اذاعة العراق الحر/نبيل الحيدري:تصعب إدارة الحوار مع الفنان حمودي الحارثي أو عبوسي، فهذا الرجل ذو الذاكرة التصويرية الوقادة يمتعك بسيل من أحداث وأسماء وشخصيات ومواقف أجد من الوجوب توثيقها لأنها استكمال لملامح للمجتمع العراقي وثقافته وفنونه في الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية.
يبدأ الحديث باستعادة ملامح حياة وتفاعل من تاريخ مناطق عريقة في كرخ بغداد مثل الشوّاكة والكريمات وباب السيف خلال الاربعينيات والخمسينيات ليطلعنا الحارثي على طبيعة النسيج المجتمعي الذي عرفت به تلك البيئة وعناصر التطلع للفنون والمعرفة لدى أبناء ذلك الجيل. والتي تركت الأثر الكبير في شخصية الطفل حمودي، الذي تعلم النجارة مبكرا على يد أخيه الذي ورث المهنة عن أبيه المحترف الملقب بـ"نجار الأئمة" حينها لصنعه العديد من أبواب وشبابيك للأضرحة، في الكاظمية وسامراء وكربلاء والروضة القادرية وساهم أيضا في بناء ضريح النبي حسقيال في الحلة.
نحات وممثلٌ ومخرج
دخل حمودي الحارثي معهد الفنون الجميلة قسم النحت والرسم، ليتركه بعد حين الى التمثيل والإخراج من عام 1958 ولغاية عام 1961، وقد درس الفن والإخراج السينمائي لمدة عامين في فرنسا (1964-1965)،
وواصل بعدها دراسة الفن والتمثيل السينمائي، بالتواصل مع عمله في التلفزيون والإذاعة العراقية، مُخرجاً وممثلا لغاية تركه العراق في أواسط تسعينيات القرن العشرين الى هولندا حيث يقيم حاليا، وبرغم ذلك فهو لم ينقطع عن النشاط الفني والاجتماعي وإقامة معارض فنية لأعماله النحتية وحضور لقاءات موسعة مع العراقيين في عدة بلدان.
يرسم الحارثي خلال الحوار خارطة لنشاطات فنية ثقافية متنوعة شهدتها بغداد في تلك السنوات ويروي قصة التلفزيون الذي عرفه البغداديون لأول مرة خلال عرضه في المعرض الزراعي الصناعي البريطاني حيث قدمته شركة باي، ومن ثم انتقل الى بنكلة التلفزيون في الصالحية ليطلق أول بث تلفزيوني عراقي عام 1956 ليكون اول تلفزيون عربي.
يتطرق الحوار الى دور شركة نفط العراق IPCفي تدريب وتطوير قدرات فنية عراقية في مجال الإذاعة والتلفزيون والسينما، ليكون بعضهم فيما بعد من نجوم الفن، أمثال محمد شكري جميل، وفكتور حداد، وكاظم العطري، وغيرهم،ولا يمكن التغاضي عن الدور الثقافي والفني والصحفي الذي قدمته شخصيات مؤثرة عملت في قسم الثقافة والأعلام بشركة نفط العراق ومنهم جبرا إبراهيم جبر، المبدع والمتعدد الاهتمام والتخصص في الادب والفن والثقافة.
حجي راضي نسخة من الكرد الفيلية
لا يكتمل الحوار مع حمودي الحارثي دون التوقف عند شخصيتي حجي راضي وعبوسي"اللتان امتعتا ملايين العراقيين وما زالتا منذ ظهرا في مسلسل (تحت موس الحلاق) الذي بدأ بكتابته البصري مطلع الستينيات،
ليكشف لنا الحارثي ان الشخصيتين تقتربان كثيرا من شخصيات تشارلي شابلن التي لعبها في العديد من افلامه، فهي شخصيات واقعية جدا بثوب كوميدي وتلامس الواقع بتلقائية.
ويتوقف عبوسي عند علاقته بصديقه ورفيقه الفنان سليم البصري، الذي امتاز بتجسيد شخصيات طغى عليها الطابع البغدادي بسبب تلقائيته المدهشة وحركاته، وحديثه الذي لا يخلو من بعض الكلمات الساخرة والجُمل التي وجدت لدى الجمهور وقعا كبيرا، وقربا حميماً توّجتها شخصية حجي راضي التي اقترنت بالصبي المشاكس والهازل عبوسي. في مسلسل (تحت موسى الحلاق) الذي كتبه البصري عام 1961.
يكشف الفنان حمودي الحارثي عن اعماق شخصية حجي راضي التي اقتنصها البصري من مجتمع الكرد الفيلية العريق في بغداد، وتميز كبارُهم بارتداء الصاية والجراوية الصفراء التي اعتمرها حجي راضي في مسلسله، مستنسخا شخصية والده، الذي كان يعمل في الشورجة، ويطلعنا الحارثي خلال الحوار على تفاصيل أخرى عن مجتمع الكرد الفيلية ومساهمة العديد من ابنائه في الحياة الفنية والثقافية والأكاديمية والاقتصادية العراقية بالعديد من الوجوه والشخصيات التي يرد ذكرها في الملف الصوتي ادناه.
765 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع