بقلم بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... الخامسة والخمسين
قصة مسجد الملك والمرأة العجوز.
حدثتنا جدتي في هذه الليلة قائلة:طبعا تستغربون، إذا سألتكم ماذا يعني حرفان ( س خ ) ؟ جميع الملتفين حولها هزوا رؤوسهم بالنفي، ومنهم من طقطق بفمه أي يقصد لا يعرف ماذا تعني هذه الحروف .
ثم تكمل جدتي حكاية تقول: في قرية بعيدة كان هناك رجلان لا يجدان عملا، وكانت قريتهما مشهورة بالفلاحين الذين يملكون الخراف، في يوم من الايام قرر هذان الرجلان سرقة الخراف ليلا دون ان يراهما احد، بدأ اصحاب الخراف بالتساؤل، لأن عدد الخراف بدأ ينقص يوما عن يوم، عقد الفلاحون في القرية اجتماعا قرروا فيه ان يبقوا مستيقظين في ليلة معينة ليراقبوا شوارع المدينة،وفعلا بدءوا بتنفيذ مراقبة الشوارع وفجأة !
ظهر رجلان متلثمان وسرقوا الخروف الاول، وما ان أدارا ظهرهما اذ الفلاحين امسكوا بهما ،فكان العقاب ان يحموا سيخين على النار ، الاول مكتوب عليه حرف (س) ،والثاني مكتوب عليه حرف (خ )، يطبع على جبينهما ، والمقصود
حرف (س) يعني سارق وحرف (خ) يعني خروف، فكان هذان الرجلان اينما ذهبا يعرفهم الناس بسارقي الخراف.
الاول لم يحتمل الوضع والإهانة في قريته فقرر الذهاب لقرية اخرى لا يعرفه احد فيها، اما الثاني فقرر البقاء في قريته ونوى في نفسه تغيير حاله للأفضل، فأصبح يساعد الكبير ويعطف على الصغير ويقوم بأعمال خيرية لا تعد ولا تحصى حتى احبه الجميع، وبقي على هذا الحال الى ان كبر وشاخ.
وفي يوم من الايام كان هذا العجوز المطبوع على جبينه( س خ )، جالس في قهوة القرية والكل يحترمه يسلم عليه ويثني عليه،كان هناك رجل غريب عن القرية، فأثار حال الرجل العجوز فضوله، فقام وذهب لصاحب المقهى وسأله : ما بال هذا العجوز الكل يسلم عليه ويثني عليه ؟ وما هذا المطبوع على جبينه ؟
قال صاحب المقهى: هذه قصة قديمة ،ولكن أظن ان هذان الحرفين ( س خ ) تعني (ساعي خير). فكم واحد يستحق ان تطبع عليه الحرفان.؟
اما حكايتنا لهذه الليلة : يحكى انه في زمن بعيد ،كان هناك ملكاً من الملوك أراد ان يبني في مملكته مسجداً، وأمر أن لا يشارك في بنائه أى حد لا بالمال ولا بغيره قصده أي مساعدة ،حيث أراد الملك أن يكون هذا المسجد بالكامل من ماله هو فقط دون مساعدة من أحد، وقد حذر جميع الناس في مملكته من المساعدة المادية او غيرها في بناء هذا المسجد، مرت الايام سريعاً وبالفعل تم بناء هذا المسجد وأصبح اكبر وأجمل المساجد في المملكة ووضع عليه اسم الملك.
وفي ليلة من الليالي رأى هذا الملك في منامه رؤيا عجيبة، حيث رأى ملكاً ينزل من السماء ويمسح أسم هذا الملك عن المسجد ويضع بدلاً منه أسم امرأة، استيقظ الملك من نومه مفزوعاً وأرسل جنوده حتى ينظروا إلى المسجد ويتأكدوا من أن اسم الملك مازال عليه، فذهب الجنود ورجعوا أخبروه ان أسمه لا يزال مكتوباً عليه كما تركوه تماماً، فأخبرهم بما رأى فقالوا له : لا تقلق يا مولانا فهذه أضغاث أحلام.
مر هذا اليوم وفي الليلة التالية نام الملك، رأى نفس الرؤيا من جديد، ومرة اخرى نزل الملك من السماء، ومسح اسم الملك عن على باب المسجد وكتب بدلاً منه اسم امرأة عليه، في الصباح استيقظ الملك مفزوعاً ايضاً وأرسل جنوده من جديد ليتأكدوا ان اسمه مازال موجوداً على المسجد ولم يتغير، فذهب الجنود ورجعوا ليخبروه أن اسمه لا يزال موجودا على المسجد وليس هناك أي مشكلة او شيء غريب.
اشتد غضب الملك وحيرته وعندما جاءت الليلة الثالثة نام الملك وتكررت معه نفس الرؤيا من جديد، فقام الملك من نومه وكان قد حفظ اسم المرأة التي يكتبه الملك على المسجد، فذهب الى جنوده وأعطى لهم اسم المرأة وأمرهم ان يحضروا له هذه المرأة بأي طريقة، ذهب الجنود يبحثون عن المرأة فوجودها امرأة عجوز فقيرة، فأحضرها الجنود على الفور الى قصر الملك، وقفت المرأة العجوز امام الملك ترتعش من الخوف والتوتر وهي لا تدري لماذا يريدها ولماذا دعاها إلى قصره، قال لها الملك : هل ساعدت في بناء المسجد الذي بنيته ؟ فقالت المرأة في خضوع : لا يا مولاي، فأنا امرأة عجوز فقيرة وقد سمعت تحذيرك أن لا يساعد احد في بناء هذا المسجد، فلا يمكنني قط ان اعصي اوامرك. فقال لها الملك : أسالك بالله اخبريني ماذا صنعت في بناء هذا المسجد ؟ فقالت له : والله ما فعلت أي شيء في بناء هذا المسجد، وفكرت قليلاً ثم قالت في تردد : إلا ، ولم تكمل حديثها، فسألها الملك في لهفه : إلا ماذا ؟ فقالت العجوز : إلا أنني مررت ذات يوم بالقرب من المسجد فرأيت احد الدواب التي تحمل الاخشاب والأدوات الخاصة ببناء المسجد مربوط بحبل إلى وتد في الارض وكان بالقرب منه قدر به ماء وكان الحيوان لا يستطيع الوصول الى هذا القدر حتى يشرب، بسبب الحبل المربوط ، وكان يبدو عليه ان العطش قد بلغ منه مبلغ شديد، فقربت له هذا القدر وسقيته فشرب حتى شبع، والله هذا كل ما صنعت ولم أعمل غير ذلك.
نظر الملك إلى الارض في خجل وقد فهم ما حدث قائلاً : فعلت هذا لوجه الله تقبل منك الله عملك، أما انا ففعلت ليقال هذا مسجد الملك ويكتب عليه أسمي فلم يقبل الله مني، انتهى الملك من حديثه وأمر جنوده أن يكتبوا اسم المرأة العجوز على المسجد بدلاً منه.
أما الحكمة من القصة :
لا تحتقر شيء من الأعمال فما تدري ما هو العمل الذي قد يكون فيه دخولك الجنات أو نجاتك من النيران.
2198 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع