إيلاف/ عبدالجبار العتابي:يعدّ المطرب العراقي، قحطان العطار، من الظواهر الإنسانية المحيّرة في الفن العراقي، فشهرته لم تتراجع طيلة أعوام في وقت يبحث هو عن العزلة والإبتعاد عن الأضواء.
تعد ظاهرة المطرب العراقي قحطان العطار، من الظواهر الإنسانية المحيّرة التي تحتاج الى دراسة، فهو مطرب أحبه الناس منذ أن غنى أول أغنية له، لما يمتلك من صوت حساس يمتزج فيه الحزن بالفرح والشجن والحنين والأسى والطيبة، صوت يتفق الجميع على انه مميز بكل ما تعنيه الكلمة لنقائه وصدقه، وعلى حد رأي الناقد الموسيقي الراحل عادل الهاشمي "صوت قحطان لا يشبه إلا نفسه".
وظلت محبته تكبر في النفوس مثل شهرته التي اخذت تتسع لأكثر من أربعة عقود على الرغم من أنه في حالة عزلة عن الأضواء وترك الغناء منذ اكثر من عشرين عامًا، فالغريب أنه لم يأبه بهذه الشهرة الطاغية، لم تبهره، ولم يدمنها، فترك كل شيء وسعى الى الهجرة والرحيل بعيدًا جدًا عن أرض الشهرة، وحين استقر في الدنمارك منذ سنوات طويلة ذاق مرارات الغربة، وبالتأكيد ان هذه المعاناة، تترتب عليها معاناة مادية، ونحن نعرف ان الغناء يوفر له سبل عيش افضل، لكن الغريب انه لم يفكر في هذا، ولم يبال بالدعوات والطلبات الكثيرة التي تأتيه من اجل الغناء، بل اطلق لحيته وقبل تصويره في فرن، فتكهن البعض بأنه يعمل فرانًا، فيما قال البعض الآخر انه فرن لصديق له، لكن في كل الأحوال الصورة معبرة عن واقع الحال للفنان الكبير.
ويقول البعض الآخر من المقربين ان لديه عودًا ويدندن عليه ببعض الاغنيات في جلساته الخاصة فقط.
الا تحتاج هذه الظاهرة الى دراسة وتحليل؟ الى وقفة لمعرفة الاسرار الخفية وراءها؟ والى متى يبقى قحطان العطار على ما هو عليه؟ اما كان الاجدى به ان يستفيد من هذه الشهرة ماديًا ومعنويًا ويبني له مستقبلاً مثل الكثير من المطربين والمغنين والفنانين عمومًا الذين يطاردون الشهرة، وهو الذي يمتلك صوتًا يؤكد كثر أنه لن يتكرر، بدل الاعتماد على المعونة التي تقدمها له دولة الدنمارك ، لا يمكن طبعًا الحصول على إجابات من دون الولوج الى عالم المطرب الجميل.
يقول الفنان رضا الخياط: أنا وقحطان العطار من جيل واحد ظهرنا معاً في مطلع السبعينات، ما بعد ياس خضر وحسين نعمة وفؤاد سالم، قحطان أكسل من الكسل ذاته وهذا الكلام أقوله له دائمًا، لا يحب تسجيل الأغاني ولا يحب الدخول إلى استوديو، لديه حالة انطوائية كبيرة، وهذه حالته منذ بدأ بالغناء، تجده متردداً وأنا مقرب منه جداً، وظهرنا للناس في ليلة واحدة، وما زالت علاقتي به متواصلة وما زلت على اتصال به، قحطان اغانيه جميلة منذ عام 1980 لم يقدم جديداً.
وأضاف: صوت قحطان العراق لا يعرف الشيخوخة، أسمعه يغني الآن وهو ما زال كما كان، قحطان ما زال في قلوب الناس، وما زالت اغانيه تتردد على مدى السنوات الطويلة، لكنه لا يحب الشهرة ولا يسعى اليها، وأبرز سماته الكسل، واعتقد انه السبب وراء ابتعاده عن الغناء.
اما الشاعر الغنائي رحيم العراقي فقال: قحطان منظومة نفسية وأخلاقية واجتماعية خاصة، وهو مجموعة صفات تصل الى مجموعة عقد، ولكنها الصفات التي نعتبرها أخلاقية وايجابية، قحطان لديه نوع من الحساسية الشديدة، بدأ يفكر بالهجرة قبل الشهرة ، أنا معه منذ الصف الثاني متوسط في المدرسة، ورافقته وكتبت أغلب اغانيه، كان حساسًا الى درجة انه إذا ما سمع في الشارع لفظة غير مقبولة فهي تؤرقه فلا ينام حتى الصباح، وأسمعه يتساءل: لماذا يلفظون هذه الالفاظ؟ لغتنا فيها الفاظ جميلة فلماذا لا نستخدمها؟ وهذه المسائل تزعجه على الرغم من انه كان يكره التنافس، لا يعتبر نفسه ينافس احدًا في الغناء، كان يهمه ان يغني فقط، ولما اشتهر تفاجأ ولم يرغب في ذلك لانه يعتبر الشهرة مسؤولية كبيرة.
واضاف: قحطان كان يحبّ العزلة، وكان يبحث عنها داخل العراق فلم يستطع الحصول عليها لانه محاط بعائلة واصدقاء وناس اصبحوا يعرفونه، فسافر مهاجرًا فوجد العزلة هناك لان الظروف ملائمة للعزلة، اما الغناء فيعتبره شيئًا ثانويًا، انه من النوع الذي يغني لنفسه يحسها حاجة نفسية، ما كان يفكر في جانب ان يكون له تاريخ، حتى الرسائل التي كانت تصله من المعجبين كان يخاف عندما يرى أن كمياتها كبيرة، يقول بخوف: كيف يمكن ان ارضي هؤلاء الناس ويشعر بالقلق حينما يحس ان هؤلاء الناس ينتظرون منه الجديد، فيحس انه مراقب.
وتابع: هو من البداية لا يريد ان يغني وكنا نجبره على ذلك كنا نأتيه باللحن جاهزًا، عنده حساسية شديدة من الشهرة ومن الكثير من الاشياء، اذكر لك مثلاً عندما ذهب اليه الملحن طالب القره غولي بأغنية (حاسبينك)، كنت حاضرًا، اسمعها له على العود ، حتى انها شدتني كثيرًا وقلت انها اول اغنية تعتبر سياسية عاطفية بشكل لا يثلم من جرف اي واحد ، وفرح قحطان بها وبدأ بغنائها بحيث حفظناها بصوته، ولكن الذي حصل ان احدى الفتيات المعجبات قالت هنالك اغنية اسمها (حسبالي) لسعدون جابر، وقالت لصديقتها ان قحطان سيغني اغنية (حاسبينك) فردت عليها تلك هل تقصدين اغنية (حسبالي) وهو ما جعل قحطان لا يغنيها وكان يقلقه هذا التشابه القريب في العنوان.
وأوضح: قحطان كسول جدًا، لا يخرج من البيت لا يذهب الى اي مكان، وكان عندما تأتيه حفلة يضجر لان عليه ان يرتدي ملابس جديدة ويتأنق وغير ذلك، هو ليس فرانًا ولكن الفرن هو لصديق له يذهب اليه دائمًا، وهو يعيش براتب المهجرين فقط ومقتنع به، وهو من السابق لديه هذه القناعة حين كان يعتمد على راتب المؤسسة ويعطي منه مبلغ الايجار 12 دينارا.
وختم العراقي حديثه بالقول: قحطان رجل يحب العزلة وحقق ما يريده بان يكون منعزلاً وبعيدًا، ويعتبر نفسه حقق طموحه، لان كل ما يريده من الحياة ان يكون لوحده، تزوج امرأة أميركية من اجل الحصول على الجنسية الاميركية، وحاليا يعيش في الدنمارك علاقة جميلة جدًا مع امرأة ربما تتكلل بالزواج قريبًا.
فيما قال المطرب محمد الشامي: هناك اشخاص لديهم نوع من الزهد والتصوف، وعدم حبهم للشهرة ويرغبون في ان يكونوا قريبين من ذواتهم، وهناك الكثير من المبدعين لايحبون الشهرة وقحطان العطار لديه حساسية مفرطة وفي اجمل ايام العراق لم يستطع العيش فيه لانه يبحث عن العزلة، سافر الى الكويت والامارات وتونس واميركا، الى ان استقر في الدنمارك، كما انه حاليًا بلا زوجة وهذا يعطيه نوعًا من الانطفاء النفسي ويقلل عنده حب الطموح وحب الحياة ويقلل عنده الاحلام، وفي علاقته لا تقول عنه انه فنان بل تقول انه عابد وزاهد كأنه عائش في صومعة ذاته، قحطان من أول شريط غناه (اماه لا تفرحي في مولدي وتهلهلي) وقلد فيها الراحل سلمان المنكوب عام 1975 ونال الشهرة الكبيرة، والى حد الآن يمتلك الشهرة نفسها، وهذه الشهرة الطاغية لاتجعله يفكر في اعطاء الأكثر، انه يعمل وفق مبدأ (اعيش في قلوب الناس)، هو يشعر انه ما زال يعيش في قلوب الناس، قحطان يعرف حجمه وقيمته في العراق، ويعرف انه اذا جاء الى بغداد وأقام حفلة في الشارع فسوف لن يبقى محط قدم، هو يشعر انه وصل الى قلوب الناس فيما مسألة الشهرة والفضائيات هذه اشياء لا يحبذها اي كان ، ولا يبحث عنها.
واضاف: صوته لن يشيخ، وقد استمعت اليه قبل مدة قصيرة وهو يغني في جلسة خاصة مع عازف اورغ ما زال صوته رائعًا، وبات خمريًا.
اما الكاتب محمود موسى فقال: لم أفاجأ بصورة الفنان قحطان العطار وهو يعمل في أحد الافران في الدنمارك ، فلقد سبق له أن عمل بمهنة أقسى لا تليق برقة هذا الفنان الشفاف والحساس، فلقد عمل نهاية السبعينات عندما هاجر الى الولايات المتحدة بطلاء السيارات من الاسفل بمادة الزفت. ويبدو أن عمله الجديد في هذا الفرن فيه شيء من الحنين لأنه سبق له ايضًا ان عمل نهاية الستينات ومطلع السبعينات بفرن، وقحطان ليس من الصنف الذي يأتمر بأوامر رب العمل بسبب مزاجيته المفرطة وإحساسه المفرط ايضًا بكرامته الشخصية، مشكلة قحطان العطار انه لا يحب المال ولا يحب الشهرة فعندما تربع على قمة الغناء العراقي منتصف سبعينات القرن الماضي سرعان ما ركل هذه القمة ليغادر الى منفاه.
واضاف: يتمتع العطار بشخصية تشبه شخصية الرسام العالمي ( فان كوخ ) أو الشاعر ( ملارمييه ) أو الشاعر ( لوتريامون ) ولهذا تراه دائمًا يبحث عن الحرية لروحه بينما يبحث زملاؤه عن المال والشهرة.
نبذة مختصرة عن سيرة حياة قحطان العطار..
من مواليد الرابع عشر من أيلول عام 1950 في قضاء (علي الغربي) التابع لمحافظة ميسان، نشأ يتيماً بعد أن توفيت والدته وهو لم يتجاوز السنتين، ثم توفي أبوه وهو في الثانية عشرة من عمره، بعدها انتقلت عائلته إلى بغداد في منطقة (كمب الكيلاني) حيث كان يعمل أخوه الأكبر، أكمل دراسته المتوسطة في ثانوية المعهد العلمي في منطقة البتاويين ، وكان يعمل هنالك أيضًا في فرن صمون (خبز) ليحصل على قوته اليومي الذي كان بالكاد يلبي حاجاته البسيطة.
دخل الساحة الفنية من خلال برنامج (ركن الهواة) وقد أُعجب الملحن كوكب حمزة بصوته كثيراً وأراد أن يقدمه كصوت جديد من خلال أغنية بعنوان (محطات) كلماتها الشاعر زهير الدجيلي لكنه لم يتمكن من ذلك بسبب سوء العلاقة بين الملحن كوكب حمزة والسلطة البعثية، بعد ذلك اهتم به الفنان حميد البصري الذي استطاع أن يقدمه للمرة الأولى من خلال أغنية بعنوان (الفرح جنحانه عشرة) من كلمات الشاعر الراحل كاظم إسماعيل الكاطع، ومن هنا كانت مسيرته تتكلل بالالحان الجميلة وبالملحنين الكبار، فقدم له الملحن طالب القره غولي أغنية ( يا ضوه ولاياتنا) من كلمات الشاعر غازي ثجيل، ثم تلتها أغنية " بالكيف " للشاعر عريان السيد خلف، وقدم له الملحن جعفر الخفاف أغنية (إسأل شريانك يا ابن ادم) من كلمات كريم راضي العماري. وجاء دور الملحن محسن فرحان ليكون مؤثرا في مسيرة قحطان الغنائية فقدم الروائع مثل: (لو غيمت دنياي) كلمات عريان السيد خلف ، و(يقولون غني بفرح) كلمات الشاعر جبار الغزي، كما قدم له محسن فرحان أغنية (شكول عليك) كلمات الشاعر زامل سعيد فتاح و (زمان يا زمان) كلمات الشاعر سعد صبحي السماوي.
ومرت حياته بالعديد من تداعيات الهجرة والسفر والصمت ، فهاجر الى بلدان عدة بعد ان آثر الصمت وترك الغناء منذ اوائل التسعينات ، ليستقر به الحال في الدنمارك .
630 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع