وثيقة تلفزيونية أم كلثوم بالمغرب..لا أغلط في الشعرلأني أحبه
نوافذ...
*الشعر حتى لو لم أحفظ بعض الكلمات فالمعنى نفسه يذكرني به
* أكثر ما أعجبني هنا هو أولا ثقافة المرأة المغربية..إنها مثقفة جدا
* كانت رغبات أهل المغرب دائما، هي أن أغني لهم "رباعيات الخيام"، لأنهم يتجاوبون مع اللغة العربية أكثر من أي شيء ثاني
*أنا لاحظت في المغرب وجود مآذن ذات شكل مربع جميل جدا
*الشعب المغربي أثارني بعواطفه، وبحسن استقباله وبكرمه وبعطفه نحو مصر بشكل لا يوصف
هذه الوثيقة التلفزيونية..
زارت كوكب الشرق أم كلثوم المغرب مرة واحدة في حياتها، وكان ذلك نهاية الخمسينيات من القرن الماضي(29 فبراير- 20مارس (1968. زيارة دامت عدة أيام قدمت خلالها ثلاث حفلات غنائية رائعة واستثنائية.
هذه الزيارة جاءت بدعوة ملكية بمناسبة احتفالات المملكة المغربية بعيد العرش الذي كان يصادف 3 مارس من كل سنة. وفي تحقيق حول هذه الزيارة، كتب أبو إلياس:
«ولا يخفى على المغاربة التقدير الكبير الذي كان يكنه الملك الحسن الثاني للسيدة أم كلثوم ولفنها ، والدليل على ذلك التوقيت الذي اختير للزيارة وهي احتفالات المغرب بعيده الوطني الذي يصادف الذكرى السابعة لجلوس الملك على العرش ثم الجهة الراعية للزيارة التي لم تكن سوى وزارة الأنباء (وزارة الإعلام حاليا) بجانب أن الملك الحسن حرص طيلة الزيارة أن يتابع بنفسه مقام أم كلثوم بالمغرب وأن يعطي تعليماته لوزيره في الأنباء أحمد السنوسي أن يسهر على راحة أم كلثوم ومرافيقها، المهم أن الزيارة اتفق على خطوطها العريضة في القاهرة وضرب الجميع موعدا يوم 29 فبراير1968 حيث كان من المنتظر أن تحل السيدة أم كلثوم وفرقتها ومرافقيها بمطار العاصمة الرباط على متن طائرة خاصة لأن الرحلات الجوية كانت غير منتظمة آنذاك بين البلدين .»
غير أن سوء الأحوال الجوية أنذاك، كان وراء تغيير مطار نزول الطائرة من مطار الرباط إلى مطار أنفا بالدار البيضاء، حيث كان في استقبالها وفد من كبار الفنانين المغاربة نذكر على رأسهم: أحمد البيضاوي، عبد القادر الراشدي، عبد الوهاب أكومي وعزيز السغروشني، حسن فهمي عبد العزيز(السفير المصري)، المهدي زنطار(سفير المغرب بالقاهرة) إضافة إلى أسماء ووجوه أخرى من عالم السياسة والفن والثقافة والإعلام.
وحول الحفلات الثلاث التي أحيتها أم كلثوم ببلادنا، أشار أبو إلياس في تحقيقه إلى أنه ثمة تنظيم « ثلاث حفلات عامة بمسرح محمد الخامس يفصل بين كل حفلتين منها ثلاثة أيام هو برنامج أم كلثوم الفني بالمغرب، أسعار تذاكر حفلات أم كلثوم كانت باهضة وفي غير متناول الفئات الضعيفة والمتوسطة،والتلفزيون المحلي أنقذ الموقف بتعاقده على نقل حفلات أم كلثوم مباشرة على الهواء . خياطة فستان الحفلة الأولى كان أشهرالترتيبات التي سبقت أول لقاء بين أم كلثوم والجمهور المغربي» .
وكان برنامج الحفلات على الشكل التالي:
الحفلة الأولى : يوم الاثنين 4 مارس الحفلة الثانية : يوم الجمعة 8 مارس الحفلة الثالثة والأخيرة : يوم الثلاثاء 12 مارس غنت أم كلثوم خلال هذه الحفلات الثلاث الأغاني التالية: الأطلال، أمل حياتي، فات الميعاد، هو صحيح الهوى غلاب. وفي ما يلي تسجيل للقاء تلفزيوني تحدثت فيه كوكب الشرق عن هذه الزيارة التي دامت عدة أيام زارت فيها مجموعة من المدن المغربية والتقت عدة شخصيات.
الصحفية: في رحلة سيادتك إلى المغرب، ثمة أشياء وملاحظات كثيرة تستحق تسجيلها.. نبتدأ أولا بأغنية "رباعية الخيام" و "هو صحيح الهوى غلاب ".. حضرتك غنيتهما في آخر السهرة…؟
أم كلثوم: لازم.. في أول حفلة أنا غنيت "أمل حياتي" و"الأطلال"، وفي ثاني حفلة غنينا "فات الميعاد" و"الأطلال" كذلك. وبعد ذلك، كانت رغبات أهل المغرب دائما، هي أن أغني لهم "رباعيات الخيام"، لأنهم يتجاوبون مع اللغة العربية أكثر من أي شيء ثاني، ثم طلبوا مني أغنية "هو صحيح الهوى غلاب"...
الصحفية: على الرغم من أن "رباعيات الخيام" لم تغنيها منذ فترة طويلة [الصحفية تصاب بارتباك في مواصلة طرح السؤال مما جعلها تتحرك أكثر وتضحك…!!].. أريد أن لسعادتك أن الأغنية محفوظة تماما، وليس هناك، لاأستطيع أن أقول، أي غلطة في الشعر أو في أي شيء الشعر مع أنها تحتوي أعلى أكثر من ثلاثين بيتا شعريا أو أكثر. حضرتك تحفظين كل هذا؟
أم كلثوم: أنا دائما، الشعر حتى لو لم أحفظ بعض الكلمات فالمعنى نفسه يذكرني به.. الحمد الله أني دائما لا أغلط في الشعر لأني أحبه.
الصحفية: هذا إخلاص تام وكبير جدا للفن.. الواحد يتذكر كل الأغاني التي غناه طول حياته الفنية العريضة. ما هو، في رأيك، الشيء الذي يجعل الفنان محافظا على حب الجمهور له وعلى علاقة الجمهور به أكبر فترة وعلى مستوى الفني العالي.
أم كلثوم: هو إخلاصه لفنه. ليس هناك أكثر من ذلك..
الصحفية: سأتكلم مرة ثانية عن استقبال الجمهور في البلدان التي زرتيها وفي الحفلات.. أعتقد أنه استقبال لم يحصل له مثيل أبدا بالنسبة لأي فنان. أريد أن أعرف ما الذي يتركه فيك هذا الإحساس؟.
أم كلثوم: يجعلني أحمد ربنا [أم كلثوم والصحفية تتبادلان الابتسامة عن الجواب ومختصره]..
الصحفية: أسأل عن رأيك في الجمهور المغربي.. هل هو سميع؟
أم كلثوم: هذا جمهور عظيم.. الموسيقى في دمه..إلى درجة وأنا أغني، كل حركة جديدة يعرفوها بسرعة عجيبة، كأنهم يحفظون عن ظهر قلب الأشياء التي تقال دائما، وعندما تتجدد أشياء صغيرة لا تذكر، يعرفونها على طول ..شعب المغرب شعب فنان بكل ما هذه الكلمة من معاني.. شعب ينفعل بالموسيقى انفعالا عجيبا جدا.. يمكن هو أكثر شعب شاهدته ينفعل بالموسيقى.
الصحفية: هل لاحظت ذلك في الحفلات الثلاث التي أحييتيها هنا؟
أم كلثوم: آه.. وبعد ذلك لاحظت مرة أخرى في حفلات الدعوات الخاصة، سواء كان العشاء أو الغذاء. كانت فرقة موسقية أندلسية تعزف التواشيح الأندلسية القديمة والابتهالات الدينية. هذه الأغاني الدينية لطيفة جدا.. ومرة كانوا يقولون: "يا رسول الله خذ بيدي" فانفعلت معهم وقمت أردد معهم ذلك: يا رسول الله خذ بيدي وأغثنا… بشكل كنت فيه منفعلة. وهذا طبعا شيء أقوله لحالة في نفسي...
الصحفية: للأسف الكاميرات لم تسجل هذا الانفعال وهذه الابتهالات التي قلتيها في هذه الحفلات
أم كلثوم:[مقاطعة الصحفية]، أنت تسجلينها الآن…
الصحفية: كنا نريد تصويرها كما قلتيها. أنت عملت جولة في بلاد المغرب. باستمرار تنتهي من الحفلات و تعودي إلى بلادك؟ لماذا عملت هذه الجولة؟
أم كلثوم: في آخر الحفلة، ذهبت إلى الفندق. زارتني الأميرة أمينة، شقيقة الملك الراحل محمد الخامس ودعتني إلى زيارتها في مكناس. طبعا لبيت دعوتها. أما مدينة فاس، فطلب مني وزير السياحة أن أقوم بجولة في فاس بعد مكناس . وشاهدت أشياء عظيمة جدا. في مكناس شاهدت الفن المعماري في قصر الملكي القديم. شيء رائع. وأظن أنك شاهدتيه..
الصحفية: عرفاه...
أم كلثوم: شيء عجيب ورائع من جميع الوجوه.. شاهدت أشياء كثيرة جدا.. الشعب المغربي أثارني.. قبل أن نصل إلى البلد بعشرين كيلومتر.. الناس تنتظرنا.. باشا المدينة والأعيان.. وفي الحقيقة هذه المقابلات أثرت في كثيرا وجعلتني لا أعرف ماذا أعمل.. جلعتني لا أعرف أن أعبر بالكلمات عن مبلغ شعوري بعواطف الناس.
الصحفية: ممكن لأنك كنت جالسة في الفندق والناس واقفون أمام الفندق لساعات.. والجو كان ممطرا.. أناس ينتظرونك لساعات..
أم كلثوم: الناس في المغرب كانوا محتفلين بكل شيء يأتي من مصر.. وأنا مصرية منها..
الصحفية: ما هو الشيء الذي أثار انتباهك في مراكش؟
أم كلثوم: هذه دعوة من صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني.. لاأستطيع أن أعبر بالكلمات عن الشكر والامتنان اللذين أحاطنا بهما إضافة إلى العناية والرعاية.. أنا وجميع الموسيقيين والمرافقين..أنتم أحسستم معنا بذلك..وقد دعانا إلى مأدبة حضرها أعضاء من بيت الملك والوزراء و زوجاتهم .والفنانين ..والموسيقيين والمرافقين.. هذه إلتفاتة كلنا نشكره عليها.. ولا نستطيع أن نقدم شكرا أكثر..
الصحفية:في المغرب زرت كثيرا من الأماكن واختلطت بأناس كثيرين.. والدعوات كانت كثيرة.. أريد أن أعرف ما هي الأشياء التي عجبتك وأحببتيها في المغرب؟
أم كلثوم: أكثر ما أعجبني هنا هو أولا ثقافة المرأة المغربية..إنها مثقفة جدا.. محافظة على العادات الجميلة اللطيفة الخاصة بهن.. في الملبس..ملبس الحشمة.. لدرجة أني في أول حفلة لي، لبست القفطان المغربي..وغنيت به.. وعجبني كثيرا..
الصحفية: كانت مفاجأة لنا ونحن قادمين من المطار إلى السهرة لمشاهدتك وأنت تلبسين القفطان المغربي..
أم كلثوم: أنا أحببت القفطان المغربي..لأنه الحشمة، ولطيف ومن الأشياء التي تحتفظ بها المرأة المغربية كعادات قديمة حلوة.. محببة للنفس والنظر وكل شيء
الصحفية: غير الملابس…؟
أم كلثوم: طريقة الأكل.. طريقة الأكل هنا لطيفة جدا.. الواحد يغسل يديه قبل أن يأكل بهما.. شيء لطيف جدا.. إنما لأكل لا يتعدى ثلاثة أصابع [الصحفية تضحك مرددة عبارة: ثلاثة أصابع وأم كلثوم تواصل شارحة لطافة الأكل بثلاثة أصابع].. إياك أن تقولي إنك ستأكلين بيدي الإثنتين.. هذاعيب. الصحفية:[تسأل والضحك لا يفارق فمها]: هل أكلت كل الوقت بثلاثة أصابع؟
أم كلثوم: أنا متعودة على ذلك.. نحن في بلادنا كنا نأكل بأيدينا.. هذا ليس شيئا غريبا عني..
الصحفية: نحن تحدثنا عن الملابس وعن الأكل. هناك شيء آخر هو اللغة..
أم كلثوم: اللغة المغربية..؟
الصحفية: آه
أم كلثوم: اللغة المغربية عربية فصيحة، لكن اللهجات هي التي تجعلها غريبة بعض الشيء.
الصحفية: مثل ماذا؟
أم كلثوم: مثلا حاجة "زينة" أو حلوة، يقولون لك عنها: مزيان. وبعد ذلك يقولون لك بخصوص "كثير".. كلمة أنت لازم عرفاها
الصحفية: عرفاها وهي: "بزاف"
أم كلثوم: "بزاف".. يعني كثير
الصحفية: كنت أسمعك تقولين للناس: لاباس على الدراري. هل هي: لاباس بالدراري أو لاباس على الدراري؟
أم كلثوم: لاباس يعني "إن شاء الله تكون بخير".. أي لا بأس عليك .. بالعربي الفصيح.. هذه هي اللهجات مثلما هو الشأن في صعيدنا المصري حيث اللهجة لا تشبه اللغة البحرية ولا تشبه لغة الشرقوة… هذه كلها لهجات مشتقة من اللغة الفصيحة.
الصحفية: ما تريدين أن تقولي للشعب المغربي والمستمعين المغاربة؟
أم كلثوم: قبل أن أقول لك ذلك، أنا لاحظت في المغرب وجود مآذن ذات شكل مربع جميل جدا..وقد شاهدت واحدة في الرباط[تقصد صومعة حسان] وأخرى في مراكش. هذا الأخيرة يعود تاريخها إلى القرن السادس[تعني صومعة الكتبية].. منظرهما جميل جدا ومختلف عن المآذن التي توجد لدينا.
ومن الحاجات الأخرى التي لفتت انتباهي هنا هو زفة العروسة.
الصحفية: زفة العروسة.. حضرتك، إيه..إيه..
أم كلثوم: كانوا يقولونها.. يقولونها في أي بيت نذهب إليه.. ويختمونها بالزغاريد.. فقلت لهم: ماهذا؟ قالول لي: زفة العروس. والزفة هي: اللهم صلي عليك يا محمد… شيء لطيف جدا.. من أروع من يكون.
الصحفية: أنا ملاحظة أنك استمتعت بالزيارة هنا..
أم كلثوم: فعلا..الشعب المغربي أثارني بعواطفه، وبحسن استقباله وبكرمه وبعطفه نحو مصر بشكل لا يوصف..والحمد الله أن الشعب العربي كله موحد.
أعده للنشر: لحسن وريغ
965 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع