له ولا قوة على عكس ماكنت عليه من شكيمة ووشموخ وانا لا انكر واشهد الله اني لاقيت من جراء عملي وهمتي وشهرتي الأمرين من الأجهزة الأمنية في حينها ومن شخوص نافذة في زمن البعث حزبيا و وظيفيا وتعرضت للتحقيقات والتهديدات والوشايات بمجلس تحقيق متكررة شارك فيها وزراء ومدراء ومسؤولين وكانت جميعها بدافع الحسد والتقرب من السلطة والمنصب في حينها وكنت فيها بريئا ومما جاء بها نظيفا ومن ضمن من شارك بالوشاية وكتابة التقارير عني من هو قريب من السلطة اليوم وهم يعرفون انفسهم جيدا لم اتحدث باسمائهم وعناوينهم رغم ما فعلوا سامحهم الله ومع ذلك لم تهتز مشاعري ولم يتأثر عملي وإخلاصي ولم انتقم من احد لا حينها ولا بعدها فذلك ليس من شيمي . اعود فأقول كانت عمان عاصمة الأردن في ذلك العهد مكان رئيسي لمؤتمرات القلب والتبادل بالخبرة والعمل في مستشفيات عمان والمركز ومن خلال الخدمات الطبية وجمعيات امراض القلب وقد شاركت بهذه النشاطات بهمة واندفاع وتمازجت صداقاتي وعلاقتي بمعظم اطباء القلب وجراحيه في الأردن وتوثقت علاقات حميمية وعائلية ولكن منذ وصولي عمان وهجرتي اليها بعد الاحتلال أستمر شعوري بالحزن والخيبة عالقا مما يشعرني بالإنكسار وانسحبت هنا بدون أي علاقة ناكرا كل تلك العلاقات الحميمة ولم يعد لقائي بهم الا بالصدفة لشعورني المتفاقم بمحنة الغربة وشدة المحنة والهزيمة مع كامل اعتزازي وتقديري لإحتضانهم لي واحتفائهم بلقائي . أنا هنا في عمان اعمل لساعتين يوميا فقط لمتابعة المرضى العراقيين في احد المستشفيات الاهلية بترخيص عمل كطبيب عام شاكرا لإدارة المستشفى و وزارة الصحة والعمل ترخيصها لي مع زملاء اخرين عراقيين مشاهير بمهنة الطب منهم من يفوقني عمرا وشهرة باختصاصاتهم . بعد ذلك ألازم بيتي وجلساتي مع الاصدقاء والمعارف والزوار في ديواني الذي اتشرف مؤخرا لتفضلكم بنشر ملخصات جلساته ولا احضر الا مجالس العزاء التي اصبحت تشكل كل نشاطي خارج السكن وكما تعرفون انا مقاطع لمجالس الفرح والزفاف والقران وغيرها من اتراح الناس . هذا الشعور بالهزيمة والاغتراب وانا بين الاهل والمعارف سببه تركي القسري والتهجيري من العراق الذي احبني واحببته ( كم موضع في الأرض يسكنه الفتى وحنينه ابدا لأول منزل ) وكل شعوري وأملي الذي أصطبر فيه نفسي ونفوس زملائي ان اليوم الذي سنعود فيه الى العراق باحتفاء وتقدير ورفعة رأس لا خفية ولا سرا بلا خوف وتردد قريب انشاء الله ، وحينها سيرجع كل منا الى مستشفاه وعيادته ومختبره وطلابه ومحبيه لتعود لنا الحياة ولا يبقى من محنة التهجير والاغتراب الا الذكريات .
عمان
تقيم حالياً في عمان وتقول تعودت أن أحضر مجالس العزاء العراقية والتي اعتاد العراقيون على حضورها بشكل مكثف حيث لم يعد يجمعهم فيها بكل أطيافهم ومكوناتهم إلا هذه المجالس والفواتح ، ألا ألمحزن هو من دفن لنا في بغداد أطباء لامعون ورموز بارزون كان مشُّيعوهم يعدون بأصابع اليد الواحدة . أيهما أقسى..... فالموت واحد؟؟
فرق كبير بين اين يموت الانسان مغتربا محروما بعيدا عن اهله ومعارفه وبين ان يموت في وطنه ومدينته وبين اهله واحفاده وعائلته . فرق كبير ان يموت الانسان موتة الاغتراب اللئيمة غير مطمئن على مستقبل اولاده المهجرين وعائلته المشردة وبين ان يموت في سكن بناه وبين عائلة امنة مطمئنة بما خلف لها وترك لها , فرق كبير ان يموت الانسان مشردا بعد كل ما قدم من عطاء وخبرة وعلم وعمل وبين ان يموت مكرما ومحتفى به بما يستحق تقديرا لعمله و وفاءه . الفرق كبير بين ان يهاجر العلماء والاكفاء والمخلصون والنزهاء خوفا من كيد العملاء والجهلاء والسراق والفاسدين ليموتوا خارج العراق على الكفاف وبسبب القهر والمعاناة بينما ينعم أناس لا هم لهم ولا شأن الا بالمال الحرام والإثراء من الجريمة في العراق .
ذو العلم يشقى في النعيم بعلمه واخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
الذين يعملون اليوم في العراق بهمة وشرف من الاطباء والعلماء والكفاءات لبلدهم ومرضاهم وطلبتهم بالرغم من ظروفهم الصعبة ومخاطر العيش التي يتعرضون لها هم افضل مني ومن غيري من المهاجرين بدرجات كبيرة في الدنيا والآخرة. وجزاهم الله لصمودهم وعملهم خير الجزاء .
تطالعنا مقالاتك ألعديدة عن أحوال ألبلد ومأل أليه وأنتقادك ألشجاع لكل ما يسئ للعراق ...منها عراق بلا كفاءات , أمة شتات يحكمها غزاة وشقاة! وشراهة ساسة الكرد.. وتهافت ساسة العرب وتقاسم العراق..... .لماذا هذا ألتوجه ...هل مايحصل أخرجك من طور هدوئك ونحن ألذين نعرف بأن للأطباء خط كشخبطات ألقط وليس لديهم نفس ألكتابة بهكذا جمالية لغة وروعة تركيب ألنص ...كيف جمعت ألنقيضين ألعلم وألادب؟؟؟
الأدب موهبة مكتسبة وموروثة كما يبدو يتم من خلاله التعامل في الحياة مهنة وسلوكا ، لذلك ليس هناك تناقضا ان تكون طبيبا واديبا كما كان اطباء العرب الاوائل ومنهم ابن رشد وابن شبل البغدادي وفلاسفة اليونان كارسطو وافلاطون وجالينوس وما عليه اطباء محدثين اشتهروا بالأدب اكثر من الطب كالدكتور ابراهيم ناجي ويوسف ادريس والدكتور ريكان ابراهيم ولا تناقض في ان يكون الطبيب سياسيا وقد أجبت على هذا السؤال مرتين كنت فيها اعاب على انغماسي في الكتابة السياسية :
الطب والسياسة ، كلاهما علم وفن ، لا يستقيما الا بالإخلاق
يقول أنصار المدرسة السياسية السلوكية أن علم السياسة اقرب صلة الى علم الاحياء والطب من علم الفيزياء والهندسة كون ان السياسة تعني فن ادارة المتغير لا الثوابت والارقام . والسياسة علم وفن يتطلب حدة تفكير وذكاء عال لمن ينشد النجاح في هذه المهمة ، وتأريخيا شهد العالم على مر العقود المتأخرة كبار الساسة حكوميين ومقاومين ومعارضين من الأطباء تسنموا مناصب رئاسية وقيادات سياسية متقدمة اسهموا في بناء دول شامخة .
الدكتور صن يات سن يحسب الأب المؤسس وأول رئيس لجمهورية الصين عام 1912 وعلى صعيد شقيها الشعبية وتايوان الوطنية لكنه قضى معظم حياته السياسية لاجئ ومعارض حتى بعد نشوء الجمهورية والدكتور مهاتير محمد الذي غير ماليزيا من دولة صغيرة الى واحدة من اكبر الدول نموا واستقرارا وتصنيعا خلال فترة عقدين من الزمن استقال بعدها ان حقق طموحاته
وتسلم نور الدين الاتاسي رئاسة جمهورية سوريا لأربع سنوات ليعيش بعدها أكثر من عقدين من الزمن في سجن انفرادي قبيل وفاته ومن المقاومين يذكر جيفارا وجورج حبش وعبد المجيد الرافعي والقائمة تطول باسماء الاطباء الساسة في عالمنا العربي وفي العراق قبل الاحتلال ومنهم عبد المجيد القصاب ومحمد حسن سلمان وناجي شوكت وعبد اللطيف البدري وعزت مصطفى وشامل السامرائي ورياض الحاج حسين وكريم هاني ونزيهة الدليمي وصادق علوش وكثيرون ممن لايكاد التاريخ ان يذكرهم الا بالخير وحسن الأداء والسيرة وانا هنا لا أذكر القادة الاطباء الذين جاءوا توريثا أو بإرادة غزو او احتلال.
بعد احتلال العراق كان مجرد قدوم أطباء المعارضة (وهم كثر) مع قوات الغزو أو اصطفافهم ودخولهم بعمليته السياسية الفاشلة يشكل كارثة وطنية ناهيك عما اسهموا فيه من خلال تسنمهم مناصب رئاسية مهمة من كوراث ومصائب مما يحسب حقيقة ظاهرة شاذة وسلوكية فريدة لا يمكن ان تعلل الا بالحاضنة السياسية الملوثة وغفوة وسبات ذهني لاينم عن ذكاء او عبقرية ترقى لمهنة الطب ومستلزماته وقد سبق ان نشرت مقالا عنهم بعنوان(الساسة الاطباء الذين جاءوا مع الاحتلال ) .
قد يكون النمط الذي تكلم عنه الكاتب حامد شهاب من أطباء السياسة هم النمط الذي ارادني ان اكون بعيدا عنه متمثلا بمن هم في صفوف العملية السياسية القائمة التي وصفها بالمريضة والفاشلة والتي تجاوز عدد الاطباء في مجلس النواب فيها السبعين برلمانيا ، وقد تكون طبيعة السياسة الخادعة التي تمارس اليوم في العراق هو النمط السلوكي السياسي الذي يريد الكاتب ان يحذرني من الانغماس فيه على حساب مهنتي وربما له كل الحق في ذلك فرجال السياسة في عراق الاحتلال اليوم ومنظوماته ليس ساسة بمعنى التوصيف السلوكي للسياسة كفن ادارة للمجتمع بذكاء وحكمة ونزاهة وعلمية وسياسة الاحتلال في إدارة العراق ليست فنا او علما او سلوكا بمواصفات السياسة الحكيمة بقدر ماهي خداع وزيف واستغلال وتدمير .
بات واضحا كم هي اهمية ان تكون السياسة الخلاقة وسيلة للخير والتنمية والبناء كما هو واضح كيف تكون السياسة الزائفة معولا لهدم البناء والعلم والتاسيس للفوضى والفساد والدمار من خلال مشروع الاحتلال في العراق حين لم يعد حصانة لكل معلم من معالم الحياة في ظلها . خذ مثلا كيف تدهورالوضع الصحي وهجرت كفاءاته واغتيلت وفسدت سلوكيات وابسط قيم مزاولة مهنة الطب في ظله حين اخترقت منظومة القيم الاجتماعية والخلقية بحيث استطاعت هذه الأجواء ان توفر من بين الأطباء زمرا تسهم بقتل وتهجير زملائهم واساتذتهم مع الأسف الشديد ! .
في أجواء كهذه يحتل فيها العراق ويقسم ويشظى ويفتك بموارده واهله وقيمه ويهجر ويقتل رجاله وكفاءاته واطباؤه وتحتله قوى البطش والمليشيا والطائفية على ارضية احتلال وغزو امريكي وغربي وصهيوني فاضح ! هل يريد من العقول النابهة والكفاءات المشردة والاطباء العباقرة ( كما وصفني بتحيز مشكورا) ان تصمت وتسكت حين يحسب كتاباتي وردودي نمط من العبث والاسفاف بالمهنة وهو يعرف انني اعيش سنوات التهجير الخمس بلا مزاولة مهنة ترقى لمؤهلاتها في المهجر ؟ إن كان حقا ما كتبت أخي حامد حين تنصحني بالكف عما اعتبرته سياسة من خلال كتاباتي وانت تعرف اني طبيب حاذق غير منتم سياسيا لتنظيم ولا اعمل تحت عنوان او راية غير راية العراق ، فإني أهيب بك من خلفية وطنية ان تحرق بكتاباتك ونصائحك جمع الأطباء الساسة ممن هم في سدة السلطة بل ومن قياداتها بعد كل الذي ارتكبوه في العراق من دمار وصراع وفساد ثبتت ووثقت احداثه، أن يكفوا عن السياسة وينسحبوا من ساحتها ويبرءوا من مظلة الاحتلال وعمليته السياسية التي وصفتها بالفاشلة والسقيمة بل على الأقل يحملوا ما غنموه ويعودوا الى من حيث شاؤوا وهم يمحلون جنسياتهم المكتسبة ومواطنتهم التي اقسموا على الاخلاص لها من هذه الدول التي جاءت بهم ، فهولاء هم اولى مني بالنصيحة وأقرب اليك مني بولع السياسة الفاسدة التي وصفتها بالنخاسة والتي تراودك بنفسها كما ذكرت بالمضاجعة بين حين وآخر وانت غير قادر على الكف عنها !،وإذا كان في السياسة نمط من اساليب المكر والخداع بذكاء فليس كل الساسة ( ومنهم من ذكرنا من الاطباء ماكرون وخادعون) ‘ وكما يراد بالطب ان يكون مهنة علم وسلوك اخلاق وقيم، انت تدري وتعرف ان ليس كل الأطباء كذلك ومنهم من اسس لذلك بمشاركته للغزو والإتيان مع دباباته الغازية او في ظلها ، اما ماذكرته بشأن الصحافة الموصوفة ب(صاحبة الجلالة) فانت ادرى بها مني، ابوابها واسعة وفسحها كبيره وقلبها كبير ، ولي ولك ان نختار من ابوابها ما نشاء لنكتب عما نهدف ‘ ولا ارى لك حق مزعوم بان تحرمني من طرق ابوابها الواسعة المفتوحة على خلفية كوني طبيب عبقري او حاذق‘ كما لا ارى مس بمهنتي التي اعتز بها وبعطائي وتضحيتي من اجلها من خلال ما اكتب او انشر . الاطباء الساسة الحاكمون اليوم الذين ابتلى بهم العراق هم اولى بالسكوت مني كي ينقذ الله العراق ، ولست احسب دعائك لي بالسكوت كي ينقذ الله العراق الا اتهام باطل ودعوة مجحفة فاضحة للنيل مني سوف لن يثني عزيمتي ، ولن تخفى على الله مكائده .
وفي رد آخر بعنوان
بأي ذريعةٍ تستكثرون على الأطباء العمل السياسي وتبيحوه لغيرهم؟؟
أولاً : مقولة ان الطب مهنة انسانية هي حقيقة لكنها مؤطرة غير مطلقة إذ ينبغي ان تكون سمة مهنة الطب في تطابق متكامل مع إخلاقيات المهنة ونصوص قسم ابقراط المهني بكل ماتضمن من إخلاقيات او النصوص المستوحاة منه التي يرددها خريجي كليات الطب لمزاولة المهنة وأكد جالينوس على اهمية التمسك بها وإلا تحولت مهنة الطب الى وسيلة عيش حالها حال اي مهنة عيش أخرى بل ربما ادت مزاولتها متجردة عن إخلاقياتها الى كوارث بدلا من ان تكون مهنة عناية ورعاية وعطاء . واقعا تتواجد من بين الاطباء نسبة ليست ضئيلة تورطت واساءت لمهنة الطب بل تورط الطب باحتواء هذه النسبة الممتهنة ولهذا يبقى الانسان رهينة لمغريات النفس سواء ابدع في مهنته او اساء ، الابداع في القدرة الذهنية لا يعني دائما انه إبداع انسانياَ او مفيداَ وعندما جاءت مجموعة من الأطباء من خلال تنظيمات سياسية شاركت بالعدوان على العراق واحتلاله ودماره وما زالت مشاركة بهذا الفعل فانها ضمن اخلاقيات قسم ابقراط تكون خرجت عن إخلاقيات الطب وتورطت لكن عندما يدرك أطباء اخرون ان خطر الإبادة التي يتعرض لها العراقيون بالسلاح والامراض والتلوث والجوع والغذاء والدواء الفاسد بشكل متقصد من سياسات الاحتلال واعوانه ويقف هولاء الأطباء متصدين للإحتلال لوقف هذه الإبادة البشرية بكشف مخططاته و منع إبادته والحث على مقاومته وخروجه ، هل تشكل هذه المواقف حماية الإنسان اختراق لقسم أبقراط او لمهنة الطب الإنسانية ؟ وهل يصح ان يقال عنهم انهم ساسة تورطوا في وحل السياسة ؟ هل يلغي امتهان الطب احساس الطبيب بهموم الأمة ويحرم عليه الاسهام بمناهضة المحتلين ؟
ثانياً : يعتقد الكثير من المخططين والمنظرين في مجالات التعليم ان استحواذ واحتواء مهنة الطب لمعظم اصحاب القدرات الذهنية في أي مجتمع راق او متخلف يحسب كارثة تخطيطية كبيرة وبالتالي فان معظم المهن من غير الطب هي مهن انسانية فالتعليم والادب والعلم العسكري والاقتصاد والسياسية والكيمياء والفيزياء وعلم النفس كلها تهم الانسان وسياقات اسعاده او عيشه في هذه الحياة ومن غير المعقول وفقا لهذه النظرية ان يستمر حشد الطاقات الذهنية المتفوقة في مهنة الطب لتترك كما يحدث في مجتمعاتنا حشد الطاقات المتدنية في المهن العسكرية والعلوم الانسانية النظرية . مسؤولية ضابط صغير يقود فصيلا وعلاقته بمصير افراد فصيله امر انساني خطير يستوجب انتقاء من ندخله في الكلية العسكرية بمستويات وقدرات ذهنية متفوقة ايضا تمنح القائد العسكري اداء انسانيا لا يقوم على التهور والايذاء والعنف والمجازفة التي ربما تكون الخلفية الدارجة من تسلط هولاء القادة بمصير الامم والشعوب وإحداث نكباتها طالما ان الهيمنة والسلطة وقهر الاخرين وزجهم في السجون كما حدث للاطباء الساسة الثلاث في سوريا كما اشار الكاتب محمد الدليمي هي معيار النجاح والفشل .
ثالثاً : السياسيون الاكاديميون الذي تورطوا ميدانيا وليس اكاديميا بسياسات الامم والشعوب وفشلوا في معايير الأداء الميداني السياسي يشكلون الغالبية الكبرى من بين جميع القادة السياسيين في شعوب الأرض والامم المتقدمة منها والنامية ولم يشكل الاطباء الساسة الفاشلون بمعايير التقييم الا جزأ يسيراً من بين الاطباء الذين امتهنوا السياسة في كل شعوب الأرض وإلا لما اصبح قادة امم اطباء وحكماء مضرب الامثال مثل صن يات مؤسس دولة الصين الحديثة او مهاتير محمد باعث نهضة ماليزيا او جيفارا التحرري وكاسترو المقاوم لكن الكاتب استعمل معايير مختلفة لما تستعمل الامم الاخرى لتقييم نجاحات او اخفاقات قادتها ولهذا يحسب مشاركة الاتاسي والقدسي وزعين وماخوس والرافعي وجورج حبش والسرطاوي ومنيف الرزاز و وديع حداد والرنتيسي والظواهري وفي العراق تحسين معله وفؤاد شاكر وفائق البزاز ومحمود حياوي ورحيم عجينه وعزت مصطفى ومجيد القصاب وسامي شوكت و نزيهة الدليمي ومحمود عثمان ورياض حسين وكريم هاني و راجي التكريتي وشامل السامرائي وغالي والشماع وكثير من الاطباء الساسة قد تورطوا وفشلوا بمجرد انهم عدوا ضحايا لسياسات خاطئة او تصفيات غادرة او فترات نضالية متئزمة لكن الحقيقة هي غير ذلك فهولاء الاطباء يذكرها التاريخ بسبب ما انجز اصحابها من نجاحات سياسيا وليس مهنيا مع ان منهم فطاحل في اختصاصاتهم وانسانيتهم .
رابعاً : لماذا يحسب للطبيب الفنان المبدع مثل خالد القصاب او علاء بشير او ابراهيم ناجي الشاعر وغيرهم إن إبداعهم الفني فضيلة فيما يحسب للاطباء السياسيين اسهامهم تورط وعيب ونقيصة وهروب من مهنة انسانية الى مهنة كالسياسة يعابون عليها .
خامساً : يقال ان (غلطة الحكيم بألف) لكن هذه الحكمة يجب ان لا تحسب على السياسيين الاطباء فقط بل تنسحب على كل اهل الحكمة في كل الاختصاصات والسياسة واحدة من المهن التي تتطلب الحكمة وبهذا المفهوم ربما يكون الاطباء والحكماء هم أولى بالسياسة من غيرهم كأن يكونوا ضباطا او اقتصاديين او اداريين او مهنيين إذ ليس في مواصفات الطبيب الملتزم ما يمنعه ان يكون نائبا او وزيرا او رئيساً.
سادساً :وحيث ان واقع الحال لاداء السياسيين العرب المعاصرين قادة وزعماء يشكل كارثة انسانية ميزتها التسلط والعنف والفساد أو ليس أولى بنخب الاطباء والمهن الانسانية الاخرى ان يكونوا اولى بمعالجة ومناهضة هذه الكوارث السياسية الانسانية بما يملكون من قدرات ذهنية متفوقة اهلتهم ليكونوا اطباء انسانيين قبل ان يكونوا ساسة ممتهنين خصوصا حين تشهد وتجمع مجتمعاتهم عليهم بالحكمة والنزاهة والحلم ؟ .
سابعاً: الدارج من القول ان السياسة هي فن الممكن تتحكم فيها المصالح بل قيل في السياسية ماهو افجع من ذلك وأمر، وعدت سلوكاياتها مبررة بنبل الغاية ومن هذا المنطلق تنطلق دعوات وجوب تعفف الاطباء عن هذه المهنة لكن واقع الحال عند التقييم يستوجب ان لا تحسب سياسة كهذه وسيلة ناجحة لتحقيق غايات نبيلة وسامية كالعدل والمساواة والحرية ، فكما لا يصح ان يكون جميع الساسة مفترسين ومقتنصي فرص يصح ان يقال ان نجاح المقتنصين للفرص والمتفرسين بالقيادة يستوجب ان يكون لهم باع في السياسة .
ثامناً: الاطباء الذين ذكرهم الكاتب محمد الدليمي امثلة من الذين جاءوا مع الاحتلال لغزو العراق لا يشكلون قاعدة يقتدى بها للخروج بنتيجة خطيرة كالتي توصل اليها الكاتب لأن هولاء الأطباء كان بامكانهم أن يبقوا ممتهنين للطب خارج العراق قبل قدومهم لعيشوا هانئين مترفهين لكنَّ هولاء الأطباء تورطوا بمشروع إحتلال وعن غير حكمة او حلم قبلوا ان يكونوا ادلاء بل دعاة لقدوم الجيوش الزاحفة والمدججة والعدوة الى وطنهم دون ان يكون لهم اي مشروع معلن مع من جاءوا معه غير السلطة التي من خلالها حققوا مصالحهم وطموحاتهم النفعية التي لا سقف لها ولا حدود الا بما يقدمون للمحتل من خدمات لقاء ما يقبضون هولاء الساسة الاطباء لا يشرفهم كما اتضح بعد هذا الاغراء ان يعملوا بصفة أطباء حتى في خدمة المحتل الذي جاء بهم كونهم فقدوا اهليتهم لمهنة الطب منذ ان نقضوا بقسم ابقراط ومضامينه وقبلوا أن يكونوا عملاء وليس أطباء هولاء يجب ان لا يقارنوا بغيرهم من أطباء السياسية الذين أبلوا بلاءً حسنا منذ أيام تشكيل الدولة العربية والإسلامية . انصح القارئ بالعودة الى قراءة المقالتين اللتين كتبتهما لمعالجة نفس الموضوع :
1.الطب والسياسة كلاهما علم وفن لايستقيما الا بالأخلاق (كتابات)
2.الأطباء الذين جاءوا مع الإحتلال (القدس العربي).
بغداد
وأن كان ألعراقييون يحيطون بك في عمان ....هل تشتاق لبغداد ... وماهو أكثر شئ تشتاقه وتتمنى رؤيته؟؟؟
يكفيني شعرا نظمته لبغداد وللعراق في قصائد متعددة عن قول النثر قلت:
بغداد ينبوع عذب كان يسقيني إني ظمئت ولا من ماء يرويني
مدينة المجد حبا صار يؤرقني متى اللقاء فقد جفت شراييني
مدينة الفخر يا ثوبا كسيت به إني عريت فهل من ثوب يكسيني ؟
بغداد نسمة عيش كنت ارشفها أين النسيم الذي يشفي ويحييني
اني سئمت حياة لا طموح بها وكل ماطال عيشي صار يؤذيني
مررت بالكون لا شرقا به سكن وليس في الغرب انسامٌ تناجيني
وما اغترابي وترحالي سوى نزق به ابتليت وعمري فوق ستين
ودعت بغداد محمولا على مضض اسلو بسبعة احفاد تواسيني
واليوم احيا وحيدا بعدما نفذوا وصار كل حفيد رهن توطين
عفوا لبغداد فالاحداث ما فتئت تترى هموما وعن بغداد تنسيني
كنا اذا غرد العصفور في وكن وجدا نساقيه في شدو وتلحين
وكان كل الذي نصبو وننشده أن يهنا العيش في عز وتأمين
ودجلة الخير كانت زهو موعدنا اما الفرات ففيه الزهو يسليني
الباسطات على اطلاله رقصت شدو النواعير الحانا تغذيني
وفي ربى هيت اطلال تؤرقني جنب المنارة عبر الدهر تذكيني
يا مسقط الراس يا أم المجانين كبيسة السخي مختوما على الجين
ياجذوة الفكر ياعيناً ومملحة يا أرض مج يغذي الجلد بالطين
مهما تنقلت من صوب الى حدب تبقين في الذهن سلوىً للمحبين
هناك في البصرة الشماء لى قمرٌ كالكرخ ذكراهُ بين الحين والحين
"أبو فرات" وفي أطلالها نُظمت مقصورة ً في ديار الهجرتُشجيني
في الكرخ أشخصه حياً وينشدها " يادجلة الخير يا أم البساتين"
"ياشيخَ بشار "مالي لاأرى نفقاً مع "الحبيب" وتمشي في الحراشين
"معروفُ" قد هُجرَت بغداد واستلبت أيقظ "جنيداً" لعل القطب يسقيني
يا "كاظم" الغيظ باسم الغيظ تجلدنا ثاراتُ عنف ٍ بمثقاب ٍ و سِكِّين
فتوى العمائم ِمدفوعٌ لها ثمناً تُلقى جُزافاً بإغراءِ السلاطين
أين" أبن حنبل" من تبرير مجتهدٍ وأين جعفر من فتوى الشعانين
وأين من أوقد الدنيا وأشعلَها من منبر ِالشام زحفاً صوب"حِطين"
كيف الذي جاء َمجتثاً يوحدنا ؟ وكيف نٌغزى بفتوىً من حيازين؟
وكيف غاز ٍأتى كي يستبيح بنا ؟ جمعٌ أتى مرشداً في بِزة الدين
واللهِِ قطرة دم ٍ من فصائِلنا ليست بألفٍ من الأوغاد تجزيني
واللهِ كلُ شهيد ٍ أسفكوا دمَه لو عوٌّضوه بجيش ٍ لا يُكَّفيني
ماصَحَّ إلا صحيحٌ تلك قاعدةٌ والقادماتُ من الأحداث تُنبيني
سيهزم الجَمع إدباراً وفي وَهَن والإحتلال خنوعاً نحو تَقنين
والقادمون مع الأرتال يلحقُهم خزيُ العمالة في سِفر الأحايين
يبقى العراق أبياً رغم مافعلوا خيراً وأمناً قريراً في الأحاضين
لقد عَرِفناه ُ ما حلت به محنٌ إلا وهبَّ غيوراً كالبراكين
فراق بغداد اذكى في قرائحنا فكراً وشعراً وعمقاً في التلاحين
وهمَّها صيًّر النطاسَ موهبة نثراً ونقداً وشعراً في الدواوين
بغداد إنا سنأتي من مهاجرِنا نعيد مجدك في زهو ٍ وتحصين
سترجعين عروساً لا يساومها في طُهرها كيدَ" شارون"ٍولا ش
مهما بحقدٍ وكيدٍ واهمين مَظوا يبقى العراقُ كبيراً في العناوين
وقلت في قصيدة : ما مات العراق و بغداد خالدة
الى الشاعر الطبيب وليد الصراف الذي نظم إعلان وفاة العراق شعرا والى الكاتب د. هاني عاشور الذي قرأ على العراق السلام في عمود منشور والى نفسي التي احتبست بعيد الفطر هذا العام جاءت هذه الخاطرة الشعرية :
أهدي الى بغداد نظميَّ غاضبا في عيدها وانا المهجر ناحبا
بغداد حاضنتي ورمز آصالتي كانت فاضحيت الحضين السائبا
فطمت رضيعا كان رهن حليبها ظمئان لم يجد الثدي الحالبا
كيف ارتضت لطبيبها وأديبها هجرا وكان لها الشفى والكاتبا
او ان تكون عليلة وسقيمة ويكون آسيها شريدا غائبا
العيد في بغداد جاء مواسيا خجلا به صمت ويبدو عاتبا
مليون أرملة يجدد حزنها أيتام لا يجدوا معيلا كاسبا
ظمياء يؤسرها الجفاف قساوة ظلماء اضحى النور فيها عاطبا
والنار تضرم كل يوم معلما فيها ليصبح في الحرائق لاهبا
لا عيد يسعدها لكي تزهو به والعنف خلَّف ديدنا ومذاهبا
آسٍ على شعبٍ العراق وحاله هم قسموه روافضا ونواصبا
لكن هذا الشعب رغم كوارث ثقلت عليه بقى يقاوم واثبا
فعل الغزاة كفعل وخز لقاحة تعطيه زخما كي يكون الغالبا
مرت عليه مصائب ونوائب كانت لوقفته العلاج الضاربا
لو قطعوا أغصانه فعموده يزدان في التقليم نصبا لاهبا
لا تحزنن لقول من غدروا به يجنون مما يهدفون الراتبا
يبغون تقسيم العراق لانهم يستهدفون مقاعدا ومناصبا
للعرب جمجمة اذا ما هشمت يجنون من قصم العراق ضرائبا
وُهِبَ العراق تماسكاً وتجاذبا ماء ونفطا جلَّ فيه الواهبا
لو ان في الأنبار شادوا دولة لوجدت في فعل الشقاة غرائبا
او أن بصرته استقلت غفلة زحفت على طول الحدودعقاربا
ولسال نهر من دماء شبابها ولصار عنف بالعشائر ناشبا
والأخوة الأكراد يوما يدركوا ان انفصالا يستفز جوانبا
لو حققت احزابهم ما اضمرت سيثير ما هم فاعلوه مقالبا
هو ذا العراق اذا اصيب بنكبة فجميع من فيه يعيش عواقبا
فإذا استفاق رأيته متوقدا يقتص من فعل الغزاة مكاسبا
سبعا وعشرين احتلال قاومت بغداد في تاريخها ومقالبا
ظلت على مر الزمان عصية شيماء تزهو بالعلوم كواكبا
ما اهتز ديدنها ولا إرث لها عربية التاريخ ترفع حاجبا
ولئن تمكن جمع غزو غادر ان يقطعوا بالعيد عنقا ناصبا
هو ضاحك منهم وهم قد لجموا من كان حقا للبطولة حاسبا ؟
وهو الذي ما اهتز يعرف أنه في عز وقفته يهز شواربا
الآفَ أشبالٍ وَلِدنَّ حرائرٌ صاروا ليوثا يفتدون مضاربا
هو ذا العراق فيا بيارق رفرفي حان الاوان لكي تثار مطالبا
هو ذا الحراك شبابه قد صمموا أن تٌسقِط الساحات حكما خائبا
الله اودع في العراق بطولة ليضل رمزا للصمود وحاصبا
ولئن تشبث ساسة في سعيهم يبقون محتل يثير مقالبا
كي يفرغوا بغداد من علمائها وتحاك في عهد اللصوص مصائبا
العار سوف ينالهم ويطالهم هم أصبحوا فيما جنوه شوائبا
والله ان بقى الغزاة ومددوا سيسومنا هذا البقاء مصاعبا
يكفي بهم عار تشبثهم به ثمن له اضحى العراق خرائبا
عفوا (ابا بكر) ولست مكابرا إن كان غيري راثيا او نادبا
يبقى العراق ولن يموت مكبلا ولسوف يرحل من تورط هاربا
والأرض كيف أمتها يا شاعري والشرق عاشقها وتغري الغاربا
لو لم تكن أرض العراق خصيبة ما كان قد طال العراق مثالبا
لو انها ماتت لجفَّ فراتها ولما رايت مقاوما ومحاربا
فلرب ضائقة تزيل مكارها بل رب نافعة تؤجج كاربا
هو ذا العراق اذا النوائب اطبقت يشتد عزما كي يصد عصائبا
هم راحلون لانهم قد ادركوا خطأ به وقعوا اثار متاعبا
وسيركب الاقزام قبل رحيلهم كل الى من يقتفيه مشاربا
وأساة بغداد الجريحة يرجعوا من كل صوب قاصدين مراحبا
وبناتها فيما حضوا من همة سيشمرون سواعدا ومناكبا
بغداد ليس لها سوى ابنائها يبنون صرحا شامخا ومواكبا
هو ذا العراق فهل لآس يدعي ( أضحى رفاةً) أن يكون الصائبا؟
عفوا (وليد ) إذا اجبتك ناقدا كوني لما فعل الأسود مراقبا
الباسطين على الأكف حياتهم ( أسد مضرجة تلوب لواغبا)
ولأن شعرك جاء حبا صادقا ما كان نعيك للعراق مناسبا
لا أدعي شعراً به او موقفا أبتز فيه مشاعراً ومحَاسِبا
إرجع لتاريخ العراق وغص به تنبيك عن ما أدعيه مكاتبا
هل تركت لك ألوظيفة كطبيب قلب بعض وقت تقضيه في هواياتك...وما تلك ؟؟
انا عندي هنا في عمان كم متواضع من الكتب والاصدارات يتنامى بمرور الزمن اقضي بمطالعتها بعض الوقت لكنه لا يرقى لحجم ما تركته من بغداد من مصادر وكتب و وثائق وارشيف كما اراجع المجلات الطبية واصدارات المؤتمرات المتخصصة بامراض القلب ويأخذ الانتريت مني وقتا لا بأس به مع اني اكره الفيسبوك والماسنجر والتوتر . ومع ضيق الوقت وزحمة العمل لعقود الزمن التي قضيتها في العراق مقارنة بسنين الهجرة ومحنة الاغتراب ومتسع الوقت والفراغ بعد الاحتلال أرى ان الاغتراب قتل كل الهوايات ، لقد اختفت هواية رعاية الحديقة والمزرعة وهواية قني ورعاية كلب الحراسة الذي انتظر عودتي لسنين عديدة ومات بسن ال 16 عام دون أمل!!!
واختفت جولات يوم الجمعة بين سوق السراي والمتنبي وسوق الهرج ، واختفت جولة زيارات مراقد بغداد بين الامام الكاظم وابو حنيفة والشيخ معروف والجنيد والسري السقطي والطائي وحبيب العجمي والخلاني وسيد سلطان علي وعثمان بن سعيد
وزياراتي للنجف وكربلاء والأمة الاطهار، اختفت سباحتي ورياضة الجدف بين التكارتة ومدينة الطب دجلة واختفى الاستحمام بحمام الشيخ معروف وحمام شامي
وهواية جمع السبح . لم يعد شد الرحال وحنيني للعوم في عين كبيس او صعود النخيل ممكنا في مسقط الرأس . اختفى الغزل من شعري ليحل مكانه شعر المحنة والحنين . اصبح الشغل الشاغل الوطن والكتابة وندوة الاثنين في الديوان....
هل تطالع موقع مجلة ألگاردينيا ومواضيعها وماذا تفضل من مواضيع للقراءة ...وكيف هي علاقتك بالسيد مدير ألموقع ألاستاذ جلال چرمگا ؟؟
من المؤكد ان موقع الگاردينيا وقبلها مجالس حمدان الثقافية يثير اهتمامي ومتابعتي واعتقد انه اصبح موقع محبب لنفوس كثير من العراقيين فهو موقع اخباري وتراثي وتاريخي وسياسي ناهيك عن الارشيف العراقي الخالد والمتنوع الذي تتوق له النفوس وبالذات نفوس العراقيين المغتربين والمهجرين ويشد العقول بالوطن بوثاق المواطنة الحقة ويربط بين الماضي والحاضر كما يتطلع الى المستقبل ,انا شخصيا اتبع واطلع على معظم مايكتب وينشر فيه والموقع رصين بحياديته وطروحاته المتزنة و أكن للأخ الاستاذ جلال چرمگا كل الود والتقدير لدوره الاعلامي والتثقيفي الكبير ولسعة صدره في تحمل كل هذا الكم الهائل من النشريات التي تجد فيها حرية التعبير والنقاش والحوار رائعة ومتوازنة بين الاراء المختلفة والاتجاهات الواسعة وكل التقدير للكوادر التي تتحمل معه مسؤولية المضي بإدامة هذا المنبر والصرح الاعلامي والاخباري والفكري والتراثي والسياسي الكبير .
كلمة لقرائنا ألاعزاء ولمتابعيك في كل مكان ؟؟
أبيات شعر متفرقه موروثة تغنيني عن الكلام :
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الاجسام
وشبيه صوت النعي بصوت البشير في كل ناد
صاح هذي قبورنا تملئ الأرض فأين القبور من عهد عاد ؟
والله لاقتيد زيد باسم زائدة ولصطلى عامر والمبتغى عمر
حتى التماثيل تستوحى بها مثل خير من البشر الخالين من مثل
وبعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان وفي الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تتمردا
أما كلمتي ألاخيرة فأقول.... ألقلب ...عرفناه نحن معشر ألبشر ذلك ألصندوق ألعصي ألاسرار , خزين ألعواطف , يجتمع فيه ألحزن وألفرح معاَ , تنطلق منه آهات ألعشق , وترنيمات ألاغاني , دليلنا في مشوار حياتنا يقودنا صائباً مرات ....ويخطئ أغلب ألمرات وعرفه معشر ألاطباء بعد أن فكوا طلاسم أسراره وعاملوه كعضلة فيها من ألصمامات وألشرايين كأنها مضخة حياة ...فأذا ما توقف ...توقفت ألحياة وكلانا أن أختلفت رؤيانا ....فالقلب واحد..
يرى اخرون ان هناك اكثر من قلب في الجسد الواحد وقد سبق ان عقدت ندوة في مستشفى بن البيطار فكريه بعنوان القلب العضوي والقلب المعنوي ، كما قيل ان للرجل قلب وللمرأة قلبين ! وفي الشعر الشعبي العراقي مقطع يقول :
تتمنى لك قلبين غماي على هالراي نص قلب عندي عليل وسلمته لهواي .
في أمان ألله ...لضيفنا ولكم
الگاردینيا: نقول للدكتور/عمر الكبيسي: أنتم ثروة وطنية بحق .. رعاكم الباري..
352 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع