وثيقة تلفزيونية المطربة اللبنانية فيروز في القاهرة سنة 1989 لا أحب الروتين في أغاني..
نوافذ
حياتنا صعبة جدا ببيروت فيروز لا يمكنها أن تنزل إلى الملجأ مع بقية الناس ليس هناك غير الإيمان...إنه الملجأ الوحيد ،زياد يحب الناس كثيرا، لكنه يمكن يحب الإنزواء أن أتعب في شغلي كثيرا..
في سنة 1989 أحيت المطربة اللبنانية فيروز حفلة رائعة بمسرح الصوت والصورة التي يوجد بمنطة الأهرامات..وليس هذه هي المرةالأولى التي تزور فيها نجمة الأغنية العربية مصر، فقد زارتها سنة 1954 عندما اختارت وزوجها عاصي الرحباني قضاء شهر العسل. وبعد سنة، عادت إليها من جديد لتغني بها عدة أغان دعما للقضية الفلسطينية. وكانت زيارتها الثالثة سنة 1976 عندما وقفت على حديقة الأندلس التي غنت فيها رائعتها " مصر عادت شمسك الذهب"، أما آخر زيارة فكانت سنة 1989. السنةالتي قدمت خلالها حفلتين تحت سفح الهرم. سيكون من تحصيل الحاصل أن نقف كثيرا عن مسار هذه النجمة اللبنانية الأصيلة، لسبب بسيط هو أن اسمها موشوم في ذاكرة كل الأجيال العربية، بل وحتى الغربية.
لذلك ننتقل بك أيها القارئ العزيز مباشرة إلى هذه الوثيقة التلفزيونية التي تؤرخ لزيارة فيروز للقاهرة قبل نهاية الثمانينيات من القرن الماضي. فقط ستلاحظ عزيزي القارئ، أن فيروز لا تتحدث كثيرا رغم كل ما قام به الصحفي من أجل سرقة جملة طويلة ومواقف واضحة حول القضايا التي طرحها للنقاش مع صاحبة الألبومات الكثيرة والرائعة:(القدس في البال - الليل والقنديل -المحطة - الأغاني الخالدة -الجمعة الحزينة - الشخص..إلخ):
نص الوثيقة التلفزيونية:
الصحفي: حضرتك الآن تعيشين في لبنان، وحكيتي لي أنك في اليوم الذي جئت فيه إلى مهرجان القاهرة مصر عادت شمسك الذهب.. جئت إلى هذا المشوار و لهذا المهرجان.. كان هناك قصف و كان هناك صواريخ وأنت تحركت في هذه الظروف.. أرجعي تحكي لي وأنا أبقى أسمع منك عن مشوارنا…
فيروز:في الحقيقة، حياتنا صعبة جدا ببيروت.. هذه الحرب، التي دامت خمس عشرة سنة وليس يوما أو يومين.. وفي الفترة الأخيرة، كانت صعبة جدا.. لم نكن نستطيع مغادرة البيت.. جالسين في زاوية بالبيت.. وليس لنا أمان(…) الصحفي:أي أننا ابتعدنا عن منطقة القصف [هذا البرنامج عرف استضافة ضيفتين قدمتا شهادتهما حول فيروز].
الضيفة الأولى: فيروز لا يمكنها أن تنزل إلى الملجأ مع بقية الناس.. لا تستطيع أن تواجه العالم وهي خائفة ومتعبة ومرعبة .. عيب علينا أن نترك مجالا لفيروز تجلس هذه الجلسة، أو تواجه بهذه المواجهة.. هي أسطورة.. هي لبنان.. عندما يرتجف لبنان أمام أهله، معنى ذلك أنه راح .. فيروز بقيت مختبأة في مكان ضيق جدا..والمهم هو عدم مشاهدة الناس لها.. وأن لبنان بدأ يهتز ويتزعزع. [كاميرا البرنامج تعود إلى مواصلة الحوار بين الصحفي وفيروز حيث يجلسان بمسرح الصوت والصورة وخلفهما يظهر أحد الأهرامات الثلاثة الموجودة في منطقة الهرم السياحية]
الصحفي: وقصف جزء من بيتك.. صحيح؟
فيروز: نعم
الصحفي: صاروخ
فيروز: جاء صاروخ..
الصحفي: أنت تضحكين. وهذا ما أثار انتباهي فعلا.. تضحكين رغم المصيبة فيروز: ليس هناك خيار..
الصحفي: طيب وما عليش، واسمحي لي بشيء ثان.. شيء حزين… تضحكين رغم كل شيء.. ضحكتك التي نحن بأمس الحاجة إليها.. كل ملايين العرب.. تحكي لي وتعلميني فعلا كيف يمكن للواحد أن يتجاوز مصاعبه.. في بنته أحيانا وفي زوجه وفي ولده و في كل كوارث لبنان.. أي يبقى في لبنان بالقرب جدا جدا من الآلام ويتعرض.. كيف يمكن…علميني؟
فيروز: الإيمان..أنا مؤمنة كثيرا. وأكيد ساعدني الإيمان كثيرا على كل.. حياتنا ليست سهلة.. ليس هناك غير الإيمان.إنه الملجأ الوحيد.. وفي كل الأوقات الصعبة والحلوة…وبعد كل ذلك، كل شيء له ثمن في الحياة.. يعطيك شيئا ويأخذ شيئا… مع الوقت يبدأ الواحد يشعر… ولا نعرف إلى أين.. هناك سؤال دائما يطرح: إلى أين؟
الصحفي: لماذا يقع هذا في بيروت الست فيروز؟
فيروز: الشر كبير
الصحفي: هل سألت نفسك هذا السؤال؟
فيروز:طبعا
الصحفي: وماذا كان الجواب؟
فيروز: ليس هناك جواب.. الإنسان يعرف أن الحياة.. الإنسان صاحب هذه الأشياء العظيمة وصاحب التدمير في نفسك الوقت
الصحفي: ليس هناك جواب
فيروز: ليس هناك جواب
الصحفي: أتذكر من كلامتك أن قلت: الأخ يقتل أخاه..ويسأل لماذا؟ ويكون الجواب: بالبشاعة
فيروز: الدنيا فيها الخير وفيها الشر.. ولكن دائما يعود الخير لينتصر.. ونتمى ألا تطول علينا هذه الحرب
الصحفية: خمس عشرة سنة في مسيرتك الفنية وأثناء الحرب، هل توقف عطاؤك الفني فعلا؟
فيروز: لا.. ولكن هناك عذاب في التحضير وعذاب في كل شيء.. لأن الحياة ليست سهلة بلبنان أبدا .. ولأي شيء.. لا اتصال ولا مشوار.. لأي شيء.. كيف الأشياء الفنية.. الفنان لا يستطيع أن يشتغل في أقل من الحرب .. وأكيد في الحرب
الصحفي: أكيد..أكيد.. لماذا لم تجربي ترك لبنان؟
الضيفة الثانية: يا ويل.. إذا تركت فيروز لبنان، تنتهي الدنيا.. فيروز تغادر لبنان.. معناه نحن ننتهي…
الضيفة الأولى: كل إذاعة متناقدة مع الإذاعة الثانية.. أغانيها تطلع هنا وهناك.. تفتح هذه الإذاعة أو تلك.. صوت هنا وصوت هناك.. كلمة هنا ولحن خاص… كل الناس بلبنان مجتمعين حولها.
الضيفة الثانية: بالنسبة إليها، فيروز هي وجه لبنان البريء الطاهر.. هي التي لم تستطع الحرب أن تطاله.. فتخيل.. تخيل كيف ستكون حالتنا كارثة إذا تركت فيروز لبنان[العودة إلى مواصلة اللقاء مع فيروز وحديثه الشيق حول تجربتها الفنية ]
فيروز:لا أستطع
الصحفي: لماذا لا تستطيعين؟
فيروز : أولا ليس هناك(…) وثانيا ليس هناك شيء يجعلني أترك لبنان. الصحفي:مهما كان فيروز: [لا جواب، فقط حركة بالرأس]
الصحفي: ومهما صار؟
فيروز: صار..وما حسيت
الصحفي:يا ألله
فيروز: لأنه لن أرى الحماية .. لسنا مضطرين للعيش على هذا الخوف.. لكني لا أستطيع… يبدو هذا الخوف.. ولو بطمأنينة…لا أقدر أن أترك لبنان الصحفي: تخافين كثيرا أثناء القصف؟
فيروز: طبعا
الصحفي: ماذا تعملين؟
فيروز: يزداد سكوتي و أصلي
الصحفي: تصلين مثل كل الفقراء، ومثل كل المعطرين الذي لم يقدروا على ترك لبنان؟
فيروز :مثل كل الناس..
الصحفي:تسمحي لي.. تسمحي يا ست فيروز أن أقف أمامك وأعبر كل عن معجب وإني مذهول أمامك الآن ..اسمح لي وباسم الناس كلهم..أتابع معك المشوار غصبا،لأن الحوار لازم يكتمل ولازم الناس تتعرف على فيروز أكثر وأكثر.. ما هو الوجه الآخر رغم أني.. لا أرى وجها آخر..أنت أنت ..في الأغنية وفي المسرحية وفي الحياة أيضا.. أنا شهادتك عن كتب.. رأيت ضحكك و رأيت مرحك ورأيت كرمك.. ورأيت أدبك.. الست فيروز استمر معك إذن… بعد عاصي الرحباني وبعد حليم الرومي و بعد الرعيل الأول الذي رافقك.. من الذي يمسك بيدك الآن.. هل إبنك زياد الرحباني فعلا؟
فيروز: تقريبا.. زياد الرحباني الإسم الأكبر.. بالإضافة إلى إنتاجي الرحابني القديم الصحفي يقاطع فيروز ليطرح السؤال:
في 1975 إلياس سحاب الكاتب الصحفي المعروف والناقد الفني يقول:هل توقف الرحابنةعن العطاء؟ هل توقفوا عن الزراعة ولجأوا إلى الحصاد.. هذا الكلام في سنة 1975و نحن في سنة 1989 ونرى فيروز تتألق وتشرق ويصفق لها الملايين.. إذن مازالت جديدة وتعطي الجديد.. ما قيمة هذا الكلام الذي قيل عام 1975؟
فيروز: يبدو لي كثير.. وهذا شيء غير صحيح.. ماذا كان وقت العمل استنادا على أي شيء
الصحفي: على أساس المسرحية الأخيرة التي كانت تعرض .. ربما كانت مسرحية "ميسم.الريم" أو المحطة"
فيروز: مسرحية "بترا"
الصحفي: يمكن "بترا"
فيروز: الأعمال كانت دائما تعشق كثيرا وتتعرض للنقد ولكن مع الوقت، الأعمال بقيت، وأثبتت أنها مهمة كثيرا.. طبيعي أن كل الناس لا تحب [عملك]
الصحفي: لكن فيه كلام آخر، يقوله محمود درويش الشاعر الفلسطيني الكبير يقول: إن قيمة فيروز الحقيقية أنها استطاعت ألا تتركنا نتعود على صوتها، ومانرقب، ومانكتشف الجديد في صوتها.. لم نتعود أن نفتح الراديو..لقد تركتنا نكتشف الشيء الجديد عندها؟
فيروز: أن أتعب في شغلي كثيرا.. وهذا أهم شيء في حياتي.. لا أحب الروتين.. حتى أغاني القديمة أخذت تغنى بشكل جديد.. وهذا لا يلغي القديم.. بالعكس يعطيه صورة جديدة وحديثة
الصحفي:… هل زياد صورة طبق الأصل لأمه فيروز؟
فيروز: لا أعرف
الصحفي: أنا أرى نفس الشيء.. زياد لايحب الحكي كثيرا.. يحب الاشتغال كثيرا.. مبدع.. يحب الناس.. ما رأيك؟
فيروز: زياد يحب الناس كثيرا، لكنه يمكن يحب الإنزواء.. ليس اجتماعيا كثيرا.. لاأعرف كيف يحب الناس الفنان ؟
الصحيفة: أليست لديك فكرة؟
فيروز: كيف يحبوه؟؟
الصحفي: يحبوه مثلك تماما. أنت تعرفين نفسك؟
فيروز:كيف؟
الصحفي: مثلا الواحد يقول: أنا كريم.. أنا متواضع.. أنا درويش.. أنا بسيط.. ماذا أنت"؟؟
فيروز: لا أفكر في حالي من هذه الزاوية.. أسمع عني ولكني لا أعرف أن أعطي صورة عن حالي
الصحفي: تصدقي الصادقين؟
فيروز: نعم
الصحفي: هل أنا صادق الآن؟
فيروز: أكيد
الصحفي: أنت موافقة على الآن على أنك سيدة الغناءالعربي؟
فيروز: قلت لك لا تجعلني خجولة.. أنا رديت عليك بصدق وليس بالكلام(…) الصحفي: نرجع مرة ثانية لمسرح الصوت والضوء أمام الأهرام ونشاهد الجمهور القادم الذين ألتقيهم وأسألهم.. ناس من فلسطين وناس من مصر وناس من الأردن ومن جنسيات مختلفة عربية.. جاؤوا لمشاهدة الست فيروز.. الكل لا يعرف كيف يعبر عن حبه لك.. أي واحد تسأله عن رأيه في صوت فيروز؟ ما رأيك في فيروز؟.. تجده لا يعرف كيف يعبر عن رأيه..؟
فيروز: يمكن كتعبير تقصد…
الصحفي: ليس لأنه يفتقد التعبير، لكن يعرف التعبير، لكن أمام الحديث عن فيروز، كلهم بما فيهم محمود درويش أيضا (…).. ما هو السبب ياترى ؟
فيروز: لا أعرف
الصحفي: هذا لا يحدث مع فنانين آخرين تماما..يعني أنا ممكن أن أسأل عن أي فنان ..أسأل أي مواطن.. أي إنسان، يمكن أن يجبني وهو مرتاح إلا أنك عندما تسأل عن فيروز، تختلف الصورة .. ما السبب؟
فيروز: لا أعرف ماذا أقول لك. أحب حب الناس إلي كثيرا.. ليس لأنه حب فيه احترام وإنما أشياء كثيرة.. وهذا هو الذي يؤثر في..
الصحفي : وهذا هو الذي يدفعك إلى أن تجتهدي أكثر وتخافين أكثر…؟
فيروز: كل مرة بيحبوني أكثر يزيدون خوفي أكثر
الصحفي: أنا أتصور الست فيروز، كواحد يستمع إليك، لو أفترضنا أني جالس في فترة الظهر والدنيا شوم وحرارة كثيرة.. ولو كنت في الشتاء أيضا والدنيا باردة كثيرا.. وصوت فيروز أقبل، يتحول الزمان إلى ربيع.. والمكان إلى حديقة.. هذا هو سر تعلقنا بك.. ممكن لأنك تبدلين الزمان بزمان أحلى.. بمكان أحلى وأجمل…
فيروز: لأن الأغنية فيها كل الأماكن
الصحفي: هذا هو السبب؟
فيروز:[تكتفي بتحريك رأسها في الاتجاهات الأربع]
الصحفي:طيب.. ما هو الزمان والمكان الذي ترتاحين فيه أنت؟
فيروز: لا أعرف أين..أنا أعرف أين أكون..إنه موجود غير موجود
الصحفي: أيوا.. موجود في الحلم أحيانا؟
فيروز: أحسن أنه هنا وفي نفس الآن ليس هنا.
الصحفي: أين؟
فيروز: لا أعرف
الصحفي: لا تعرفين؟
فيروز:[ حركة رأسية للإجابة بلا]
الصحفي: الإنسان والفنان يشتغلان من أجل الحصول على ثمن وأجر. ما هو الأجر الذي تطلبينه أنت مقابل الفن والعطاء الذي تعطيه؟
فيروز: الإخلاص والصدق بـ…
الصحفي: في التلقي.. عند الناس
فيروز: نعم
الصحفي: فقط
فيروز: هذا أهم شيء..؟
الصحفي: هذا أهم شيء؟..أرجع معك على الحدود الأردنية، وأمامنا فيه رجل مسن.يقول لك: لماذا لم تأت البارحة إلى مهرجان جرش.. لماذا لم تأت هذه السنة إلى جرش؟. فقلت له: السنة القادمة. فقال لك: استدعوا فلان وفلان من الفنانين. أتذكر حركتك الحلوة جدا أنك [أنحيت] رأسك..أنت متأكدة أن هذا الموقف محترم فعلا أو لا؟.. وبعد ذلك ضحكت.. ضحكت.. ضحكت.. ضحكت…لمن تستمع فيروز من المطربين والمطربات العرب الموجودين حاليا في الساحة؟
فيروز: أسمع كثيرا وأستمع إلى كل شيء. ليس هناك أحد معين
الصحفي: لا يمكن أن نأخذ اسما
فيروز: ليس هناك اسم.. وهذه هي الحقيقة
الصحفي: تستمعين لكل شيء
فيروز: نعم
الصحفي: وتطربين للكل أو لا؟
فيروز: إذا كان هناك شيء حلو..أكيد أفرح لها وأطرب لها
ملحوظة: أرتأينا أن نستعين بالقوسين أثناء عملية تفريغ الحوار التلفزي مع المطربة اللبنانية فيروز، وذلك بسبب اللهجة اللبنانية وعدم وضوح بعض العبارات والجمل. ولذلك، سيجد القارئ أن بعض الحذف شاب هذه العملية أثناء مقارنته بالتسجيل المنشور على "اليوتوب" تحت عنوان" لقاء فريد من نوعه للسيده فيروز عام 1989..
611 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع