"إجازة في روما" يحتفظ بجاذبيته بعد سبعة عقود من إصداره

          

اندبيندت عربية:قبل 70 عاماً، خلال الصيف القائظ سنة 1952، شوهد الوجه الجديد أودري هيبورن، والنجم الهوليوودي الشهير غريغوري بيك، يتجولان في أشهر المواقع في روما، سيراً على الأقدام أحياناً أو ركوباً على دراجة "فيسبا" النارية في أحيان أخرى. لقد شكلا ثنائياً فائق السحر عند سيرهما على السلالم الإسبانية التي تفصل بين اثنتين من أكثر الساحات الأيقونية في العاصمة الإيطالية، وكذلك خلال تجولهما في المسرح الروماني. آنذاك، رزحت المدينة تحت موجة حر شديد، لكن درجات الحرارة الحارقة لم تزعج الممثلين، أو الحشود التي تجمعت بأعداد كبيرة لرؤيتهما.

لقد أدى هيبورن وبيك دوري البطولة في الفيلم الكلاسيكي "إجازة في روما" Roman Holiday الذي أخرجه وليام ويلر عام 1953، وسيعاد إصداره في بداية السنة المقبلة للاحتفال بالذكرى السبعين لإطلاقه. يستحق بجدارة اعتباره فيلم الكوميديا الرومانسية الأكثر تأثيراً على الإطلاق. إنه محبوك بعبقرية، وبارع، ومصاغ بتأن ومع ذلك تمكن من أسر الجمهور. من الصعب تخيل صنع كل أفلام جوليا روبرتس الخفيفة التي قدمتها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، من "امرأة جميلة" Pretty Woman إلى "نوتينغ هيل" Notting Hill، من دون أن يكون هذا الفيلم مصدر إلهام لها. لقد اعتمدت هذه الأعمال أيضاً على علاقات نشأت بالمصادفة بين رجال ونساء من خلفيات متباينة كلياً.

يحكي "إجازة في روما" قصة أميرة شابة مدللة لكنها تعيسة تدعى آن (تجسدها هيبورن)، تكون في زيارة دولة إلى روما، لكنها تتملص من مهامها ليوم واحد تقضيه رفقة الصحافي الأميركي الوسيم جو (غريغوري بيك) الذي كان يسعى إلى الحصول على سبق صحافي. إنها تريد المغامرة بعيداً من عالم البروتوكولات الملكية الخانقة. يستمتعان بوقتهما معاً في روما الساحرة. ويتجولان في أرجاء المدينة جميع على دراجة نارية. ويتسكعان في المقاهي ويرقصان. ويزوران المعالم السياحية. تجرب الأميرة تدخين السجائر للمرة الأولى. وتقص شعرها. وتأكل المثلجات. وفي أشهر مشهد مثير في الفيلم، تضرب شخصاً على رأسه بآلة غيتار.

آنذاك، صنعت هوليوود أفلاماً رومانسية ضمن هذا القالب طيلة سنوات عدة. مثلاً، الفيلم الكوميدي الأخرق للمخرج فرانك كابرا "حدث ذلك ذات ليلة" It Happened One Night (1934) من بطولة كلوديت كولبير في دور سيدة مجتمع شابة غنية وكلارك غيبل في شخصية صحافي في بداياته، استند إلى تلك الفرضية نفسها تقريباً، لكن حوادثه دارت في أميركا في فترة الكساد وليس في روما بعد الحرب العالمية، لكن في بعض الجوانب الرئيسة، اختلف "إجازة في روما" تماماً عن الأعمال التي سبقته في هوليوود، إذ صور في مواقع خارجية، في الساحات والأزقة والمقاهي والشقق والمباني القديمة الجميلة في روما، وليس في مدينة مبتكرة في استوديوهات "باراماونت" بمدينة لوس أنجليس.

اختار ويلر أن يكون الفيلم بتقنية الأبيض والأسود. تمثل الهدف من ذلك بتوفير المال على ما يبدو، لكنه أعطى العمل لمسة تشبه أفلام الواقعية الجديدة التي يصنعها المخرجون الإيطاليون. دعا كاتب السيناريو الإيطالي تشيزاريه تزافاتيني زملاءه إلى الخروج إلى الشوارع، والتنقل بواسطة الحافلات العامة والترام، و"سرقة" القصص مما يسمعونه في الحياة اليومية. بطريقة ما، كان هذا ما يفعله ويلر أيضاً. لا يمكن لأحد الادعاء بأن قصة الهرب التي صاغها ويلر كأنها حكاية سندريلا تدور حوادثها بطريقة معكوسة، تشبه الأفلام الإيطالية القاتمة في ذلك العصر على غرار "لصوص الدراجات" Bicycle Thieves(1948) أو "أمبرتو دي" Umberto D (1952) للمخرج فيتوريو دي سيكا. على كل حال، استخدم ويلر مواقع التصوير ذاتها في روما لتنفيذ مشاهد فيلمه.

يعود جزء من الصدى الذي حققه الفيلم إلى السيناريو الذي كتبه في الأصل دالتون ترمبو، أحد الكتاب الذين أدرجتهم هوليوود على قائمتها السوداء في الحقبة المكارثية التي اتسمت بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة للأشخاص من دون الاهتمام بالأدلة، بسبب تعاطفه مع الشيوعيين. استرد ترمبو حقه في الاعتراف بفضله في الفيلم أخيراً بعد أن حكمت بذلك نقابة الكتاب الأميركية عام 2011.

تولى ويلر إخراج العمل حينما قرر فرانك كابرا عدم الاشتغال عليه. عزم كابرا على إسناد دور الصحافي إلى غاري غرانت والأميرة إلى إليزابيث تايلر. ربما كانت هذه الخيارات ستنجح في طريقتها الخاصة، لكن تايلر لم تكن لتقدر أبداً على مجاراة السذاجة المحمومة الواضحة في بريق عيني هيبورن. بدا ويلر مصراً على اختيار ممثلة أوروبية ويفكر في الأصل بترشيح جين سيمونز للدور. لاحقاً، صرح ويلر، "لم أكن بحاجة إلى ممثلة نجمة لدور البطولة. لقد أردت فتاة لا تمتلك لكنة أميركية للعب شخصية الأميرة، امرأة يمكن للمشاهد أن يصدق أنها نشأت على غرار نشأة الأميرات". لم تكن سيمونز لتقدر على تحقيق ذلك، لكن هيبورن، الراقصة البلجيكية الشابة الضئيلة البنية التي اقتصرت مشاركاتها حتى ذلك الحين على أدوار صغيرة في أعمال من إنتاج استوديوهات إيلينغ، استوفت الشروط المطلوبة.

وفقاً للكاتب أكسل مادسن الذي كتب السيرة الذاتية للمخرج ويلر، فقد سمح للمخرج بالتواصل معها لأنه اختار بالفعل النجم الكبير غريغوري بيك لفيلمه.

أكسب "إجازة في روما" هيبورن جائزة أوسكار. تهافت عليها المديرون التنفيذيون لمعظم شركات الإنتاج المتعثرة. وبدأت وسائل الإعلام تحتفي بها قبل وقت طويل من وصول الفيلم إلى دور السينما. اختارتها مجلة "تايم" نجمة لغلافها على رغم أنها لم تكن معروفة في أميركا، حيث علقت المجلة أن "نجمة باراماونت الجديدة تتألق وتشع كأنها ماسة مصقولة بعناية".

وبحماسة، أسهبت الصحف في وصف هيبورن المتوهجة، "الجسارة، والخيلاء، والأسف المباغت، والسعادة، والتمرد، والإرهاق، تحل محل بعضها البعض بسرعة البرق كانفعالات على وجهها". كذلك أعلنت وسائل إعلام أخرى أنها "اكتشاف العام" و"أميرة الشاشة الجديدة". كتب أحد الصحافيين أن هيبورن يمكن أن "تتسلل إلى أشرس القلوب الكارهة للنساء".

آنذاك، بذلت الجهات المتعاونة فوق طاقتها لمساعدة بطلة الفيلم الشابة المرحة على مواصلة نجاحها. وافق بيك على الظهور في الفيلم بشكل أساسي لأنه أراد إظهار الجانب الخفيف الظل في شخصيته. كان البطل الجاد قد شارك في أفلام إثارة من إخراج ألفريد هيتشكوك مثل "المسحورة" Spellbound (1945) و"قضية باراداين" The Paradine Case (1947)، إضافة إلى فيلم الويسترن الحماسي "مبارزة تحت الشمس" Duel in the Sun (1946)، لكن لم يسبق له أبداً أن أظهر روح الدعابة لديه على الشاشة كثيراً.

المفروض أن بيك كان نجم "إجازة في روما"، لكنه سرعان ما أدرك أن حضوره في الحقيقة كان ببساطة لإبراز الشخصية التي تلعبها هيبورن. وبحسب بيك، "أتذكر أنني تصورت في البداية أنني الشخصية المحورية في الفيلم حينما أخبرني ويلي ويلر أن فتاة غير معروفة، راقصة شابة من لندن، ستلعب دور الأميرة. قلت حسناً يا ويلي، أنت الشخص الأفضل للحكم على الأمر. هل شاهدتها تمثل في فيلم من قبل؟". وكذلك تذكر الشكوك التي راودته في البداية حيال هيبورن وتصميمه على ألا تطغى الممثلة الجديدة على حضوره. على كل حال، عرض عليه ويلر بضع دقائق من اختبار الأداء الذي قامت به هيبورن، فأغرم بها على الفور على غرار مخرج العمل. كشف الفيلم الوثائقي "إحياء ذكرى أودري هيبورن" Audrey Hepburn Remembered الصادر عام 1993، أن بيك اتصل بوكيل أعماله وأصر على منحها أجر نجمة أولى على قدم المساواة معه، وذلك تصرف سخي لم يكن قد سمع به من قبل بين ممثلي الصف الأول في هوليوود.

من الممكن أن يفهم المشاهد بسهولة كيف أذهلته هيبورن وأذهلت الجميع. إنها تبدو طبيعية تماماً على الشاشة. وسط الاندفاع لمدح النجمة الشابة، لم يلحظ أحد التكتيكات التي تبناها ويلر للحصول على الأداء الذي يريده منها، على غرار ما فعلته شخصية البروفسور العبقري والملحاح هنري هيغينز [ابتكر الكاتب المشهور برنارد شو تلك الشخصية في مسرحية "بجماليون" التي تحدثت عن لقاء بين أكاديمي عبقري صارم وفتاة أقل من عادية، يحاول تعليمها أداء دور أميرة، ثم يغرم بها].

طلب ويلر من المصور التسجيل المتواصل أثناء اختبار الأداء للمثلة هيبورن. بالتالي، جاء سلوك الممثلة استناداً إلى اعتقادها أن الاختبار قد انتهى، لكنه شكل السبب في إقناع رؤساء الشركة المنتجة بإسناد الدور إليها. سألت، "كيف سارت الأمور؟ هل كنت جيدة؟"، بنبرة جذابة، وعينين واسعتين بريئتين لدرجة أقنعت الجميع بأنها الخيار الصحيح من دون شك. حاول المخرج ترهيبها بشكل لطيف. وفقاً لبيك، كانت هيبورن "بارعة في كل شيء باستثناء البكاء، إذ طريفة وتتصرف بسذاجة. ترسم دائماً تعابير غريبة على وجهها وتتقافز وتلهو عابثة". من أجل تحفيز بعض المشاعر الحقيقية لديها، "استدار ويلر فجأة نحوها بغضب" وأخبرها أنها لن تتمكن على الإطلاق من أداء الدور. أتت خدعته بثمارها. وحينما صور المشهد المرة التالية "بدأت دموعها تنهمر".

بالتأكيد، يعود الفضل في نجاح "إجازة في روما" إلى عوامل تتجاوز بكثير أداء هيبورن العابث والرشيق للأميرة التي تتجول في المدينة. لم تتمكن الجماهير في المملكة المتحدة من تجنب تذكر القصص الرومانسية الأخيرة للعائلة المالكة في بلادهم. آنذاك، عاشت الأميرة مارغريت "علاقتها العاطفية المحكوم عليها بالفشل" مع المطلق بيتر تاونسيند في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. وأوحى فيلم المخرج جوليان جارولد "ليلة سعيدة في الخارج" A Good Night Out الرومانسي الكوميدي الصادر عام 2015، بأن الأميرتين مارغريت وإليزابيث عاشتا ليلة من المرح في الخارج شبيهة بـ"إجازة في روم"ا أثناء احتفالات يوم النصر في أوروبا في مايو (أيار) عام 1945، حينما غامرتا بالخروج من قصر باكنغهام للانضمام إلى الحشود.

في بعض أجزاء الفيلم، يكون تصوير ويلر لحياة الأميرة الشابة آن قاتماً بشكل يثير الدهشة. في أحد المشاهد الأولى، الذي يبدو كوميدياً في الظاهر لكنه قاتم ضمنياً، تصاب الأميرة بتوتر شديد لدرجة أنها تبدأ بالصراخ فجأة بسبب التزاماتها الملكية التي لا تنتهي.

تقول مساعدتها الصارمة (الممثلة مارغريت رولينغز) مستعرضة جدول الاجتماعات، "عند الساعة 10.55 لدينا موعد في بيت اللقطاء الجديد للأيتام. ستترأسين وضع حجر الأساس، وتلقين نفس الخطاب الذي ألقيته الشهر الماضي". تصاب الأميرة بارتباك شديد لدرجة أن المساعدة تستدعي الطبيب (الممثل هاينز هيندريش) لتهدئتها. يعطيها على الفور حقنة مهدئة. ويتمتم فيما يغرز الإبرة في ذراعها، "هذا سيريحك ويجعلك تشعرين بالسعادة نوعاً ما. إنه عقار جديد، غير مضر إلى حد بعيد".

في مشاهده المبكرة هذه، يمكن ملاحظة الشبه بين "إجازة في روما" والفيلم الدرامي الجديد "كورساج" Corsage الذي تؤدي فيه الممثلة فيكي كريبس دور إليزابيث، المعروفة أيضاً بـ"سيسي"، إمبراطورة نمسوية في القرن التاسع عشر. "سيسي" أكبر سناً من الأميرة التي تجسدها هيبورن، لكنها تواجه التدقيق المستمر نفسه الذي تمارسه الحاشية والسياسيون والجمهور، إذ تحب تدخين السجائر وركوب الخيل والمغامرات العاطفية، لكنها لا تتمتع بحرية حقيقية. قبل وقت قريب، تحدثت كريبس عن تلك الشخصية معتبرة "إنها تمتلك كل شيء ولا شيء، إنها لا تعرف من هي". إنها ملاحظة تنطبق كذلك على الأميرة آن.

في سياق متصل، يعتقد صديق جو ومساعده، المصور الصحافي (الممثل أيدي ألبرت)، بأنه "من الطبيعي أن تكون مستهدفة، إذ يكون ذلك هو الحال دائماً مع الأميرات"، حينما يحاول تبرير التقاطه صوراً سرية للأميرة آن من أجل الضربة الصحافية التي يأمل الثنائي في بيعها مقابل 5 آلاف دولار. بالطبع، لا يوافق جو على المضي قدماً في الخطة.

تعمد المخرج أن تكون خاتمة إجازة في روما كئيبة. لا يقدم ويلر للجمهور النهاية المتوقعة لفيلم كوميديا رومانسي. جعل الأميرة والصحافي يقفان متقابلين مرة أخرى على حافتي فجوة كبيرة. لا سبيل لصمود علاقتهما العابرة. ومع ذلك، تظل الصبغة الجذلى للفيلم مسيطرة على المشاهدين إلى حد بعيد لدرجة أنهم لا يلاحظون فعلاً مدى بؤس جو أثناء ابتعاده وحيداً في نهاية الفيلم، مدركاً أنه لن يتمكن أبداً من استرداد تلك البهجة التي جلبتها الأميرة لفترة وجيزة من حياته.

https://www.youtube.com/watch?v=ELb4S8P3q20

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1396 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع